وحدة الإحياءدراسات محكمة

إشكاليات التقليد الفقهي وإمكانيات التجديد

أولاً: التقليد الفقهي، المعنى والظهور

أردت في مطلع هذه الدراسة عن التقليد وإشكاليات الاجتهاد والتجديد، الاستشهاد بنصين لرفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873م)، يتعلق أحدهما بتصوره للتقدم العلمي الأوروبي، وعلائقه بالعلوم الحِكَمية كما يسميها عند المسلمين. أما النصُّ الآخر فيتعلق بقدرات التقاليد العلمية الإسلامية على الانفتاح والتجدد.

يقول الطهطاوي في “مناهج الألباب المصرية”[1]: “إنّ هذه العلوم الحكمية التي يظهر الآن أنها أجنبيةٌ، هي علومٌ إسلامية، نقلها الأجانب إلى لغاتهم من الكتب العربية. ولم تزل كتبها إلى الآن في خزائن ملوك الإسلام كالذخيرة. بل لا زال يتشبث بقراءتها ودراستها من أهل أوروبا حكماءُ الأزمنة الأخيرة”.

إنّ البارز في نصّ الطهطاوي، تلميذ المستشرق “سلفستر دي ساسي” بباريس بين عامي 1826 و1831 ثلاثة أمور: الأول؛ التسوية بين العلوم الحِكَمية أو العقلية، والعلوم التجريبية. والثاني؛ اعتباره أنّ العلوم الأوروبية كلها متأسِّسة على العلوم الإسلامية. وهذا يعني من ضمن ما يعنيه أنّ المسلمين ليسوا بحاجةٍ للاقتباس من الغرب، وبخاصةٍ في العلوم المسمّاة حديثة، لأنها موجودةٌ ومتقدمةٌ. وأخيراً فإنّ الميراث المشترك يمكن أن يؤدي إلى صداقةٍ وتزامُل لتقارب الأفكار والأهداف. والأمر الثالث؛ هو الدليل على الأمر الثاني أنّ كتب العلوم الحكمية، ما تزال موجودةً ومخطوطة في خزائن ملوك الإسلام، وأنّ العلماء الأوروبيين في زمانه ما يزالون حريصين على قراءتها والاطّلاع على محتوياتها.

أما النصُّ الثاني فهو من “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”، وهو يردُ في سياق الحديث عن التقدم الفرنسي في علوم الفلك والرياضيات والجغرافيا. هنا يستطرد الطهطاوي قائلاً: إنّ فقيهاً مالكياً اسمه المختار الكنتاوي من ناحية أزوات (أو أزواد؟) على مقربةٍ من تمبكتو[2]: “ألّف كتاباً سمّاه النزهة، جمع فيه جملة علوم. فذكر بالمناسبة علم الهيئة، فتكلم على كروية الأرض وعلى سيرها ووضّح ذلك، فتلخّص من كلامه أنّ الأرض كروية، ولا يضرُّ اعتقاد تحركها أو سكونها..”. والمؤلّف الذي يذكره الطهطاوي مات عام 1222ﻫ/1805م! ماذا يعني ذلك؟ ذلك يعني أنّ فقيه صحراء شنقيط وتمبكتو، وفي مطلع القرن التاسع عشر، كان ما يزال بنظر الطهطاوي يمتلك تقاليد علمية وفقهية متقدمة، هي التي تأسستْ عليها ثقافة التقدم الأوروبي، وقد أمكن له بهذا الموروث واستناداً إليه، أن يُثبت كروية الأرض شأن “كوبرنيكوس” و”غاليليو”: فلماذا لا تستطيع ثقافتُنا العريقة، وأمتُنا صاحبةُ الخيرية، في نظر الطهطاوي أيضاً، استدراكَ ما فات، والاستعداد لما هو آت[3].

فلنعُدْ بشكلٍ موجز إلى التقليد والنظام الفقهي في الإسلام، والذي تكوَّن وظهر فيما بين القرنين الثاني والرابع للهجرة/الثامن والعاشر للميلاد، والذي كان ما يزال يُظهر مقاومةً ووعياً بإمكانيات التجدد والإنجاز في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي؛ أي بعد عشرة قرون على نشوئه. إنني أُريدُ أن أُشير هنا بإيجاز إلى خمس خطواتٍ أو مراحل أعتبرها زمن ظهور التقاليد المؤسِّسة لذلك النظام، وهي: مرحلة الفقهين أو التقليدين الحجازي والعراقي، ومرحلة فقهاء الأمصار أو حَمَلة العلم، ومرحلة الطبقات والقواعد، ومرحلة التلاؤم أو تقسيم العمل بين الفقهاء والدولة، ومرحلة ظهور المذاهب الفقهية. وبالطبع فإنّ هذه المراحل لا تتابع بشكلٍ واضح، بل تتمايزُ وتتداخلُ في الوقت نفسِه. بيد أنها أفضت في المرحلتين الثالثة والرابعة إلى تبلْوُر تقاليد وأعراف وقواعد عامة سواء فيما بين العلماء، أو بينهم وبين الدولة.

أ. الفقه الحجازي والفقه العراقي (70-130ﻫ) على وجه التقريب. وهو فقه التابعين ممن تتلمذ على الصحابة في المدينة ومكة وامتداداً إلى اليمن من جهة، ومن تتلمذ على الصحابة بالعراق في الكوفة والبصرة والمدائن الأصغر. وتجمع هذا الفقه مفاهيم معيَّنة للسنة والعُرف السائد بكلٍّ من الناحيتين. وفي هذه الفترة حصل التمايُز بين فقه السلف لدى الحجازيين، وفقه الرأْي لدى العراقيين. وعلى الرغم من ظهور “فقهاء المدينة السبعة” من أبناء الصحابة؛ فإنّ كلاً من سعيد بن المسيِّب (-94ﻫ)، والزهري (-124ﻫ) كانا الشخصيتين الأبرز، ربما لتوسيعهما مصادر الفتوى باتجاه تفسير القرآن، والسيرة النبوية. بينما اعتمد الآخرون على السنة العملية للنبي، صلواتُ الله وسلامُهُ عليه، وفتاوى الصحابة وآرائهم وبخاصةٍ عمر بن الخطاب[4]. أما العراقيون فقد برز من بينهم جابر بن زيد والحسن البصري، ومحمد بن سيرين. وقد تكون لتسمية الفقه العراقي بفقه الرأي في هذه الفترة علاقةٌ بأحكام القُضاة في الكوفة والبصرة. ثم إنّ العراقيين عُنُوا ببدايات التفكير الكلامي، ومسألتي الإيمان والقَدَر (ولذلك أيضاً علاقةٌ بالرأي والاعتقاد)[5]. أما اتهام المدينيين للعراقيين بمخالفة السنة (التي كانت بمثابة العُرف السائد في العمل والأقضية) فليس صحيحاً لأنه كانت للعراقيين سُنَنهمْ أو أعرافهم أيضاً وأخذهم عن الصحابة الذين نزلوا بينهم مثل ابن مسعود وعلي بن أبي طالب[6].

ب. مرحلة حَمَلة العلم وفقهاء الأمصار (130-180ﻫ). وفي هذه المرحلة ظهر أمران: الاحتراف، بحيث تمايز الفقهاءُ عن القُضاة. وبدأ تدوينُ الأسئلة والجوابات، وجمع الأحاديث والسُنَن، والتي كانت أجزاءَ خاصةً في المرحلة السابقة. والأمر الآخر غير الاحتراف، ظهور رُموز أو فقهاء كبار يجتمع حولهم الطلاب من مثل أبي حنيفة ومالك. وإن لم يقتصر الأمرُ عليهما، بل ظهر أكثر من فقيه متميز في كل مصر وبلدة. ومما له دلالتُه في مسألتي الاحتراف والتمدْرُس تقارُبُ المصادر رغم استمرار الأعراف الخاصة في كل مصر. إذ تبادل الشيوخ من كل مصر التلامذة والمدوَّنات. وتطورت الرحلة في طلب الحديث والفقه وقراءة القرآن[7].

ج. مرحلةُ الطبقات والقواعد: (180-240ﻫ)

ـ إنّ المعني بالطبقات، إقبال فقهاء ومحدِّثي كلّ مصر على وضْع قوائم ذات ثلاثة حلقات أو أجيال فيما بين الصحابة وتابعي التابعين، ممن يؤْخَذُ عنهم الفقه أو يُروى عنهم الحديث، إمّا باعتبارهم ذوي اجتهادات، أو باعتبارهم ثقاتٍ في رواية الحديث وإسناده. وفي الغالب فإنّ الواردين في الحلقتين الثالثة والثانية لهم تأليفٌ أو رسائل في موضوعات فقهية معينة أولهم مجموعات حديثية باسم السُنن والمسانيد أولهم تفاسير مثل تفاسير الخمسمائة آية. ويبدو الوعي بالطبقة والوعي بتكليف تحمل العلم في كتب مثل كتاب العلل لعلي بن المديني، وطبقات ابن سعد، وطبقات خليفة بن خياط، والمعرفة والتاريخ للبَسَوي[8]..الخ.

ـ أمّا القواعد فالمعنيُّ بها الرسائل في أُصول الاستنباط. وأشهرُ الرسائل بالطبع رسالة الشافعي (في أُصول الفقه). ويبدو من رسائل الشافعي (-204ﻫ) الأُخرى أنّ أصول الاستنباط كتب فيها عديدون قبله بعد العام 150ﻫ (الذي يعتبره الذهبي عام التصنيف![9])، وقد كان هو يناقش الآخرين ويردُّ عليهم ويحدّد مفاهيم أشهرها تجاوُزُهُ للمفهوم القديم للسُنّة إلى اعتبارها الحديثَ المباشرَ عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنها مثل كتاب الله في المرجعية. وهكذا فإنّ كلَّ طرفٍ أو اتجاهٍ كلامي أو فقهي عُني في هذه المرحلة بوضع منهج أو برنامجٍ عام، يتجاوزُ المحليات (الأمصار)، ويتجاوزُ الأعراف الخاصة بكل مصر. وقد كان هناك مَنْ حاول وضع منهجٍ عامٍ يتناول الكلام والتفسير والحديث والفقه؛ في حين مال البعض الآخر إلى الربط بين الفقه والحديث وحسْب.

ولا شكّ أنّ هذه التحدُّدات المفهومية في النصف الأول من القرن الثالث الهجري (الكتاب والسنة والإجماع) ومصير السواد الأعظم إليها، عَنَتْ ظهور تقليدٍ عامٍّ في معنى الفقه والاجتهاد الفقهي. بيد أنّ الأمر تجاوز التقنيات، رغم شدة أهميتها، إلى بروز فهمٍ معيّن من جانب الفقيه لذاته ودوره ومهماته وإمكانياته.

د. مرحلة التلاؤم أو تقسيم العمل بين السلطة والفقهاء: (240-300ﻫ). في منتصف القرن الثالث، كانت تطورات الوعي والتقعيد تمضي باتجاه تجاوز الأمصار وأعرافها الخاصة، واستيعابها في نظامٍ عامٍّ صارت مفاهيمه أكثر تحدداً، وهو الذي عُرف فيما بعد بأدلة التشريع أو مستندات الاستنباط عند الفقيه. ومع تحدُّد الأُصول والطرائق أو اتجاهها لذلك؛ فإنّ الفقيه ازداد وعْيُهُ بدوره ومهامِّه، سواء في شأن النصّ وما يتصل به (قرآناً وسنة)، أو ما يتصل بعلائق النصّ بالجماعة، والجماعة وفقهائها بالدولة.

كانت السلطات تعتبر أنه لا علاقة لعلماء الفقه والحديث بالعمل السياسي. وهو اعتبارٌ ما خالفهم الفقهاء والمحدِّثون فيه. لكنْ خطر لهارون الرشيد (170-193ﻫ) وابنه المأمون (198-218ﻫ) أنه لا علاقة للفقهاء والمحدِّثين أيضاً بشؤون الاعتقاد، وأنّ المتكلمين، إلى جانب إمارة المؤمنين، هم أصحاب الصلاحية بذلك. وقد أجرى المأمون اختباراً في مسألة خَلْق القرآن، فاشتبك من حيث لم ينتظر مع بعض المحدِّثين والفقهاء. وطوال ثمانية عشر عاماً، استمر الاختبار في نظر السلطات، والمحنة في نظر الفقهاء والمحدِّثين، ثم حدثت المهادنة، واستقر التلاؤم بعد تجاذُباتٍ على أساس فكرة وممارسة تقسيم العمل، فالملف الديني بأيدي العلماء، والملف السياسي وإدارة الدولة بأيدي أرباب السيوف، كما سُمُّوا فيما بعد، والسيادة للدولة بالطبع في سائر المسائل[10].

إنّ هذا التلاؤم القائم على تقسيم العمل، ساد العلاقات بين الفقه (التشريع والقضاء والأوقاف والمدارس) والدولة على مدى العصور الوسيطة، وإلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. وما خلا الأمر من تنازُعٍ على المفاهيم والصلاحيات مثل جداليات السنة والبدعة، والسياسة والشريعة، ولاحقاً جداليات القانون والشريعة[11].

بيد أنّ هذا التطور الذي حدَّد المجال والصلاحيات وطرائق الأداء، حوَّل في الحقيقة الجهات الفقهية إلى “مؤسسة”. واستناداً إلى الاكتمال التقعيدي والتقني وانتظام العلائق بالسلطات، ظهرت المدارس الفقهية.

. مرحلة ظهور المذاهب الفقهية (300-450ﻫ): لا ندري في الحقيقة متى بدأت أو تبلورت فكرة المدرسة أو المذهب، ولماذا نُسبت إلى هذا الشيخ أو ذاك. ويبدو أنه كان لابد أن تتوافر في الشخصية المؤسِّسة عدة شروط: التأليف والتصنيف، والتلامذة الكثيرون، وانتساب التلاميذ إلى عدة أمصارٍ وأقطار بحيث لا تسيطر عليهم التقاليد المحلية لأي مصر، وظهور شخصية أو شخصيات كبرى في كل جيل تعيد التذكير بعمل المؤسِّس، وأعمال الأجيال اللاحقة، من طريق الشرح أو الاختصار والتحويل إلى متنٍ للتعلُّم. ويضيف ابن سمُرة في”طبقات فقهاء اليمن” أنّ من شروط استمرار المذهب استناده إلى سلطةٍ أو دولةٍ تعيِّنُ منه القُضاة، وتُساعد في نشر المدارس والتعليم المذهبي وتفيد وتستفيد من الشرعنة المتبادَلة[12].

إنّ الواقع أنّ إفادة هذا المذهب الفقهي أو ذاك من دعم الدولة أو السلطة المعينة ظاهرٌ في بدايات تبلْوُر هذا التوجه الفقهي أو ذاك. والأمثلةُ على ذلك عديدة وبخاصةٍ لدى الإباضية والزيدية. فقد قامت دُوَلٌ للإباضية في عُمان والمغرب. وقامت دولٌ للزيدية في اليمن وطبرستان. وقد أفاد المذهبان بالطبع من قيام تلك الدول. بيد أنّ التقليد الفقهي تأثّر، فقد ظهر لدى الزيدية تقليدان فقهيان، وكذلك لدى الإباضية. ومن جهة أُخرى فإنّ الأحناف أفادوا طوال تاريخهم من دعم السلطات بدءًا بالعباسيين، ثم المماليك والعثمانيين. لكنْ من ناحيةٍ أُخرى فإنّ الشافعية ما حظوا في تاريخهم المزدهر بالدعم إلاّ في فترتين: فترة نظام المُلْك (-485ﻫ) وزير السلاجقة الذي أقام لهم النظاميات، وإن لم تكن قاصرةً عليهم، بل أفاد منها الأحناف أيضاً. ثم هناك دولة صلاح الدين الذي كان شافعياً، أما أبناؤه وأبناء أخيه العادل فقد توزعوا على المذهبين الشافعي والحنفي أيضاً. وقد احتضن المماليك المذاهب السنية الأربعة كما هو معروف، لكنّ وجود الشافعية ما تأثّر كثيراً بتقديم العثمانيين للمذهب الحنفي. وما قامت في الأزمنة الكلاسيكية دولةٌ حنبليةٌ، لكنّ المذهب الحنبلي ظلَّ حاضراً. وهكذا فإنّ المذاهب الفقهية تأثرت إيجاباً أو سلباً بدعم السلطات أو الإعراض عن الدعم، لكنّ الإعراض أو الملاحقة ما أدَّيا إلى زوال المذهب. فالتقليد المذهبي الإثنا عشري تأثر إيجاباً أيام البويهيين، لكنّ المذهب العقدي الإمامي والفقهي ظلَّ حاضراً ومتنامياً رغم غياب الدعم الدولتي بعد زوال البويهيين، حتى كانت الدولة الصفوية التي فرضت المذهب بعد القرن التاسع الهجري. فالمذهبان اللذان أفادا دائماً من دعم الدولة أو الدول عبر الحِقَب الكلاسيكية هما المذهبان الحنفي في دُوَل التُرك، والمالكي في سائر الدول بالمغرب العربي والمجال الإفريقي. ومع ذلك ومرةً أُخرى؛ فإنّ سائر المذاهب الفقهية أثّرت أكثر ما أثّرت في استمرارها وازدهارها بيئاتُ التضامن الاجتماعي التي التفّتْ حول فقهائها وعلمائها، وتوارُث البيئات والتقاليد من خلال المدارس التي كان أهل المذهب المقتدرون يوقفونها ويموِّلونها[13]. والطريف أنه في تلك المدارس ما كان يُدرَّسُ غير الفقه وأُصوله، و قد تأخّر إنشاءُ مدارس القرآن والحديث. وفي المدارس ومن حولها ظهرت تقاليد أيضاً في عمل الفقيه وكتابته وظهور المؤلفات الواسعة، والمتون التعليمية. فالطريف أنّ كتاب “الأم” للشافعي، لم يصبح متناً في تعليم المذهب، بل الذي صار كذلك مختصر المُزَني تلميذه، والذي تكاثرت عليه الشروح. ومثل مختصر المُزَني ظهرت مختصرات في كل مذهب عبر العصور المتطاولة. يكتب فقيهٌ نصاً شاسعاً واجتهادياً فلا يُتلقّى بالقبول إلاّ إذا حظي بمختصرٍ من صاحبه أو من تلامذته، ثم تكون الشروح على المختصر، حتى يظهر مختصرٌ آخر مثل مختصر الكرخي ومختصر القدوري عند الأحناف، ومختصر خليل عند المالكية، ومختصر الخِرَقي عند الحنابلة. وعلى كلٍ من هذه المختصرات أو المتون تظهر عشرات الشروح التي تمثّل استمرار الاجتهاد بداخل المذهب، إضافةً للفتاوى والنوازل والنوع التأليفي المسمَّى اختلاف الفقهاء[14].

إنّ الأساس في ظهور التقليد الفقهي أمران: استقلال المجال الديني عن المجال السياسي نسبياً، والاستقلال النسبي أيضاً عن المجال العقائدي أو الكلامي. وقد بلغ من قوة هذا التقليد المستقلّ أنه ظهرت له قواعد مشتركة تتجاوز المذاهب الكلامية والفقهية، كما بدا في علم أُصول الفقه. وقد صار الجدل الفقهي، والاختلاف الفقهي، جزءًا من الحرية والسعة التي تمتع بها الفقهاء، حتى إذا اشتدّ الاختلاف أو التنافُس وجدنا فقهاء متشددين مذهبياً أو اجتهادياً في العادة، يُقدمون على الدفاع عن التقليد الفقهي العام، مثلما فعل ابن عبد البر (-463ﻫ) في “الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء”، وابن تيمية (-728ﻫ) في: “رفع الملام عن الأئمة الأعلام”[15]. ثم إنّ كثيراً من كتب الأصول، جرى شرحُها وتبنّيها من جانب عدة مذاهب مثل كتب الغزالي وفخر الدين الرازي وابن الحاجب.

تتضمن سائر كتب الفقه العام المطوَّلات والمختصرات كما هو معروف ثلاثة أبواب رئيسية: العبادات، وهي تحتلُّ نصف هذه الكتب، ثم المعاملات، وأخيراً الحدود والجنايات. وتضيف بعض الكتب باباً في الآداب والأخلاق. كما أنّ بعض كتب المتأخّرين تفتتح بتقديم طويل نسبياً في أصول الاستنباط والفتيا. إنما في العادة؛ فإنّ هذه الأصول تستقلُّ بها كتب أصول الفقه. والمعروف أنه بعد ظهور المذاهب؛ فإنّ التأليف في بعض الموضوعات الفقهية دون غيرها قلَّ دون أن ينعدم. وبالطبع هناك مؤلَّفات في أحكام القرآن ظهرت منذ القرن الثاني ثم استمرت بعد نشأة المذاهب. ويقدّر علماء التراث الإسلامي التراث الفقهي المكتوب بين القرنين الخامس الهجري والثالث عشر الهجري، بما لا يقلُّ عن المليون ونصف المليون كتاب بين متونٍ ومختصرات وحواشٍ ومؤلَّفات تقع في عشرات المجلدات. والذي وصلنا منه يقلّ عن نصف المليون؛ وبالطبع فإنّ العناوين أو رؤوس الموضوعات أقلّ من ذلك.

ماذا يعني هذا كلُّه؟ هذا يعني أنه كانت هناك احتياجاتٌ اجتماعيةٌ غلاَّبة للفقه والفقهاء. فالمجتمعات هي التي اتبعت المدارس الفقهية ورعت الفقهاء بشتّى المذاهب. وذلك لأنّ الأدبيات الفقهية تتعلق من جهة باستمرارية الدين والحياة الدينية في العبادات والمعاملات، كما تتعلق بالقضاء، وتتعلق، أولاً وأخيراً، بالثقافة ورؤية العالم، المتضمنة رؤية المسلم لدينه ومجتمعه والأخلاقيات الفردية والعامة.

ثانياً: أزمة التقليد الفقهي ومآلاتها

عندما كان الطهطاوي في مطلع ثلاثينات القرن التاسع عشر يُشيد بالمختار الكنتاوي (يسميه الموريتانيون: الكنتي) تدليلاً على الحيوية الباقية للتقليد الفقهي، كانت الآراء قد انقسمت بشأن هذا التقليد ومظاهره وإمكانياته. ففي حين كان الأزهريون يتمدحون بالحيوية الفقهية مستشهدين بموسوعية الزَبيدي (-1803م) الذي ما ترك فناً إلاّ وألّف فيه، وعرفته مصر من أقصاها إلى أقصاها، وبدأت كتبه تُدرَّسُ بالأزهر في حياته. ويتمدح القرويون المغاربة بأبي شعيب الدكالي والكتاّني وقدراتهما الموسوعية الموروثة وتجديداتهما في الوقت نفسِه؛ فإنّ الشيخ حسن العطار (-1835م) أستاذ الطهطاوي، وشيخ الأزهر، والذي تركت فيه التجربة الفرنسية بمصر 1799-1802م أثراً عميقاً، كان يرى أنه لابد من الخروج من القديم، والالتفات إلى الجديد والتجديد في الدنيا والدين. وقد شهد التقليد العقدي والفقهي تجربةً زاخرةً وإحيائية الطابع(= سلفية) في القرن الثامن عشر ومن الحجاز ونجد، وإلى اليمن والهند ومصر. فقد ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهّاب في نجد داعياً للخلاص من المظاهر الشِركية، وخارجاً على تقاليد المذاهب بالاجتهاد. في حين ظهرت في قلب المذهب الزيدي باليمن حركةٌ تجديديةٌ تستمد أصولها من نزوعٍ سلفيٍ اجتهادي. وحتى الطرق الصوفية الفرعية التي ظهرت؛ فقد كانت إحيائيتها سلفيةً ومُحافظة؛ ومنها الطريقتان السنوسية والمدنية. بيد أنّ التقليد ما انفتح ولا تزحزح، ومحمد علي (1805-1849م) وفي مساعيه لإنتاج دولة حديثة، ترك التعليم الأزهري على ما هو عليه، وعمد لإقامة نظامٍ موازٍ للتعليم العام الحديث أسهم الطهطاوي وزملاؤه المبعوثون إلى فرنسا إسهاماً أساسياً فيه. بيتر غران في كتابه: الأصول الإسلامية للرأسمالية، ذهب إلى أنّ إسلام القرن الثامن عشر كان يشهد نهوضاً ذاتياً، لولا أنّ الغزوة الفرنسية، ثم تحديثات محمد علي ضربته، لصالح حداثةٍ أُخرى متغربة. وعلى أي حال؛ فإنّ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، شهد ازدياداً للحملة على التقليد ومن مصدرين: الاتجاهات السلفية الآتية من الهند، والحاملة على التقليد والتصوف والإسلام الشعبي، والاتجاهات التحديثية لتيار جمال الدين ومحمد عبده وزملاء لهم في اسطنبول وبيروت ودمشق وبغداد والبوسنة والهند والمغارب العربية والإسلامية في تونس والمغرب والجزائر. وللوهلة الأولى؛ فإنّ الطرفين السلفي والإصلاحي ما كانا مختلفين؛ في التأصيل من جهة، وفي فتح باب الاجتهاد من جهةٍ أُخرى. كلا الاتجاهين كانا يرميان لتجاوُز التقليد والاستغناء عن القياس الضيّق، لصالح العودة للكتاب والسنة مباشرةً. أمّا في الواقع؛ فإنّ الإصلاحيين الذين سُرعان ما استندوا إلى مقاصد الشريعة، إنما أرادوا الإفادة من منجزات الحضارة الحديثة، أو ما قاله خير الدين التونسي إنه السيل الذي لا يمكنُ دفعُهُ إلاّ السير فيه ومعه في مجراه ومصائره. وبالفعل فإنّ التقليديين، أو فقهاء المذاهب المتشبثين بها والمنكرين لضرورات الاجتهاد والتجديد، اتهموا السلفيين بالابتداع؛ أي بنفس التهمة التي اتهمهم السلفيون بها؛ بينما اتهموا الإصلاحيين بالتغريب وتقليد الأجانب!

لقد عالجْتُ هذا الموضوع؛ أي تأزم التقليد الفقهي والعَقَدي في عددٍ من البحوث والكتب مثل الإسلام المعاصر (1987)، وسياسيات الإسلام المعاصر (1997)، والصراع على الإسلام (2004) وأخيراً: أزمنة التغيير، الدين والدولة والإسلام السياسي (2014). وقد درستُ الأدوات التي لجأ إليها دُعاةُ الاجتهاد من الصنفين، وبخاصةٍ الذي سُمُّوا فيما بعد بالإصلاحيين. ولا أُريدُ العودة لذلك هنا، لكنني، وبخلاف بحوثي السابقة بعض الشيء، أريد التركيز على نقطتين: الأولى؛ أنّ التقليد الفقهي المذهبي الذي كان متأزماً بالفعل، سُرعان ما انفتح، وقد شاركت في صنع انفتاحه التيارات الثلاثة: أهل التقليد المذهبي الذين اضطروا للإفادة من حملات السلفيين والإصلاحيين، وعملوا على التجديد من ضمن الاستمرارية، والسلفيون الذين أكثروا من الاعتماد على الحديث والآثار، وأفادوا من التقليد المذهبي بطرائق انتقائية معتبرين ذلك حقاً لهم وعملاً من أعمالا لاجتهاد، والإصلاحيون الذين أكثروا من الاعتماد على مقاصد الشريعة لتسويغ إنتاج المؤسسات الحديثة، دون أن يستغنوا عن الآليات القديمة وبخاصةٍ القواعد الفقهية. إنما المُلاحَظُ أنّ أرباب تجديد التقليد ظلُّوا الأكثر إنتاجاً، والأكثر منطقيةً في الوقتِ نفسه. كلُّ فقهائنا الكبار خلال القرن العشرين تقريباً هم من هؤلاء. أمّا السلفيون والإصلاحيون، فإنهم رغم كثرة هجماتهم على التقليد، فإنه باستثناء كثرة ترداد الكلام في مقاصد الشريعة، وفقه السنة، ما استطاعوا إنتاج أو اجتراح آليات جديدة لقراءة الكتاب والسنة، ولا استطاعوا إنتاج أصول فقهٍ جديدة. كلُّ ما في الأمر أنهم ما عادوا يحبون الحديث عن المذاهب وخصوصيات كل مذهب، وفي الوقت نفسِه ظلُّوا يعودون إلى أصول الاستنباط والقراءة التي عرفها الفقهاء الكلاسيكيون. لقد صارت الهجمات على التقليد بمثابة الأيديولوجيا لدى الإصلاحيين، وبمثابة العقيدة لدى السلفيين. أما النقطة الثانية فتتعلق بافتراقات الوعي. فقد كان الطرفان الاجتهاديان ساخطَين على بدعية الأشعرية وتكأكؤها وهشاشتها في مسائل العقيدة والمجتمع، وإصغائها المبالَغ فيه للإسلام الشعبي. بيد أنّ النتاج الذي ظهر على أيديهم عقائديٌّ كلُّه. فقد صار الدين كله كتلةً واحدةً اسمُها الشريعة، التي تحولت لدى التنظيماتٍ إلى برامج تفصيليةٍ في كل شيء، حتى صارت كتلةً ضخمةً مُصْمَتةً تحت اسم الشريعة وأُخرجت من أحضان المجتمع، ووُضعت في مواجهته، وجرت الدعوةُ المُلزِمةُ لتطبيقها[16]. لقد صار الدينُ كلُّه أحكاماً قاطعةً في الاجتماع والاقتصاد والسياسة، وصارت كلُّها بمثابة العبادات، والإخلال بأيٍّ من تفصيلاتهم كفيلٌ بإخراج المرء عن دينه ومن دينه. ما عاد هناك مندوبٌ ومكروهٌ ومُباحٌ، بل هناك حلالٌ وحرامٌ، وما أكثر الحرام! وإلاّ فقولوا لي كيف تصبح الخلافةُ أو النظام السياسي ركناً من أركان الدين، ولدى الإصلاحيين المسيَّسين أو أهل الإسلام السياسي، أكثر مما لدى السلفيين؟!

بهذا المعنى والاعتبار قلتُ في عددٍ من دراساتي إنّ التقليد سقط أو تحطّم. ما تحطمت الآليات التي كان الفقهاء القُدامى يستخدمونها لمتابعة متغيِّرات الزمان، وصَون مصالح الأفراد والمجتمعات. بل تحطمت الروح والثقافةُ الرحبةُ والاحتمالية التي كانت تحدو ذاك الفقه. وبالطبع ما صنع ذلك كلَّه السلفيون أو الإصلاحيون، بل صنعتْهُ أيضاً إكراهات التاريخ، والنظامُ الآخَرُ للعالم والزمان. إنما في حالة الفقيه التقليدي فإنه انفتح على التجديد من ضمن الآليات التي يتقنُها وفي الحدود التي رأى أنّ الاحتياجات المستجدة تدعو إليها بغضّ النظر عما إذا كان ذلك كافياً لتجاوُز تأزُّمات الزمان والمكان؛ في حين انصرف ذوو الاجتهاد المطلق إلى عقدنة كل شيء، باعتبار ذلك الاستجابة الضرورية لصَون الإسلام من المسلمين، وصَون المسلمين من عالم العصر وعصر العالم. فما أحلى الأشعرية المتكأكئة، والتي لا تُصغي للجبروت العقلاني القديم والحديث، أمام أهوال حاكمية الشريعة من جهة، والعصرنة الكاسحة من جهةٍ أُخرى!

ما العمل في مواجهة ضيق الزمان والمكان بالمسلمين وعلى المسلمين؟ لابد أولاً من الخروج من العقائديات، والعودة لاكتشاف الاتجاه الرئيسي أو الـMain Stream في الدين والمجتمع، وهذه الدعوة ليست من عندي، بل من عند رسول الله، صلواتُ الله وسلامُهُ عليه، الذي قال: تركتكم على الواضحة ليلُها كنهارها لا يضلُّ عنها إلاّ هالك. لدينا طريقٌ واسعٌ ولاحِبٌ، فلماذا نحشر أنفسنا في أضيق السُبُل؟! وهذا الأمر ليس أحكاماً بالحلِّ والحُرمة، بل هو عودةٌ إلى العادي والبديهي والمعروف من الدين (وإنما الطاعةُ في المعروف). ليس من حقّ أحدٍ إنتاجَ دينٍ جديدٍ وفرْضَهُ علينا باعتباره اجتهاداً قطعياً لا رجعة فيه أو منه. هذا هو فقهُ صحيح الدين في العبادات وعلاقات العباد بربّهم، علاقات الرحمة والعناية. الدين، كل دين، هو نصٌّ وتقليد. والتقليد تصنعه الجماعة أو التيار الرئيسي في تجربتها التاريخية، من خلال الإجماعات، والتي تتغير وتتطور بشرط البقاء في المسار العام. ولابُدَّ ثانياً من المُضيّ إلى فقهٍ جديدٍ للعيش، فيما بيننا من جهة، ومع العالم من جهةٍ ثانية، وهما وجهان لعملةٍ واحدة. وهنا يأتي دورُ فقه المصالح، ففقهُ المصالح هو فقهُ عدلٍ وأخلاق وهذا هو الجانب الذي تحضر الظلال الدينية فيه، جانبُ الوَرَع والتقوى والاحتساب. فإذا كان التكليفُ غالباً في فقه الدين في ظلّ رحمة الله وعنايته؛ فإنّ الغالبَ في فقه العيش هو الحاجي والتحسيني، أي فقه المصالح. والمصلحةُ أخلاقٌ وليست تحيلاً كما كان بعضُ فقهائنا المحدثين وليس القُدامى فقط، يحسبون! ما هذا الضيقُ الذي حلَّ بنا بحيث اعتبرنا الاجتهاد ممكناً وحسْب في منطقة الفراغ التشريعي، كل فقه العيش اختيارٌ، ولا زِمامَ له غير الإدراك والتقدير السليم والأخلاق الصالحة والمستقيمة. ولابُدَّ ثالثاً من الاعتراف بالغَلَبة، نعم الغَلَبة. فقد تغير العالم، واعتدنا على رفض متغيراته، ونحن في حالة ثورانٍ دائمٍ عليها. ومنذ حوالي المائتي عام نحن في ثورةٍ على العالَم وخلافٍ مع أنفُسنا وليس مع الآخَرين فقط. إنهم يألمون كما تألمون، لكننا نرجو من الله ما لا يرجون. فلنعترف لكي نتعلّم ونتغير ونقتدر بالمعاناة وبالفهم وبالمعرفة. والله، سبحانه وتعالى، يقول: إنّ مع العسر يسرا، مرتين. وقد قال صلواتُ الله وسلامُهُ عليه: “لن يغلبَ عُسرٌ يُسرين. واليسر يأتي مع العسر باعتباره مشتقاً منه وليس بعده!”.

لقد كان عنوانُ الدراسة: “إشكالياتُ التقليد الفقهي، وإمكانيات التجديد”. والذي أراه بعد طول تأمُّل أنّ إشكالية الفقه التقليدي كانت في روحه وليس في أحكامه ومواضعاته وآلياته القاصرة في رؤية العالم. وقد أدرك السيد “أحمد خان” تغير العالم وتصرف على هذا الأساس فاتهمه جمال الدين الأفغاني في “الرد على الدهريين” بالخنوع؛ ولم يدرك ذلك الإصلاحيون الليبراليون بعمق، فضلاً عن الفئات الأُخرى. بدليل أنّ كل موجات الاجتهاد ما استطاعت اصطناع آلياتٍ جديدةٍ لا لقراءة الدين وفقهه، ولا لقراءة العيش وفقهه. والروح لا يتجدد بفتح التقليد ولا بغلقه، وإنما يتجدد من خارجه. إنّ الكون المنظور هو الذي يغيِّر في فهم الكون المسطور. وعندما يحدث ذلك وهو وشيكُ الحدوث بإذن الله، تسقط ثنائياتُ التقليد والتجديد، ونؤول إلى فقهٍ جديدٍ للدين، وفقهٍ جديدٍ للعيش.

بين يديَّ كتابٌ للسيدة التونسية “زهيّة جويرو” بعنوان: “الإفتاء بين سياج المذهب وإكراهات التاريخ، دراسةٌ في فتاوى ابن رشد الجد”[17]. والكتاب أُطروحةٌ تقرأُ آليات التقليد الفقهي المالكي في الرؤية والفكر أو العمل. وتُثبتُ السيدةُ أنه فقه شاسعٌ واسعٌ يفتح، في زمانه بالطبع، أُفقاً هائلاً للتقدير والتدبير ورعاية المصالح. وقد قدَّم لنشر الكتاب أستاذها وأستاذنا عبد المجيد الشرفي، مُثنياً على العمل أبلغ الثناء، لكنْ تأملوا كيف ختم تقديمه، قال لا انكسرَ قلمه إنّ عمل الطالبة يمثّل فهماً أفضل لماضينا “يخلِّص الأجيالَ الصاعدة من ربقة التقليد، ويساعدها على نحت المستقبل بمسؤوليةٍ تامة”. إنها عنزةٌ ولو طارت! فالتقليد ملعونٌ أياً تكن إنجازاتُه:

فيا دارها بالخيف إنّ مزارَها           قريبٌ ولكنْ دون ذلك أهوالُ

الهوامش


1. مناهج الألباب المصرية؛ في: الأعمال الكاملة لرفاعة رافع الطهطاوي، تحقيق ودراسة الأستاذ محمد عماره، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1974-1981م، ص534-535.

2. تخليص الإبريز في تلخيص باريز؛ في الأعمال الكاملة لرفاعة رافع الطهطاوي، م2، ص53.

3. قارن برضوان السيد: حضور التراث العربي في كتابات الطهطاوي، الوظائف والدلالات؛ في: التراث العربي في الحاضر، النشر والقراءة والصراع، هيئة أبو ظبي، 2014، ص72.

4. الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقّه، نشرة حيدر أباد، 1968، ص18-22، ونشرة بشار عواد معروف، تاريخ بغداد، دار الغرب الإسلامي، 2001، 4/314-322.

5. محمد أبو زهرة، أبو حنيفة، آراؤه وفقهه، دار الفكر العربي 1967، ص28-42. ووائل حلاق، نشأة الفقه الإسلامي وتطوره، ص116-120. وانظر كتاب محمد أبو زهرة عن مالك، دار الفكر العربي، 1969، ص25-32.

6. انظر نقاشاً في وائل حلاّق:

Wael B. Hallaq, Shari’a, Theory, Practice, Transformations. Cambridge 2009, PP. 45-50.

ووائل حلاق، السلطة المذهبية: التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي، ترجمة: عباس عباس، دار المدار الإسلامي، 2007، ص57-71.

7. Dutton, Yasin: The Origins of Islamic Law: the Quran, the Muwatta’ and Medinan‘Amal. 1999.

 وانظر وائل حلاّق، نشأة الفقه الإسلامي وتطوره، ترجمة: رياض الميلادي، دار المدار الإسلامي، 2007، ص103-107.

8. قارن بمقدمة كتاب العلل لعلي بن المديني، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، ط2، د. ت؛ حيث يرد كلامٌ جيدٌ عن قوائم الطبقات هذه. لكنّ المحقّق يُلحقُ هذه السلاسل بكتب وأجزاء مشاهير فقهاء الأمصار.

9. الذهبي، تاريخ الإسلام، تحقيق: بشار عواد معروف، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 2003، 3/805-806.

10. أهم الكتب عن المحنة كتاب باتون القديم المترجم إلى العربية والفصول التي كتبها جوزف فان أس في كتابه الكبير: الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة، وكتاب فهمي جدعان: المحنة: السياسي والديني في الإسلام.

11. قارن بعبد المجيد الصغير، الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية في الإسلام، دار المنتخب العربي 1992، ص 5-24، وحمادي ذويب، جدل الأصول والواقع، بيروت: دار المدار الإسلامي، 2009، ص16-21. وانظر محمد قاسم زمان، الدين والسياسة في العصر العباسي الأول (بالإنجليزية، أبريل 1997)، ص106 وما بعدها.

12. ابن سمرة، طبقات فقهاء اليمن، تحقيق: فؤاد السيد، 1964، ص62-63. وهذا رأي ابن خلدون أيضاً في المقدمة، م 2، ص370. (نشرة إبراهيم شبوح). وانظر عن ظهور المذاهب وتطورها: C. Melchert: The Formation of the Sunni Schools of Law. Brill 1997 ووائل حلاق: السلطة المذهبية، م، س، ص112 وما بعدها. وقارن بكتاب علي حسن عبد القادر: نظرة عامة في تاريخ الفقه، لكنه صار قديماً.

13. ناجي معروف، نشأة المدارس وعلماء النظاميات، بغداد 1969، ص211-233، وجورج مقدسي: Rise of colleges, 46-112، ومقدسي: رعاة العلم، بمجلة الأبحاث، م 14، 1961.

14. كتبتُ دراسةً عن طرائق عمل الفقهاء بعنوان: الفقيه في العمل أوضحتُ فيها مسألة المختصرات التي تصبح متوناً، وكيف ظهرت طريقة العمل هذه.

15. ابن تيمية، رفع الملام عن الأئمة الأعلام، الرياض: الرئاسة العامة، 1413ﻫ. وابن عبد البر، الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، بيروت: دار الكتب العلمية، د. ت.

16. هناك استعراض ممتاز للنقاشات العقائدية والقانونية بشأن الشريعة في سامي زبيدة: الشرعية والسلطة في العالم الإسلامي، ترجمة: عباس عباس، بيروت: دار المدار الإسلامي، 2007، ص165-308. وانظر: وائل حلاق، الشرعية، م، س، ص382-467.

17. زهية جويرو، الإفتاء بين سياج المذهب وإكراهات التاريخ، دراسة في فتاوى ابن رشد الجد، تقديم: الأستاذ عبد المجيد الشرفي، بيروت: دار الطليعة، 2014.

Science

د. رضوان السيد

 أستاذ الدراسات الإسلاميةـالجامعة اللبنانية  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق