مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكأعلام

أسد بن الفرات القاضي الفقيه والأمير المجاهد

 

د. أمينة مزيغة

 باحثة بمركز دراس بن إسماعيل

 

           عُرف في القضاء بالعدل وفي الفقه بالتمرس، وفي الجهاد بالقيادة والشجاعة، جمع بين خصال الخير كلها من علم، وورع، وصدق، وجهاد، وشهادة، ودفاع عن السنة وقمع للبدعة، ورباط في سبيل الله.

         هو أسد بن الفرات بن سنان مولى بني سليم، أبو عبد الله، قاضي القيروان، وأحد القادة الفاتحين، ولد أسد بن الفرات بمدينة حران عام خمس وأربعين ومائة، تفتح عقله على العلم، وحلق فكره في الفقه فكان في صدر شبابه لا يعرف إلا العلم والدرس والتحصيل، كان يعتز باسمه واسم أبيه وجده فيقول: أنا أسد وهو خير الوحوش، وأبي الفرات وهو خير المياه، وجدي سنان وهو خير السلاح.

         بعدما أتم أسد حفظ كتاب الله بدأ في تحصيل العلوم الشرعية حيث برع في الفقه، وكان محبا للنظر والمسائل المتفرعة وإعمال العقل فمال لجهة مذهب أبي حنيفة، وظل كذلك حتى التقى بالعالم المالكي الفقيه علي بن زياد والذي يعتبر أول من أدخل مذهب الإمام مالك بن أنس بالمغرب، ودرس عليه المذهب المالكي فنبغ فيه، إذ سمع منه كتاب الموطأ وتلقى منه أصول مذهب مالك، كما درس الحديث والأثر.

          لم يكتف أسد بن فرات بذلك بل أراد أن يأخذ العلم من منبعه الصافي، حيث حرص على لقيا الإمام مالك وتتلمذ على يديه وسمع منه الموطأ، وتبحر في هذا المذهب وألف الأسدية في فقه الإمام مالك، ثم رجع ليفقه الناس في تونس والقيروان، فالتف الناس حوله وأقبل العلماء عليه فكان عنده لكل سؤال جوابه، ولكل معضلة حلّ.. دخل أسد بن الفرات المدينة النبوية لسماع الموطأ مباشرة من الإمام مالك، وقد كان الإمام مالك له ترتيب خاص في إسماع الموطأ حيث كان يقسم السامعين إلى ثلاثة أفواج: أهل المدينة، أهل مصر، عامة الناس.
ولما لاحظ الإمام مالك حِرْصَ أسد على سماع الحديث وحبه للطلب، أدخله مع الفوج الثاني أهل مصر، و لكنه كان شديد الشغف بالعلم فاستقل مرويات مالك في الموطأ واستزاده في السماع، فقال له مالك: “حسبك ما للناس”، فخشي أسد أن يطول به الأمر ويفوته ما رغب فيه من لقاء الرجال وسماع الحديث، فارتحل إلى العراق بعدما انتهى من سماع الموطأ، كما رحل إلى مصر وكان بها أخص تلاميذ مالك، وأكثرهم علما وورعا أمثال ابن وهب وابن القاسم، فدخل أسد أولا على ابن وهب وعرض عليه كتبه التي كتبها على مذهب أبي حنيفة وطلب منه أن يجيب عليها على مذهب مالك، فتورع ابن وهب عن ذلك، فدخل أسد على ابن القاسم فأجابه على هذه المسائل وتفرغ له ابن القاسم ولقنه المذهب كله بأصوله وفروعه ودون هذه المسائل كلها في الكتاب الشهير “بالأسدية” وحررها وضبطها حتى صارت المرجع الأول للفقه المالكي ببلاد المغرب وقتها.

          وعاد أسد بن الفرات إلى القيروان سنة إحدى وثمانين ومائة للهجرة حاضرة أفريقية وقتها ومنارة العلم الأولى في الشمال الأفريقي بعلم جم في الحديث والفقه بمدرستيه الأوليتين الحنفية والمالكية، وجلس بجامع عقبة وأقبل عليه الناس من كل مكان من المغرب والأندلس واشتهر أمره وظهر علمه، وارتفع قدره، وانتشرت إمامته، وجاءته الأسئلة من أقصى البلاد ليجيب عليها .

        وافته المنية مرابطا مجاهدا بعيدا عن أهله وبيته وحلقات دروس العلم، مجافيا لفراشه وداره، موثرا مرضات ربه ونصرة دينه، وذلك في شعبان سنة ثلاث عشرة ومائتين لهجرة وقبره ومسجده بصقيلية.

 

        ترتيب المدارك وتقريب المسالك 1/270.

        جمهرة تراجم الفقهاء المالكية 1/318 رقم 230.

        الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب 1/267 رقم 178.

        الأعلام للزركلي1/298.

        معجم المؤلفين 1/240.

       

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق