مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

ابن القاضي المكناسي (ت1025هـ)

هو الفقيه الصالح، المحدث النحرير، المؤرخ الرحال شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي العافية المكناسي، نسبة إلى موسى بن أبي العافية المكناسي ـ صاحب الوقعات مع الأدارسة ـ  كما ذكر عن نفسه في جذوة الاقتباس، لكنه تبرأ من فعله، واشتهر عند المؤرخين بابن القاضي.

ولد سنة (960هـ)، ونشأ في بيت علم، فكان أول تلقيه على أبيه، ثم عن جِلَّة شيوخ عصره من المغرب والمشرق، فمن شيوخه بالمغرب الذين كان لهم أثر كبير في نبوغه العلمي: أبو العباس أحمد بن علي المنجور الفاسي (ت995هـ)، وأبو عبد الله محمد بن قاسم القصَّار الغرناطي (ت1012هـ)، والفقيه الراوية أبو زكرياء يحيى بن محمد السرَّاج الحميري (ت1007هـ)، والفقيه النوازلي أبو راشد يعقوب بن يحيى اليدري (ت999هـ)، والفقيه المؤرخ أبو العباس أحمد بابا بن أحمد بن عمر التنبكتي(ت1032هـ).

ومن شيوخه بالمشرق: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن العلقمي المصري الشافعي (ت997هـ)، والقاضي بدر الدين محمد بن يحيى بن عمر القرافي (ت1008هـ)، وأبو زكرياء يحيى بن محمد الحطاب(ت 995هـ)، وسالم بن محمد السنهوري (ت1015هـ)، وغيرهم.

وتذكر المصادر أن ابن القاضي رحل مرتين إلى المشرق، الرحلة الأولى حج فيها وأخذ عن عدد من الشيوخ الذين تقدم ذكر بعضهم، والرحلة الأخرى كانت سنة (994هـ)، حيث ركب البحر، فوقع في يد القرصان الإسبان، وبقي عندهم أحد عشر شهرا، حتى افتداه السلطان أبو العباس المنصور السعدي في رجب سنة (ت995هـ).

اشتهر ابن القاضي بنشر العلم والدأب على تدريسه، فكان يختم مختصر خليل في أربعة أشهر، وانفرد في علم الحساب والفرائض شرقا وغربا، فكان كما قال الكتاني:«يطير فيهما طيران البازي في جو السماء، ويتصرف فيهما تصرف الحوت في البحر»، مع ما انضم إلى ذلك من الكرم الوافر، والتواضع ولين الجانب، هذه الصفات التي تَسَرْبَل بها ابن القاضي جعلت الطلبة يَهْرَعُون إليه لأخذ العلم، والاقتباس من حميد صفاته، فتخرج من مدرسته عدد من الأعلام الأماثل الذين حملوا نور العلم، ومصباح المعرفة، منهم: أبو العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني صاحب «نفح الطيب» و«أزهار الرياض» (ت1041هـ)، والفقيه الأصولي المتكلم أبو مالك عبد الواحد بن أحمد بن عاشر الأنصاري الأندلسي صاحب المنظومة الشهيرة «المرشد المعين» (ت1040هـ)، وعلامة فاس أبو عبد الله محمد بن أحمد ميارة (ت1072هـ)، وغيرهم.

وإلى جانب حرصه على التعليم والإفادة، تولى ابن القاضي منصب القضاء بسلا وأقام به مدة، إلى أن عزل عنه، ويستفاد من تحليته في «التقاط الدرر» بـ «قاضي مكناسة» أنه ربما تولى هذا المنصب بمكناس أيضا،  ومهما يكن فقد حاز المترجَم قصب السبق في كثير من العلوم، مما جعل العلماء يثنون عليه، ويشيدون بمكانته العلمية، وجودة قريحته، وسيلان ذهنه، ومن هذا الثناء ما حلاه به الإفراني في «صفوة من انتشر» إذ قال:«الشيخ الإمام العالم المحدث الرَّحَّال»، والعلامة محمد بن جعفر الكتاني عليه في «سلوة الأنفاس» بقوله:«وكان حافظا ضابطا محققا مؤرخا، إخباريا ثقة، سيال القريحة بالشعر، حسن العبارة، لطيف الإشارة، مستجمعا لعلوم الأدب، ماهرا في معرفة علوم الأوائل، مشاركا في غير ذلك للأئمة الأماثل»، والعلامة عبد الحي الكتاني في «فهرس الفهارس» الذي قال:«الإمام العلامة مسند فاس ومؤرخها ـ إلى أن قال ـ، وكان… من أطواد الرواية بفاس والمغرب حريصا في هذا الباب حتى إنه كان إذا قرأ الصحيح يجيز الحاضرين آخر كل مجلس لتحصل الرواية ولو لمن سمع حديثا واحدا له».

ألف ابن القاضي تآليف عديدة في التاريخ، والفقه، والحساب، والفرائض، حظيت بالقبول من لدن علماء عصره، وبعده؛ اعتمدوها، وعولوا عليها، ومن هذه التآليف: «درة الحجال في أسماء الرجال»، «جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام مدينة فاس»، «لقط الفرائد من لُفاظة حُقَقِ الفوائد»، «المنتقى المقصور على مآثر الخليفة المنصور»، «غنية الرائض في طبقات أهل الحساب والفرائض»، «نيل الأمل فيما به جرى بين المالكية العمل»، وفهرسة حافلة جمع فيها شيوخه ومروياته، وغير ذلك من المؤلفات التي أغنى بها المكتبة الإسلامية بمختلف علومها، وما زال مواظبا على التصنيف والتدريس إلى أن توفاه الأجل سنة (1025هـ) رحمه الله.

مصادر ترجمته:صفوة من انتشر(ص:150-151)، الإعلام بمن غبر من أهل القرن الحادي عشر(ص:124-127)  التقاط الدرر (ص:69-71)، سلوة الأنفاس (3/163-166)، شجرة النور الزكية (ص:297)، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام (2/295-299)، فهرس الفهارس (1/114-115)،  مقدمة درة الحجال (1/14-27)، معلمة المغرب (19/6584-6585).

Science

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق