الرابطة المحمدية للعلماء

اتجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث

د.أحمد الطيب: “التجديد والإسلام وجهان لعملة واحدة؛ إذا جمد التجديد جمد الإسلام..” !!

جرت فعاليات المؤتمر الدولي حول “اتجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث” بمكتبة الإسكندرية ما بين 19 و21 من الشهر الماضي بمشاركة مفكرين وباحثين من مختلف أنحاء العالمين العربي والإسلامي.

ومن أهم القضايا التي تناولها المؤتمر؛ المرجعية لدى رواد الإصلاح، الإسلام والمجال العام، التجديد وإشكاليات التمدن، التجديد وقضايا الحرية والمسؤولية، مستويات الخطاب الإحيائي…

ومن أهم المداخلات التي قدمت في هذا المؤتمر وأثارت نقاشا هاما؛ مداخلة الأستاذ عاصم حفني الباحث الزائر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة ماربورغ بألمانيا، تحت عنوان “الحرية في الإسلام: الردة بين حرية العقيدة والخروج على الجماعة”. دافع فيها عن كون “الإسلام لا يعارض حرية العقيدة، بل يحث عليها ويعتبرها أحد مبادئه الرئيسية..”
مؤكدا أن “حرية العقيدة حرية الإنسان في أن يدين بأي دين وأن يبدّل دينه أياً كان وفي أي وقت، طالما أن ذلك كان نابعاً من قناعة شخصية، وغير مرتبط بأهداف سياسية من شأنها تهديد السلام الاجتماعي.” ومبرزا أن “عقوبة قتل المرتد عقوبة سياسية بحتة ليست لها علاقة بحرية العقيدة..” وأنها عقوبة تندرج ضمن باب التعزير، مما يجعلها قابلة للتعطيل والاستبدال بعقوبة أخرى “وفق ما يتناسب مع ظروف الزمان والمكان”.

غير أن الباحث يستدرك قائلاًً: “إن محاولتنا تقرير حرية العقيدة بهذا المفهوم، ونفي عقوبة الردة كحد شرعي لا تهدف، ولا يجب أن تفهم على أنها دعوة لترك الإسلام، والعياذ بالله، كما قد يتبادر إلى ذهن البعض جرّاء القراءة السريعة، فثمة بون شاسع بين تقرير أمر ما والدعوة إليه، فإباحة الشرع الطلاق مثلاً لا تعني دعوته إليه، كما أن منح المشرع المرأة حق الخلع لا يدل على دعوة الزوجات إلى الانفصال عن أزواجهن”.

وكذلك ورقة رئيس جامعة الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي تقدم بورقة عنونها بـ “ضرورة التجديد”
ذهب فيها إلى أن”التأمل الهادئ في طبيعة رسالة الإسلام يبرهن على أن قضية “التجديد” إن لم تكن هي والإسلام وجهين لعملة واحدة فإنها،بالتأكيد، إحدى مقوماته الذاتية، إذا تحققت تحقق الإسلام نظاماً فاعلاً في دنيا الناس، وإن تجمدت تجمد وانسحب من مسرح الحياة، واختُزِل في طقوس تؤدَّى في المساجد أو المقابر، وتُمارَس على استحياء في بعض المناسبات.” مدللا على ذلك بأن تاريخ الإسلام، في أزهى عصوره، شاهد على العلاقة الوثقى التي لا تنفصم بين التجديد وحيوية الإسلام، وبين الجمود وانزواء الإسلام إلى ركن قصي عن الحياة وعن المجتمع. معلنا استغرابه من “أن يظل مصطلح “التجديد” في الإسلام في عهدنا هذا، من المصطلحات المحفوفة بالمخاطر والمحاذير، بسبب الاتهامات التي تُكال جُزافاً”.

أما الورقة الثالثة فكانت للأستاذ رضوان السيد الذي انطلق في سياق تقييمه لتيارات الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي من ثلاثة تساؤلات محورية:
أولاً: هل كان هناك مشروع فكري للنهوض الديني- الثقافي في المرحلة المعروفة بعصر النهضة والتي تمتد من سنة 1830إلى سنة 1935تعبر فيه النُخب الثقافية والدينية انطلاقا من رؤية عامة للعالم،  عن تصورها للقضايا المفصلية المتعلقة بالدين والدولة والثقافة والمجتمع.
ثانياً: ما هي الإشكالية، أو النموذج الناظم لتصورها لهذه القضايا الكبرى حول الدين والدولة، والثقافة والمجتمع؟
ثالثاً: ما حدود تأثير هذه الاجتهادات ومدى حضورها في الحقبة المعاصرة، أي في نصف القرن الأخير، وما هي مآلاتها فيما يتصل بالقضايا الكبرى السالفة؛ من حيث المفاهيم والإشكاليات والرؤى والنماذج، وكذا من جهة البدائل والخيارات والتطورات والتطويرات؟
يؤكد رضوان السيد أن الذي دفعه للانشغال بهذه الإشكالية “ليس الأسى على مواريث النهضة في القرن التاسع عشر، بل التأزم المتفجّر في المنظومة الثقافية والسياسية العربية الحاضرة، والمستمر منذ السبعينات من القرن العشرين”، معتبرا أن إشكالية الفكر العربي الإسلامي الرئيسية في الأزمنة الحديثة يمكن تأطيرها ضمن عنوان الإصلاح والتجديد، وأن إشكالية أو نموذج الفكر العربي الإسلامي في الأزمنة المعاصرة يمكن تأطيرها ضمن عنوان أو مفهوم “الإحياء”. علما أن رضوان السيد حينما يتحدث عن “الإحياء” اليوم لا يعني به الإحياء التراثي أو الاستعادة التراثية بالمعنى الوظيفي والأذاتي للتراث في الصراع الجاري على المجتمع والدولة..
  
أما الذي يقصده رضوان السيد بالإصلاح في مرحلة النهضة، فأهم معالمه هو الوعي الثقافي بالاستمرارية على رغم كل مظاهر التغير؛ فرفاعة رافع الطهطاوي (1801- 1873م) عندما كان يؤول أو يعرّف الحرية في الدستور والنظام السياسي الفرنسي بأنها العدل والإنصاف والانتصاف، ما كان يفعل ذلك بفعل الافتقار إلى المصطلح المناسب وحسب، وإنما كان يستهدف الملاءمة والمقاربة لاستيعاب المتغيرات ضمن شروط الانتماء. كما أن خير الدين التونسي (1822- 1889م) عندما كان يستنصر بكلام ابن قيم الجوزية (- 751هـ/ 1351م) عن المصالح من أجل تسويغ إنشاء مؤسسات جديدة، إنما كان يريد الحصول على مشروعية اعتناق الجديد، مع البقاء ضمن السياق المرجعي العام. خلافا للإحيائيين الذين عرفناهم في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، والذين حاولوا وضع نظام إسلامي عن طريق التأصيل، “في مواجهة ما اعتبروه غربة وغرباً وانحرافاً”.
 فإذا كان الاصلاحيون يراهنون على “التواصل مع العالم ضمن الاستمرارية الحضارية والثقافية، فإن الإحيائيين الجدد لا يريدون الاستيعاب بل الاستبعاد حفاظاً على الهوية والخصوصية والتميز. فالشورى غير الديموقراطية، وحقوق الإنسان غير التكاليف الشرعية، والشريعة غير القانون..”
ليخلص إلى أن “الإحياء لدى إصلاحيي القرن التاسع عشر كان هدفُهُ تغليب وعي لا يستشعر الخطر من الجديد، بينما هدفُ الإحياء المعاصر الاستناد إلى وعي قوي بهذا الخطر بالذات، من أجل الاستقلالية الذاتية، وحفظ الهوية. الفكرُ الأول فكرُ انتماء واستمرارية، والفكر الثاني فكر هوية وخصوصية وقطيعة”.

“عن صحيفة الحياة اللندنية بتصرف”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق