مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامة

إتحاف السادة الأنجاب بكَوْثر الدلالة عند وصل (التكبير) بما وَلِيَه من آي الكتاب

الحمد لله رب العالمين وبه نستعين، وصلوات ربنا وسلامه على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين

وبعد؛ فهذا طرْد الكلام وعوْدُه ممتدٌّ مستطيرٌ، ما زالت وفود بيانه تمشي الهُوينى مطمئنةً ممعنةً في تطلُّب مسائل مطلب التكبير وأحوال استعماله، ملحفةً في تبلّغ مأمن الروح والقلب من خلال الاستذكار لقوانين إرداف القارئ التالي أُخرى السورتين أو عطفها ورعْي أحوال الكلم الإعرابية وتلخيص المحصّل من حكمها عند الوصل والدرج وما افتُرض لها من جهة الصنعة الأدائية (رواية ودراية) وما إليه، ثم رصدِ مشهور ما جرى به الأخذ في مضمَّنات العشـرة القراء وموطآت مصنفي الأحرف ومكمِّلات ذلك؛ فنقول ومن الاستمداد وعليه الاعتماد:

لقد أصبنا قبلُ حديثاً عن الأوجه السبعة الجائزة بين سور التكبير –  من المفصَّل – وقضينا ما يكون فيها من الحكم والتعلق والترتُّب وما إليه، ثم نمضـي في هذه الأحدوثة – بعون الله – فنقرِّر بأنَّ اقتراف وجهٍ من الأوجه المتلوَّة أو كلِّها ليس حتْما مقضيّاً قد فُرِغ منه فَلَزِم، كلا بل إن الأمر فيه على السعة والاستحسان والخِيَرة والانتداح، … فلا يُنتحى به سمتُ الخلاف الواجب المكسوِّ بسربال النقل المشتمِلِ بكِساء الرواية التي يُنسب المتجانفُ عن نسيجها والمبعد عن سَدى نظامها إلى معرّة الإخلال والتقصير والانحلال أو ما أشبه، إلا ما يكونُ من حتْم الإتيان بالذي يتعلق بكون التكبير لآخر السورة من الأوجه أو يكونُ لأولها أو الإتيانِ بالذي يحتمل كلا التقديرين؛ فمثل هذا مما يتعيَّن – صناعةً – فيجب؛ مخافة الضَّيْعة والتَّلَف والهدْر لهيئة جُملة المروي ونظيم مجموعه وما إليه، فهذا اختلاف رواية لا بد من التلاوة بموجَبه إذا قُصد جمعُ الطرق أواستيعابُ الأوجه عن شيخ القراءة معزوّةً محررةً كما مرَّ، قال الجزري (ت‍ 833 ه‍) رحمه الله: (كان الحاذقون من شيوخنا يأمروننا بأن نأتيَ بين كل سورتين بوجه …؛ لأجل حصول التلاوة بجميعها، وهو حسن ولا يلزم، بل التلاوة بوجه منها إذا حُصِّل معرفتُها من الشيخ كاف والله أعلم) [النشر 2/436]، ثم لْيعلم القارئ التالي ولْيعمل بما يلزم عند وصل أواخر السور بالتكبير وحده أي من غير زيادة تهليل أو تحميد؛ إذ يلزمُ كـسرُ ما سَكَنَ آخرُه نحو: (فحدّثِ الله أكبر) وشبهه أو ما تحرَّك منوَّنا – نصبا أو رفعا أو جرا – ، نحو: (توّاباً الله أكبر)(لخبيرٌ الله أكبر)(من مَّسدٍ الله أكبر) وما أشبهه، لاجتماع الساكنين، وأما المتحرك غيرُ المنوَّن؛ فإنه باقٍ على إعرابه وبنائه نحو (هو الاَبترُ الله أكبر)، (الفجْرِ الله أكبر)، (الحاكمينَ الله أكبر) وما أشبهه، وأما إن كان آخرَ السورة هاءُ إضمار مُشبعةُ اللفظ بصورة الواو؛ فإن صورة إشباعه تحذف لفظا على العهد في قول الشاطبي رحمه الله (ولم يصلوا (ها) مضمر قبل ساكن) نحو: (خَشـيَ ربَّهُ الله أكبر) وما أشبه، [الغيث 1299]، وألف الوصل التي في صدر اسم الجلالة مستغنىً عنها للدرْج أي بما اتصل من أواخر السور بالساكن الذي اجتُلبت لأجله، ثم اللام تُرقَّق مع الكسـرة وتغلظ مع الفتحة والضم على المعروف [التيسير 228]، قال الجزري (ت‍ 833 ه‍): وهو مما لا أعلم فيه خلافا بين أهل الأداء الذاهبين إلى وصل التكبير بآخر السورة، ولم يختر أحد منهم في شيء من أواخر السور ما اختار في الأربع الزهر عند (ويل) و(لا) (لا) عند (الابترُ) الله أكبر ولا عند (حسدَ) الله أكبر ولا في نحو ذلك [النشر 2/439]

قال الشاطبي رحمه الله:

وما قَبْله من ساكنٍ أو منوَّنٍ *** فللساكنيْن اكسِـرْه في الوصل مُرسَلا /وأدرجْ على إعرابه ما سواهما *** ولا تصلنْ هاء الضمير لتوصَلا. وإذا وُصل التهليل (لا إله إلا الله) على طريقة ابن الحباب في التهليل قبل التكبير بآخر السورة بقي أواخر  السور – متحركا أو ساكنا – على حاله وصورة إعرابه، إلا ما تنوَّن؛ فإن الإدغامَ حكمُه نحو: (لخبيرٌ لا إله إلا الله) و(ممدَّدةٌ لا إله إلا الله) وما أشبه، ثم الإمعان في مد لفظ (لا) واستجادته في هذا المقام واستحسانه؛ إنما هو على قصد التعظيم تجوّزا وتسمُّحا وإن لم يكن من طريق الحرز للشاطبي [الجوهر المصون للسلطان المصري 42]، ولأنه من جملة ما يعظِّم الذكر ومما تعلق بحفظ حُرمته وقداسته والتجانف به عن أي كلام [الغيث 1299]، وإن كان مذهبُ ابن كثير القصرَ في المنفصل في القرآن، وإنما سوَّغ مثلَ هذا الصَّنَع في الحمل والتأدية؛ داعيةُ المبالغة في النفي ودفعا لغائلة الشـرْك في الوجدان والحسبان أو ما أشبه، قال الجزري: (وأكثر من رأينا لا يأخذ فيه إلا بالقصـر؛ مشياً على قاعدته في المنفصل، وذلك كله قريب مأخوذ به والله أعلم) [النشر 2/439]، ثم لا يغب عن وهْم التالي القارئ أن التهليل مع التكبير مع الحمد عند الذي رواه؛ كحكم التكبير متجردا منفردا، أي من غير فصل أجزاء جُمَلها أوحَجْزٍ بل تُحمل جملةً واحدة دِراكا أبابيلَ على الوِلاء (لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد)، إذ يُدركها ما قد أدركه من الأوجه السبعة المتقدمة، كما لا تصح الحمدلة مع التكبير إلا مع استصحاب التهليل وضمّه إليه، وعليه؛ فإذا تلا القارئ بالتكبير وحده أو مع التهليل والتحميد وأراد قطع القراءة على آخر سور التكبير؛ فإذا جرى على أصل من جعل التكبيرَ لآخر السورة، فإنه يكبر ويقطع القراءة، فإن أراد الشروع في السورة بسمل من دون تكبير، وأما إذا جرى على أصل من جعل التكبير لأول السورة، فإنه يقطع عن آخر السورة من دون تكبير، فإذا شرع في السورة كبّر قبل التسمية [الغيث 1299].

فهذا جنايَ وخيارُه فيه، هذا وقد بقيت أوجه أدائيةٌ لطيفة نافعة لدارس هذا الفن المترسم لمعالم روايته ودرايته المترسِّل لهداياتها؛ نرجئ التقحّمَ في لجَّة غَمْرتها إلى قابل الموعد ومستشـرَف الظرف، ونسأل الله الكريم بمنِّه العميم أن يعصمنا من الخطَل والزلل في العِقد والقول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله صحبه ومن تبع.

د.مولاي مصطفى بوهلال

    • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق