وحدة الإحياءدراسات محكمة

ابن أبي زيد القيرواني ودوره في نصرة المذهب المالكي ومحاربة التعصب في الغرب الإسلامي.. (دراسة وتقديم لجواب فقهي حول سفك الدماء…)

أثناء إعدادنا لأطروحة دكتوراه في التاريخ أثارت انتباهنا رسالة ابن أبي زيد القيرواني لأهل المغرب، حول التعصب القبلي وسفك الدماء[1]. وهي بالإضافة إلى قيمتها الفقهية ذات أهمية تاريخية بالغة، وقد حاولنا في أطروحتنا[2] استثمار بعض جوانب هذا الأثر الفقهي-التاريخي، دون أن نوفيه حقه كاملا. ورغبة منا في تعميم فائدة هذا النص، واستجلاء دلالاته، بادرنا إلى دراسته من الناحية التاريخية، وتقديمه لجمهور القراء والباحثين.

أولا: التعريف بالمخطوطة

المخطوطة عبارة عن رسالة فقهية رد بها ابن أبي زيد القيرواني على سؤال كتبه إليه قوم من أهل المغرب الأقصى، “يعلمونه بما يقع في بلادهم من سفك الدماء وتعصب القبائل بعضهم على بعض”[3].

تقع هذه الرسالة في حوالي أربع ورقات، من الصفحة 140 إلى الصفحة 148، وهذا الترقيم ليس أصليا في المخطوط، ولكن من وضع القائمين على المكتبة ومخطوطاتها. خطها مغربي متوسط الجودة مقروء، شأنها شأن بقية مكونات المجموع. وتتوزع على هوامشها تعليقات مختلفة مسبوقة بكلمة قف، مثل “قف قابيل وهابيل”، “قف على الخلاف في التوبة”، “قف ما ورد في الحرابة”…، وكأن صاحب هذه المخطوطة ومالكها، من خلال هذه التعليقات على حواشيها، يفهرسها ويمهدها للقارئ، حتى يسهل عليه الانتفاع بها.

أما من حيث الإملاء فتختلف هذه الرسالة في رسم بعض الكلمات عما ألفناه في لغة اليوم، فقد جعل المؤلف المكتوب مطابقا للمنطوق، فلكن، مثلا، تكتب لاكن، والهمزة في حالات كثيرة تهمل مثل الأرض تكتب الارض، يؤدي تكتب يودي، جائرا تكتب جايرا… إلخ، والألف المقصورة تكتب لينة ممدودة، مثل حوى وورى وكفى وأتى… تكتب حوا، ورا، كفا، أتا…، وهذه من طرائق الكتابة لدى المغاربة القدامى، وقد قلدهم فيها بعض المعاصرين، وعلى رأسهم مؤرخ المملكة عبد الوهاب بنمنصور.

أما على مستوى التركيب، فنجد عددا من الجمل مختلة التركيب من قبيل “كانوا يرجون أن يلقى الله مسلم نقي الكف من الدماء إلا غفر الله له ما سوى ذلك”، “أن للوالي أن يدعوا أهل المعصية إلى أن يفوا، فإن أجابوا وإلا جوهدوا، إن لم يرجعوا إلى مناصفة الحق بينهم، فإن رجعوا وإلا قوتلوا”…، ومن ضروب الخلل الأخرى على صعيد هذه الرسالة، الاختلاف في لفظ وصيغة بعض الأحاديث النبوية، وذلك بالمقارنة مع ما هو ثابت في الصحيحين وبعض مصنفات الحديث الأخرى[4].

وإجمالا، إن الأخطاء الكثيرة، واختلال ألفاظ الحديث النبوي الشريف التي تنتشر على طول هذه الرسالة، قوى لدينا الشكوك في كون هذه الرسالة تداولتها أيادي ضعيفة العلم أضرت بمحتوياتها، وتركيبها اللغوي. ومن ناحية أخرى اعتماد ابن أبي زيد على “الذاكرة” في تأليف هذه الرسالة، وخاصة في نقل نصوص الأحاديث، فيما نعتقد، كان سببا وراء اختلاف ألفاظ بعض هذه النصوص، وقد صرح في متن هذه الرسالة بما يؤكد هذا الاعتقاد[5].

ثانيا: التعريف بابن أبي زيد القيرواني وعصره وصلاته بالمغرب

أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني، ينتسب إلى قبيلة نفزة من أعمال الأندلس[6]، سكن القيروان فعرف بها وعرفت به، ترجع سنة ولادته حسب بعض الإفادات إلى سنة 310ﻫ[7]. اشتهر بالفقه على مذهب مالك وبرز فيه، ويكفي دليلا على فضله وسبقه أهل زمانه ومن أتى بعده، تأليفه “الرسالة” التي تعتبر دستور المالكية إلى يومنا هذا في سن لا تتجاوز السبعة عشرة عاما (327ﻫ)، حتى أنه كان يلقب بمالك الصغير. ونظرا لتقدمه في هذا الباب فقد كان قبلة الطلاب من مختلف الأقطار.

له تواليف كثيرة، اختلفت بين الفقه والكلام والتصوف، وهي تدل على واسع اطلاعه في هذه الفنون ومشاركته المعتبرة أهلها. كما تدل أيضا على انخراطه الواسع في المعارك المذهبية والأخلاقية لعصره، فقد كتب رسالة في الرد على القدرية، وأخرى في مناقضة رسالة البغدادي المعتزلي، وكذلك رد على المتصوفة كثيرا مما نقلوه من خرق العادات وما يسمى بالكرامات.

 تلقى ابن أبي زيد عن كثير من الشيوخ سواء في بلده أو أثناء رحلته إلى المشرق، ومن بين هؤلاء حامل المذهب المالكي إلى المغرب الشيخ دراس بن إسماعيل الفاسي (ت 357ﻫ)، الذي نزل في بيت ابن أبي زيد أثناء مقامه بالقيروان[8]. كما تلقى عنه خلق كثير من الطلبة والتلاميذ من سائر البلاد، ومن تلامذته المغاربة الذين ترد أسماؤهم في ترجمته وفي مظان أخرى؛ أبو عبد الرحمان بن العجوز، وأبو محمد غالب، وخلف بن ناصر، وأبو علي بن أمّد كتوا السجلماسي، وداود الصنهاجي، ويحيى الهسكوري، ويعلى الرجراجي. وتوفي رحمه الله سنة 386ﻫ[9].

عاش ابن أبي زيد القيرواني في كنف الدولة العبيدية (296- 440ﻫ)[10]، وقد عاصر من حكامها عبيد الله الشيعي (297-322ﻫ)، وأبو القاسم بن عبيد الله القائم بأمر الله (322-334ﻫ)، وأبو طاهر إسماعيل بن أبي القاسم المنصور (334-341ﻫ)، وأبو تميم معدّ بن إسماعيل المعز لدين الله (341-361ﻫ[11]). وبعد رحلة العبيديين إلى مصر عاصر من الولاة في القيروان؛ الوالي أبو الفتوح يوسف بن زيري (361-373ﻫ)، والوالي أبو الفتح المنصور بن أبي الفتوح (374-386ﻫ).

ورغم رمزية ابن أبي زيد وثقله المرجعي بين سلسلة أعلام المذهب المالكي، فإن أخباره في مصادر هذه الحقبة قليلة، سواء فيما يتعلق بصلته بسلطان زمانه أو العامة…، ولعل ما توفر لنا من شذرات تهم علاقة الحكام العبيديين بقاعدة المالكية في دولتهم بشكل عام، يعوضنا هذا النقص، ويفيدنا في الاقتراب من طبيعة العلاقة التي كانت بين القيرواني وحكام بلده من العبيديين وأوليائهم.

تميزت سياسة العبيديين اتجاه فقهاء المالكية في القيروان وسائر إفريقية بعدم الاستقرار والاختلاف، فتارة كانت تجنح إلى التشدد والتضييق عليهم، وتارة أخرى كانت تجنح إلى التسامح والتغاضي عنهم، وهذا الأمر يبدو واضحا من خلال التفاصيل التاريخية لهذا العصر التي تواتر نقلها عبر المصادر المختلفة. فعقب استتباب الأمر لأبي عبد الله الشيعي في إفريقية، أشار عليه أخوه أبو العباس بنفي كل من يذهب من الفقهاء مذهب أهل المدينة، فلم يسعفه[12].

 لكن بعد مدة قصيرة سيتخذ قاضيه على القيروان محمد بن عمر المروزي (ت 303ﻫ) قرارا لا يقل خطورة عن الرأي السالف الذكر، يقضي بمنع فقهاء القيروان من الإفتاء بغير مذهب جعفر بن محمد في قضايا كثيرة[13]، وإلى جانب هذا أصدر عبيد الله الشيعي وأعوانه ضد عدد من المالكية أحكاما بالقتل، ولأسباب مذهبية، كقتل مؤذن لأنه لم يقل “حي على خير العمل” في الآذان، وقتل أحد الفقهاء لأنه فضل بعض الصحابة على علي رضي الله عنه، وقتل فقيه آخر لأنه طعن على السلطان وأفتى بقول مالك[14].

ولم يقتصر الأمر على أحداث ووقائع متفرقة ومعزولة خاصة في عهد عبيد الله الشيعي بل كان سياسة عامة نال مكروهها عموم المالكية وأهل السنة في إفريقية؛ ففي مدة قضاء عبيد الله إسحاق بن المنهال الأولى (307-311ﻫ) والثانية (بعد 312ﻫ) في كل من طرابلس والقيروان عم البلاء أهل السنة وعلماءهم، وذلك للصرامة الكبيرة التي أظهرها هذا القاضي في تطبيق مذهب أهل البيت[15].

لقد دفع هذا الوضع، فيما نحسب، علماء المالكية إلى الاحتراز والصمت، ولعل ما ورد في ترجمة أبي عبد الله محمد بن أبي المنظور عبد الله بن حسان (ت 337ﻫ) أحد رموز المالكية في هذا العهد وتراجم أخرى، دليل على صحة هذا الفرض، فقد جاء في المدارك أن هذا الرجل “أوطن القيروان، وأغلق على نفسه باب إسماع العلم، واشتغل بالتجارة”[16]، كرد فعل على غياب الحرية المذهبية في الدولة العبيدية. وقد عدل بن أبي منظور عن هذا الموقف، وقبل بولاية القضاء كشكل من أشكال المشاركة الثقافية والسياسية بعد أن تغيرت الظروف من حوله، بما فيها اقتناع حاكم البلد المنصور أبو طاهر إسماعيل بن عبيد الله بأهمية القاعدة الشعبية للمالكية وأهل السنة في القيروان[17]. الشيء الذي رأى فيه بعض الباحثين اعترافا بقوة المذهب المالكي، و”قمة انتصار المالكية، وتحولا خطيرا نحو تأكيد سيادة المذهب المالكي في بلاد المغرب”[18].

ومن اللافت للانتباه أن هذا التحول أعقب ثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد اليفرني الزناتي (ت 336ﻫ)، الخارجي المذهب، الذي استغل حنق أهل السنة وفقهاء المالكية، حتى أنهم رجوا فيه الخير، فأيدوه وخرجوا معه[19]. وقد كادت هذه الثورة أن تذهب بالدولة الصنهاجية، وتجعلها في حكم الماضي. وإجمالا، يبدو أن أسوأ فترات العبيديين مع المالكية وأهل السنة على العموم هي فترة أبو عبيد الله الشيعي، ذلك أن أخبار استهداف المالكية والتضييق عليهم قلت في عهود خلفائه.

رغم إهمال المترجمين والمؤرخين الحضور التاريخي لابن أبي زيد القيرواني، وموقفه من الصراع المذهبي في القيروان أيام حكم الشيعة العبيديين وأوليائهم، فإن بعض الإشارات المذكورة في ثنايا ترجمته تعرب، بشكل أو بآخر، عن هذا الموقف وطريقته في الانتصار للمذهب المالكي؛ فقد فضل القيرواني الاشتغال في المجال المذهبي باعتباره بساط السياسة والساسة، حتى إذا أراد أن يسحبه أو غيره من تحت أرجل العبيديين انسحب وبسهولة، فقد اعتنى بالمذهب المالكي، فلخصه، “وضم نشره، وذب عنه”[20]، فألف كتاب “الذب عن مذهب مالك”[21]، و”الرسالة”…

 وفيما يتعلق بهذه، فهي خطوة أساسية ضمن الإستراتيجية المالكية لمحاصرة المد الشيعي في بعده العقدي والمعاملاتي، فهي عبارة عن كتاب مدرسي للولدان للتربية على المالكية، رغب إليه البعض في تأليفه[22]. فبهذه الطريقة وطرق أخرى استطاع المالكية وطبقة أهل السنة في القيروان وسائر بلاد إفريقية أن يحافظوا على كيانهم المذهبي والعقدي في ظل حكم شيعي امتد على مدى أزيد من قرن من الزمان.

 وقد أثمرت هذه الإستراتيجية في النهاية، وأدت بالمعز شرف الدولة (406-455ﻫ) إلى قطع الدعوة العبيدية الشيعية من إفريقية سنة 440ﻫ، وكان السبب وراء ذلك على ما يحكيه المؤرخون الفقيه المالكي ابن أبي الرجال الذي آلت إليه تربية وتأديب المعز، الذي تولى الإمارة وهو ابن ثمانية أعوام، فأدبه ورباه على مذهب مالك وعلى السنة والجماعة، فكان ذلك سببا في التخلي الرسمي عن الدعوة العبيدية.

فابن أبي زيد القيرواني بسط نفوذه الروحي وسلطته المعرفية على سائر المغرب باعتباره رجل المذهب الأول والمنافح عنه الذي تشد إليه الرحال، ومما زاد من أهمية هذه السلطة والتقدير الواسع الذي حظيت به من طرف سائر الطبقات، المضمون الإصلاحي للمذهب المالكي في ذلك الوقت، فقد كان الانتماء للمذهب المالكي في هذه الظروف انتماء لمشروع إصلاحي، ودعوة إصلاحية على صعيد العقيدة والمعاملات.

ففي المغرب الأقصى صاحب نفوذ القيرواني تلامذته في هذا البلد، فحيثما وجدوا وجد معهم اسم ابن أبي زيد وصدى دعوته المالكية، وإذا كان عدد هؤلاء كبير يصعب حصره، فإن ما توفر لدينا من أسماء، ومعطيات على هامشها، يساعد على تحليل طبيعة تأثير ابن أبي زيد القيرواني والمالكية بوجه عام في المغرب الأقصى، وأبعاد ونتائج هذا التأثير على المدى البعيد.

وأبرز الأعلام الذين تتلمذوا على ابن أبي زيد، والمذكورين في ثنايا ترجمته ومظان أخرى؛ من سبتة أبو عبد الرحمان بن العجوز، وأبو محمد بن غالب، وخلف بن ناصر، ومن سجلماسة أبو علي أمّد كتوا السجلماسي، ومحمد بن موسى جد أبو محمد عبد الله ابن حمودة المترجم له في التشوف[23]، ومن أغمات داوود الصنهاجي، ويحيى الهسكوري، ويعلى الرجراجي[24].

 وقد أخذوا عنه مروياته من الفقه والأخلاق وبعض مؤلفاته التي تعبر في جانب منها على معارك الوقت الثقافية والمذهبية. وحسب إفادات المصادر فقد برز بعض هؤلاء في ميادين العلم والجهاد؛ فأبو محمد بن غالب “كان أوحد عصره علما، وتقى، وجلالة ودينا”[25]، والأغماتيون من تلامذته، المنتسبين إلى صنهاجة ومصمودة ذكروا في باب الجهاد وبرزوا فيه…، لكن الأبلغ من هذا كله، هو سرعة وقوة التجاوب في هذه المراكز (سجلماسة، أغمات، سبتة) مع المبادرة الإصلاحية المالكية التي ظهرت في ما بعد في بداية القرن الخامس الهجري.

ففي سنة 447ﻫ “اجتمع فقهاء سجلماسة وفقهاء درعة وصلحاؤهم، فكتبوا إلى الفقيه عبد الله بن ياسين وإلى الأمير يحيى بن عمر وأشياخ المرابطين كتابا يرغبون منهم الوصول لبلادهم، ليطهروها مما هي فيه من المنكرات وشدة العسف والجور، وعرفوهم بما فيه أهل العلم والدين وسائر المسلمين بها من الذل والصغار والجور، مع أميرهم مسعود بن وانودين الزناتي المغراوي”[26].

وفي سبتة تبادرنا كتب التاريخ بأخبار عدد من الفقهاء الذين انتسبوا للحركة المرابطية وهي لا زالت بعيدة عن ديارهم[27]. وفي أغمات نزل المرابطون مطمئنين لأهلها، واتخذوها عاصمة لهم مدة تقرب من 15عاما. فهل هذه الأحداث مجرد اتفاقات، ذات صلة بالأحوال السياسية لهذه المراكز، أم أن الأمر له علاقة بالدعاية المالكية وبتأثير ما لابن أبي زيد القيرواني؟

إن تطورات بهذا الحجم لا شك أن وراءها اختلالات سياسية واجتماعية عانت منها هذه الأمصار، لكن وإلى جانبها توجد أسباب مذهبية وأخلاقية، يجوز ربط بعضها بالإشعاع الثقافي لمالك الصغير؛ ويدفعنا لهذا الربط، عدد من الإشارات والوقائع التاريخية؛ فالذين هاجروا من سبتة نحو الحركة المرابطية تلقى بعضهم عن تلاميذ القيرواني، فعبد الله بن حمو بن عمر اللواتي من جملة من تلقى عنهم أبو محمد عبد الله بن غالب، وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحمان الكتامي ابن العجوز من بيت أبي عبد الرحمان بن العجوز، تلميذ بن أبي زيد القيرواني. كما أن سجلماسة صلتها بالقيروان وابن أبي زيد قوية، فبالإضافة إلى تتلمذ عدد من السجلماسيين على القيرواني أمثال أبي علي أمّد كتوا، فقد تبادلوا معه الرسائل، وتذكر كتب التراجم رسالة في تلاوة القرآن ألفها ابن أبي زيد لأهل سجلماسة.

غير أن الإشارة الأهم في هذا السياق والتي لها تداعيات كبيرة على مستوى الرؤية والسرد التاريخيين لأحداث هذه الحقبة من تاريخ المغرب (أواخر القرن الرابع وبداية القرن الخامس الهجريين)، هي ما تضمنه كتاب القبلة لصاحبه أبوعلي صالح من إفادات. يذكر هذا المصدر أن عددا من تلامذة أبي محمد بن أبي زيد القيرواني من المصامدة وصنهاجة استقروا بأغمات وبنوا عددا من مساجدها، وانتصبوا للجهاد ضد كفار برغواطة بإشارة من ابن أبي زيد، بعد أن شاوروه في ذلك، ومن بين هؤلاء وجاج بن زولو اللمطي. وكان من جملة ما أشار به عليهم تقديم داوود الصنهاجي باعتباره أكبرهم قبيلة[28]. ومن الإفادات التاريخية التي تسمح لنا باستنتاجها هذه الإشارة:

  1. إن ابن أبي زيد القيرواني لم يكن مجرد مرجعية مذهبية فقهية بالنسبة لأهل المغرب الأقصى، بل أكثر من هذا شكل مرجعية سياسية موجهة لإرادة الإصلاح، التي تبلوت لدى مغاربة هذه المرحلة، والظاهر من خلال نص هذا “الجواب” أن هذا العمل التوجيهي كان مباشرا ولم يكن كتابيا. ويعزز هذا الاستنتاج الرسالة موضوع التحقيق؛ فهي بالإضافة إلى طبيعتها الفقهية، فهي كذلك ذات مضمون إصلاحي ثوري إذا نظرنا إليها في ضوء سياقها التاريخي.
  2. إن الاتجاه نحو استثمار شوكة صنهاجة في تحقيق الإصلاح واضح في هذا النص، وذلك بعد أن أشار عليهم ابن أبي زيد بتقديم أكثرهم قبيلة، وهو في هذه الحالة داوود الصنهاجي. وهذا معناه أن الاستعداد لتسليم الأمر لصنهاجة كان موجودا، وحتى قبل ظهور المرابطين بشكل رسمي في نواحي أغمات ومواطن مصمودة، وخاصة من طرف المصامدة.
  3. إن اختيار المرابطين أغمات قاعدة دولتهم، له علاقة فيما نعتقد بسبقها ومبادرتها في مجال الإصلاح والجهاد، على يد تلامذة ابن أبي زيد القيرواني من جهة، وترتيبا مقصودا لأولويات العمل الإصلاحي من جهة ثانية. فأغمات من الناحية الإستراتيجية ذات أهمية بالغة، في جهاد كفار برغواطة الذين اعتبرهم المرابطون، شأنهم في ذلك شأن أسلافهم من تلامذة ابن أبي زيد، أولوية جهادية، ووفاة “المعلم” عبد الله بن ياسين في هذه الحرب بالغة الدلالة والأهمية.

فابن أبي زيد القيرواني كان ضالعا في أحداث المغرب أواخر القرن الرابع وبداية القرن الخامس الهجريين، باعتباره مرجعية فقهية وإصلاحية عليا في المغرب الكبير، يفوق تأثيرها وحضورها تأثير الشيخ أبي عمران الفاسي، الذي قد يكون حلقة في سلسلة، وليس أصل السلسلة، كما تقدمه لنا بعض المصادر. ورسالة القوم من أهل المغرب الأقصى إلى الشيخ أبي محمد، “يعلمونه بما يقع في بلادهم من سفك الدماء وتعصب القبائل بعضهم على بعض”، موضوع هذا التقديم، هي دليل آخر على هذا الضلوع، ومظهرا من مظاهر فعالية ونشاط ابن أبي زيد القيرواني/المرجع في المغرب الأقصى، ينضاف إلى ما ذكره العلامة عبد الله كنون، من أن ابن أبي زيد سبق له أن رحل إلى فاس لزيارة شيخه دراس بن إسماعيل والتقى بالطلبة المغاربة على هامش ذلك[29].

 فهذه الاستنتاجات لها تداعيات مهمة على صعيد الرؤية التاريخية للدولة المرابطية وطريقة السرد لبعض أحداثها المفصلية، وخاصة على مستوى تفاصيل رواية بداية الحركة. الأمر الذي سيساهم، ولا شك، في تجديد السرد التاريخي حول بداية الدولة المرابطية الذي أضحى تقليديا، وفي السياق نفسه سيبعث الروح في النقاش التاريخي استنادا إلى اختلاف الرؤية والسرد التاريخيين لأحداث هذه الحقبة.

ثالثا: المغرب الأقصى زمان القيرواني

لم ينعم المغرب الأقصى على امتداد المائة الرابعة بالهدوء والاستقرار السياسي، وخلت داره من آثار الدول العظيمة، وعمرته، ما يسميه البعض، “مدن الشورى”[30]، مثل فاس وسبتة وسجلماسة وأغمات…، التي لم يتجاوز نفوذها الحواضر وما يصاقبها. لقد كان المغرب الأقصى في هذه الفترة من تاريخه ساحة فوضى وحرب مفتوحة[31]، يعبث به أمراء القبائل وبعض القوى الخارجية أو على الأقل هكذا يبدو من خلال المصادر. فخروج المغرب من عباءة الخلافة الأموية المشرقية، وانحطاط دولة الأدارسة بسبب افتقارها لمشروع سياسي ومذهبي، أسلمه إلى نعرته ونزعته الطبيعية والقبلية، التي استغلتها إلى أبعد الحدود القوى الإقليمية الأساسية في الغرب الإسلامي؛ الفاطميون وأمويو الأندلس.

إن الجهات الرئيسية الممثلة للمغرب في هذا العصر، والمشاركة في فتنه، كما تقدمها لنا الإسطغرافية التاريخية، جهات قبلية، من شجرة صنهاجة وزناتة. ذلك أن معظم السرد التاريخي لأحداث ووقائع هذه المرحلة السياسية والعسكرية، يتعلق بتحركات ومبادرات زعماء هذه القبائل ورؤسائهم، في ضوء علاقتهم بكل من أمويي الأندلس والعبيديين في إفريقية، حول مدن فاس وسجلماسة ونكور وتلمسان والبصرة وحجر النسر…

تداول على حكم مدينة فاس وهي قاعدة المغرب الأقصى الشمالية في هذا التاريخ ثلاثة أطراف؛ بنو العافية من مكناسة، وبنو يفرن ومغراوة، وصنهاجة الشرق. وتميزت فترة حكمهم بحروب شديدة وطويلة، وفترات تهدئة قصيرة، تحمل العبيديون والأمويون مسؤولية إضرام معظمها، والمشاركة في بعضها، حفاظا على الولاء والطاعة أو بحثا عنهما، فزناتة، على العموم، كانوا متهمين بالولاء للأمويين، بينما كان صنهاجة من أتباع العبيديين.

 فعلى سبيل المثال كانت سياسة عبد الرحمن الناصر مع زعماء قبائل البربر تقوم على استلافهم “ويحمل أهل الطاعة على المعصية منهم، مسدا لمن عجز برجاله، مقويا لمن ضعف بماله، متفقدا لهم في سائر الحالات بألطافه، متعهدا بوجوه رسله وخواصه إلى أن تميز أكثر بوادي زناتة في حزبه وارتسموا بطاعته، ولاسيما عند امتياز أضدادهم صنهاجة في حزب أعدائه بني عبيد”[32].

ففاس وأمصار المغرب الأقصى الشمالية طيلة هذا القرن لم تسلم من الحصار والحرب سوى سنوات قليلة. والأدارسة أمام كل هذا، يحاولون استغلال هذا التناقض في المصالح بين الأطراف الإقليمية، ويختلسون لحظات الحكم هنا وهناك، قبل أن يعودوا أدراجهم إلى قلعتهم المنيعة في حجر النسر تحت ضغط المنافسين الأقوياء.

إن الحالة السياسية التي كان عليها المغرب في المائة الرابعة، سمحت للأطراف الإقليمية بالتدخل في شؤونه، وترتيب أوضاعه وفق ما تمليه عليها مصالحها السياسية والمذهبية، إذ لم يتميز المغرب في هذه المرحلة بهوية سياسية ومذهبية خاصة، ولم تستطع قواه المحلية أن تبدع مشروعا “وطنيا” يعزز انتماء المغاربة للمغرب كجغرافية ومصير مشترك، بما في ذلك الأدارسة. وبالتالي خلفيات عدم الاستقرار السياسي والاقتتال الداخلي الذي عانى منه المغرب في القرن الرابع الهجري توجد في البنية السياسية والقبلية المحلية.

 لكن الكشف عن هذه البنية وتحليلها تحول دونه عدد من الصعوبات، أهمها قلة المصادر التاريخية التي تعود لهذه الحقبة، وتأخر بعضها[33]، بالإضافة إلى عدم اهتمام المؤرخ التقليدي بالتحليل التاريخي وإرجاع الأحداث والوقائع الظاهرة إلى أسبابها وبنياتها الأساسية، واكتفائه بالوصف الظاهري لها. غير أن لغة السرد التاريخي التي استعملها بعض المؤرخين القدامى تساعدنا على تلمس بعض خصائص هذه البنية الخفية. والمؤرخ المجهول صاحب “مفاخر البربر” واحد من هؤلاء المؤرخين الذين أعربوا، دون أن يقصدوا ذلك، عن بعض خصائص هذه البنية.

ففي معرض ذكره هزيمة محمد بن الخير الخزري أمير زناتة[34]، أمام جيش بلقين بن زيري الصنهاجي، صنيعة العبيديين، سنة 360ﻫ، يتحدث صاحب “مفاخر البربر” عن مقتل “بضعة عشر أميرا من زناتة”[35]. وفي سياق حديثه عن عودة زناتة إلى المروانية بعد أن ركدت ريحها في العدوة (المغرب)، أيام الخليفة الحَكم المستنصر بالله (ت 366ﻫ)[36]، وكيف انضمت إلى القائد جعفر بن علي الأندلسي وأخيه يحيى سنة 365ﻫ، قال: “انضم إليه يدو بن يعلى بن محمد صاحب بني يفرن وزيري وأخوه مقاتل… وغيرهم من أبناء أمراء المغرب المنحاشين إلى المروانية”[37].

وفي موضع آخر وحين حديثه عن تدخل محمد بن أبي عامر في المغرب قال: “وعول في ضبط ما وراء ذلك على ملوك زناتة”[38]. وفي مناسبة أخرى يقول وانضم إلى والي بن أبي عامر على المغرب “ملوك النواحي”[39].

فهذه التعابير والمفردات التي تحضر في السرد التاريخي لأحداث هذه الحقبة يبدو من خلالها الواقع السياسي المغربي في المائة الرابعة شديد الانقسام والتجزئة، يعج بالملوك والأمراء القبليين، الذين يرتبطون مع بعضهم أو مع غيرهم بأحلاف وأوفاق ضيقة أو واسعة، سريعة التحول والتبدل. ولم يشهد المغرب أشكالا في التنظيم السياسي ترقى إلى مستوى “الدولة–الأمة”.

فالبنية السياسية المغربية في هذا العصر كانت بنية قبلية، لم تتجاوز مصالحها الذاتية، ومفهوم “المصير المشترك” لديها، سقف القبيلة أو المدينة (المدن الشورى)، الشيء الذي هيأ الأسباب والظروف السياسية والتاريخية لصراع مكونات هذه البنية دفاعا عن مصالح ومصير القبيلة، وما يبدو من وقائع وحروب خروجا عن هذه القاعدة، خاصة في شمال المغرب الأقصى، إنما يشير في الأصل إلى ظاهرة الاستغلال السياسي القوي الذي تعرضت له البنية السياسية القبلية من طرف القوى الإقليمية، والاستلاب السياسي لرؤساء القبائل المغربية الذين تورطوا في حروب بالوكالة عن الأمويين أو العبيديين. وبالتالي ارتماء الأطراف الزناتية أو الصنهاجية في أحضان إحدى القوتان الإقليميتان لا يعني تخلي العقل القبلي عن فهمه لطبيعة المصلحة والمصير المشترك، بقدر ما هو تعزيز لهذه المفاهيم.

فأمويو الأندلس والعبيديون؛ كانت مصالحهم الذاتية ومقتضيات تأمين المصير المشترك، تفرض عليهم التدخل في الشأن المغربي وإعاقة كل منهما لمحاولات الآخر لبسط نفوذه عليه والانفراد به. ومما يؤكد هذا الفهم، الهدوء النسبي الذي ميز الحياة السياسية في الناحية الجنوبية للمغرب الأقصى. وعموما سفك الدماء وتعصب القبائل بعضهم على بعض، الذي أفتى فيه ابن أبي زيد القيرواني، أحد المظاهر الأساسية والطبيعية للبنية القبلية السياسية، التي كانت سائدة في مغرب المائة الرابعة.

رابعا: محتويات الرسالة

إن الرسالة عبارة عن جواب فقهي عن سؤال (نازلة) طرحه قوم من أهل المغرب الأقصى على الشيخ ابن أبي زيد القيرواني، وباعتبارها كذلك فقد افتتحت بطرح المسألة موضوع الفتوى، متبوعة بنص الجواب على لسان ابن أبي زيد. وقد جاء هذا الجواب مبسوطا على الشكل الآتي:

  1. في البداية ذكَّر ابن أبي زيد بمسألة التساهل في سفك الدماء، موضوع السؤال، وما تمثله من انحراف، معرجا على رغبة السائل من خلال هذا الاستفتاء. ولم يفته في هذا التمهيد الإشارة إلى رغبته من خلال هذا الجواب ورجاؤه فيه. وختم هذا المدخل بالتفاتة منهجية سريعة تتعلق بطريقة سوق الأدلة الشرعية في هذه الرسالة، أعلن فيها أنه سيهمل سند الأحاديث النبوية التي سيستدل بها، رغبة منه في الاختصار، إذ أنها في عمومها من المشهور.
  2. لقد خصص ابن أبي زيد الفقرة الثانية من جوابه للحديث عن تعظيم الله لأمر الدماء، حيث عظمه على كل كبيرة بعد الشرك. وفي معرض التدليل على ذلك ساق قصة قتل قابيل أخاه هابيل باعتبارها أول أمر عظيم وقع في الأرض، وأتبعها بجملة من النصوص الشرعية التي تعزز هذا المعنى. ولم يفت ابن أبي زيد في هذا السياق مناقشة الحوار الذي دار بين الله تعالى والملائكة حول خلق الإنسان، على هامش الآية الكريمة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 29)، وتعقيب الملائكة ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾. واختتم هذه الفقرة بمعالجة مسألة تخليد القاتل في النار وإمكانية توبته، فعرض مجموعة نصوص وأقوال، تضيق باب التوبة أمام المحارب المفسد، وتتشدد في ذلك، ومن الأقوال المعروضة في هذا الباب؛ قول ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما.
  3. جعل ابن أبي زيد الفقرة الثالثة من جوابه للحديث عن الفساد في الأرض والحرابة كشكل تاريخي لمعضلة سفك الدماء بدون وجه حق، فذَّكر بعظم هذا الذنب وأن أصحابه محاربون لله ورسوله، وأردف ذلك بتفصيل عقوبة المحاربين عموما بما فيهم الذين لم يصل إليهم شيء ولم يقترفوا فعل القتل.

وفي هذا السياق تكلم القيرواني في مشروعية جهاد المحاربين والتنكيل بهم في الدنيا استنادا إلى المفاسد والآثار المترتبة عن فعل الحرابة التي تناقض تماما أمر الإسلام وما جاء به، وبيانا لخطورة هذه الفئة على أمر الإسلام نبه إلى أن عقوبتهم تفوق عقوبة الكفار في حالة الظفر بهم. وقد اعتمد في الاحتجاج على هذا بطائفة من الأحاديث النبوية. وبعد هذا البيان، وفي ختام هذه الفقرة، حذر ابن أبي زيد من عواقب تجاهل أمر الله في هذا الموضوع في الدنيا والآخرة.

  1.  في الفقرة الرابعة تحدث ابن أبي زيد القيرواني عما به العصمة من الوقوع في الدماء والفساد في الأرض، وأرجع ذلك إلى مبدأين رئيسيين؛ التمسك بأمر الله وكتابه، والدخول في طاعة إمام بار أو فاجر. وإذا كانت طاعة البار واجبة عقلا وشرعا، ولا تحتاج إلى بيان فإن الأمر مختلف بالنسبة للدخول في طاعة الفاجر، وقد أفرد مساحة مهمة من هذه الفقرة للدلالة على وجه وجوب طاعة الفاجر، سالكا منهجا عقليا، اعتمد فيه على الموازنة بين المصالح والمفاسد، ذلك أن المصالح المتحققة مع الفاجر ضائعة في الفرقة، وانتقل، بعد ذلك، لعرض الأدلة الشرعية من الحديث النبوي، مستثمرا النصوص التي جاءت في معنى الصبر على جور الأئمة، وهي في عمومها كما قال تتعلق بمن سل سيفه على معنى الفتنة فكيف بمن سل سيفه على قصد الظلم؟

أما الوالي فيجب عليه دعوة أهل العصبية إلى الرجوع إلى الجماعة والدخول في الطاعة، فإن أبوا قوتلوا. وفند في هذا السياق حجة القائلين بخروج بعض الصحابة، وبين أن خروج هذه الفئة كان بتأويل واجتهاد، بل الأهم من هذا أن عددا من الصحابة أشفقوا من حمل السيف ولم يخرجوا مع أحد، وفي مقابل هذا أوضح أن لا حرج في سفك الدماء بحقها، وساق الدليل من سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

 ومن ناحية أخرى، أشار ابن أبي زيد أن من ملك واشتدت وطأته وظهرت منه أمور منكرة فلا يقام عليه، وصاغ لهذا دليلا عقليا مصلحيا مجمله أن إصلاح الوضع وتغيير المنكر في هذه الحالة لا يتوصل إليه إلا بسفك دماء كثيرة، وأعقب ذلك بقصة عبد الله بن عمر العمري مع الجماعة الذين لجأوا إليه ليتزعم قومتهم فاستفتى مالك في المدينة فأفتى له بالحكم السابق أي المنع.

وفي آخر هذه الفقرة توجه ابن أبي زيد إلى أولئك الذين تورطوا في هذه الآفة مطالبا إياهم بالتقوى والتوبة، “وإنما وجبت التوبة للتائب”، على خلاف الفقهاء في توبة القاتل.

خامسا: مصادره ومنهجه

من أبرز المصادر التي اعتمدها ابن أبي زيد القيرواني في هذه الرسالة؛ نصوص الكتاب والأحاديث النبوية الشريفة، ومروياته عن شيوخه، وجملة من أقوال الصحابة أمثال ابن عباس وعبد الله بن عمر وعلي ابن أبي طالب وأبو بكر الصديق، وعدد من التابعين والفقهاء الصلحاء، ولم يذكر في هذه الرسالة سوى كتاب ابن المواز من بين الكتب المصادر التي اعتمدها. وتميز بأخذه عن أقطاب المالكية أمثال ابن القاسم وابن المواز وأشهب ويحيى بن عمر…

أما من الناحية المنهجية، فقد جاءت الرسالة مرتبة ترتيبا منهجيا محكما ومتسلسلا، استهلها ابن أبي زيد بمدخل عام بين فيه أغراض هذه الرسالة بالنسبة للسائل والمجيب، وفي الفقرة الثانية بسط قضية تعظيم الله لأمر الدماء بشكل مجرد ومفصل، وفي الفقرة الثالثة بسط القضية في شكلها التاريخي باعتبارها فساد في الأرض وحرابة، مبينا في الوقت نفسه خطورتها على أصل الاجتماع السياسي الإسلامي، وفي الفقرة الرابعة والأخيرة بسط الحلول والمخارج من هذه المعضلة من زاويتين؛ زاوية الوالي وزاوية جماعة المسلمين.

نص الرسالة

كتب قوم من أهل المغرب الأقصى إلى الشيخ أبي محمد بن أبي زيد رضي الله عنه يعلمونه بما يقع في بلادهم من سفك الدماء وتعصب القبائل بعضهم على بعض، فجاوبهم بهذه الرسالة: “بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على محمد وآله وسلم تسليما، وفقك الله وأرشدك، وحماك من مساخطه وسددك، كتبت إلي أن طوائفا بناحيتكم من أقصى[40] المغرب [141] يهون[41] عليهم سفك الدماء والفساد في الأرض، في حمية تأخذهم، وعدة أنفسهم تملكهم، لا يرجون لله وقارا، ولا يخشون منه عقابا. ورغبت إلي أن أكتب لك مما في كتاب الله سبحانه وقول الرسول عليه السلام من تعظيم أمر الدماء المسفوك بغير حق، والفساد في الأرض، وما في ذلك من الوعيد الشديد، وما يؤدي[42] إليه من التقاطع والتدابر وفساد ذات البين، وقطيعة الأرحام، واستباحة الحرام، وما يخشى في ذلك من عاجل الانتقام، في عاجل الدنيا، وما ينال فاعل ذلك من عذاب الآخرة.

قال أبو محمد: ورجوت أن ينتفع بذلك كثير منهم، وكتبت إليك بما حضرني في ذلك، وأسأل[43] الله أن ينفعك بنيتك، وأن ييسرنا وإياك لكل ما يرجا نفعه عنده برحمته. ومن سمع هذا الكتاب ممن وعظ به فهو تنبيه له، وممن يرجحه الله عليه، والهداية بيده، والتوفيق للخير هو المان به. قال أبو محمد: وربما نفع التذكار، وكان سبب الإنابة، والله يهدي إلى سواء السبيل. قال أبو محمد: وكلما أذكر لك من قول سلف؛ في شيء من كتاب الله سبحانه، وأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أقتصر على متون الأحاديث دون إسنادها، رغبة في الاختصار، ولأن ما أذكر من ذلك، فكله مروي عنه، ومشهور في أمر الدين، وبالله على كل خير أستعين، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

قال أبو محمد: اعلم أن الله تعالى عظم أمر سفك دماء المسلمين في كتابه على كل كبيرة بعد الشرك بالله  سبحانه، وكرر الزجر عنه، والتعظيم له، وذكر فيه من الوعيد والتخليد ما أذكره لك. وكان القتل أول أمر عظيم وقع في الأرض، من قتل قابيل هابيل، وهما أبناء آدم، وليس في الأرض يومئذ غيرهما، وأختين لهما، وأبويهم آدم، عليه السلام، وحواء[44]، وذلك أن حواء[45] أول ما ولدته قابيل وأخته في بطن، فأمر الله سبحانه آدم أن يزوج أخت قابيل لهابيل وأخت هابيل لقابيل، فرضي هابيل لقابيل، ولم (…) قابيل[46]، لأن أخت قابيل كانت أحسن من أخت هابيل، فأمرهما آدم أن يقربا قربانا، فمن أكلت النار قربانه كان أحق بها، فرضيا، فأكلت النار قربان هابيل، فتمادى[47] قابيل على أمره، أنفة منه، وحمية، وحسدا، فرد أمر الله، فخذله[48] الله، حتى أودته[49] تلك الحمية والحسد إلى أن قال لأخيه: لأقتلنك. فقال أخوه: ﴿قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾ (المائدة: 29-31). الله سبحانه: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (المائدة: 32). قال الحسن[50]: خسر الجنة. ولما بعث الله إليه غرابا قتل غرابا، ثم واراه، فوارى[51] هو أخاه كذلك، فأصبح من النادمين. وقال السدي[52]: ثلاث لا يقبل الله منهم توبة، إبليس، وابن آدم الذي قتل أخاه، ومن قتل نبيا. وقال الحسن: إن النبي [142] صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله سبحانه ضرب لكم ابني آدم مثلا، فخذوا خيرهما ودعوا شرهما”[53]. يقول: خذوا فعل خيرهما. ثم قال الله سبحانه: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: 34). قال السدي: يعني من قتل إنسانا بغير نفس أو فساد في الأرض يستوجب به القتل، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها، يقول أبقاها، فكأنما أحيا الناس جميعا. وقيل في قوله أحياها، بقول يفسر وجب لك قتلها فعفوت عنها. قال أبو محمد: وهذا غاية التعظيم للقتل، يرهب[54] الناس ذلك. قال أبو محمد: وقال سفيان الثوري[55]: قال النبي صلى عليه وسلم: “لا تقتل نفس مسلم، يعني بغير حق، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمه”[56]، وفي حديث آخر “لأنه سن القتل”[57]. وعلمت الملائكة ما عظم الله من أمر القتل قبل خلق آدم، علمت ذلك من الله سبحانه، فلما قال سبحانه للملائكة ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 29)، قالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَإلى قوله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 29). قال الحسن: “إن الله قد أخبر الملائكة، إني جاعل في الأرض خليفة، وإن من ولده من يسفك الدماء، فلذلك قالوا ما قالوا، فأجابهم الله ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾”. قال قتادة[58]: علم أنه يكون من ذلك الخليفة أنبياء ورسل، وقوم صالحون، يسكنون الجنة. قال الكلبي[59]: علم أنه سيكون من بني آدم من يسبح بحمده، ويقدس له، ويطيع أمره. قال قتادة: وإنما قالت الملائكة ما قالت، لأنها علمت من الله سبحانه أن سفك الدماء عنده عظيم. وقول قتادة بين، لأن الله سبحانه لم يرد عليها ما استعظمت من سفك الدماء، وإنما قال: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. وهو كما قال سبحانه، مما سبق في علمه، أن يجعل فريقا في الجنة وفريقا في السعير. قال أبو محمد: ومن تعظيم الله سبحانه لأمر الدماء، أن الله سبحانه جعل في قتل المؤمن خطأ الكفارة على من لم يرثه، والدية على من لم يجن، وهي العاقلة[60]، لئلا تبطل الدماء. فقال: ﴿وَمَنْ قَتَلَ[61]  مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ (النساء: 91). ومن تعظيم أمر القتل أيضا، أن الله سبحانه قال: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ (النساء: 92).

قال أبو محمد: واختلف في تفسير هذا التخليد، واختلف أيضا في توبة قاتل العمد، فقال ابن عمر وابن عباس: “لا توبة له”. وقال علي بن أبي طالب: “له التوبة”. قال أبو محمد: وروي عن ابن عباس، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “يأتي المقتول يوم القيامة معلقا رأسه بإحدى يديه ملببا[62] قاتله بيده الأخرى، فيقول المقتول لله سبحانه، رب هذا قتلني، فيقول الل،ه تبارك وتعالى، للقاتل تعست، ويذهب به إلى النار”[63]. وفي حديث آخر[64] [143] “يجيء المقتول يوم القيامة معلقا رأسه بإحدى يديه يسحب أوداجه دما، فلا ينتهين دون العرش يقول ربي سل هذا فيم قتلني”[65]. قال أبو محمد: قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (البقرة: 178). قال قتادة وغيره: جعل الله القصاص ليذكَّر ذلك الظالم المتعدي، فيكف عن القتل، ففي ذلك حياة.

وكان القتل والعِتاتة[66] في الأرض، والفساد فيها، من أعظم ما نهى الله عنه، وقد ذكره الله سبحانه في قوم شعيب مع ما ذكر من بعدهم، فقال: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (البقرة: 59). وقال سبحانه في المسلمين المحاربين المفسدين في الأرض بالقتل وغيره، ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ (المائدة: 35). قال أبو محمد: وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، سئل أي ذنب عند الله أكبر، قال: “أن تجعل الله ندا وهو خلقك”[67]، قلت أي ذنب يقرب من ذلك، قال: “أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك”[68]، فجعل القتل في التعظيم بعد الشرك بالله، قال: ثم نزلت هذه الآية تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم؛ ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ (الفرقان: 68) وروي ذلك عن غير واحد من الصحابة، أن القتل من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله سبحانه. فهو من أكبر الكبائر. قال أبو محمد: قال إبراهيم النخعي[69]: كانوا يرجون أن يلقى الله مسلمٌ نقي الكف من الدماء، إلا غفر الله له ما سوى ذلك[70]. وروى عن الحسن أنه قال: من لقي الله ولم يلتبس بدم مسلم، فقد لقيه خفيف الظهر، فجعلهم بما فعلوا من القتل والفساد في الأرض محاربين لله ورسوله. قال أبو محمد: قال في كتاب ابن المواز[71]: أن المحارب ليس هو بمنزلة السارق، والسارق لا يجب عليه القطع، إلا فيما بلغ ربع دينار، والمحارب إنما يجب عليه القطع لقطعه الطريق وفساده في الأرض، أخذ قليلا أو كثيرا أو لم يأخذ شيئا أصلا، إلا أنه خرج ليقطع الطريق مع من يقطع معه، أو وجد بسلاح أو بعصاً[72] أو بصوت[73] أو بغيره، فيعرض بقطع الطريق، ونفر الناس[74]، فأخذ على ذلك قبل أن يصل إليه شيء، فإنه لص يقام عليه ما يقام على من حارب الله ورسوله، وقد يكون من لم يأخذ مالا، ولم يقتل في المحاربة، أعظم محاربة وفسادا ممن أخذ وقتل. فالإمام يجتهد في ذلك، ويرى فيه رأيه مع رأي أهل الفضل والفقه؛ كان المحاربون رجالا أو نساء، أو مسلمين أو ذميين، أو عبيدا أو أحرارا، هم محاربون كلهم شرعا سواء. قال أبو محمد: وكفى[75] بهذا حراما، وإنما يقول الله: ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة: 35) قال أبو محمد: فجهاد المحاربين جهاد، قال أشهب[76]: هو من أفضل الجهاد. قال أشهب: وسئل مالك عن الأعراب الذين يقطعون الطريق، قال: جهادهم أحب إلي من جهاد الروم. قال أبو محمد: قال يحيى بن عمر[77]، فجهادهم إذا قوي أمرهم أفضل من جهاد الروم، لأن الله سبحانه [144] قال (…)[78] ما سمعت من محاربتهم بذلك له ولرسوله، وأن جزاؤهم ما ذكر من التنكيل في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة. وقال في الكفار: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ (محمد: 4)، فذكر استرقاقهم أو المن عليهم بالعتق بعد القدرة عليهم واسترقاقهم، وأمر في المحاربين إذا قدر عليهم قبل أن يتوبوا، بما أمر من التنكيل وشدة العذاب، مع الوعيد في الآخرة بالعذاب العظيم.

قال أبو محمد: قال يحيى بن عمر: وآثار المحاربين في الأرض أمر عظيم، وفساد كبير، لأن في ذلك شق لعصا[79] المسلمين وفساد ذات بينهم، وتعطيل أحكامهم، وفساد طرقهم، والضرر في معاشهم وأموالهم، وإقامة لواء الشيطان وطاعته، وإحياء أمر الجاهلية الذي فيه (…)[80] الأرض وفسادها، وإنما بعث الرسول عليه السلام لإماتة[81] أمر الجاهلية، وإحياء أمر الإسلام وشرائعه، وما رضيَ مما شرع من دينه، وبسط في الأرض من عدله وحقه[82]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله”[83]، قال في حجة الوداع في خطبته: “ألا إن دماءكم[84] وأموالكم عليكم حراما كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، اللهم قد بلغت”[85]، قالوا: نعم. وقال عليه السلام: “لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث؛ رجل كفر بعد إيمانه، أو زنا بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض”[86]، ثم جمعهما في المحاربة، وقال عليه السلام: “[لا]ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض[87]، يقول، عليه السلام: لا تعملوا عمل الكفار والجاهلية، الذين يسفكون الدماء بغير حق، إلا للحمية والغضب، والأنفية، والعصبية، والباطل، فليس هذا من أمر الإسلام[88]. قال أبو محمد: وقد استنقذ[89] الله الخلق بنبيه عليه السلام، فأنقذهم[90] من فساد أمر الجاهلية في دينهم وأعمالهم. قال الله: ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ (آل عمران: 103). وقال عليه السلام: “من حمل علينا السلاح فليس منا”[91].

قال أبو محمد: فهذه أوامر الله ورسوله، ومواعظه وآدابه..، وعيد الله الشديد في جميع ما ذكرنا من أوامر القتل والفساد. قال أبو محمد: فمن قرع هذا مسامعه من أهل الإسلام فلم ينبه لأمر الله ووعيده، وقد أبلغ الله إليه في المعذرة بكتابه ورسوله، فقد دخل في سخط الله ووعيده. وليس من الله بعدا ما إن (…)[92] في دنياه، وينال العقاب في آخرته. لو يؤخره ليوم يرجع فيه الخلق إلى الله، فتوفى لكل نفس ما كسبت، والله لا يخاف الفوات، وإنما يملي له إن أمهله، ليزداد إثما، ومن الله بعدا.

قال أبو محمد: واعلموا رحمكم [145] الله أن العصمة من هذا كله التمسك بأمر الله وكتابه، والدخول تحت إمام بار أو فاجر، فإن الإمام الذي اشتدت وطأته، وإن كان جائرا، فإنه يقوم من أمر الإسلام ما جمع نفعهم، في غير شيء من جهادهم عدوهم، وإقامة الحدود بينهم، وكف ظالمهم عن مظلومهم، وإصلاح سبلهم، وغير ذلك من مصالح شأنهم، وإثمه على نفسه فيما حاد فيه عن الحق في أمر الدنيا. قال أبو محمد: وهذا كله يعقد مع الفرقة، وترك الدخول في طاعة من ذكرت لك من إمام بار[93] أو فاجر. قال أبو محمد: وإذا صحت للمسلمين هذه[94] المصالح مع الفاجر، وفقدوا المصالح كلها مع الفرقة، فأي الأمور أولى بهم، إلا ما يفهم مصالحهم[95]، وهم لا يؤاخذون بظلمه[96]، فظلمه على نفسه. قال أبو محمد: ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا أمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوه”[97]، يريد في مصالح أمرهم، لا في معصية الله، ولا فيما خالف سنة نبيه، أن يأمرهم بذلك فيفعلونه[98]. وقال أبو محمد: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “سترون بعدي أثرة”[99]، وفي حديث آخر[100] “سترون بعدي اختلافا فعليكم بالطاعة ولو حبشي”[101]، ردد ذلك ثلاثا. وروي عن ابن مسعود عن النبي عليه السلام قال: “سيكون عليكم أمراء وستكون أثرة”، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله من أدرك ذلك منا، قال: “أدوا الحق الذي عليكم واسألوا[102] الله الذي لكم”[103]. وقال ابن مسعود:  ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة، وقاله عروة ابن الزبير[104]. وقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: إن هذا الأمر -يعني أمر الأئمة- لا يصلح إلا بسلطان عدل أو جائر، وسيقول القائل فما بال الجائر، قال: إنه يتبلغ به المؤمن، ويستمتع به الفاجر. وروي أن النبي عليه السلام قال: “يكون عليكم بعدي أمراء يعملون فيكم بأشياء تنكرونها، فمن أنكر نجا، ومن كره سلم، ولكن من تابع”[105]، قال الحسن: ألا وإن الإنكار ليس بالسيف. وروي عن ابن عباس أن النبي عليه السلام قال: “أيما رجل كره من أميره شيئا فيصبر، فإنه ليس أحدا يخرج من السلطان شبرا إلا مات ميتة جاهلية”[106]. قال أبو محمد: يعني أنه تخلق بخلق أهل الجاهلية، إذا أراد أمرا طلبه ولو بالقتل. وروي أن النبي عليه السلام قال: “سيكون قوم، يريد أمراء، يستوفون حقوقهم كلها ولا يوفونكم حقوقكم، يقضون بالهوى ويقتلون في الغضب ويستأثرون ويفعلون”، فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفلا نضرب أعناقهم، قال: “لا، ولكن اصبروا، حتى تأتوني”[107]. وروي عن ابن عباس أن النبي [146] عليه السلام قال: “من رأى[108] من الأمير ما يكره، فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت، إلا مات ميتة الجاهلية”[109]. وروي عن النبي، عليه السلام، أنه قال: “من خرج من أمتي، فضرب برها وفاجرها، لا [يتحاشى][110] من هو منها، ولا يفي بذي عهدها، فليس مني”[111]. قال الحسن: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا المسلمان التقيا بسيفهما، فقتل أحدهما الآخر، فالقاتل والمقتول في النار”، قيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول، قال: إنه قد أراد قتله[112]. قال أبو محمد: يريد، عليه السلام، في أهل العصبة والحَميَّة، كلاهما يرى القتال والفساد، فأما من قتل وهو مظلوم، فليس من شأنه الخروج بالسيف على الفساد، فهو شهيد. قال الحسن: فلا يجيئن[113] أحدكم يوم القيامة على كفه من دم مسلم، فإنه لا يشم ريح الجنة. قال أبو محمد: وهذا يكثر ذكره، وفيما ذكرنا كفاية لمن وفقه الله وأراد نجاته.

قال أبو محمد: وأكثر هذه الأحاديث إنما هي فيمن سل سيفه على معنى[114] الفتنة، وطلب الملك، فكيف بمن سل سيفه على القصد إلى الظلم، والعصبة، والحمية، والفساد في الأرض. وروى ابن القاسم[115] عن مالك، أن للوالي أن يدعو أهل العصبة إلى أن يفوا، فإن أجابوا (…) وإلا جوهدوا، إن لم يرجعوا إلى مناصفة الحق بينهم، فإن رجعوا وإلا قوتلوا. قال أبو محمد: أهل المعصية الذين يكون بينهم العداوة على غير حق، إلا كبرا، ونفاسة، وتطاولا[116] على من دونهم، أن يقهروهم أو ينقموا عليهم الأمر الخفيف، فيتطاولوا إلى إهلاكهم، ولا يرضوا بما يجب لهم في الحق والعدل، فإن أبوا قاتلهم حتى يرجعوا إلى الحق. قال أبو محمد: ولقد يخرج عند واحد من الصحابة على القتال مع بعض الصحابة، على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن الذي فعلوه إلا على التأويل، وطلب الحق وإقامته، لم يكن ذلك من أحد منهم على ضلوع، ولا على طلب الفساد، بل على التأويل. كل ما كان منهم بالاجتهاد[117]، وهم أهل الاجتهاد. والسلف الصالح الذي أمر بتعزيرهم وتوقيرهم، وحسن الظن بهم، وأن لا يحل (…) المخارج عليهم[118]. قال أبو محمد: وإنما ذكرت لك أن بعضهم أوداه[119] الإشفاق من السيف والقتل، لما في قلبه من تعظيم أمر الله للدماء، ولم يخرج مع أحد، ليستدل بذلك على تعظيم أثر القتل في الإسلام. وفي السلف الصالح؛ فمنهم محمد بن مسلمة[120]، اتخذ سيفا من خشب، وكسر سيفه، وأبى[121] أن يخرج، ومنهم ابن عمر وغيره، لما أشفقوا من أمر الدماء الذي هو عند الله عظيم. قال أبو محمد: ولا إكراه، إذا أسفكت الدماء بحقها، فذلك مرضاة الله عز وجل. قال الصديق رضي الله عنه للذين قالوا له من الصحابة، في الذين منعوا الزكاة، فقالوا له دعهم، فذكروا له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “أمرت أن أقاتل الناس… [147] حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمآءهم إلا بحقها”[122]. قال أبو بكر: فهذا من حقها، والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. قال أبو محمد: وكان رأيه في ذلك سددا، ورجع إليه من خالفه من الصحابة، وقاتلوا أهل الردة، ممن منع (…)[123] الزكاة وغيرهم، حتى عاد أمر الإسلام إلى أحسنه، وتبين فضل أبي بكر رحمة الله عليه. قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد: وأما ما جرى من الفتن بعد أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيمن قاتل على الملك وآخر يقاتله على الملك، فلم يختلف السلف على النبي عن القتال على هذا.

قال أبو محمد: وأما من ملك، واشتدت وطأته في الأرض، وظهرت منه أمور منكرة، فلا يقام عليه ليتغير ذلك المنكر، لأن ذلك لا يوصل إليه إلا بسفك الدماء الكثير، وهو من الذين تواترت الأحاديث بالصبر على جورهم ما أقاموا الصلاة، وينتفع بهم في وجوه كثيرة من مصالح المسلمين، كما تقدم ذكرنا إياهم. والقيام على من اشتدت وطأته، لا يقوم خير ذلك بشره. وكذلك رأى أكثر السلف، وأهل المدينة. قال أبو محمد: ولقد كتب أهل الآفاق إلى عبد الله بن عمر العمري، وكان ناسكا، وهو رجل صالح، يسألونه أن يقوم في العدل وبغير المنكر، ويحيي سنة عمر، وقالوا له ونحن نخرج معك، وننصرك، وكان قد خرج من المدينة واعتزل، (…) فأتى إلى المدينة، فأرسل إلى ملك[124] رجلا أراه ابن زبير، فقال له: قل لملك أن عبد الله بن عمر العمري يشاورك فيما كتب إليه أهل الآفاق، من الخروج في الحق وأنهم ينصرونه، وذكر أنه يريد الحق ولا يريد الدنيا، وقال للمرسول: فإذا أجابك، فاسأله[125] عن الحجة فيما يقول[126]. فقال له ملك: قل له إن عمر بن عبد العزيز كان إمام هدى، وكان يقول في ولايته لو كان إلي من الأمر شيء لقلدتها هذا الأخفش، يعني الخلافة، ويريد بالرجل القاسم بن محمد[127]، ولكنه عرف أنه لو فعل ذلك لجادلته على ذلك بنو[128] أمية بالسيوف، فلما عرف عمر أنه حق لا يوصل إليه إلا بخوض الباطل، تركه ولم يوص به[129] إلى أحد. قال ملك: قل له فمن لك بحق لا يوصل إليه حتى تخوض إليه باطلا كثيرا. قال أبو محمد: فأخبره الرسول بقول ملك، فرد عباءته[130] على حماره، وخرج إلى موضعه، وأبى[131] أن يخرج. قال أبو محمد: وهذا كله من فعل السلف، رهبه في الدخول في الدماء، بأمر فيه ريبة، أو شبهة، ولم يريدوا أن يضعوا أسيافهم إلا في الجهاد، وفي أمر لا شبهة فيه، ولا يجر إلى باطل ولا فساد، تعظيما لما عظم الله من الدماء والفساد في الأرض. قال أبو محمد: فكيف بمن سل سيفه، ويقتل النفوس على الباطل الذي لا شك فيه، والمنكر الذي لا يختلف فيه أحد من أمة محمد أنه ظلم وعدوان. لقد خاب وخسر من دخل في ذلك، واستخف بأمر الله العظيم، واستوجب من الله سبحانه سخطه والعذاب الأليم الذي أعد الله له، ولابد له من لقاء الله، ولا يعذره فيما تحمل من الأمر الذي عظمه الله، واستحق به العذاب الأليم، وهو أهل له. قال أبو محمد: فليتق الله من دخل في مثل هذا [148] وليبادر[132] للإنابة[133] والتوبة، ويكف يده، ويندم على ما تقدم من جرمه، فلعله إذا صدق الله في توبته قبلها وتاب عليه وأرضى[134] عنه من تحامل في دمه بأفضل مما ناله بالله، فإن الله عنده الفضل العظيم، وهو واسع كريم. فيكون (…) ممن أصر حتى أتته منيته على ما هو به، وإنما وجبت التوبة للتائب، لاختلاف الصحابة في توبة القاتل، وقد تقدم ذكر هذا. قال أبو محمد: وإنما وجبت التوبة للتائب لاختلاف الصحابة.

احتسبت أيها الراغب إلي في النصيحة لهؤلاء القوم، رجاء أن ينتفع بذلك من بلغه، وقد بلغت من النصيحة ما أمكنني. اسأل[135] لنا ولك الهداية والتوفيق إلى محابه، وسلوك السبيل الأقوم من طاعته من (…)، وهو حسبنا ونعم الوكيل. تم الكتاب*.

الهوامش

  1. أول من لفت انتباهنا إلى هذه المخطوطة الثمينة الأستاذ هاشم العلوي القاسمي في أطروحته “مجتمع المغرب الأقصى”، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية–المملكة المغربية، ط: 1995.
  2. امحمد جبرون، الفكر السياسي في المغرب والأندلس في القرن الخامس الهجري، أطروحة دكتوراه في التاريخ نوقشت في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة عبد الملك السعدي–تطوان، المملكة المغربية، ستصدر قريبا عن دار أبي رقراق بالرباط، وبدعم من وزارة الثقافة المغربية.
  3. توجد ضمن مجموع في الخزانة العامة بالرباط، يعود أصله إلى المكتبة الكتانية، مسجل تحت رقم 1275ك، ويضم، إلى جانب هذه الرسالة، مخطوط “مفاخر البربر” ونصوصا أخرى. ولم نعثر على نسخة أخرى من هذه الرسالة في أي من المصادر المخطوطة التي عرفناها، بما في ذلك المجموع الثاني الذي يضم النسخة الثانية من مخطوط “المفاخر” التي تحمل رقم: 1020د.
  4. فحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله”، يرد عند البخاري وابن ماجة وأبو داود مختلفا لفظه بعض الشيء عن نص هذه المخطوطة. (أنظر على سبيل المثال الهوامش التالية من هذا التقديم 90، 92، 93…).
  5. كتب ابن أبي زيد القيرواني في مطلع رسالته هاته ما يلي: “وكتبت إليك بما حضرني في ذلك”، “ولأن ما أذكره من ذلك، فكله مروي عنه، ومشهور في أمر الدين”.
  6. نفزاوة من شعوب البربر البتر، الذين تفرقت بطونهم في مناطق مختلفة من المغرب من أدناه إلى أقصاه حسب ابن خلدون وصاحب المفاخر، غير أن أصحاب دائرة المعارف الإسلامية نسبوا القيرواني وقبيلته إلى أعمال الأندلس، وقد يكون هذا الأمر صحيحا إذا كان المقصود به أن ابن أبي زيد القيرواني ينتسب إلى بطن من بطون نفزاوة الذي استقر في تاريخ معين في الأندلس. (ابن خلدون، العبر، ج: 6، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1992، ص135. مجهول، مفاخر البربر، تحقيق: عبد القادر بوباية، دار أبي رقراق-الرباط، ط1، 2005، ص80. أحمد الشنتناوي وإبراهيم زكي خورشيد وعبد الحميد يونس، دائرة المعارف الإسلامية، ج 1، (د. ت)، ص154).
  7. دائرة المعارف الإسلامية، م، س، ص80.
  8. عبد الكبير بن المجدوب الفاسي، تذكرة المحسنين ج1، نشرت بعناية الأستاذ محمد حجي ضمن موسوعة أعلام المغرب، بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط1، 1996، ص258. أحمد بالقاضي المكناسي، جذوة الاقتباس، ج1، الرباط: دار المنصور للطباعة والنشر، 1973، ص194-196.
  9. القاضي عياض، ترتيب المدارك، تحقيق: سعيد أعراب، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط1، 1981، ج6، ص215-222. ابن فرحون، الديباج المذهب، تحقيق: الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، القاهرة: دار التراث، ص427-430. أبو علي صالح، كتاب القبلة، مخطوط الخزانة العامة بالرباط، ضمن مجموع، رقم 985ق، ص14-15. مؤلف مجهول، مفاخر البربر، تحقيق عبد القادر بوباية، الرباط: دار أبي رقراق، ط1، 2005، ص154.
  10. قطع المعز شرف الدولة الصنهاجي (406هـ-455هـ) الدعوة العبيدية بشكل رسمي سنة 440هـ، رغم تراجع الاهتمام بها من طرف الدولة وأركانها قبل هذا التاريخ، وبمدة ليست بالقصيرة، ولهذا فقد جعل الدكتور مصطفى أبو ضيف أحمد في تحقيقه “نهاية الأرب في فنون الأدب” للنويري رحيل أبو تميم المعز لدين الله العبيدي (ت 365هـ) إلى مصر سنة 361هـ نهاية الدولة العبيدية في إفريقية).
  11. السنة التي غادر فيها هذا الخليفة نحو مصر.
  12. ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق: ج. س. كولان وإ. ليفي بروفنسال، بيروت: دار الثقافة، ج1، ص151.
  13. تولى قضاء القيروان ما بين 296هـ و301هـ. (نفسه، ص151، 159، 173. النويري، نهاية الأرب، م، س، الهامش، 137، ص52، 53).
  14. المرجع نفسه، ص183، 187، 188.
  15. المرجع نفسه، ج1، ص182، 188،189. النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب (الدولة الفاطمية ببلاد المغرب)، تحقيق: مصطفى أبو ضيف أحمد، مطبعة النجاح، 1988، الهامش رقم 138، ص53.
  16. القاضي عياض، المدارك، تحقيق: محمد بن شريفة، (ب. ت)، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية–المملكة المغربية، ج5، ص329.
  17. المرجع نفسه، ج5، ص329.
  18. النويري، نهاية الأرب”، م، س، الهامش رقم: 156، ص58. ذ. نجم الدين الهنتاتي، الصراع المذهبي بالقيروان وتفاعله مع واقعها الاقتصادي–الاجتماعي والعمراني إلى منتصف القرن 5هـ/11م، مجلة التاريخ العربي، ع: 10، (ربيع 1420هـ/1999م)، ص239.
  19. ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، م، س، ص216-218.
  20. ابن فرحون، الديباج، ج1، م، س، ص427.
  21. ابن خير، الفهرسة، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1998، ص213.
  22. ابن أبي زيد القيرواني، الرسالة، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية-المملكة المغربية، ط3، 1994، ص15، 16.
  23. ابن الزيات التادلي، التشوف إلى رجال التصوف، تحقيق: أحمد توفيق، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية–الرباط، ط1، 1984، ص417.
  24. هذه الأسماء مذكورة في مخطوط كتاب القبلة، وهي غير واضحة بما يكفي. والجدير بالذكر أن هذا المخطوط حسب إفادة أستاذنا الدكتور محمد مفتاح حقق من طرف أحد الباحثين، وقد حاولنا الحصول عليه فلم نستطع (أبو علي صالح، كتاب القبلة، مخطوط، رقم 985ق، ضمن مجموع، الخزانة العامة بالرباط، ص14-15).
  25. القاضي عياض، المدارك، ج. 8، م، س، ص188، 189.
  26. ابن أبي زرع، الأنيس المطرب، المطبعة الملكية-الرباط، ط2، 1999، ص161.
  27. امحمد جبرون، انتساب فقهاء سبتة المبكر للمرابطين وأثره، مقالة ستنشر قريبا.
  28. أبو علي صالح، كتاب القبلة، م، س، ص14-15.
  29. عبد الله كنون، ذكريات مشاهير رجال المغرب (أبو عمران الفاسي)، بيروت: دار الكتاب اللبناني، القاهرة: دار الكتاب المصري، المجلد الرابع، ص6.
  30. عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب، ج.2، البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط1، 1994، ج2، ص75.
  31. المرجع نفسه، ص74.
  32. مجهول، مفاخر البربر، دراسة وتحقيق: عبد القادر بوباية، الرباط: دار أبي رقراق، ط1، 2005، ص94. ابن أبي زرع، روض القرطاس، م، س، ص107.
  33. اشتغل د. هاشم العلوي على هذه الحقبة، وتحديدا على المجتمع، ووقف على هذه الصعوبة بوضوح. ففي سياق معالجته لظاهرة الأحلاف القبلية في القرن 4هـ قال: “لا نبالغ إذا قلنا إننا نقوم بحفريات في عالم مجهول، عملت عوامل متعددة في طمس حقائقه”. (د. هاشم العلوي القاسمي، مجتمع المغرب الأقصى خلال القرن 4هـ/10م، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية-المملكة المغربية، ط: 1995، ص280).
  34. كان أميرا على فاس، ولاه عليها الناصر بعد أن بايعه أهلها، “وكان من أبسط ملوك زناتة يدا، وأعظمهم شأنا وأحسنهم إلى ملوك بني أمية انحياشا”. (ابن أبي زرع، روض القرطاس، م، س. ص107. ابن عذاري، البيان المغرب، ج: 2، م، س، ص242-243).
  35. مجهول، مفاخر البربر، م، س، ص96. ابن عذاري، البيان المغرب، م، س، ج2، ص242-243.
  36. هو الخليفة الأموي الأندلسي، تولى الخلافة بعد الناصر سنة 350هـ، وكانت وفاته سنة 366هـ.
  37. مجهول، مفاخر البربر، م، س، ص103. ابن أبي زرع، البيان المغرب، م، س، ج2، ص249.
  38. مجهول، مفاخر البربر، م، س، ص105.
  39. المرجع نفسه، ص111.
  40. في الأصل أقصا.
  41. في الأصل تهون.
  42. في الأصل يودي.
  43. في الأصل واسئل.
  44. في الأصل حوا.
  45. في الأصل حوا.
  46. هنا لفظة ساقطة لابد منها حتى يستقيم معنى الجملة، والمعنى فيما نحسب “لم يرض قابيل”.
  47. في الأصل فتمادا.
  48. في الأصل فخذله.
  49. في الأصل فودته.
  50. هو الحسن البصري، بن يسار (أبو سعيد)، أحد الفقهاء الشجعان النساك، ولد بالمدينة وشب في كنف علي بن أبي طالب كان يدخل على الولاة يأمرهم وينهاهم، لا يخاف في الحق لومة لائم، ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إليه: إني قد ابتليت بهذا الأمر فانظر لي أعوانا يعينوني عليه، فأجابه الحسن: “أما أبناء الدنيا فلا تريدهم، وأما أبناء الآخرة فلا يريدونك، فاستعن بالله” (الزركلي، ج2، ص226، 227. ابن خلكان، وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، بيروت: دار الثقافة، ج2، ص69-73).
  51. في الأصل فورا.
  52. هو إسماعيل السدِّي بن عبد الرحمن، تابعي سكن الكوفة، كان إماما عارفا بالوقائع وأيام الناس. (الزركلي، ج1، ص317. أحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني، رجال صحيح مسلم، ج: 2، تحقيق عبد الله الليثي، بيروت: دار المعرفة، ط1، 1987، ص410).
  53. ذكره السيوطي في “الدر المنثور في التفسير بالمأثور”، بيروت: دار المعرفة، ج2، ص257.
  54. في الأصل غير واضحة.
  55. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري (أبو عبد الله)، راوده المنصور العباسي على أن يلي الحكم فأبى وانتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفيا سنة 61هـ (الزركلي، ج3، ص104-105، الأصبهاني، ج1، ص282-285).
  56. رواه البخاري باللفظ التالي: “لا تقتل نفس إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها”، ورواه مسلم وأحمد أيضا بلفظ آخر قريب من هذا.
  57. رواه أحمد في مسنده وعبد الله بن مسعود كذلك في مسنده.
  58. هو قتادة بن دعامة؛ حافظ العصر وقدوة المفسرين، مولده سنة 60هـ. روى عنه كثير وروى عن كثير بما فيهم أنس بن مالك، توفي عام 117 أو 118هـ، وكان متهما بالقدرية والدلس. (الزركلي، الأعلام، بيروت: دار العلم للملايين، ط1، 1995، ج5، ص189، الأصبهاني، ج2، ص149-151).
  59. هو دحية الكلبي، صحابي جليل، ورسول النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى قيصر الروم، روى عددا من الأحاديث وكان موصوفا بالجمال وكان ينزل جبريل في صورته، وتخرج المعصرة (التي دنا حيضها) لتنظر إليه لحسنه، وعاش حتى زمن معاوية (الزركلي، الأعلام، ج2، ص337).
  60. العاقل وهو دافع الدية، وعاقلة الرجل عصبته وهم القرابة من جهة الأب الذين يشتركون في دفع ديته.
  61. في الأصل يقتل.
  62. في الأصل مليبا، ومعناها جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جره. (إبراهيم مصطفى وحسن الزيات، المعجم الوسيط، منشورات مؤسسة الدعوة، استانبول، ص811).
  63. ذكره الطبري في المعجم الكبير وابن أبي شيبة في مسنده بلفظ مختلف وزيادات عند ابن أبي شيبة.
  64. في الأصل أخرى.
  65. رواه النسائي والبيهقي باللفظ التالي: “يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه في يده وأوداجه تشخب دما يقول يا رب قتلني حتى يدنيه من العرش”.
  66. المنازعة والخصومة.
  67. رواه ابن حبان، وفي البخاري “أن تدعو الله ندا وهو خلقك”.
  68. رواه البخاري، وعند ابن حبان “أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك”.
  69. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، من أكابر التابعين صلاحا وصدقا، روى الحديث، وهو من أهل الكوفة، مات، رحمه الله، متخفيا من الحجاج، كان إماما مجتهدا صاحب مذهب (الزركلي، ج: 5، ص294، الأصبهاني، ج1، ص47).
  70. هذا التركيب مضطرب، لا يؤدي المعنى الذي أراده الكاتب.
  71. هو محمد بن إبراهيم بن زياد (ابن المواز)، فقيه مالكي من أهل الإسكندرية انتهت إليه رئاسة المذهب في عصره، له عدة تصانيف. (الزركلي، ج5، ص294).
  72. في الأصل بعصىً.
  73. لم نتبين معنى هذه اللفظة في النص.
  74. في الأصل بالناس.
  75. في الأصل كفا.
  76. هو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي أبو عمر، فقيه الديار المصرية في عصره، كان صاحب الإمام مالك (الزركلي، ج. 1، ص333، ابن خلكان، الوفيات، ج: 1، م، س، ص238-239).
  77. هو يحيى بن عمر بن يوسف الأندلسي الجياني (أبو زكرياء)، فقيه مالكي عالم بالحديث، من موالي بني أمية من أهل جيان، وسكن القيروان له عدة مؤلفات (الضبي، بغية الملتمس، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: 1/1997، ص440، 441، الزركلي، ج8، ص160).
  78. غير واضحة في الأصل.
  79. في الأصل العصا.
  80. كلمة غير واضحة في الأصل.
  81. في الأصل فإماتة.
  82. في الأصل وحقة.
  83. رواه البخاري باللفظ التالي: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله”. والحديث رواه كذلك أبو داود وابن ماجة مع اختلاف طفيف في اللفظ.
  84. في الأصل دماؤكم.
  85. رواه البخاري والترمذي وأبو داود وابن أبي شيبة والدرامي مع اختلاف في اللفظ.
  86. رواه البخاري باللفظ التالي “لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة”.
  87. رواه البخاري ومسلم وآخرون. وفي الأصل “ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”.
  88. قد يهم البعض في هذه الجمل ويرى فيها حديثا وهي ليست كذلك، فهي شرح وتوضيح للحديث السابق “لا ترجعوا …”.
  89. في الأصل استنقد.
  90. في الأصل أنقدهم.
  91. رواه البخاري.
  92. كلمة غير واضحة في الأصل.
  93. في الأصل بارا.
  94. في الأصل “إذا صح المسلمون هذا المصالح”.
  95. لعل المقصود إلا ما يحقق مصالحهم.
  96. في الأصل بظلمهم.
  97. رواه ابن أبي شيبة باللفظ التالي: “إن أمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا ما قدكم بكتاب الله”.
  98. هنا خلل في التركيب لا يساعد على إدراك المعنى.
  99. رواه البخاري ومسلم مع اختلاف في اللفظ.
  100. في الأصل أخرى.
  101. لم أعثر عليه بهذا اللفظ.
  102. في الأصل اسئلوا.
  103. رواه مسلم والبخاري بألفاظ مختلفة.
  104. هو عروة ابن الزبير بن العوام الأسدي القرشي أبو عبد الله، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، وأفاضل أهلها وعقلائهم، لم يدخل في شيء من الفتن، ومات رحمه الله سنة 94هـ (الزركلي، ج: 4، ص226. الأصبهاني، ج1، ص116-117)
  105. جاء في صحيح مسلم “إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم. ولكن من رضي وتابع”.
  106. رواه مسلم والبخاري مع اختلاف طفيف في اللفظ.
  107. لم أعثر عليه.
  108. في الأصل رءا.
  109. رواه البخاري باللفظ التالي: “من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، إلا مات ميتة جاهلية”، وعند مسلم بلفظ قريب من هذا.
  110. غير واضحة في الأصل، والتصحيح من متن الحديث.
  111. رواه مسلم باللفظ التالي: “من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه”. ورواه احمد في مسنده باللفظ التالي: “من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى لمؤمنها ولا يفي لذي عهدها فليس مني ولست منه”.
  112. رواه البخاري باللفظ التالي “إذا التقى المسلمان بسيفهما، فالقاتل والمقتول في النار”، قيل يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول، قال: “إنه كان حريصا على قتل صاحبه”، ورواه مسلم وابن حبان والبيهقي مع اختلاف بسيط في اللفظ.
  113. في الأصل يجين.
  114. في الأصل “معنا”.
  115. هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي المصري (أبو عبد الله)، فقيه جمع بين الزهد والعلم، تفقه بالإمام مالك ونظرائه، صحب مالك عشرين سنة، وتفقه به وبنظرائه، له المدونة، رواها عن مالك. كان لا يقبل جوائز السلطان، وكان يقول: “ليس في قرب الولاة ولا في الدنو منهم خير”، وتوفي، رحمه الله، سنة 191هـ. (ابن فرحون، الديباج المذهب، ج1، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور، القاهرة: دار التراث، ص465-468. الزركلي، ج3، ص323).
  116. في الأصل تطاول.
  117. في الأصل لاجتهاد.
  118. جملة غامضة المعنى.
  119. في الأصل وداه.
  120. هو محمد بن مَسلَمة الأنصاري، صحابي من أهل المدينة، شهد بدرا، واعتزل الفتن إلى أن مات رحمه الله سنة 43هـ، في ولاية معاوية بالمدينة، يحكى عنه أنه “اتخذ سيفا من خشب بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، ولم يشهد شيئا من الفتن”. (الزركلي، ج7، ص97. الأصبهاني، ج2، ص208).
  121. في الأصل وأبا.
  122. رواه البخاري بلفظ آخر.
  123. في الأصل زيادة “من” وهي لا معنى لها في هذه الجملة.
  124. لعله يقصد الإمام مالك.
  125. في الأصل فسئله.
  126. في الأصل تقول.
  127. هو القاسم بن أبي محمد بن أبي بكر الصديق (أبو محمد)، أحد الفقهاء السبعة في المدينة، ولد فيها وتوفي بنواحيها، كان صالحا من سادات التابعين، قال عنه البعض كان أفضل أهل زمانه، كان يقول في سجوده “اللهم اغفر لأبي في عثمان، توفي في أوائل المائة الثانية، ما بين 101 و112هـ. (ابن خلكان، الوفيات، ج4، ص59، الزركلي، ج5، ص181).
  128. في الأصل بنوا.
  129. في الأصل بها.
  130. في الأصل عباته.
  131. في الأصل وأبا.
  132. في الأصل وليبادو.
  133. في الأصل الانابة.
  134. في الأصل أرضا.
  135. في الأصل اسئل.
Science
الوسوم

د. امحمد جبرون

باحث في تاريخ المغرب الوسيط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق