مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامأعلام

أميناتا تراوري…نضال امرأة من مالي

بشرى لغزالي

رغم أننا ننتمي إلى نفس القارة الإفريقية، لكننا قليلا ما نسمع أو نقرأ في الصحافة عن نساء نموذجيات من مالي ناشطات على المستوى الاجتماعي أو السياسي صنعن، أو على الأقل، حاولن صنع التغيير في مجتمعهن ومحيطهن. لذلك اخترنا في هذا المقال أن نُعرف بامرأة من مالي، وهي السيدة أميناتا تراوري Aminata Traoré، عالمة اقتصاد وعالمة اجتماع وكاتبة ومناضلة، عُرفت بمواقفها السياسية الجريئة وبنشاطها على المستوى الاجتماعي والجمعوي.

حصلت أميناتا التي تجاوزت اليوم عقدها الستين على دكتوراه في علم النفس الاجتماعي ودبلوم في علم النفس المرضي من إحدى الجامعات الفرنسية. وهي باحثة في العلوم الاجتماعية درَّست في معهد علم الأعراق والاجتماع Institut d’éthno-sociologie التابع لجامعة أبيدجان في ساحل العاج. كما تملك مقاولة في باماكو ومطعما-معرضا فاخرا ودار ضيافة لاستقبال السياح، اعتمدت في تجهيزها على أدوات محلية. شغلت منصب وزيرة الثقافة والسياحة في مالي في عهد الرئيس ألفا عمر كوناري (1997-2000) قبل أن تستقيل لتتمكن من التعبير بكل حرية عن مواقفها.

عملت لصالح عدة منظمات محلية ودولية كاشتغالها في مشروع جهوي (PROWWESS AFRICA ) تابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بغية تعزيز دور المرأة والمجتمعات الفقيرة في تدبير المياه والتطهير. وكانت عضوا في “فريق الشخصيات البارزة المعني بالعلاقات بين الأمم المتحدة والمجتمع المدني الذي أنشأه الأمين العام” ما بين 2003 و2004. بالإضافة إلى ذلك، انخرطت في مجموعة من اللجان الوطنية والدولية، حيث كانت عضوا في اللجنة المنظمة للمنتدى الاجتماعي العالمي في باماكو في عام 2006، ومنسقة كلّ من المنتدى الاجتماعي الإفريقي الأول الذي عُقد في باماكو في 2002 ومنتدى “من أجل مالي آخر” FORAM،  كما عُينت للعمل في “خدمة الصحافة الدولية” في يوليوز 2005.

أما على المستوى الاجتماعي، فقد اشتغلت في عدة مجالات تنموية مهمة مثل خدمة تزويد الماء والصحة والمساواة بين الجنسين والتنمية المجتمعية. وتحاول أميناتا أن تترجم خطاباتها على أرض الواقع من خلال إنجاز مشاريع صغرى في المجال الثقافي وإعادة تأهيل البنيات التحتية في الأحياء الفقيرة وتعزيز صناعة النسيج والحرف اليدوية الإفريقية. وتقديرا لمجهوداتها، حصلت على عدة جوائز داخل وطنها وخارجه منها “جائزة الأمير كلوس (هولندا) سنة 2004 التي تُمنح تكريما للأفراد والمؤسسات التي تخدم قضايا الثقافة والتنمية. كما تقوم بتوعية مئات النساء اللواتي لا يستطعن القراءة والكتابة بخصوص عدة قضايا منها الأزمة الاقتصادية، حيث يعبرن عن رغبتهن في معرفة المزيد من المعلومات والحصول على تفسير بشأنها، والتفكير في كيفية العمل من أجل مستقبل مشترك.

عُرفت أميناتا تراوري بمواقف جريئة وآراء تميزت بها عن نظيراتها الماليات. من أبرز ما صرحت به هو معارضتها الليبرالية، التي تعتبرها مسؤولة عن الفقر في مالي وإفريقيا بشكل عام، وظهور العنف وهجرة الشباب نحو أوروبا، ودعوتها إلى عولمة بديلة ومغايرة altermondialisme. كما ترى أن عدم تقدير الفرد لثقافته يؤدي إلى التخلف قائلة: “عندما تُفضَّل الدِّلاء والنعال الصينية المصنوعة من البلاستيك على اليقطين المصبوغ يدويا والصنادل الجلدية، فإن ذلك ينعكس على مستوى الاقتصاد والبيئة (التلوث) وهوية القارة. كيف يمكننا أن نربح هذه المنافسة في حين تجعل الخوصصة والأسواق الحرة المنتجات المستوردة أقل ثمنا، وتمنعنا من القدرة على توفير منتجاتنا؟”[1].

في حوارات أميناتا الصحافية، ترفض ربط إفريقيا بالفقر وتعتبر هذه القارة ضحية ثرائها. وتضيف بأن إفريقيا ليست فقيرة كما توصف بل غنية بفلاحتها وهندستها وعلاقاتها الاجتماعية وتقاليدها، ووصفُها بالفقيرة والمتخلفة كان بداية لعملية استلابها. وقد ألهمت أحد تصريحاتتراوري الرافضة لبعض السياسات الدولية أحد المخرجين الماليين ودفعته إلى إنجاز فيلم يحمل عنوان “باماكو” يقدم محاكمة شعبية ضد مؤسسة دولية في ساحة بباماكو، جسدت فيه أميناتا دور الشاهد. ومن جهة أخرى، تداولت الصحف مؤخرا منع تراوري من دخول بلدان الاتحاد الأوروبي، حيث اعتبرت في تعليق لها هذا القرار ناتجا عن موقفها الرافض والمعارض لأي تدخل عسكري أجنبي ضد مالي، لكونه في نظرها حربا بالنيابة تستهدف خيرات بلدها ووضع يد على موارد المنطقة.

في نفس السياق، أضافت بأن قضية العنف ضد النساء تُستغل لتعليل التدخل الأمني وهو ما اعتبرته غير أخلاقي، كما رأت أن نساء مالي يضطلعن بدور تاريخي في الدفاع عن حقوقهن الإنسانية. وكان من بين أسباب رفضها هذه الحرب هو الأضرار الخطيرة التي يمكن أن تخلفها على النساء. فمن الأجدر في نظرها أن يكون “ضعف” المرأة الذي تُبرَّر به الحرب في مالي دافعا لمنعها. وواصلت شرح موقفها معتبرة بأن انتشار المزيد من العساكر يزيد من خطر وقوع حالات اغتصاب في المناطق المحتلة، وارتفاع معدل ممارسة الدعارة التي تتكاثر في المناطق التي تعاني أكثر من الفقر، وبالتالي انتشار فيروس فقدان المناعة المكتسب. ومن جهة أخرى، ترى أن العقوبات الاقتصادية التي فرضها المجتمع الدولي على الشعب المالي تُضر بالفئات الهشة ولاسيما النساء، إذ تضطر المرأة، لتقوم بأعبائها المنزلية، لمواجهة مشكلة التزود بالمياه والغذاء والطاقة والأدوية. وهذا الكفاح المستمر واليومي من أجل البقاء هو في حد ذاته نوع من أنواع الحرب. وفي هذه الظروف، ترى تراوري أن الخيار العسكري المطروح أسوأ من هذا الوضع الذي تعيشه النساء، في حين أن اقتراح حل بديل سلمي يصدُر عن المجتمع المالي المدني والسياسي والعسكري سيكون حلا بناء. وبالتالي رفضت أميناتا باسم نساء مالي اقتصاد الحرب ورفعت في المقابل تحدي العلم والمواطنة والحوار. كما ترى أن الإرهاب الحقيقي هو الفقر والظلم لأنهما يدفعان الشباب العاطل واليائس إلى القتال و”الجهاد”.

لم تكتف تراوري بالتعبير عن مواقفها وآرائها في المواد الصحافية وفي مقالات متفرقة، بل أصدرت منذ عام 1999 أربعة كتب تتطرق فيها إلى مجموعة من القضايا الاقتصادية والسياسية والإنسانية، منها كتاب “اغتصاب الخيال” (2002) و”إفريقيا المُهانة” (2008).

لا شك أن في كل مجتمع، على اختلاف ثقافته، نساء متميزات وفاعلات يفكرن في مصلحة مجتمعهن بالدرجة الأولى ويسعين للعمل جاهدات لتحقيق التغيير نحو الأفضل على قدر استطاعتهن وإمكانياتهن، لكنهن لا يحظين دائما بالاهتمام اللازم من لدُن الصحافة التي تضطلع بدور مهم في التعريف بهن وإبراز أفكارهن ومواقفهن على مستوى أوسع. فالمقالات والمراجع القليلة المُتوفرة على الشبكة العنكبوتية والتي تقربنا من السيدة أميناتا تراوري تكشف النقاب عن امرأة مسلمة إفريقية تُسخر إمكانياتها لخدمة مجتمعها ومحيطها، لكن يبدو أن مواقفها السياسية تحول دون انتشار كتاباتها وإسماع صوتها على نطاق أوسع وعلى مستوى أكبر.


[1]  http://www.powerofculture.nl/en/current/2006/december/traore.html

نشر بتاريخ: 03/10/2013

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق