مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

أحمد ابن ناصر الدرعي(1129هـ)

هو الإمام  اللغوي النحوي السُّنِّي، العَلَم الجليل الزاهد السَّني،  الكبير القدر، الشهير الذكر،  المربي الناصح، المعلم المصلح، أبو العباس أحمد بن الإمام الكبير أبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن ناصر الدرعي، وبه عُرف مثل أبيه، التمكروتي، ولد منتصف ليلة الخميس الثامن عشر من رمضان عام (1057هـ)، كما وُجد بخطّ والده، وبيته بيت علم وورع وزهد، أصله عربي، رُفع نسبهم إلى جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.

أخذ أحمد عن والده علم التفسير والحديث والعربية والأصول وغير ذلك، وهو أول شيوخه، فضلا عن كونه تولى تربيته وتنشئته، وأخذ عن أقطاب العلم بالمغرب في عصره، منهم: الإمام المفضال، العلامة الرَّحال، صاحب الرحلة الشهيرة، والمناقب الأثيرة أبو سالم عبدالله بن محمد بن أبي بكر العياشي(ت1090هـ)، سمع منه صحيح البخاري، وأجازه فيه وفي غيره، والشيخ العلامة المقرئ أبو عبدالله محمد بن يحيى بن محمد بن فَتُوح التلمساني، الدرعي الدار والقرار(ت1112هـ)، وقد زوّجه والد المترجم ابنته أم كلثوم، وهو من اصطحبه إلى درعة، والفقيه العلامة الراسخ أبو العباس أحمد بن محمد بن داود الملقب أحُزي الجزولي التملي، دفين تمكروت(ت1127هـ)، وغيرهم. وحجّ المترجم أربع حجات لقي فيها كثيرا من أعلام المشرق واجتمع بهم وأجازوه واستفاد من علمهم وأفاد، ومن أبرز هؤلاء: الإمام العلامة الدراكة الفهامة المُلاَّ إبراهيم بن حسن الكردي الكوراني الشهرزوري(ت1102هـ)، والإمام العَلم المتفنن الضابط، الزاهد الورع العابد عبدالله بن سالم بن محمد بن سالم البصري، نزيل مكة شرفها الله(ت1134هـ)، وأبو العز ابن أحمد العجمي، وأبو الحسن علي بن محمد الزعتري المصري، أخذ عنه التوقيت والفرائض، وغيرهم ممن ذكرهم في رحلته المفيدة.

وبعدما جمع المترجم من فنون العلم ما جمع، وتضلع في كل فن منه؛ من تفسير، وقراءات، ورسم، وحديث، وفقه، وأصول، ولغة ونحو، وتوقيت، وتعديل، وتاريخ، وقيد من شوارد ذلك وحفظ من فوائده الشيء الكثير، أضحى من أعلام المغرب الذين شُدّت إليهم المطايا من كل جهة، وتزاحمت على أبوابهم الركب؛ وكان من جملة مَن أخذ عنه: ابنا أخيه، وهما: العلامة الصالح الورع موسى بن محمد الكبير بن محمد ابن ناصر، وكان ملازما لعمه في الحضر والسفر، وهو الذي خلفه بعد وفاته(ت1142هـ)،  والقدوة العمدة الفقيه المحدث أبو المحاسن يوسف بن محمد الكبير بن محمد ابن ناصر الدرعي(ت1197هـ)، والسيد الأبر، العالم الصالح الأنور أبو محمد الحسين بن محمد بن علي بن شرحبيل البوسعيدي الدرعي(ت1142هـ)، وكان مصاحبا لشيخه في بعض رحالاته مشاركا له في شيوخه، والعالم العامل الفاضل المحدث النحوي اللغوي العروضي أحمد بن عبدالله الصوابي السوسي(ت1149هـ)، وعالم العلماء وفقيه الفقهاء أحمد بن محمد بن محمد العباسي السملالي(ت1152هـ)، والفقيه العالم العامل الرباني الناسك أحمد بن يوسف الوُلْتي، والعالم العامل الناسك الصالح أبو بكر بن علي بن أبي بكر التيزختي(ت1179هـ)، صحبه طويلا، والشيخ الصوفي الورع الزاهد المعطي بن صالح الشرقي(ت1180هـ)، وغير هؤلاء. ومما يذكر في هذا السياق أن المترجم ألحق الأحفاد بالأجداد وهذا ما يشهد به قول الحضيكي في طبقاته:شيخي وشيخ أبي وشيخ جدي.

وكان ـ رحمه الله ـ مثابرا على التعليم، مُكِبّاً على المطالعة، قائما على تدريس الكتب؛ مثل قيامه على صحيح البخاري وغيره من الكتب الحديثية، ومن مآثره الحسنة تشييده لمدرسة بلغ عدد طلبتها حوالي ألفا وأربعمائة من المنقطعين للدراسة، وما يخصها من مرافق، وأنشأ خزانة حرص على تزويدها بأمهات الكتب ونفيس الذخائر، جالبا إياها من جهات المغرب وبلاد المشرق، وبفضله أضحت تمكروت، التي بها زاويته المنسوبة إليهم، وخلف فيها أباه، قِبْلة لأهل العلم، سواء العلماء منهم أو الطلبة، فعُدّت بذلك من أكبر المراكز العلمية ببلاد المغرب.

وانتدب المترجم  نفسه لإقامة السنن وإحيائها، وإخماد البدع وإماتتها، فعمَّ نفعه البلاد والعباد، وكان جزأ وقته أجزاءً يخص كل وقت بوِرد وعبادة. وتُجمع أقوال العلماء؛ أشياخه وتلامذته على تقدّمه في العلم، وسُمو فضله، وحُسن سيرته، فقال فيه شيخه عبدالله بن سالم البصري في إجازته له وللعلامة الحسين البوسعيدي المتقدم: «…العلامة والقدوة الكامل الفهامة مولانا الشيخ سيدي أحمد بن مولانا شيخ الإسلام محمد بن ناصر الدرعي». وقال فيه الحضيكي: «الشيخ الإمام الكبير السَّني الأروع، الأزهد الصوفي المحقق الأكمل الأفضل، الجامع بين الشريعة والحقيقة، بحر العلم والكرم، شيخ الطوائف ومربي المريدين وناصح الإسلام». وقال فيه الإفراني: «كان رحمه الله إمام وقته علماً وعملاً، قوالا للحقّ، شديد الشكيمة على أهل البدع … متصاوناً مقبلا على ما يعينه، متابعا للسّنَّة في أقواله وأفعاله».

وكان للمترجم حظ من التأليف، فمن أهم ما ألفه «رحلته الحجازية»، وتعرف بالرحلة الناصرية أيضا؛ جمع فيها كثيرا من فوائد الرحلة العياشية، وهي مطبوعة على الحجر، وله «فهرسة»، و«أجوبة فقهية»، و«الرحلة الشامية»، وهي رحلة أخيه محمد بن محمد ابن ناصر، و«تجديد المراسم البالية في السيرة الحسنة العالية»، وهو كُتيب في السيرة النبوية، و«رسالة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم»، و«إشفاء المريض في بساط القريض»، وهو مجموعة أشعار، «وكلام في الطريقة وحضّ على اتباع السُّنّة»، و«ترجمة والدته السيدة حفصة»، و«مجموع رسائل».

توفي رحمه الله ليلة الجمعة بين العشاءين تاسع عشر  ربيع الثاني عام (1129هـ)، وقيل غير ذلك، ودفن في زاويتهم، ولم يخلف عقباً. وممن رثاه قاضي الجماعة عبدالكريم بن أحمد التنفوي بقصيدة مطلعها:
مات أبو العباس شيخ الورى*** فاربدّ وجه الأفق واستغبرا

ومما جاء فيها:

جمع كل المجد في ذاته*** وليس ذا في العقل مُستنكرا
قد أخمد البدعة في عصره *** وسنة المختار قد أظهرا

وكتب غير واحد في مناقبه منهم تلميذه الحسين ابن شرحبيل البوسعيدي.

مصادر الترجمة: طبقات الحضيكي(1/85-89)، وصفوة من انتشر للإفراني(364-366)، وسلوة الأنفاس للكتاني(1/298)، والتقاط الدرر للقادري(312-313)، ونشر المثاني له(3/234-235)، والتاج والإكليل له(184-185)، والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام للسملالي(2/357-361)، وشجرة النور الزكية لمحمد مخلوف(332)، والأعلام للزركلي(1/241)، ومعلمة المغرب(22/7379-7381).

إنجاز: د.مصطفى عكلي.

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الشكر بعد التحية والسلام.
    تدخلي في هذه السطور تأتي لاضافة معلومة بخصوص الرحلة الحجازية لابن ناصر الناصري الدرعي، والاسم الكامل لهذه الرحلة هو: الرحلة الناصرية الى الديار النورانية، من باب التوثيق والأمانة العلمية، ومن جهة أخرة فهذه الرحلة التي أعملت عام 1121ه هي ثمرة أربع(4) رحلات / أو حجات قام بها أحمد بن امحمد بن ناصر الى الحجاز وهي اعوام: 1076- 1096- 1109- 1121ه، وقد طبعت في جزءين عام 1320ه.
    وللاشارة، فقد رافقه في الرحلة الأخيرة عدد من العلماء منهم الرحالة العلامة أحمد الهشتوكي الشهير بأحزي الذي اخطأت ، بعض الدراسات ، في تحديد رحلته الثانية عام 1119ه، وهو سبق قلم، بل كانت في السنة المذكورة مع الشيخ الخلفية احمد بن ناصر.
    ولعل هذا الخطأ انما هو آت من كون البعض قرا رحلة الهشتوكي الثانية، وليس " هداية الملك العلام " التي تؤرخ لحجة الفرض عام 1096هـ بمعية الشيخ احمد بن ناصر، واعتقد الباحث/ ؟ بقراءة اوليات الرحلة الثانية المخطوطة بخط المؤلف وكما هو في بدايتها انها أعملت عام 1119هـ، وبتتبعي لأسطرها أشار الرحالة الهشتوكي الى تاريخ 1121هـ اكثر من مرة في ثنايا رحلته الثانية التي تمثل غالبا مسوة الرحلة بسبب كثرة التشطيب الوالفراغات والبياضات.
    وللتوضيح والتبرير فقد جاء الغاء حج عام 1119هـ بامر من السلطان المولاي اسماعيل بن الشريف نتيجة الخلاف السياسي بينه وبين الشيخ ابن ناصر فأمره بالقدوم الى دار المخزن بمكناس لمدة ولم تتحسن الوضاع الا بعد ذلك فصفى الجو ن وكانت رحلة عام 1121ه.
    والسلام

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق