الرابطة المحمدية للعلماء

“أي دور للمسجد في حياتنا العامة؟” موضوع الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية

ترأس أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، يوم الأربعاء 8 رمضان الأبرك 1434 ه موافق 17 يوليوز 2013م، بالقصر الملكي بالرباط، الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية

وألقى هذا الدرس بين يدي جلالة الملك، الأستاذ المصطفى زمهني، رئيس المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، تناول فيه بالدرس والتحليل موضوع “أي دور للمسجد في حياتنا العامة” انطلاقا من قول الله تعالى “وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا”.

وتناول المحاضر الموضوع من خلال محاور ثلاثة شملت “مكانة المسجد في الإسلام” و “رسالة المسجد في الاسلام” و “جوانب من عمل المغرب في خدمة بيوت الله تعالى من خلال الممارسة الميدانية”

وبين الأستاذ زمهني أن المسجد كان هو المؤسسة الأولى التي جمعت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بين نوعين من الوظائف، نوع ظهر أنه جوهري وهو المتعلق بالعبادة وبناء الجماعة وتقوية روحها، ونوع عارض في ذلك الزمن الأول وكان يتمثل في اتخاذ المساجد مقرا ومنطلقا لتدبيرات مدنية وعسكرية يتوقف عليها تسيير الدولة. فقد كان المسجد آنذاك مركزا للنشاطين الديني والسياسي معا، واستمر شيء من ذلك في عهد الخلفاء الراشدين، لتظل الرمزية السياسية للمسجد قائمة بعد الخلفاء الراشدين، أي في عهد الأمويين والعباسيين.

ولاحظ أنه من الطبيعي بمقتضى روح الدين الإسلامي أن يكون المسجد مدار الشؤون التي تتعلق بمصير الأمة، إذا كان ولي أمر الأمة هو الذي يقرر ما يمكن ن يطرح في المسجد من تلك الأمور المصلحية، أما بعد أن تعددت المساجد فالإمام مكلف بإمامة الصلاة أو بالخطبة أو غير ذلك في حدود نيابته والمواصفات التي استقراها العلماء من السنة النبوية الشريفة.

أما النزوعات التي تظهر عند قلة من الأئمة في العصر الحاضر عندما يتصرفون وكأنهم أصحاب القرار في ما ينبغي أن يقال أو يفعل في المسجد – يضيف المحاضر- فهو سلوك ليس له أصل لا في آداب الإمامة والمسجد كما وردت في السنة ولا في وقائع تاريخ المساجد في الإسلام، بل هي سلوك من فعل الخوارج القدامى أو من تأثير التيارات السياسية التي لا تلتزم لا بقواعد السياسة العصرية ولا بآداب الدين وما درجت عليه من مراعاة حرمة المساجد.

انطلاقا من هذه المكانة، انبرى المحاضر لعرض الوظائف الحيوية للمسجد التي أهلته لأن يكون أهم معلمة توجيهية ضمن شبكة معالم المجتمع الإسلامي. هي أدوار متعددة أضفت على وظيفة المسجد صبغة الشمول والتكامل في تربية الإنسان وتبصير الأمة بآيات الطريق، غير أنه اعتبر أن دوره الأساسي ظل كما هو عليه، ألا وهو وظيفة الصلاة وما يعد امتدادا وثمرة لها من أحوال استقامة الأفراد والجماعات.

وقسم الأستاذ زمهني رسائل المسجد في هذا الإطار إلى أربع: المهمة التعبدية والمهمة التربوية والتعليمية والمهمة الاجتماعية ثم المهمة الاعلامية. ويعد المسجد في هذا الباب فضاء روحيا مقصودا للتعرض في أجوائه لذلك التلقي الذي تفيض منه تزكية القلوب وتتأسى النفوس. إنه “عيادة لأمراض النفس الناشئة عن الذنوب، المترتبة عن الإخلال بحقوق الله أو حقوق النفس أو حقوق الناس”.

وعلى المستوى التربوي والتعليمي، ذكر المحاضر بأن المسجد كان عبر التاريخ محل تربية وتعليم يقصده المصلون لتصحيح تصوراهم وتقويم مفاهيمهم الوجودية والمعرفية على هدي الدين، كما كان مدرسة تعليمية يتصدى فيها العلماء للتدريس والإقراء نجم عنه انتشار العلوم وبزوغ علماء أجلاء قدموا للإنسانية خدمات جليلة. وتوقف في هذا الصدد عند دور خطبة الجمعة كفرصة لمعالجة العديد من الآفاق والانحرافات التي تظهر ملامحها في صفوف المجتمع. كما عرض للدور التعليمي للمسجد وإشباع حاجة عامة الناس للثقافة في الدين والثقافة العامة في مختلف المجالات مما يحتاج إليه المواطن.

وبخصوص المهمة الاجتماعية، ذكر المحاضر بأن المسجد مؤسس للجماعة، وهذا الركن الأكبر لبعده الاجتماعي، فهي جماعة المسجد التي هي في نفس الوقت جماعة الحي أو جماعة القرية، موضحا أن الواجب إقامة صلات التعارف والتراحم والتضامن لوجه الله لا لغرض آخر، إذ نبه إلى أنه في تاريخ الإسلام والى اليوم، “يظهر في المساجد من يكونون جماعات تستغل فضاء المسجد وحرمته للدعوة إلى روابط أخرى تقيم جماعات تخالف روحها فكرة الجمع على الله إذا شابتها أي شائبة”.

وفضلا عن الوحدة الاجتماعية، تساهم المساجد، يقول الأستاذ زمهني، في تكريس الوحدة الفكرية للأمة التي تجسدها اختيارات معينة، الغاية منها تحقيق الوحدة بين المسلمين ودرء الاختلافات المذهبية والنزاعات العقائدية التي من شأن حصولها نشوب الخلاف والتدابر والفوضى بين أفراد المجتمع. وأبرز في هذا الصدد أن المغرب حسم اختياراته منذ زمن مبكر من تاريخه بجعله من العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني وإمارة المؤمنين ثوابت أصيلة عصمت البلاد من الفتن والاضطرابات التي شهدتها بلدان أخرى. وهو اختيار ذكي يدل على فهم عميق لرسالة المسجد الاجتماعية المتمثلة في الوحدة الناظمة وسد الذرائع أمام كل ما من شأنه أن يزعزع الأمن الروحي للمواطنين والمواطنات.

واعتبر أن “حماية المساجد من الزيغ من مهمة العلماء ومن مهمة جماعة المسجد، ولكنها في مستوى آخر قد تكون من مهمة الجهات الموكول اليها حفظ النظام العام، لأن التربص بالمساجد تربص بالأمة”.

وبخصوص المهمة الاعلامية للمسجد، أبرز المحاضر أن الأخير يعد أهم وسيلة اعلامية في حياة الأمة “لما يتسم به من صدقية وقدسية لدى المسلمين ومن جمهور واسع ولأن الامام رائد والرائد لا يكذب أهله”، مشيرا الى أنه يمكن أن تتضمن خطبة الجمعة بلاغات تدخل في الأمور الجامعة التي تفيد الجماعة، وهي إمكانية عظيمة رأى أنها لا تستغل بما يناسب لحد الآن.
 
وفي عرضه لجوانب من عمل المغرب في خدمة بيوت الله، قدم المحاضر إطلالة على تجربة تأطير بيوت الله في نطاق المجلس العلمي لإقليم خنيفرة، عن طريق التواصل مع الأئمة وتنظيم الدورات التكوينية مما أدى الى انبعاث حركة تجديدية في المساجد.

وخلص المحاضر الى أن المسجد هو مؤسسة الأمة، لوظيفة معينة لا لغيرها، هي عبادة الله في معناها الواسع، موضحا أن مقام الأمة هو مقام إمارة المؤمنين، ولذلك فالمساجد تقع في عمق الشأن الديني الذي تختص به إمارة المؤمنين، ومن حماية المساجد من التجاذبات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع تبدأ حماية الملة والدين، وهذه الحماية تكون بضمان الحياد للمسجد بحيث تكون استفادة الجميع من خيره وفضله مضمونة للجميع، ليؤكد أن فرض حياد المسجد بوسائل قانونية وتدبيرية ضمن سياسة الشأن الديني التي يخطط لها ويوجهها أمير المؤمنين ستفضي الى اقتناع الجميع بهذا الحياد الذي تستفيد منه السياسة السليمة أكثر من غيرها، لأن “كل محاولة لاستغلال المساجد في السياسة الفئوية مخالفة للدين من جهة وغش في السياسة من جهة أخرى”.

وتم إخراج هذه الدروس باللغة العربية وترجمتها الى اللغات الفرنسية والاسبانية والانجليزية، وكذا على الأقراص المدمجة المرئية والصوتية وعلى القرص المضغوط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق