الرابطة المحمدية للعلماء

إبراز إسهامات العرب والمسلمين الحاسمة في تقدم المعرفة البشرية

الرابطة المحمدية للعلماء تشارك في “المؤتمر الثلاثون لتاريخ العلوم عند العرب” بمدينة حلب

انعقد في رحاب معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب  بسوريا “المؤتمر السنوي الثلاثون لتاريخ العلوم عند العرب” وذلك  في الفترة الممتدة بين 5 و7 ديسمبر 2010.

ويندرج انعقاد هذا المؤتمر الهام ضمن تقليد سنوي عريق دأب معهد التراث العلمي العربي بحلب الشهباء على إحيائه وتجديده السنوي عبر دراسات محكّمة يشارك بها ثلة من مؤرخي العلوم بالدول العربية والإسلامية..

ومعلوم أن فلسفة المعهد ومقاصده تتأطر ضمن مشروع فكري رصين مفاده إحياء العلم العربي الإسلامي بالتحقيق والنشر والتعريف، وأيضا باستكناه الخبرات الغميسة الثاوية في مصادر العلم العربي بمختلف اتجاهاته، من أجل الإفادة منها على مستويين: مستوى الخبرات الموجودة فيها القابلة للتحيينactualisation ، ومستوى منهجي يروم التأريخ الإبستيمولوجي للعلوم العربية الإسلامية ودورها في تقدم المعرفة الإنسانية، دون إغفال الجانب التربوي والبيداغوجي من خلال إدراج تاريخ العلوم عند العرب كمقدمات نظرية ومنهجية لمختلف العلوم المدرسّة بالجامعات العربية والإسلامية..

إن إبراز تأثير العلماء العرب والمسلمين من خلال ما أضافوه وما أبدعوه في مختلف أنواع العلوم كالطب والصيدلة والكيمياء والفلاحة والفلك والرياضيات والهندسة، والتأكيد  على الخبرات العملية التي اكتسبوها، وموضعتها ضمن التاريخ العام للعلوم، وإبراز إسهامات العرب والمسلمين الحاسمة في تقدم المعرفة البشرية، يعتبر عملا علميا وإنسانيا كبيرا. إضافة لذلك كله، فإنه من الملاحظ وجود رغبة حقيقية لدى الأوساط العلمية في دراسة النتاج العلمي للعرب والمسلمين، وذلك من أجل الوقوف على العوامل الموضوعية التي هيأت مثل هذا النتاج والإبداع العلميين الذين تحققا على أيدي العلماء العرب والمسلمين على مدى قرون، وعلى الأسباب التي أدت إلى اضمحلال هذا الإبداع من جهة أخرى، أي اكتشاف التحولات المفصلية التي أدت إلى غياب العرب  اليوم عن ساحة الإبداع العلمي، أملا  في تهيئة تلك العوامل مرة أخرى، وذلك للعمل على استعادة التمسك بزمام البحث العلمي من جديد، وبالتالي مواجهة الضعف والوهن العلمي الذي تعيشه الأمة العربية الإسلامية اليوم.

انعقد  إذن “المؤتمر السنوي الثلاثون لتاريخ العلوم عند العرب” الذي عقد في معهد التراث العلمي العربي في جامعة حلب برعاية محمد ناجي عطري رئيس مجلس الوزراء السوري، بجلساته العلمية التسع بمشاركة 65 باحثاً من المختصين في مجالات العلوم الطبيعية  والطبية والهندسية والمعمارية ومؤرخي العلوم، وممثلين عن منظمات معنية بالتراث الثقافي ومراكز البحوث العلمية المهتمة بالموضوع. واحتفى المؤتمر بالعالم العربي الدمشقي ابن فضل الله العمري (1301- 1349 للميلاد)، المؤرخ الكبير صاحب موسوعة «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار». و في الكلمة للمؤتمر افتتاحية أشار غياث بركات وزير التعليم العالي بسوريا، ممثل رئيس الوزراء، إلى خصوصية إبداع التراث العربي وعمومية نفعه لمصلحة الإنسان والمجتمعات الإنسانية، الأمر الذي يعطي أهمية للمؤتمر “الذي يقرب بين الباحثين ويجمع بين التراث والمعاصرة ويبرز الماضي العلمي المجيد للحضارة العربية التي استوعبت كل الثقافات الأخرى وجعلت منها مزيجاً حضارياً متجانساً فريداً”.

أما الدكتور نضال شحادة ،رئيس جامعة حلب،  فأكد على أهمية إحداث معهد التراث العلمي العربي (1976) في جامعة حلب للتركيز على التوهج الفكري والتألق الإنساني للحضارة العربية عبر البحث العلمي وتحقيق المخطوطات الحافظة للعلوم والمعرفة وتأهيل الباحثين في اختصاصات تاريخ العلوم الأساسية والطبية والتطبيقية، وتركز عرض الدكتور علاء الدين لُولح، عميد معهد التراث العلمي العربي على طبيعة ومنهج التعليم في المعهد ودوره في  تحقيق ونشر التراث العلمي العربي .

من جهته، أكد الدكتور المصري محمود سالم الشيخ، نائب رئيس جامعة فلورنسا الإيطالية في كلمة  باسم الباحثين على ضرورة إسهام الجميع في حفظ التراث العلمي العربي، كما أشاد الدكتور جعفر عبد السلام،الأمين العام لاتحاد الجامعات الإسلامية،بدور المؤتمر في تبادل معلومات وخبرات ومعارف التراث العربي، وأعرب فضيلته عن استعداده لعرض الأعمال الكاملة للمؤتمر في الجامعات الأعضاء لإدخالها في مقرراتها. وبموازاة انطلاق أشغال المؤتمر ،افتتح معرض المخطوطات العربية.

خصصت الجلسة العلمية الأولى للاحتفاء بالعالم ابن فضل الله العمري، وترأسها الدكتور علاء الدين لولح. وتحدث فيها الدكتور إبراهيم المزيني من السعودية عن ابن فضل الله العمري في محاولة لتتبع أثره في التأريخ للأطباء ضمن موسوعته “مسالك الأبصار في ممالك الأمصار”، خصوصا المجلد التاسع الذي خصصه لعلم الطب ومعرفة الأطباء “في بلاد العجم والهند والشام والمغرب ومصر” حتى عصر المؤلف الذي يعتبر آخر من ألف للحكماء والأطباء بعد موسوعة ابن أبي أصَيبعة  صاحب “عيون الأنباء في طبقات الأطباء”.

من جهتها، تناولت الباحثة نبيلة عبد المنعم داوود من العراق موضوع  نشأة ابن فضل الله العمري مبرزة البيئة الفكرية التي عاش فيها وتألقه العلمي وموسوعيته، وأوضحت الباحثة أن ابن فضل الله العمري درس على شيوخ عصره الفقه والحديث والعربية قبل أن يبزغ نجمه في علم المسالك والممالك، فترك لنا تراثا جغرافيا وتاريخيا وأدبيا لازال استثماره يَعد بالكثير.

وقدمت الدكتورة بثينة جلخي من معهد التراث العلمي العربي بحلب ورقة حول “خواص المعادن وطرق استخدامها بحسب موسوعة ابن فضل الله العمري”، وتناول الدكتور خالد بصمة جي من معهد التراث العلمي العربي بحلب موضوع “علم الحيوان عند العالم ابن فضل الله العمري ” الذي “أظهر منافع الحيوان أو مضاره وخواصه العلاجية واستخدامات منتجاته في معالجة الأمراض السائدة وقتئذ”.

وقدم الدكتور جهاد حاج نعسان من سورية ورقة حول “الخيل عند ابن فضل الله العمري”  في موسوعته “مسالك الأبصار في ممالك الأمصار”، أما الدكتور محمد ياسر زكور من سورية فتطرق لدور ابن فضل الله العمري  في تاريخ الطب..

وخلال الجلسة العلمية الثانية  قدم الدكتور محمود سالم الشيخ من إيطاليا ورقة حول “المخطوطات العلمية العربية المحفوظة في المكتبة اللورنسية بمدينة فلورنسا”، وقدم  الدكتور خليل حسن الزركاني  ورقة حول “صور الآسيويين في كتب التراث العربي”. أما الدكتورة سهى بعيون من لبنان فقدمت عرضا حول تألق الأندلسيين في علم التاريخ،  كما قدم الدكتور نجيب بن خيرة الجزائري، ممثلا لجامعة الشارقة الإماراتية، ورقة عن الإبداع المعرفي للمسلمين في إقليم المشرق “خراسان وبلاد ما وراء النهر” : العلوم الكونية أنموذجاً بين القرنين 2 و 5 الهجريين، وقدم الدكتور محمود زكي من مصر ورقة حول “مخطوط مجهول عن صناعة الكتاب العربي “زينة الكتب”  لأبي بكر الرازي.

في الجلسة الثالثة للمؤتمر، ساهمت الدكتورة زهية سعدو من الجزائر بموضوع “الدور التاريخي الريادي للعرب في تطور العلوم : الأسباب والنتائج”،  وقدمت الباحثة الجزائرية فوزية كرزار موضوعا حول “المواقف الشرقية من الدراسات العلمية الاستشراقية”، ثم قدم الدكتور السوداني الرَّيْح حمَد النيل الليث ورقة عن «الاستعلاء والعداء في مواقف المستشرقين من التراث العلمي العربي : دوافعه وطرق الرد عليه”، أما الدكتور محمد سعيد من تونس فقدم بحثا حول “المؤلفات العلمية لسلاطين الأسرة الرسولية في اليمن”.. واختتمت الجلسة بموضوع “العالم المجريطي وإسهامه العلمي ” للدكتور عبد الرحمن عبد الله الصراف من العراق..

وشهد اليوم الثاني من المؤتمر، عقد أربع جلسات علمية متخصصة بعلم الرياضيات.. ترأس الجلسة الرابعة الدكتور محمود سالم الشيخ وتناولت مواضيع:  “حساب الأوتار كأضلاع لمضلعات منتظمة ضمن الدائرة” ما بين أبي كامل شجاع بن أسلم والبيروني للدكتور سامي شلهوب من معهد التراث العلمي العربي، و و”دراسة تاريخية مقارنة للجذور التربيعية والتكعيبية للأعداد الصم” للدكتور مصطفى موالدي من المعهد نفسه؛ و ورقة حول “القيمة المعرفية الرياضية المتأتّية من استنباط مبرهنة الجيوب في التراث العلمي العربي” للدكتور محمد يوسف الحجيري من لبنان، و”دراسة تحليلية للشكلين التاسع والعاشر من المقالة الأولى في كتاب الأصول لأقليدس عند السجزي» للدكتور فؤاد عويلة من معهد التراث العلمي العربي بحلب، و بحث عن إسهامات العلماء المسلمين في العلوم الأساسية- ابن جابر البتاني نموذجاً للدكتور عمر أنور الزبداني من قطر، و”طرق عربية في تركيب الأوقاف الزوجية” للدكتور أحمد الحاج دياب من لبنان، و”الاستعمالات النجومية للاسطرلاب المسرطن على أساس رسالة للسَّجَزي” للدكتور بُويان شهيدي من إيران.

واختصت الجلسة العلمية الخامسة بموضوع العلوم الطبية والنباتية العربية، وتضمنت بحوثا هي :  “مصطلحات الطب والمعجم التاريخي للغة العربية» للدكتور نشأت الحمارنة من الأردن و”نظريات نشأة علم الطب” للدكتور محمود حاج قاسم محمد من العراق، و”صفحات مجهولة من تاريخ الطب الإسلامي” للدكتور خالد حربي من مصر، و”أثر مدرسة القيروان الطبية في المصادر الطبية الشامية” للدكتور محمد فؤاد الذاكري من سورية، و”مقارنة بين مخطوطة “القوصوني” قاموس الأطباء وناموس الألباء ومخطوطة “السمرقندي” الأسباب والعلامات للباحثة اكتمال رجب من سورية. وقدم ممثل الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب الدكتور جمال بامي بحثا حول  ” علم النبات الطبي في الغرب الإسلامي من خلال كتابي «عمدة الطبيب» لأبي الخير الاشبيلي و«حديقة الأزهار» للوزير الغساني ” ، وتناولت دراسة الدكتور بامي  تعريف و تحيين actualisation  مصدرين من أهم مصادر علم النبات الطبي في الغرب الإسلامي في العصرين الوسيط (القرن 6ه) والحديث (القرن 10ه)، وصولا إلى استنتاج مفاده “أن مصادر علم النبات القديمة في الغرب الإسلامي لازالت مهملة من طرف علماء النبات المعاصرين، لاسيما إذا علمنا فقر الدراسات المتعلقة بالتصنيف النباتي بحيث تضخمت الدراسات البيئية على حساب علم التصنيف  Systématique، وهو ما يعني غياب الاستمرارية التاريخية، ويجعلنا نطرح أسئلة كبرى حول إهمال تراث علمي جاد و رصين خلفه أمثال أبي الخير الإشبيلي و الوزير الغساني و غيرهما بحيث لو سار التطور العلمي في علم النبات بشكل مطرد منذ عصر هؤلاء الرواد إلى اليوم لكان الحال غير الحال”، وختمت الجلسة ببحث : “الوصف النباتي والاستخدامات الطبية لنبات الترنجان Melissa officinalis بين التراث العلمي العربي والعلم الحديث” تقدم به الباحث عبد العليم حسن بلّو من سورية.

أما الجلسة العلمية السادسة فخصصت لمواضيع  تهم العمران  والتراث مثل “الفكر المعماري عند ابن الأزرق” للدكتور بديع العابد من الأردن، و موضوع “التلوث المرئي والأسس الجمالية في البيئة العمرانية كحفاظ على التراث” للدكتورة سامية كمال توفيق نصار من مصر، و”عمارة الأبنية الحكومية في مدينة حلب في العهد العثماني المتأخر” للدكتورة لمياء الجاسر من سورية، و”سور باب الفرج في حلب إشكالية البحث بين الفصيل الزنكي والسور الأيوبي وإعادة التأهيل” للدكتور عبد الهادي نصري من سورية ، وقدم الباحث الليبي نور الدين مصطفى الثني ورقة حول  “التراث المعماري التقليدي الليبي : تخطيط وإبداع علمي (غدامس نموذجاً)، و ختمت الجلسة بموضوع “كيف تفهم تأهيل المباني القديمة” للدكتور محمود حريتاني من سورية.

وخلال الجلسة السابعة ، قدمت بحوث تهم علم العمارة وهي : “بوابات القدس تاريخ تراثها العمراني” للباحث الأردني ديب الكخن، و”التقنيات الهندسية المستخدمة في العمارة التدمرية”  للدكتورة  وفاء النعسان من معهد التراث العلمي العربي، و”عمارة المباني الأثرية على خط الحجاز الحديدي : نماذج وتجارب لأعمال ترميم وتأهيل” للأستاذ محمد زين العابدين من سوريا، و”تقويم تجربة ترميم وتأهيل الأسبلة “القساطل” في حلب القديمة” للأستاذة أفين عثمان من سوريا، و”إعادة توظيف الخانات في المدينة الإسلامية التاريخية” للأستاذ رفيف سيريس من سوريا.

وختم المؤتمر يومه الثالث والأخير بجلستين علميتين تناولت الأولى  موضوع “أثر العرب في الحضارة الصينية- العلوم التطبيقية نموذجاً” للدكتور حمود محمد النجيدي من السعودية، و”أهم المشاريع المائية في بلاد الشام في العهد العثماني” للدكتورة مها الشغار من معهد التراث العلمي العربي، و موضوع”مدينة حماة : مركز صناعة البارود للإمبراطورية العثمانية” للأستاذ إسماعيل نوفل من سورية، وقدم الدكتور محمد هشام النعسان من معهد التراث العلمي العربي ورقة في تاريخ علم النبات حول : ” المنهج التجريبي عند عبد المالك الطُّغنُري”.

واختصت الجلسة الأخيرة بعروض متعلقة بتاريخ الطب وهي : “مجلدات القانون في الطب لابن سينا بين رواية الجوزجاني وتعليقات المؤرخين : دراسة تحليلية نقدية” للدكتور ماهر عبد القادر محمد علي من مصر، و”الصحة العامة ونظافة البيئة في بغداد في القرن السادس الهجري” للدكتورة جيهان سعيد الراجحي من السعودية، والأسباب المانعة من الحبل في الرجل والمرأة ودلائل الحبل في التراث الطبي العربي الإسلامي “مخطوطة الشمسية المنصورية للقمري أنموذجا” واسقاطاتها على الطب الحديث للدكتورمحمد شايب من سورية، والمبادئ الأساسية في علم الجنين عند العلاّمة ابن قيِّم الجوزية  للدكتورة  أميرة أومري من كلية العلوم بحلب.

أما الجلسة الختامية للمؤتمر فتميزت بإعلان التوصيات،  التي كان أهمها  ضرورة إنشاء اتحاد عربي لتاريخ العلوم عند العرب يكون المشاركون في المؤتمر أعضاء مؤسسين له، كما ضمت التوصيات ضرورة التنسيق الجاد والمستمر بين الجامعات العربية والإسلامية في مجال تاريخ العلوم، وكذلك تسهيل الحصول على المخطوطات الموجودة في المكتبات العامة والخاصة.. وتجدر الإشارة إلى  أن ممثل الرابطة المحمدية للعلماء في المؤتمر  الدكتور جمال بامي تقدم بمقترحات عملية منها ضرورة  تدريس  تاريخ علم النبات العربي ومناهجه كمقدمات “لعلم النبات” بكليات العلوم والزراعة، و إنجاز ورشات تطبيقية في مختلف الكليات والمعاهد للخبرات الواردة في كتب النبات والفلاحة في التراث العربي الإسلامي، كما دعا الدكتور جمال بامي إلى ضرورة إنشاء “بنك بذور عربي” SEMINA ARABICA مع الاستعانة بكتب علم النبات التراثية من أجل مقارنة الثروة النباتية بين الماضي والحاضر، مبرزا الأهمية العلمية والعملية لمثل هذه المشاريع..

د. جمال بامي
رئيس وحدة البحث العلمي والعلماء  بالمغرب
بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق