وحدة الإحياءدراسات محكمة

إعادة الوفاق بين الإنسان والطبيعة.. تجديد المنهج في دراسة الأنساق البيئية[1]

ينطلق هذا العمل من التساؤل عن مدى إجرائية العلاقة الجدلية بين النظرية والميدان، بمعنى مدى أهمية أن يتحقق التداخل والتكامل بين النظر الفكري المنهجي في الظواهر الطبيعية وتمثلها، وبين الدراسة الميدانية الترابية الحية التي تخرج الباحث من ضيق المفاهيم المجردة إلى سعة الفكر العملي التطبيقي، في علاقة بمعيش الناس وتفاعلهم مع محيطهم البيئي بحثا عن إسعاد الإنسان وتحقيق الرشد البشري وسلامة البيئة والمحيط الحيوي.

وقد آثرت أن أبدأ بمساءلة إبستيمولوجية حول مكانة الإنسان في الطبيعة؛ إنها مساهمة في إعادة الوفاق بين الإنسان والطبيعة، تروم إبراز أهمية البنيات المحركة للأنساق البيئية الطبيعية في اكتساب وعي وجودي بوضع الإنسان داخل البيئة بشكل جدلي.

إن المحور الرئيسي الذي تدور حوله أفكار هذه الدراسة هو المقاربة الشاملة للإنسان في سياقه الطبيعي، ذلك أن قراءة متأنية لتطور الفكر العلمي تعلمنا أن رواد ومثقفي عصر النهضة، وقبلهم علماء الحضارة الإسلامية، كان لديهم حس شامل وكوني إزاء المعلومة العلمية، وطريقة تركيبية في تناول الإنسان داخل محيطه البيئي.

يمكننا مثالان من الاقتراب من هذا النمط من المعرفة العلمية والفلسفية في آن واحد: المثال الأول؛ هو نظرية البصمات (Théorie des signatures)، والثاني؛ هو علم النبات الجوتي نسبة إلى الفيلسوف الألماني جوته. من هذا المنطلق، تطرح الإشكالية التي سأحاول تحليلها على الشكل التالي: كيف نصالح مقاربتنا العلمية للإنسان داخل الطبيعة مع الرؤية الشاملة والتركيبية التي كانت عند علماء عصر النهضة، وقبلهم علماء الحضارة الإسلامية خلال فترة الازدهار والإبداع العلمي؛ إن عنصر الإجابة يتخلص فيما أسميه “التفكير النسق-بيئي”.

إن هذه المقاربة لا تسعى، بطبيعة الحال، إلى التنظير وتقعيد هذه الأفكار بشكل مركب، بل تطرح هنا بمنطق الفرضية التي ينبغي أن تخضع للاختبار، ذلك أن التحول الإبستيمولوجي من اختبار لل”فكر المركب” إلى مقاربة متعددة الاختصاص لنسق بيئي محلي، في صيرورته الديناميكية، لا يمكنه أن يؤدي إلا إلى محاولة بسط أفكار أولية، لكن بنفس تجديدي مستشرف.

يعتبر مفهوم النسق اليوم مفهوما مألوفا بعد أن ظهر من جديد على سطح المعرفة المعاصرة، وقبلها كان سائدا في التاريخ العلمي أن معرفة الأجزاء أو العناصر الأساسية تكفي لمعرفة المجموع. لقد عادت للظهور فكرة معروفة منذ القدم مفادها أن الكل هو شيء أكبر من مجموع الأجزاء، وبعبارة أخرى يمكن القول أن كلا منظما، أي نسقا، ينتج ويسهل بروز بعض الخصائص النوعية التي لم تكن متواجدة في الأجزاء المنفصلة. ويمكن القول أن مفهوم النسق والنظام يمكننا من ربط الأجزاء بالكل ومن تحريرنا من المعرفة الممزقة[2].

إنه من خلال فكرة النسق، أمكننا من خلال دراسة نسق بيئي طبيعي مغربي أصيل، منتظم حول شجر الأركان (Argania spinosa)، من إبراز تعقد الأنساق البيئية وصواب الرؤية الشمولية للظواهر الطبيعية. إن هذا المرور من الفكري إلى العملي، من النظري إلى الميداني يعتبر خطوة حاسمة لا يمكن أن تنجز إلا عبر مقاربة متعددة الاختصاص من أجل الحصول على نتائج مرضية.

نظرية البصمات النباتية

إن الفكرة الأساسية لهذه النظرية هي اعتبار الكائن البشري، باعتباره كائنا حيا مثله مثل الحيوان والنبات، مساهما في الطبيعة. بالنسبة للذين يتبنون هذه النظرية، فإن الإنسان يدل، من خلال الفيزيولوجيا البشرية، على انتمائه للعالم الحي بشكل عام، لذلك وجب عليه الوعي الكوني بوجود نباتات علاجية في الطبيعة.

إن الشامان، والرعاة والفلاحون محبو الأرض و”المفردات” النباتية، تمثلوا بشكل تركيبي وشامل ما أتاحت لهم البيئة الطبيعية التفكير فيه. إن الإنسان الأول، نظرا لقربه من الطبيعة، تمكن، دون أن يكون دائم الوعي بذلك، من الانسجام مع عالم النبات؛ بالإضافة إلى التجارب في مجال الطبخ وتقنيات التعامل مع المواد الطبيعية الأخرى، من إثبات الانطباعات التي تكونت لديه حول الوظائف العلاجية لبعض النباتات المسماة طبية.

ضمن هذا الأفق تمكن “إدوارد باخ” من اكتشاف أن بعض النباتات، إذا أخذت على شكل إكسير زهري، تهدئ من روع الحالات العصبية؛ إن هذه الطريقة في رؤية عالم النبات تبدو لأول وهلة مرتبطة أكثر بالتأمل والطقوس أكثر من المعرفة النباتية الموضوعية.

بالنسبة لمؤرخ العلوم، تحيل نظرية البصمات النباتية، بالدرجة الأولى، إلى علماء القرن 16 الميلادي، الذين كانوا يقولون بوجود توافق صارم بين عضو ما في الجسم البشري، ونبتة ما من خلال بصمة واضحة تذكِّر، بشكل من الأشكال، بالعضو البشري المراد علاجه. إذا صدقنا باراسيل [3](Paracelse)، فإنه ليس من إرادة الله إخفاء ما خلق من منافع للناس؛ وحتى لو أخفى بعض الأشياء، فإنه لم يترك أي شيء بلا إشارات خارجية واضحة مع رواشم خاصة، مثل شخص دفن كنزا تحت الّأرض ووضع علامة تدله عليه لاحقا[4].

إن قراءة بصمات النباتات تبدو واجبا أساسيا لمن يريد استغلال فوائدها العلاجية؛ نقرأ في مرجع البصمات لكروليوس (Crollius)، أن دور الطبيب يتمثل في مجرد تمرين يحل فيه أسرار البصمات؛ أولا تكلم النباتات الطبيب الشغوف عن طريق بصماتها، معلنة بذلك عن خصائصها الباطنية المحجوبة تحت حجاب صمت الطبيعة؟[5]. ويذهب باراسيلز، أبعد من ذلك، حينما يعلن أن الطبيعة تتوفر على قدرة علاج ذاتية، وما على الطبيب إلا أن يجاريها في ذلك؛ بالنسبة لهذا العالم، فإن أي شيء موجود في عالم الظواهر(العالم الفيزيائي)، نابع من نفس المادة الأصلية. وبناء عليه، فهناك “تماثل بين الإنسان والأشياء الخارجية مما يؤدي إلى التوافق والقبول المتبادل[6].

إن أصالة هؤلاء العلماء تكمن في تصورهم الفلسفي لنسق تواصلي بين الإنسان والنبات، وهو نسق يغدو مدركا بالنسبة للملاحظ اليقظ بفضل قراءة صائبة للبصمات؛ من هذه الزاوية تنتمي نظرية البصمات النباتية، كنسق فلسفي، إلى عصر النهضة الأوروبية، لكن في هذا الميدان كما في غيره، تدين أوروبا بالكثير إلى العصر اليوناني-الروماني؛ كما أن هذه الأنماط من التقريب بين الإنسان والطبيعة، مشتركة بين شعوب كثيرة، وتعود في أصلها إلى الجذور الأولى للوجود البشري.

إن الاستشكال المحوري يتمثل في محاولة معرفة مدى وجود انفصال أو اتصال بين التقاليد الشعبية “غير العقلانية” في ظاهرها، وبين الممارسة الطبية المدعومة بالنتائج التجريبية؟[7].

إذا كانت نظرية البصمات قد أفرزت بعض التصورات التي لم تسندها التجارب العلمية، فإن تصورات أخرى بدت منسجمة مع التطبيقات العلاجية المثبتة علميا. ولا يستبعد أن يكون الفعل العلاجي المعني بالأمر قد تم اكتشافه بفعل نظرية البصمات؛ فنبات (Chélidoine)، مثلا، المحتوي، في كل أجزائه، على عصارة صفراء-برتقالية، وصفها “ديوسقوريدس”، هو ما حدد مفعولها العلاجي في داء الصفراء، وإن الفعل المدر للصفراء لنبات(Chélidoine) المعروف اليوم علميا، جعل الصبغة الأم لجذوره الطرية تستعمل في كل أمراض الكبد[8].

وهناك اتفاق تام بين القدماء والمحدثين حول النبات المعروف باسم “كزبرة البئر” (Adiantum capillus-veneris)، كون لون الحامل الخيطي لأوراق هذا النبات أسود لامع يشبه الشعر. إن هذه النبتة تحيل إلى “الشعر الجميل”، والشعر الكثيف”، وإن “كزبرة البئر” لازالت تستعمل إلى اليوم لفرك فروة الرأس ضد القشرة وتقوية الشعر ولمعانه[9].

إن أطباء عصر النهضة اضطروا إلى الاعتراف بحقيقة بعض البصمات التي أثبتت التجربة العلمية صحتها، وأبانوا عن حذر علمي كبير في الحكم على ظواهر لم يستطيعوا فهمها. وإن نظرية البصمات، بفضل التشابه والانسجام الحاصل في الظواهر الطبيعية بين النبات والبشر، تدل الإنسان عن طريق الوعي.

إن الإنسان، المحب للمحيط البيئي الذي يحظى عنده بالاحترام، يرى وجود أصل مشترك بينهما، وهو بذلك يتواصل مع الطبيعة ليغدو كائنا مستقيما، و”شمسيا” كما هو في الأصل.

علم النبات الجوتي (Botanique Goethéenne)

ضمن نفس الرؤية الشاملة والتركيبية، حاول الفيلسوف الألماني “جوته” فهم العلاقة التي تربط الإنسان بالطبيعة. لكن كيف الوصول إلى ذلك انطلاقا من ملاحظة الطبيعة؟ من أجل فهم مستويات التواصل بين النبات والإنسان، اعتقد “جوته”، باعتباره عالما بالطبيعة وشاعرا وفيلسوفا، أن الأزهار تعد بمثابة “نجوم نزلت من السماء إلى الأرض”، دون إغفال التشابهات بين النباتات والكواكب.

 كان جوته يتصور العالم الحي من خلال قطبية أصلية تختلف أسماؤها حسب السياق: العقل-المادة، الخفة-الجاذبية، الضوء-الظل، الهامش-المركز. ويضيف إلى ذلك تجربة فوق-حسية، وفكرة حية يتصورها العقل البشري حاملة للنموذج الأصلي للظواهر. إن المكتسب الأكبر يتجلى فيما يضيفه النظر العقلي إلى النظر المادي..[10].

تنتج الحركة العضوية، حسب “رودولف شتاينر”[11] (تلميذ جوته) بفضل تفاعل حقلين من القوة: حقل قوة الأرض، وحقل قوة الشمس؛ أي تفاعل بين مجالين: المجال الفيزيائي والمجال الإيثيري (éthérique)، وتعتبر الشمس، حسب هذه النظرية، المقابل القطبي للأرض؛ بحيث إذا كانت الأرض هي مجال القوى الفيزيائية، المغناطيسية، والكهربائية، والميكانيكية، فإن الشمس هي تجمع للقوى الإيثيرية. بين الأرض والسماء، يتبلور البَنج الكوني، حزام القوى المكوِّنة، قوى الحياة التي تستحيل بدونها حياة الكائنات. في حديثه عن النبتة التي تنمو بين الأرض والشمس، يصف “شتاينر” القطبية جذر/زهرة بكون “الجذر يندرج ضمن معادلة ثلاثية الأبعاد، بينما الزهرة ليست كذلك.

لوصف شكل الجذر بعبارات رياضية، فإننا ننطلق من وسط نسق من الإحداثيات، بينما في الزهرة، نبدأ من اللامنتهى، ونتوجه إلى الداخل في اتجاه مركز الزهرة[12]. وفي هذا السياق يميز “شتاينر” بين القوى “النابذة” المعروفة في علم الفيزياء، والتي تعمل في المجال الفيزيائي المألوف، والقوى “الجاذبة” الإيثيرية التي تؤثر في النمو العضوي.

 إن هذه القوى التي تأتي من الأطراف تدخل إلى المجال الفيزيائي لكنها لا تتولد فيه، إنها لا تنبع من المجال الواقع تحت تأثير الجاذبية، بل من مجال مقابل تكون فيه المادة عائمة. إنها لا تتكون في مجال نابع من نقطة مثل مركز الأرض، وليس لها أصل على النموذج الديكارتي ثلاثي الأبعاد، لكنها تظهر على شكل مساحات وإطارات في فضاء تكوَّن في أطراف الكون الممتدة. إن القوى الإيثيرية تشكل مجالا خاصا بين العالم الفيزيائي والعالم الروحاني[13].

إن نبتة مسلحة بجسم “إيثيري” يحيط بجسمها الفيزيائي، تتغير أشكالها وتخضع للتحول، إنها تتنفس وتتغذى، تنتج مواد وتدمر أخرى، وإن القوى التي تتفاعل ضمنها، تكونها وتنظمها، تحملها وتسهر على نموها هي قوى إيثيرية.

فحسب جوته، فإن الإحساس بالتناوب يمكِّن من الوعي بالحركة المستمرة للحياة، التي تمر من الديناميكية الجاذبة (الظاهرة في الجذور والبذور) إلى الديناميكية النابذة (الظاهرة في الأزهار والثمار)، مرورا بمرحلة انتقالية من التبادلات (ظاهرة في السيقان والأوراق).

لقد تصور جوته، مستلهما من نظرية البصمات النباتية، أن نبتة ما تغدو طبية عندما تتحدد بإفراط ضمن أحد هذه المسارات الديناميكية، وتدعونا إلى الإحساس بتوافق مع طبيعتنا الفيزيولوجية الخاصة، علما بأن ما هو صلب ومنكمش له علاقة بجهازنا العصبي (التفكير)، وما هو تبادلي له علاقة بجهاز النبض والمبادلات التنفسية (القلب، والانفعالات)، وكل ما يتمدد له علاقة بالجهاز الاستقلابي (الفعل).

لقد وجه جوته نظره الإبداعي إلى كل ما هو حي، متتبعا، بحس ثاقب، تحولات الكائنات ضمن تكوينها الداخلي، وملما بالمجموع، والعلاقة غير المادية التي تشكل وحدته. لقد لاحظ جوته التغيرات في الشكل، والمظهر، والتطورات “الحسية” التي تخفي حركة فوق-الحس تميز جوهر الحياة؛ تلك الحياة التي بحث جوته عن ماهيتها بفعل فلسفته العميقة.

إزاء نبتة (la renoncule)، يذهب جوته للتفكير في النوع-الأصل (archétype)، فكرة النبتة الأم، إنها الشكل الأصلي الذي يعتبر النباتات اللاحقة عنه مظهرا جزئيا له، أو تحققا حسيا معزولا. إن روح العالم والشاعر، هاهنا، يجتمعان لدى جوته في هذه الرؤية الجوانية العميقة، المكملة والمفسرة لظاهرة تتحقق في شكل جزئي.

من الواضح أن جوته كان يتصور النباتات عبر رؤية شمولية تدمج عالم النبات ضمن السياق الكوني؛ إننا هنا إزاء نقطة قوة “تصورية” لعلم النبات الجوتي، تنطلق من مبدأ وحدة المعرفة من أجل استيعاب الظواهر الطبيعية.

و من أجل العبور من هذا التصور الشمولي للمعرفة الطبيعية إلى مقاربة موضوعية للظواهر الطبيعية، أي عبورا من النظرية إلى الميدان، أو من الفلسفة إلى الواقع، ينطرح علينا تساؤل جوهري هو كيف نحلل التفاعلات التي تسود الطبيعة بشكل نسقي مع الأخذ بعين الاعتبار تعقد الوسط الطبيعي، ودون إغفال العناصر “الخفية” التي تتفاعل مع المعطيات المادية الموضوعية؟

عبر مقاربة متعددة الاختصاص للأنساق البيئية، أرى، من جهة أولى، ضرورة التفكير في الإنسان كجزء من الطبيعة؛ ومن جهة ثانية، ضرورة الصدور عن رؤية فلسفية تربط الوجود البيولوجي بالبعد الكوني.

المصالحة بين وحدة المعرفة ومقاربة الطبيعة: الفكر النسق-بيئي

إن الأطروحتين المبسوطتين أعلاه باعتبارهما نموذجين لمقاربة شاملة وتركيبية للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، تحيلان على وحدة معرفية تجمع بين التجربة والحدس، وإن نقطة قوة هذه الطريقة في النظر إلى الطبيعة، هي المقاربة الكونية.

يوجد في الطبيعة، قبل كل شيء، ميزان، ليس فقط بمعنى التوازن لكن أيضا بمعنى الصواب والصلاح. إن كل جسم يتحرك ويتطور في اتجاه نموذج أمثل مكتمل ومنسجم، ضمن حدود مرسومة بفعل الحركات المختلفة والمتفاعلة في الكون[14].

إن البيولوجيين المعاصرين لا يقدرون دائما عبقرية الإنسان الأول، الذي استطاع، تحت تأثير التنوع المدهش في أشكال وأنماط عيش الكائنات الحية، التعرف على “شكل” أوحد، أو على الأقل عدد محدود من الإطارات العضوية الثابتة ضمن المجموعة التي تمثلها.

إن اكتشاف الخلية والنظرية الخلوية مكنتا من رؤية وحدة جديدة داخل التنوع. وكان لابد من انتظار التقدم الذي حصل في الكيمياء البيولوجية، خلال الربع الثاني من القرن العشرين خصوصا، لتظهر بشكل كلي الوحدة العميقة والصارمة على المستوى المجهري بالنسبة لعالم الأحياء برمته[15].

من أرسطو إلى ليني، يندرج البرنامج العلمي للتاريخ الطبيعي في مشروع ميتافيزيقي واسع يشمل الفلسفة الطبيعية للعالم غير العضوي، ويأخذ بعين الاعتبار وحدة القوى السببية التي تخضع لها الأجسام الحية والجامدة. إن الجسم الحي يمثل نقطة انطلاق التماثل الشامل؛ التاريخ الطبيعي يقوم بدور “المرسل”، والفلسفة الطبيعية الخاصة بالمواد غير العضوية بدور “المستقبل”[16].

لكن، إذا سرنا على خطى “ليبنز” وسلمنا بأن الحقيقة لا توجد إلا في التفاعلات الحالية في الأجسام الملموسة، يمكننا أن نرى الصفات العامة للكون/الكوسموس مثل الزمان والمكان من وجهة نظر مختلفة. إن هذه الصفات لا تستند مرجعيا للإطارات الخارجية التي تمسك بالعالم؛ إنها أيضا ليست أفكارا بسيطة، بل تعبر عن حقيقة عقلانية، جوانية تتكون من العلاقات الملموسة بين الأجسام والظواهر.

من المهم التنويه بالصرامة العلمية التي امتاز بها العلماء ممن يصدرون عن الرؤية الكونية للظواهر الطبيعية. إن مثال “شتاينر”، تلميذ جوته، دال في هذا الاتجاه، فقد كان هاجسه الرئيس هو الحفاظ على يقظة حياته الداخلية، وبهذه الطريقة استطاع أن يخترق عدة عوالم، ويسبر الأغوار ويلامس الجذور. من هذا المنطلق، يمكن تفسير بعض جوانب العبقرية الكونية لشتاينر، وقدرته على إضافة أضواء عبقرية على كل المجالات المختصة مثل الطب، والكيمياء، وعلم الاجتماع، والتقنيات اليدوية، والفن.

إن صرامة التفكير، والرغبة الجامحة في جعل الوعي في يقظة مستمرة، هو ما جعل من “شتاينر”، فيما بعد، أستاذا لا خلاف حوله في مقاربة الظواهر الروحية.

في هذا السياق، وبحثا عن الصرامة الفكرية، تحاول هذه الدراسة المساهمة في تمثل اشتغال الأنساق البيئية الطبيعية، بواسطة مقاربة متعددة الاختصاص تروم إبراز التفاعلات داخل الأنساق الطبيعية المركبة بطبيعتها. إنها مقاربة “كونية” تبحث عن حسن إدراك التفاعلات (الظاهرة والخفية) للعالم الحي؛ “أو ليس من أكبر ألغاز الكون، أن تجمع عناصر معزولة، مثلما الشأن بالنسبة لاتحاد الجزيئات الكبرى، أدى إلى ظهور الكائن الحي الأول؟ وأنه من هذا النوع الجديد من النظام انبثقت خصائص جديدة مثل خاصية المعرفة، والذاكرة، والحركة، والتناسل الذاتي[17].

هل من الضروري قطع الصلة بين الأرضي والكوني بدعوى أن مبدأ الموضوعية يفرض ذلك؟ إن “تاريخ الأفكار، منذ القرن 17م، يشهد على الجهود التي بذلت من طرف عقول كبيرة من أجل تجنب القطيعة، ومن أجل صياغة جديدة لخاتم”الزواج القديم”، والاقتداء بالمحاولات الرائدة مثل محاولة ليبنيز، والهرم الفكري الكبير الذي شيده هيجل”[18].

تعقد الأنساق البيئية

من المعلوم أن التنوع الحيوي يشكل الأنواع النباتية والحيوانية وتراكيبها الوراثية وعشائرها وأممها ونظمها البيئية وموائلها الطبيعية. ونظرا لتعقد الأنساق البيئية وتعدد عناصرها المتفاعلة فيما بينها بشكل مركب، فإننا لا نعرف إلا بعض ما نبصر من الأنواع بأعيننا المجردة بينما نجهل الكثير عن الفطريات، والطحالب، والأشنات الدقيقة، والبكتيريا، وغيرها، رغم الجهود العلمية المختصة التي بذلت في هذا الاتجاه. كما أننا لا نعلم إلا الشيء القليل عن العشائر أو الأمم التي تكونها الأنواع النباتية فيما بينها أو مع الأنواع الحيوانية[19].

 إن هذا الجهل النسبي بتعقد الأنساق البيئية وعدم القدرة على الإلمام بمجمل التفاعلات الطبيعية في الأنساق البيئية يزيد من خطورة التدمير الإنساني الذي تتعرض له الأوساط البيئية؛ ذلك أن إحداث عناصر خلل في منظومات غير معروفة بدقة يجعل إصلاح الأمور مهمة شبه مستحيلة، وهنا تكمن في الحقيقة معضلة كبرى من معضلات التدبير البيئي.

نعرف أن أحد الأبعاد الرئيسية التي تستخلص من دراسة الأنساق البيئية أن هذه الأخيرة مخترقة بتيارين:

تيار الطاقة التي تجد أصلها في الشمس، والتي تخترق تباعا المنتجين الأولين (النباتات الخضراء)، ثم المستهلكين والمحللين الذين يفتتون الطاقة بفعل التنفس، وعبر الفضلات التي يخلفونها؛

وتيار المادة الذي يسري باستمرار بين الحيوانات آكلة العشب، والحيوانات اللاحمة، وآكلو الفتات، وآكلو البراز، وآكلو الجيفة، وكل كائنات الحيوانات والنباتات المجهرية، التي تساهم في تعدين المادة العضوية ومن تم تزويد النبات بالغذاء المعدني وغلق دورة انتقال المادة.

إن مصدر الطاقة الوحيد المتاح للكائنات الحية فوق الأرض هو ضوء الشمس؛ إننا هنا إزاء ظاهرة جوهرية تدل على التأثير “الكوني” على عالم الأحياء، وإن مجموع الأنساق البيولوجية فوق الأرض تشكل بفعل امتصاص الطاقة الشمسية وبناء بنيات متدرجة التعقيد، بحيث تأخذ المجتمعات البشرية ضمنها مكانة خاصة.

إن هذا المجموع يطلق عليه اسم “المحيط الحيوي” (Biosphère)، ومن أجل فهم النظام الساري في الأرض، تبدو أحسن وسيلة هي تتبع التحولات المتتالية للطاقة المنبعثة من الشمس إلى الأرض.

في وسط شديد الخصوصية وجد منذ مليارات السنين، لكنه اختفى برهة، كانت التأثيرات الطاقية شديدة القوة بحيث تسببت في تركيبات كيميائية أفرزت، بقدرة الله، أجساما فوق-ثابتة قادرة على الاندماج عضويا؛ وبالتدريج، مكن لا تجانس البحار واليابسة من تنوع درجات الكائنات الحية؛ هذه الدرجات تصرفت حسب “تكتيكات” متنوعة، مكنت للأنواع الحية من التعايش داخل أمم نسبية التنوع. بشكل أخص، أخذت العائلات النباتية الكبرى شكلها استجابة لعقبات الوسط الطبيعي التي تنظم الانتشار على سطح الأرض.

تتسرب الطاقة الشمسية إلى المحيط الحيوي عن طريق التخليق الضوئي الذي يتحكم في الإنتاج النباتي في كل مناطق الأرض، ويفرض على جل النباتات “دفعة نحو الأعلى” ينتج عنها البنية العمودية للغطاء النباتي بشكل مستقل عن الأنواع النباتية[20].

إن النباتات الأرضية لا يمكنها الانفصال عن أصلها المائي، بحيث توجد دورة الماء في قلب الديناميكية النباتية. ويقوم الماء بدور جوهري في تشكيل “قشرة الأرض” حيث تتطور التربة التي تشكل المادة العضوية النباتية مادتها الرئيسية؛ كما أن النباتات تعيد استعمال المواد المعدنية التي تحتاج إليها بشكل منتظم[21].

 من زاوية أخرى، فإن ديناميكية الأنساق البيئية تسودها تفاعلات مركبة متعددة العناصر مع باقي مكونات النسق البيئي سواء كانت عناصر لا حياتية ( المناخ، والتربة) أو عناصر حياتية( الحيوانات، والكائنات الدقيقة، والإنسان..).

وقد اخترت حقلا تجريبيا ميدانيا، لاختبار مدى صرامة الفكر النسق-بيئي، متمثلا في منظومة بيئية منتظمة حول شجر الأركان، وهو شجر قبسي متعدد الاستعمالات، وذو قيمة ثقافية ورمزية في المغرب.

يعتبر نبات الأركان (Argania spinosa (L.) Skeels) من عائلة السابوتيات، نوعا قبسيا ينتشر بشكل كبير في الجنوب الغربي المغربي، وبدرجة أقل في شرق المغرب (بني يزناسن) ووسطه (قرب الرباط). مثله مثل باقي الأشجار أليفة الجفاف، يتأقلم الأركان بشكل تام مع المناخ الجاف؛ وتمكنه جذوره الثاقبة من تحصيل المياه الجوفية، كما أن تساقطا موسميا للأوراق في الفترات شديدة الجفاف يحد من النتح (évapotranspiration).

إن الدور البيئي للأركان في المناطق الجافة بالغ الأهمية، ونظرا لحمايتها من أشعة الشمس وتزودها من بخار الماء المتكدس حول الشجرة/الموئل، تبدو النباتات المكونة لمحيط الأركان كثيفة ومتنوعة.

تتلخص الإشكالية والرهان في محاولة فهم تعقد النسق البيئي المنتظم حول شجر الأركان، والحد من مسلسل التدهور الذي تعاني منه الغابات المكونة منه، من أجل استعاده دور هذه الشجرة المتمثل في كونها ” محورا داخل نظام زراعي تقليدي معتمد على الأركان والرعي وزراعة الحبوب[22].

إن مشاكل الأركان تعزى، بالأساس، إلى تفاعل غير عقلاني للإنسان مع محيطه البيئي، ويبدو لنا أن كل سياسة للحفاظ على هذا الشجر، إذا أرادت أن تكلل بالنجاح، لا بد لها أن تفهم التفاعلات المركبة التي تسود هذا النسق البيئي الفريد من نوعه بالعالم.

إن أحد أهم عوامل تعقد النسق البيئي حول شجر الأركان هو أصالة التأشير-البيولوجي الذي يتمثل في اختيار رواشم شديدة الحساسية للحالة الموئلية متمثلة في الفراشات، وبحكم الأمر الواقع، تتأثر الفراشات بأقل تأثير سلبي (خصوصا على النباتات التي تتعايش معها)، بالابتعاد أو الانقراض؛ ذلك أن الفراشات هي “أداة حشرية” لهذا النوع من التقييم، وإن استعمال المعطيات المرتبطة بعلم الحشرات من أجل تدبير بعيد المدى يحتاج إلى متابعة علمية صارمة[23].

اقتداء بعديد الحشرات الأخرى، باعتبارها فاعلا أساسيا في الدورات البيولوجية، خصوصا الخنافس والرعاشات، فإن أغلبية الفراشات النهارية ينبغي أن تعتبر رواشم صارمة لسلامة الأوساط البيئية، والتنوع البيولوجي، والجيني للأوساط الطبيعية؛ إن الفراشات هي انعكاس لما يقع في عمق الوسط البيئي، وإن أغلبيتها تتغذى على نبات واحد أو بضع نباتات، وبذلك ترتبط بوفاء بنباتات مستقبِلة شديدة الحساسية والقابلية للجروح. يتعلق الأمر بمؤشرات بيولوجية على درجة كبيرة من الأهمية تستجيب للأعطاب البيئية بالتقلص أو الانقراض[24].

مؤشر ثان على تعقد الأنساق البيئية المرتبطة بالأركان المغربي؛ يتمثل في العلاقة التكافلية بين جذور شجر الأركان، وفطريات مجهرية من نوع “الميكوريزا”، ذلك أن نمو فسائل الأركان مرتبطة بشكل وثيق بوجود هذه الفطريات الدقيقة في التربة التي ينتج عنها تفطر الجذور. إن تحسين نمو الفسائل يمكنها أن تتحقق بتدبير جيد لهذه التكافلية بين جذور الأركان والفطريات، مما يحسن النمو والغذاء المعدني لشجر الأركان.

 وتزيد أهمية هذا التكافل كلما كان الوسط البيئي فقيرا وجافا، وهو ما ينطبق على نسق الأركان، ففي وقت نقل الفسائل إلى الأرض، في حالة التدخل الإنساني لزرع الأركان، تحمي هذه الفطريات النباتات الشابة من تأثير شح الماء، كما إن خيوط الفطر تمتد أبعد من جذور الأركان بحثا عن مصدر عميق للماء، وهو ما يعوض النقص المائي الذي يتسبب فيه نزع الفسائل من موئلها الأول[25].

إن العلاقة بين الإنسان والأركان اليوم علاقة غير سليمة عموما، والحصيلة هي وجود هواجس حقيقية حول مستقبل هذا الشجر بالمغرب والأنساق البيئية التي تنتظم حوله. إن الأفق والرهان الجوهري هو المحافظة على تنوع النسق البيئي بالاستناد على قيم تراثية وثقافية. إن إعادة التهيئة المنظمة للنمط الغاب-رعوي المرتبط تاريخيا بشجر الأركان، وخلق شبكة من “المحميات الهامشية” يمكنه أن يشكل بداية حلول عملية؛ ذلك من أجل تجنب الخلل في النسق البيئي و”تبسيط” نسق معقد بطبيعته.

إن مقاربة الأركان المغربي لا يمكنها أن تتحقق إلا عبر فكر نسق-بيئي حيث الكل مرتبط ومركب. إنه مشروع مستمر وغير مكتمل بدت العناصر العاملة فيه والتي بسطنا بعضها (الرواشم الفراشية والفطريات المجهرية) متفاعلة مع عناصر أخرى في هذا النسق البيئي بالغ الأهمية، وقد أوضحنا في سياق آخر، كيف يمكن أن يتطور نسق بيئي هش في اتجاه التقهقر ليؤدي إلى تقلص الأركان إلى مجالات أقل بكثير من الموئل الطبيعي لهذا الشجر، وسيتبين أن سوء تمثل الإنسان للعلاقة الجدلية بينه وبين الطبيعة هو المسؤول الأول عن المآل الذي سارت فيه جل الأنساق البيئية الطبيعية.

إصلاح الفكر وتكامل التخصصات: الفكر المركب

إن “نمط التفكير أو المعرفة، المشتت والممزق، أحادي الاختصاص، وكمي المقصد يؤدي بنا إلى ذكاء أعمى؛ ذلك أن الإنسان يتخلى عن قدرته الطبيعية على الوصل بين المعارف لصالح قدرة طبيعية أخرى، تؤدي إلى الفصل. إن المعرفة، ضمن مسار دائري لا ينقطع، تعني الفصل من أجل التحليل، والوصل من أجل التركيب والتعقيد. إن غلبة منطق التخصص الفاصل يفقدنا القدرة على الوصل؛ أي القدرة على الوضع داخل السياق، بمعنى إرجاع المعلومة العلمية إلى سياقها الطبيعي. إننا نفقد اليوم القدرة على الإحاطة الشمولية بالظواهر، بمعنى القدرة على وضع المعارف ضمن مجموع منظم نسبيا، ذلك أن شرط كل معرفة صائبة يتمثل في التناول الشمولي والوضع في السياق [26].

إن إصلاح الفكر هي الطريقة المثلى لإعادة استيعاب هذه المناهج الواصلة، يسمي “إدكار موران” هذا النوع من التفكير “فكراً مركبا”، لكن سرعان ما يصرح أنه هناك سوء فهم إزاء هذا المصطلح، وأن” البعض، عندما يسمعون من حولهم مصطلح “مركب” باستمرار، يقولون لي: “أرأيت كيف تتطور أفكارك”، فأجيب أنهم مخطئون، لأن مصطلح “مركب” كما نستعمله أو كما نعتقد أننا فهمناه، يعني الخلط، والحيرة والعجز عن وصف الواقع. لكن ما أسميه “فكرا مركبا”، هو ما يزيل الخلط، والحيرة والعجز عن التفكير، وذلك بواسطة الفعل المقرون بفكرة منظمة تفصل لكي تصل[27].

إن اعتبار الطبيعة كموئل مفضل لازدهار الإنسان، لا يعني، حسب إدكار موران، أنها تمتلك قيمة جوانية، لأن الإنسان هو من يضفي عليها هذه القيمة. لكن وجب الاعتراف بأن الطبيعة ينبغي أن ترتقي إلى مستوى قيمة إنسية[28]، وهذا لن يتحقق إلا عبر ثورة نسقية تؤدي إلى إصلاح الفكر.

إن إرهاصات هذه الثورة بدأت تعلن عن نفسها “في بعض العلوم التي يمكن أن نسميها “العلوم النسقية” التي بدأنا نلحظ فيها بروز مقاربات مركبة، متعددة الاختصاص، مثل علوم الأرض والبيئة وعلم الكون. في علوم البيئة، يمثل عالم البيئة “رئيس الفرقة” الذي يأخذ بعين الاعتبار اختلال التوازنات، والتنظيم الذاتي للأنساق البيئية، واضطراب هذه الأنساق، ومن تم يستدعي خبرة عالم الحيوان، وعالم النبات، وعالم البيولوجيا، وعالم الفيزياء، وعالم الأرض”[29].

في التصور القديم، لم يكن هناك حوار ممكن بين العلوم التي تغيب الطبيعة والكون والإنسان؛ بينما نستعيد بالفكر المركب إمكانية الحديث مع الإنسان والطبيعة والكون، ويمكننا إعادة الوصل بين الطبيعة والإنسان بواسطة الحوار مع الكون الذي يتحقق فيه الوصل بين المحلي والشامل. إن هذه الثورة غير المكتملة في سيرورة مستمرة، وهي الشرط المناسب لإصلاح الفكر[30].

لقد آن الأوان لإعادة التفكير في الإنسان داخل الطبيعة عبر تصور شامل يدمج الوجود البيولوجي في السياق الكوني، ولا شك أن هذا المنهج الكلي في التعامل مع المعرفة البيولوجية الذي فقد من عصر النهضة يبدو الآن على وشك الطفو على سطح الفكر الإنساني من أجل إعادة الوفاق بين الإنسان والطبيعة.

الهوامش

[1]  تمثل هذه الدراسة الفصل الأول من كتاب الإحياء الخامس لـ: د. جمال بامي، “أصول الأزمة البيئية.. في الحاجة إلى فلسفة إيكولوجية نسقية” تقديم: أحمد عبادي، تنسيق وتحرير: عبد السلام طويل، الرباط: مطبعة المعارف الجديدة، ط1، (1438ﻫ/1916م).

[2]. Edgar Morin, 1997, Réforme de pensée, transdisciplinarité, réforme de l’Université, Motivation, N° 24, p 3.

[3]. Paracelse, Die 9 Bücher der Natura Rerum (Œuvres, éd. Suhdorff, T.IX, p. 393) ; cité dans M. Foucault, les mots et les choses, Une archéologie des sciences humaines, Paris, 1966, p. 41.

[4]. Amouretti M.C et Comet C. 1995, La signature des plantes, source de croyances ou de savoir dans l’antiquité gréco-romaine, Cahier d’histoire des techniques 3, Université de Provence, 1995, p. 127-138.

[5]. Crollius, Traité des signatures (trad. Fr. 1624), p. 6, Cité par Foucault, Op. cit, p.42.

[6]. Laïs E, L’abécédaire des plantes médicinales, 2001, Flammarion, p 90.

[7]. Amouretti M.C et Comet C. Op. cit.

[8]. Schauenberg et Paris, 1974, Guide des plantes médicinales.

[9]. Amouretti M.C et Comet C, 1995, La signature des plantes, source de croyances ou de savoir dans l’antiquité gréco-romaine, Cahier d’histoire des techniques 3, Université de Provence, 1995, p. 127-138.

[10]. Zipper, J-P. et Bekas F. «L’architecture Vitaliste, 1950-1980», éd. Parenthèses, 1986, 99 p.

[11]. Rudolf Steiner (1876-1924), fondateur de l’anthroposophie.

[12]. Rudolf Steiner, 1924, Les Lignes directrices de l’anthroposophie 1, p26.

[13]. Ibid.

[14]. Atran, S.1986, fondements de l’histoire naturelle, Editions complexe, p172.

[15]. Jacques Monod, 1970, Le hasard et la nécessité, Editions le seuil, p136.

[16]. Rothbart, 1984, The semantics of metaphor and the Structure of Science, Philosophy of Science, 51, 595-615, Cité par Atran op. Cit, p172.

[17]. Edgar Morin, 1997, Réforme de pensée, transdisciplinarité, réforme de l’Université Motivation, N° 24, p 1.

[18]. Monod J, op. cit. p 49.

[19] عبد المالك بنعبيد، البيئة الطبيعية والنبات بالمغرب: تقييم وبيو جغرافيا ووظائف وقيم واستعمالات، الدار البيضاء: مؤسسة الملك عبد العزيز، 2012م، ص11-12.

[20]. Godron M, 1984,Ecologie de la végétation terrestre, Masson, p13-14.

[21]. Ibid, p14.

[22]. Person S. 1998, Le mouton, le blé et l’olivier contre la chèvre, l’orge et l’arganier, Mémoire ESAT1 / C.N.E.A.R.C, 103p.

[23]. Tarrier M, 2003, L’arganeraie marocaine se meurt: problématique et Bio-indication, Sécheresse, Volume 1. n°1, p1-2.

[24]. Ibid, p2.

[25]. Nouaïm R, 1993, Essai de caractérisation de champignons endomycorhiziens isolés de trois sols d’arganeraies, D.E.A, Ecologie Microbienne, Université Claude Bernard Lyon I, 57p.

[26]. Edgar Morin, 1997, Op. Cit, p 2.

[27].  Ibid.

[28]. Bourgeois G, L’écologie, une responsabilité humaniste, Esprit, N°197, Décembre, 2003, p180.

[29]. Morin E, Op.cit, p3.

[30]. Ibid.

Science

د. جمال بامي

  • رئيس مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية، ومركز علم وعمران بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق