مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكيغير مصنف

اختصار المدونة والمختلطة

اختصار المدونة والمختلطة

لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني (ت386ﻫ)

   لقد اهتم فقهاء المالكية بالمدونة الكبرى اهتماما كبيرا، واعتنوا بها عناية فائقة، فرجحوها على سائر المدونات والمصنفات، خاصة المغاربة منهم؛ ولذلك كثرت الشروح والتعاليق عليها، كما كثرت المختصرات لها، والتنبيهات عليها.

   ومن مختصرات «المدونة الكبرى» التي ذاع صيتها، وانتشر خبرها، وسار بذكرها الركبان، «مختصر ابن أبي زيد القيرواني».

   ويعد هذا «الاختصار» من أشهر اختصارات المدونة الكبرى وأنفعها؛ ولذلك حظي بعناية خاصة عند الفقهاء، لا سيما فقهاء المغرب؛ إذ كان بالإضافة إلى كتاب «النوادر والزيادات» للمؤلف نفسه، مدار الدرس الفقهي بالقيروان وعليهما المعول، قبل ظهور التهذيب للبراذعي، قال عياض: «له كتاب النوادر والزيادات على المدونة مشهور أزيد من مائة جزء، وكتاب مختصر المدونة مشهور وعلى كتابيه هذين المعول بالمغرب في التفقه»[ترتيب المدارك (6/217)، الديباج (ص: 223) (271)، شجرة النور (ص: 96) (227)].

    ووصفه أبو عبد الله ابن مجاهد الطائي (ت370ﻫ) في استجازته إياه من ابن أبي زيد بقوله: «وقد وقع إلينا من تصنيفه – أيده الله – قطع من المختصر، وجدناه قد أحسن في نظمه، وألطف في جمع معانيه، وكشف ما كانت النفوس تتوق إليه، وكفى مؤونة الرحلة، وطلب المصنفات، بالكلام السهل، والمعاني البينة، التي تدل على حسن العناية، وكثرة المعرفة، والحرص على منافع الراغبين في العلم، والمتعلقين به، فأحسن الله أيها الشيخ جزاءك، وأجزل ثوابك»[رسائل ونصوص ملحقة بالجزءين الثاني والثالث من كتاب الذب عن مذهب مالك لابن أبي زيد القيرواني”، تحقيق: ذ. العلمي، مقال بمجلة مرآة التراث، (العدد: 3)، ربيع الأول سنة 1435ﻫ/ يناير 2014م، (ص: 129)].

   ومما يبين حظوة هذا المختصر عند الفقهاء، وكبير عنايتهم به، واعتمادهم عليه، الجهود التي بذلوها في  خدمته، اختصارا، وشرحا، وتعليقا.

ومن أبرز تلك الجهود ما يلي:

1ـ الممهد في شرح مختصر أبي محمد، للقاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي   (ت422ﻫ) [وهو مخطوط بالمكتبة الأزهرية في مجلد واحد].

    2ـ اختصار مختصر ابن أبي زيد على المدونة، لأحمد بن أبي جعفر الزهري الأشيري (ت435ﻫ) [الصلة (1/96)].

   3ـ زوائد مختصر ابن أبي زيد لمحمد بن الفرج بن الطلاء مولى ابن الطلاع (ت497ﻫ) [شجرة النور (ص: 123) (354)].

4ـ مختصر ابن أبي زيد على الولاء لمحمد بن الفرج بن الطلاء مولى ابن الطلاع (ت497ﻫ) [ترتيب المدارك: (8/ 181)].

5ـ شرح مختصر ابن أبي زيد على المدونة، لعبد الله بن إسماعيل أبي محمد الإشبيلي (ت497ﻫ) [صلة الصلة لابن الزبير: (3/91) (134)].

منهج الكتاب ومضمونه:

   قد استهل المؤلف خطبة كتابه، بعد الحمدلة، بالإشارة إلى فضل سلف هذه الأمة، ووجوب الاقتداء بهم واقتفاء أثرهم، لاسيما من تبوأ منهم دار الهجرة، وشاهد نزول الوحي، ففهم أسرار التنزيل، وصحب النبي صلى الله عليه في حله وترحاله، فوعى عنه ما شرع من الدين، ثم من جاء بعدهم فاستن بسنتهم واهتدى بهديهم، ولزم دربهم، والسير على نهجهم، فهؤلاء هم أولى بالإتباع وأجدر بالاقتداء من غيرهم.

 ثم عرج ابن أبي زيد على منهجه في المختصر، محددا معالمه في العناصر الآتية:

ـ اختصرتها كتابا كتابا، وبابا بابا.

ـ وربما قدمت فرعا إلى أصله وأخرت شكلا إلى شكله.

ـ وإذا التقت في المعنى مواضع كلها شبيهة به ألحقتها بأقربها شبها، ونبهت على موضعه في بقيتها، وربما آثرت تكرار ذلك تماما للمعنى الذي جرى ذلك فيه منها.

ـ وقد حذفت السؤال وإسناد ما ذكرت من الآثار، وكثيرا من الحجاج والتكرار.

ـ واستوعبت المسائل باختصار اللفظ في طلب المعنى بمبلغ العلم والطاقة.

ـ وجعلت مساق اللفظ لعبد الرحمن بن القاسم، وإن كان كله قول مالك فعندما سمعت منه، ومنه ما قاسه على أصوله، إلا ما بين أنه خالفه فيه، واختاره من أحد قوليه.

ـ وقد أجريت ذكر مالك وغيره من أصحابه فيما لا غنى به عن ذلك فيه مما هو في المدونة.

ـ وربما ذكرت يسيرا من غيرها مما لا يستغني الكتاب عنه؛ من بيان مجمل، أو شرح مشكل، أو اختلاف اختاره سحنون أو غيره من الأئمة، واعلم عليه.

 ـ وأشبعت الزيادات في اختصار الجراح والديات من «المجموعة» وغيرها من الأمهات.

   ـ واختصرت من غيرها كتاب الفرائض، وكتاب الجامع؛ إذ ليسا في المدونة، وإذ لا غنى بكتابنا عنهما ليستوعب الناظر فيه ما عسى أن يحتاج إليه، وليستغني به من اقتصر عليه.

ـ وكلما ابتدأت به في أوائل الفصول والأبواب من ذكر أصل؛ من سنة، أو كتاب، أو أقاويل سلف، أو حجة قياس، فأكثره من غيرها، وأقله منها.

ـ ورأيت أن التلويح بذكر الأصول المجملة عون في فهم فروعها المشكلة.

ـ وقد بذلت الجهد في تقليل الكثير، وتقريب البعيد عن المعنى الجلي والخفي، وجمع ما افترق من المعاني المشكلة، غير متعمد لزلة، ولا متبرئ من غفلة، ولا راغب عن نصيحة من أنصف لله من نفسه في نفاذ رؤيته وصحة طويته.

ـ ورأيت أن أذكر لك من بعض ما روي من الآثار في فضل العلم، وفضل طلابه، وثوابه، وآدابه، وأحوال أئمته، وغير ذلك مما عسى أن يعود بالنفع عليك، ورأيت أن ذلك أفضل ما أُسديه إليك.

ـ وذكرت متن الحديث دون الإسناد رغبة في التقليل والاقتصاد.

[اختصار المدونة والمختلطة لابن أبي زيد (1/11-12)].

   أما مضامين هذا المختصر، فقد صدرها بـ«جامع في فضيلة العلم وأهله وثوابه وآدابه وفريضة القيام به»، ثم أردفه بمسائل المدونة، مهذبة معنونة، ومرتبة على الأبواب والكتب الفقهية المعهودة، افتتحها بـ: «كتاب الطهارة»، وختمها ب: «باب في الهجرة والمغازي والتاريخ».

         ويجدر التنويه في هذا السياق إلى أن ابن أبي زيد قد أضاف في هذا المختصر كتاب الفرائض وكتاب الجامع من غير المدونة، وقد صرح بذلك في المقدمة حين قال: «واختصرت من غيرها كتاب الفرائض وكتاب الجامع، إذ ليستا في المدونة، وإذ لا غنى بكتابنا عنهما، ليستوعب الناظر فيه ما عسى أن يحتاج إليه، وليستغني به من اقتصر عليه» [اختصار المدونة والمختلطة لابن أبي زيد (1/11-12)].

   وقد صدَر هذا الكتاب عن مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، في طبعته الأولى، عام (1434ﻫ /2013)، باعتناء المركز نفسه، في أربعة أجزاء.

 بقلم الباحث: فؤاد القطاري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق