مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

أسرار الصلاة 1

الشوق إلى الصلاة

عندما أشتاق لك أصلي صلاة الحب وحدي جماعة، فتصطف أضلعي، ويكون الفؤاد إماما

     الاشتياق إلى محراب الحب، شعور لا يكون إلا لأهل العشق والحب، ممن لا حياة لهم دون رؤية حبيبهم وقرة عيونهم، أو التلذذ بسماع خبر منه أو عنه.

   حديثُهُ أو حَديثٌ عنْهُ يُطْرِبُنِي                  هذا إذا غابَ أو هذا إذا حَضَرَا

       كِلاَهُمَا حَسَنٌ عندي أُسَرُّ بـــه                     لكنَّ أحلاهُما ما وافَقَ النّظرا [1]

     لذلك فالصلاة عند المحبين والعاشقين صلة وصل، وساعة لقاء يبوح فيها المشتاق بما يختلج صدره ويعتصر فؤاده من معاني الحب والعشق، فالمحبون تراهم مستعدون على الدوام للقاء، متأهبون في كل وقت للوصال، أحرق الشوق أضلعهم، وألهبت جمرات الترقب أكبادهم.

    واللهِ لَوْ حَلَفَ العُشَاقُ أَنَّهُـــــــــمُ                     مَوتَى من الحُبِّ أَو قَتلى لما حَنَثوا

قَوْمٌ إِذا هُجِروا مِن بَعْدِ ما وُصِلوا                   ماتوا، وإنْ عادَ وَصْلٌ بَعْدَهُ بٌعِثوا

ترى المحبّينَ صرعى في ديارهُمُ                   كَفِتْيَةِ الكَهْفِ، لا يَدرونَ كمْ لَبِثوا[2]

     فلا عجب أن تراهم قد شمروا قبل الوقت، واستعدوا قبل الفوت، فهي قرة عينهم، وراحة أرواحهم، ألا ترى أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يفيض وجدا بها، ويشتاق إلى سماع النداء بها، فيقول لسيدنا بلال رضي الله عنه: (قم يا بلال فأرحنا بالصلاة). [3]

     فقلوبهم معلقة بالمساجد، فهم ضمن دائرة أهل المحبة وأهل الخصوصية، وفي الحديث: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ[4] وقال سفيان ابن عيينة: “لا تكن مثل العبد السوء لا يأتي حتى يدعى ائت الصلاة قبل النداء“،[5] قال عدي بن حاتم: “ما جاء وقت الصلاة قط إلا وقد أخذت لها أهبتها، وما جاءت إلا وأنا إليها بالأشواق“.[6]

فالمحب من يجيب قبل النداء، ويستعد للقاء.

فهرس المصادر والمراجع المعتمدة:

  • تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، سوريا، الطبعة الأولى، 1413هـ/1996م.
  • حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني الشافعي، تحقيق ودراسة: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 2007م.
  • ديوان ابن الفارض، دار صادر، بيروت، لبنان، بدون (ط/ت).
  • ديوان الحلاج ومعه أخبار الحلاج وكتاب الطواسين، وضع حواشيه وعلق عليه: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1423هـ/2002م.
  • شرح مشكل الأثار، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1415هـ/1994م.
  • صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة بن بردزبه البخاري الجعفي، دار الحديث، القاهرة، مصر، سنة الطبع: 1425هـ/2004م.

الهوامـــــــــــــــــــــــــــــــش :

[1] ديوان ابن الفارض، دار صادر، بيروت، لبنان، بدون (ط/ت)، 183

[2] ديوان الحلاج ومعه أخبار الحلاج وكتاب الطواسين، وضع حواشيه وعلق عليه: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1423هـ/2002م، 127

[3] شرح مشكل الأثار، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1415هـ/1994م، رقم الحديث: 5549، 14/167.

[4] صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، رقم الحديث: 660.

[5] تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، سوريا، الطبعة الأولى، 1413هـ/1996م، 19/529.

[6] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني الشافعي، تحقيق ودراسة: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 2007م، 7/335.

Science

د.مصطفى بوزغيبة

باحث بمركز الإمام الجنيد التابع للرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق