مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأخبار

ارتباط التصوف المغربي بالجنيد

إسماعيل راضي                                                                                                                               مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة


ارتبط اسم المغرب على مدى التاريخ بثوابته الأصيلة (عقيدة، ومذهبا، وسلوكا)؛ وهي الثوابت التي عناها فقيه القرويين ابن عاشر (990-1040هـ)، في المرشد المعين بقوله:

في «عقد الأشعري» و«فقه مالك»       وفي «طريقة الجــنـيــد الســـالك»

فلماذا الجنيد بالذات ؟

من المعلوم بأن علم التصوف قد تبلور عند رجالاته في منهجين:

– منهج رمزوا له ب “الإمام الجنيد” (ت 297هـ) وهو الذي عُرفت مدرسته بمدرسة السلوك والرقائق والأخلاق، وهذا المنحى هو الذي اختاره المغاربة في ممارستهم للتصوف (المنحى الأخلاقي السني)، وقد جاء في معلمة المغرب بأن “مراعاة الشعور السني العام في المغرب كان واقعا مُتأصلا”.[1]

– ومنهج رمزوا له ب “البسطامي”، وهو الذي عُرفت مدرسته بالتجريد والشطح والإغراق، والتحدث في الحقائق، التي لا تُدركها العقول. هذه الأخيرة ركزت على ما تُثمره التجربة من فتوحات وعلوم وهبية، في حين ركزت الأولى على تبليغ التجربة لعامة الناس من خلال القيم ومكارم الأخلاق.

وقد كان الجنيد رحمه الله يرى مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وبأن الجواب يكون على قدر السائل لا على قدر المسائل، وكان يقول: “إن للعلم ثمنا فلا تعطوه حتى تأخذوا ثمنه، قيل له: وما ثمنه؟ قال: “وضعه عند من يُحسن حمله ولا يضيعه”.[2] وقد بوب البخاري أحد أبواب صحيحه لهذا المعنى فقال: “باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهمون”.[3] ومنه قول علي رضي الله عنه: “حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكَذَّب الله ورسوله”،[4] وقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة”.[5]

سيراً على هذا النهج، وعَملاً بقاعدة سدّ الذرائع، فقد اختار المغاربة في ممارستهم للتصوف المنحى السني الأخلاقي، والذي يُرمز له بالإمام الجُنيد. ومن ثم ظلت غاية التصوف الأولى بالمغرب هي التحلي بالأخلاق المحمدية حرصا منهم على التسنن الأكمل، قولا وفعلا وحالا، بسيرة سيد المرسلين عليه أزكى الصلاة والتسليم… حتى قالوا: “التصوف خُلُق، فمن زاد عليك في الخُلق، فقد زاد عليك في الصفاء”،[6] وقال الجنيد: “التصوف اجتناب كل خلق دني، واستعمال كل خُلق سني، وأن تعمل لله، ثم لا ترى أنك عملت”.[7]

فالتصوف الإسلامي بمفهوم الجنيد إذاً هو الالتزام التام بالشريعة الإسلامية من أجل الوصول إلى مقام الإحسان الذي هو لب الإيمان وروحه وكماله. وقد رُمز إلى هذا المنحى بشخصية الإمام الجنيد لعدة اعتبارات نُلخصها في ما يلي:

– إجماع العلماء على تقدُّم الجنيد في علمي الشريعة والحقيقة، لذلك سُمي بسيد الطائفتين.

– أنه صاحب مدرسة صوفية انخرط في سلكها جمهور العلماء والناس على اختلاف مراتبهم.

– أن التصوف الذي يدعو إليه هو التصوف الأخلاقي الذوقي، ونبذ الإغراق والتحدث في الحقائق، التي لا تُدركها العقول.

 

 


[1]– معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، د.ط، 1415ھ/1995م، 7/2392.

[2]– الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار، عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري الشافعي المصري المعروف بالشعراني (ت973ھ)، ضبطه وصححه: عبد الغني محمد علي الفاسي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1427ھ/2006م، ص: 124.

[3]– صحيح البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري الجعفي (194-256ھ)، دار الحديث، القاهرة، د.ط، 1425ھ/2004م، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهمون، رقم 126.

[4]– المصدر السابق.

[5]–  صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206-261ھ)، وقف على طبعه وتحقيق نصوصه وتصحيحه وترقيمه وعد كتبه وأبوابه وأحاديثه وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية ودار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، د.ط، د.ت، (المقدمة)، ص: 11.

[6]– الرسالة القشيرية في علم التصوف، عبد الكريم بن هوازن القشيري (465ھ)، تحقيق: معروف مصطفى زريق، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، د.ط، 1426ھ/2005م، ص: 281.

[7]– اللمع، أبو نصر السراج الطوسي (ت378هـ)، تحقيق: عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور، مكتبة الثقافة الدينية، مصر، د.ط، 1423هـ/2002م، ص: 296.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق