مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

الأجوبة الصغرى لعبد القادر الفاسي

برع علماء المالكية منذ العهود الأولى لنشر المذهب المالكي بالغرب الإسلامي في مجال الإفتاء ومعالجة النوازل التي تقع للناس في حياتهم اليومية، وضمن هذا الصنف من التأليف يندرج كتاب الأجوبة الصغرى للفقيه المحدث الواعية الشيخ عبد القادر بن علي بن يوسف الفاسي (تـ1091هـ)، وهو من الآثار العلمية التي تحتوي على نوازل وفتاوى تعكس واقع الحياة الاجتماعية للناس سواء تعلق  الأمر بأحكام العبادات أو بالأمور المعيشية والمعاملات اليومية.

ويأتي تأليف هذا الكتاب استجابةً منه لطلب وجه إليه في الموضوع، كما صرح بذلك في مقدمته بقوله: «… فإنه قد اتصل بنا من قبلكم مكتوب يشتمل على نوزال زعمتم أنه التبس عليكم حكمها، ومسائل اشتبه عليكم فهمها … وعينتموني لرد الجواب وكلفتموني أن أكتب لكم ما يكون كفيلاً بالبيان…».

ويظهر لمتصفح كتاب الأجوبة الصغرى دقة المنهج الذي سار عليه المؤلف من خلال معالجته لموضوعاته المختلفة الـمتعلقة بالدين والدنيا من فقه النوازل والأحكام على ضوء مذهب الإمام مالك، فبعد المقدمة، يشرع المؤلف رحمه الله في عرض كل مسألة على حِدَة، ثم يجيب عنها حسبمـا استنبطه من أحكام وحلول للمسألة، مستنداً فيما يقول به إلى الكتاب والسنة النبوية وفتاوى الصحابة وإجماع السلف بعدهم، كما يستشهد أيضاً بأقوال الفقهاء المالكية كابن القاسم وأصبغ بن الفرج وسحنون وغيرهم، ونجده أيضاً يستدل بأقوال فقهاء المذاهب الأخرى كالشافعية والأحناف والحنابلة.

ومن دقة منهجه رحمه الله عكوفه على دراسة الآراء وتحقيقها قصد الوقوف على الأقوال الصحيحة، واختيار الراجح منها، ويراعي في ذلك روح الشريعة الإسلامية الداعية إلى اليسر ورفع الحرج، ناسجاً ذلك كله بأسلوب سهل يفهمه المتعلم والعالم، مع تتبع كل مشكل وغامض بالحل والتبيين، والتبسيط في حل معضلات المسائل وشرح مشكلاتها بما يصيرها سهلة الفهم.

ومما يجلي قيمة الكتاب ويرفع من شأوه اعتماد صاحبه على مصادر مهمة ومتنوعة، اختلفت درجة الاقتباس والنقل عنها من مصدرٍ لآخر، فكان اعتماده بالدرجة الأولى على الموطأ والمدونة، ثم على كتب النوازل كالمعيار للونشريسي والفتاوى للبُرْزُلِي وغيرهما، ونقل أيضاً من مواهب الجليل للحطاب والتاج والإكليل للمواق، ونجده في مواطن كثيرة يورد الأقوال دون ذكر اسم المصدر مع الاكتفاء بذكر صاحبها فقط كقوله: «قال ابن عبد البر» أو «قال ابن عرفة»…، ونهل أيضاً من كتب فقهاء المذاهب الأخرى حيث استدل في مواطن كثيرة بأقوال أبي الحسن الماوردي، وابن حجر الهيثمي، وابن الجوزي، وابن أبي داود، وابن جرير الطبري، والطحاوي … وآخرون.

ونال كتاب الأجوبة الصغرى مكانة متميزة عند كثير من الفقهاء والنوازليين الذين جاؤوا بعده، إذ حرصوا على النقل عنه واعتماده في تآليفهم، فممن أخذ عنه الشيخ محمد بن أحمد الدسوقي (ت1230هـ) في حاشيته على الشرح الكبير، والشيخ محمد بن أحمد عليش (ت1299هـ) في كتابه «فتح العلي الملك في الفتوى على مذهب الإمام مالك» وفي كتابه «منح الجليل شرح مختصر خليل» وغيرهم ممن له عناية بهذا الشأن.

طُبع الكتاب بتحقيق الدكتور محمد علي بن أحمد الإبراهيمي، ضمن منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى: 1428هـ/2007م.

الكتاب الأجوبة الصغرى.
المؤلف أبو السعود عبد القادر بن علي بن يوسف الفاسي (ت1091هـ).
مصادر ترجمته خلاصة الاثر (2/ 444 – 451)، صفوة من انتشر (310-314)، نشر المثاني (2/270-279)، اليواقيت الثمينة (154-156)، سلوة الأنفاس (1/351-357)، فهرس الفهارس (2/ 763-771)، الأعلام للزركلي (4/41).
الطبع الطبعة الأولى: 1428هـ/2007م – دار أبي رقراق للطباعة والنشر.
دار النشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب.
الثناء على المؤلف قال فيها صاحب الصفوة: «…وهي من الفتاوى التي يعتمد عليها علماء الوقت… ».

إنجاز: ذ. محمد فوزار

Science

الدكتور محمد فوزار

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء الرباط

منسق مصلحة الطبع والنشر وتنظيم المعارض بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق