مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

أربعون حديثا في الأشهر الثلاثة: شعبان، رمضان، شوال-الخمسة الثانية: ما جاء في شهر شعبان-

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد؛

فقد تناولت في الخمسة الأولى فيما جاء في شهر شعبان من الأحاديث، وسأتناول في الخمسة الثانية كذلك الأحاديث التي وردت في شهر شعبان أيضا، وهي مرتبة على الحروف: الحديث الأول: «أصمت من سرر شعبان؟»، الحديث الثاني: «إن الله عز وجل يلحظ إلى الكعبة في كل عام لحظة وذلك في ليلة النصف من شعبان»، الحديث الثالث: «تدرون لما سمي شعبان؟»، الحديث الرابع: «كان يكون علي الصوم من رمضان»، الحديث الخامس: «لأن أصوم يوما من شعبان، أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان».

وهذا أوان الشروع في المطلوب، وهو سبحانه وتعالى المعين الودود.

الحديث الأول: عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له – أو لآخر -: «أصمت من سرر شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت، فصم يومين».

التخريج: رواه: البخاري في صحيحه؛ كتاب: الصوم، باب: الصوم من آخر الشهر، رقم الحديث: 1983، ومسلم في صحيحه، واللفظ له؛ كتاب: الصيام، باب: صوم سرر شعبان، رقم الحديث: 1161[1].

الحكم: متفق عليه.

التعليق: قال أبو العباس القرطبي (المتوفى عام: 656 هـ): “المعروف عند اللغويين وغيرهم: أن سرار الشهر: آخره. يقال: سَرَاره، وسَرَرُه، وسره وهو حين يستسرُّ الهلال. وقال أبو داود عن الأوزاعي: سره: أوله. وقيل: وسطه. قال ابن السكيت: سرار الأرض: أكرمها وأوسطها. وسرار كل شيء: وسطه وأفضله. قال القاضي عياض: وقد يكون سرر الشهر من هذا؛ أي: أفضل أيامه، كما جاء في حديث جرير في ذكر الأيام البيض كما تقدم. قلت: فإن حملنا السرار في هذا الحديث على أول الشهر لم يكن فيه إشكال، وإن حملناه على آخر الشهر عارضه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم، ولا يومين) [2]. ويرتفع ما يتوهم من المعارضة بأن يحمل النهي على من لم تكن له عادة بصوم شيء من شعبان فيصومه لأجل رمضان، وأما من كانت له عادة أن يصوم، فليستمر على عادته” [3].

الحديث الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إن الله عز وجل يلحظ إلى الكعبة في كل عام لحظة وذلك في ليلة النصف من شعبان فعند ذلك يحن إليها قلوب المؤمنين».

التخريج: رواه: الديلمي في الفردوس، رقم الحديث: 542[4].

الحكم: لم أقف على من تكلم عليه باللفظ المذكور آنفا.

التعليق: قال أبو بكر الصالحي (المتوفى عام: 883 هـ) في الباب الثامن والأربعون في ذكر خصائص البيت والمسجد الحرام وأحكامهما: “خصائصها كثيرة وأحكامها منيرة، أجلّ من أن تحصى وأعظم من أن تستقصى. وسأذكر منها ما يسَّره الكريم طامعًا في ثوابه العميم:…الرابع والثمانون: ما يُروى أن الله تعالى يلحظ الكعبة في كل عام لحظة في ليلة نصف شعبان، فأصبح هذا سبب التوْق وكثرة الحنين والشوق”[5].

الحديث الثالث: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تدرون لما سمي شعبان؟ لأنه يتشعب فيه لرمضان خير كثير»، وفي لفظ: «إنما سمى شعبان لأنه يتشعب فيه للصائم فيه حتى يدخل الجنة»

التخريج: رواه: الديلمي في الفردوس، رقم الحديث: 2107[6].

الحكم: قال الألباني (المتوفى عام: 1420هـ): “هذا موضوع؛ زياد بن ميمون – وهو الثقفي الفاكهي – كذاب؛ كما قال يزيد بن هارون، ونحوه قول البخاري: تركوه”[7].

التعليق: قال المناوي (المتوفى عام: 1031 هـ): “(حتى يدخل الجنة) أي: يكون صومه سبباً لدخوله إياها بغير عذاب أو مع السابقين”[8].

وقال الأمير الصنعاني (المتوفى عام: 1182هـ): “(إنما سمى شعبان لأنه يتشعب)؛ أي: يتفرع (فيه خير كثير للصائم)؛ فإنه شهر كان يفرده الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة الصوم فيه (حتى يدخل)؛ أي: صائمه (الجنة)؛ وفيه حث وترغيب على صيام شعبان”[9].

الحديث الرابع: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم».

التخريج: رواه: البخاري في صحيحه؛ كتاب: الصوم، باب: متى يقضى قضاء رمضان، رقم الحديث: 1950، ومسلم في صحيحه واللفظ له؛ كتاب: الصيام، باب: قضاء رمضان في شعبان، رقم الحديث: 1146[10].

الحكم: متفق عليه.

التعليق: قال ابن عبد البر (المتوفى عام: 463هـ): “قد يستدل من قول عائشة هذا على جواز تأخير قضاء رمضان؛ لأن الأغلب أن تركها لقضاء ما كان عليها من رمضان، لم يكن إلا بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان ذلك كذلك كان فيه بيان لمراد الله عز وجل من قوله: ﴿فعدة من أيام أخر﴾[11] ؛ لأن الأمر يقتضي الفور حتى تقوم الدلالة على التراخي كما يقتضي الانقياد إليه ووجوب العمل به حتى تقوم الدلالة على غير ذلك، وفي تأخير عائشة قضاء ما عليها من صيام رمضان دليل على التوسعة والرخصة في تأخير ذلك، وذلك دليل على أن شعبان أقصى الغاية في ذلك، فمن أخره حتى يدخل عليه رمضان آخر، وجبت عليه الكفارة التي أفتى بها جمهور السلف والخلف من العلماء، وذلك مد عن كل يوم والله أعلم”[12].

الحديث الخامس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لأن أصوم يوما من شعبان، أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان».

التخريج: رواه: أحمد في مسنده، رقم الحديث: 24945، والبيهقي في سننه الكبرى؛ كتاب: الصيام، باب: من رخص من الصحابة في صوم يوم الشك، رقم الحديث: 7971[13].

الحكم: قال الهيثمي (المتوفى عام: 807هـ): “رجاله رجال الصحيح”[14].

التعليق: قال ابن عبد البر (المتوفى عام: 463هـ): “ذكر فيه –أي: صيام اليوم الذي يشك فيه – مالك أنه سمع أهل العلم ينهون أن يصام اليوم الذي يشك فيه من شعبان، إذا نوى به صيام رمضان، ويرون أن على من صامه على غير رؤية، ثم جاء الثبت أنه من رمضان؛ أن عليه قضاءه، ولا يرون بصيامه تطوعا بأسا. قال مالك: وهذا الأمر عندنا، والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا. قال أبو عمر هذا أعدل المذاهب في هذه المسألة إن شاء الله، وعليه جمهور العلماء”[15].

هذه خمسة أحاديث الثانية فيما جاء في شهر شعبان، وبه تم ما استخرجته من أحاديث هذا الباب، وفيما يلي أحاديث ما جاء في شهر رمضان إن شاء الله تعالى.

****************

هوامش المقال:

[1] ) صحيح البخاري (3 /41)، صحيح مسلم (2 /820).

[2] ) رواه من حديث أبي هريرة: البخاري في صحيحه (3 /28)؛ كتاب: الصوم، باب: لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين، رقم الحديث: 1914، ومسلم في صحيحه (2 /762)؛ كتاب: الصيام، باب: لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، رقم الحديث: 1082.

[3] ) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3 /234).

[4] ) فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب (1 /188).

[5] ) تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد (ص: 197_223).

[6] ) فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب (2 /91).

[7] ) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (7 /209).

[8] ) التيسير بشرح الجامع الصغير (1 /363).

[9] ) التنوير شرح الجامع الصغير (4 /196).

[10] ) صحيح البخاري (3 /35)، صحيح مسلم (2/ 802).

[11] ) سورة: البقرة، الآية: 184.

[12] ) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (23/ 148-149).

[13] ) المسند (41/ 421)، السنن الكبرى (4/ 355).

[14] ) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3 /148).

[15] ) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (10 /231_233).

****************

جريدة المراجع

الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، مكتبة الثقافة الدينية ، دار الوعي، حلب- سوريا، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1414 /1993.

تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد لأبي بكر بن زيد الجراعي الصالحي، اعتناء: صالح سالم النهام، محمد باني المطيري، صباح عبد الكريم العنزي، فيصل يوسف العلي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، الطبعة الأولى: 1425/ 2004.

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (الجزء: 23) لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، تحقيق: سعيد أحمد أعراب، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط- المغرب، 1410 /1990.

التنوير شرح الجامع الصغير لأبي إبراهيم الأمير محمد بن إسماعيل بن صلاح الصنعاني، تحقيق: محمد إسحاق محمد إبراهيم، مكتبة دار السلام، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1432/ 2011.

التيسير بشرح الجامع الصغير لزين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين المناوي القاهري، دار الطباعة الخديوية، . 1286

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه (الصحيح) لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، اعتناء: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1422، مصورة عن المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق- مصر، 1313.

سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة لأبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري الألباني، دار المعارف، الرياض- السعودية، الطبعة الثانية: 1420/ 2000.

السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي، تحقيق : محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة: 1424 /2003.

فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب لأبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي، تحقيق: فواز أحمد الزمرلي، محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1407 /1987.

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لأبي الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، تصوير دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، عن مكتبة القدسي، القاهرة- مصر.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصحيح) لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1412 /1991 مصورة عن دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان.

المسند لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، تحقيق: جماعة من الباحثين، إشراف: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421/ 2001.

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي تحقيق: محيي الدين ديب ميستو، أحمد محمد السيد، يوسف علي بديوي، محمود إبراهيم بزال، دار ابن كثير، دمشق – سوريا، بيروت- لبنان، دار الكلم الطيب، دمشق – سوريا، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1417 /1996.

راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق