الرابطة المحمدية للعلماء

إسهامات علماء المذهب المالكي في خدمة علم أصول الفقه

د. إدريس غازي: المدرسة المغربية الأصولية ذات خواص اجتهادية تكفل لها التميز والتفرد

كان موضوع “عناية علماء المغرب بعلم أصول الفقه”، عنوان الحلقة الأخيرة من فقرة “حوار حي” الذي يبثه موقع الرابطة المحمدية للعلماء على شبكة الإنترنت، وذلك زوال يوم الخميس 4 يناير الجاري، من خلال استضافة الدكتور إدريس غازي، خريج دار الحديث الحسنية بالرباط، والحاصل على دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: “أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب”.

ويُجسّد علم أصول الفقه عماد الاجتهاد وبه قوام منهج الاستنباط، مما جعله موضوعا مشتركا بكل جوانبه بين كل الباحثين عن الفكر السامي الراغبين في الاستقصاء لمعالم الإنتاج الفكري العالي، وكان لعلماء المذهب المالكي بمختلف مدارسه، وخصوصا مدرسة الغرب الإسلامي عناية خاصة بمباحث هذا العلم، من خلال تضافر جهودهم على التأليف في قضاياه ومصطلحاته، وإثرائها على المستويين النظري والتنزيلي.

ففي معرض التوقف مع إسهامات علماء المذهب المالكي في الشرق والغرب في خدمة علم أصول الفقه، أقرّ ضيف الموقع أنه يصعب الإحاطة بتفاصيل العطاء الأصولي المالكي في الشرق والغر، متوقفا غتد بعض الإسهامات التي اعتبرها عنوانا لما وراءها من الكثير غير المذكور، على سبيل المثال: المقدمة في الأصول لأبي الحسن القصار، والتقريب والإرشاد لأبي الطيب الباقلاني…

أما بالغرب الإسلامي فاستشهد بالأعمال التالية: جهود النظار المالكي أبي الوليد الباجي صاحب الإحكام في أصول الإحكام، المنهاج في ترتيب الحجاج، والإشارة، والحدود في الأصول، كما توقف عند الإنصاف في مسائل الخلاف لابن السيد البطليوسي، والمحصول لأبي بكر ابن العربي، والضروري في أصول الفقه لأبي الوليد بن رشد، وتقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزي الغرناطي، ومفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول، لأبي عبد الله الشريف التلمساني، وكذا الموافقات لأبي إسحاق الشاطبي، وغيرها.

وعن أهم مميزات أصول الفقه عند علماء المغرب مقارنة مع علماء المشرق، أكد إدريس غازي إلى أن الأمر يتطلب أولا الحديث عن الخصوصية الاجتهادية إذا صح التعبير عند صاحب المذهب أي الإمام مالك، إذ يمكن الوقوف على معالم هذه الخصوصية في تفرد المذهب بالانتهاج مسلك عمل أهل المدينة في تحقيق الفقه والاجتهاد، الشيء الذي جعل هذا المذهب الرائد يختص بالثروة من القواعد والمبادئ الأصولية المبنية على معايير العمل وقيم الاشتغال وهو أمر يكاد يتفرد به المذهب المالكي دون سائر المذاهب التي تبقى دونه في الاحتفال والاهتمام والعناية بهذا الجانب الذي يعتبر أساس التكليف ومقصده.

وبالنسبة للمدرسة المغربية الأصولية فهي ذات خواص اجتهادية تكفل لها التميز والتفرد، ويكفي تدليلا على ذلك كون المغاربة قد اهتدوا بعبقريتهم الاجتهادية إلى استلهام روح عمل أهل المدينة من خلال تقرير مبدأ أو أصل ما جرى به العمل الذي يعتبر إبداعا اجتهاديا مغربيا بدون منازع.

من الأسئلة التي ترددت أكثر في تدخلات متصفحي الموقع، السؤال الخاص بخصائص أصول المذهب المالكي، حيث توقف الضيف عند خاصية اشتراك المذهب المالكي مع سائر المذاهب الإسلام والأخذ بأصول الاستنباط المعروفة من كتاب وسنة وإجماع وقياس، غير أنه يمتاز بميزة أساسية، وقد أوجزها في في أمرين اثنين:

ـ أولهما تفرد المذهب بعمل أهل المدينة كأصل قائم الذات وهذا ما يفتقد في غيره من المذاهب.

ـ وثانيا، توسع أصوليي المذهب في الاحتكام إلى القواعد والآليات المبنية على اعتبار مقاصد الشرع، كالأخذ بالمصالح المرسلة واعتبار الأعراف والعادات وتغير الأزمنة والأمكنة واعتبار مآلات الأفعال، واعتبار الحيَّل ومراعاة الخلاف وغيرها من الأصول المبنية على النظر المقاصد والمصلحي.

أما عن عدد الأصول المعتمدة في المذهب المالكي، فأشار الدكتور إدريس غازي إلى وجود خلاف بين العلماء في إحصاء هذه الأصول وعدِّها، فالقرافي مثلا عدها 16 أصلا، ومنهم من زاد على ذلك ومنهم من اقتصر عما دون ذلك. ولعل الإمام الشاطبي كان محقا حين اكتفى بالإشارة إلى أن الأصول منها ما يرجع إلى النقل المحض ومنها ما يرجع إلى العقل.

وأخيرا، توقف المحاضر أيضا عند مقتضيات العناية بعلم أصول الفقه، خاصة في المذهب المالكي، وتحديات البحث عن الحلول الموافقة للشرع للقضايا المطروحة في عصرنا الراهن، مؤكدا في هذا الصدد على أن النهوض بفقه المذهب يقتضي العناية بالتأهيل الأخلاقي والعلمي للفقيه، وتعتبر العناية بالمعرفة الأصولية في مفهومها الشامل أولى أولويات الإنهاض الفقهي المنشود، حيث تُشكّل السَند العقلي الضروري لتحصيل ممارسة فقهية مكينة وراسخة تستجيب لإملاءات وإكراهات الواقع بكل متغيراته وتطلباته، ومقتضيات الخطاب الشرعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق