مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكيغير مصنف

أحكام القرآن لابن العربي (ت 543هـ)

بقلم الباحثة: فاتحة الأنصاري

ترجمته:

هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن العربي أبو بكر المعافري الإشبيلي. «سمع من أبي عبد الله محمد بن عتاب، وأبي مروان السراج، وأبي نصر المقدسي، وأبي حامد الغزالي، وأبي بكر الطرطوشي»[1]. أخذ عنه القاضي عياض[2]، والسهيلي[3]، وعبد الرحمن ابن يحيى الغماري[4]، وابن بشكوال[5]، وغيرهم كثير ، وترجمته حافلة في كتب التراجم لمن أراد التوسع.

ثناء العلماء عليه:

قال ابن بشكوال: «كان ابن العربي من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها، متقدماً في المعارف كلها، متكلماً في أنواعها، نافذاً في جميعها، حريصاً على أدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها، ويجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق، مع حسن المعاشرة ولين الكنف، وكثرة الاحتمال وكرم النفس، وحسن العهد، وثبات الوعد»[6]. وقال عنه عياض: «وقيد الحديث، واتسع في الرواية، وأتقن مسائل الخلاف، والأصول»[7] وقال الذهبي: «كان القاضي أبو بكر ممن يقال: إنه بلغ رتبة الاجتهاد»[8].

مؤلفاته:

  ألف ابن العربي تآليف كثيرة تدل على غزارة علمه وفضله، منها:

ـ شرح غريب الرسالة [9].

ـ التقريب والتبيين في شرح التلقين [10].

ـ عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي [11].

 ـ الدواهي والنواهي في الرد على الظاهرية [12]

ـ التخليص في مسائل الخلاف، وهو «كتاب الخلافيات»[13].

ـ  التمحيص والتلخيص: ذكره ابن فرحون في الديباج باسم تخليص التلخيص[14].

ـ الإنصاف في مسائل الخلاف، «عشرون مجلدا»[15].

ـ أحكام القرآن الكبرى [16].

ـ أحكام القرآن الصغرى [17].

ـ قانون التأويل [18].

ـ التفصي عن عهدة التقصي لابن عبد البر، وقد ذكره لنفسه في أحكام القرآن وفي العارضة فقال: «وقد بينا ذلك في كتاب التقصي»[19].

ـ المسالك في شرح موطإ مالك [20]

ـ القبس شرح موطإ مالك بن أنس [21].

ـ كتاب النيرين على الصحيحين.

ـ المحصول في علم الأصول [22].

ـ الناسخ والمنسوخ [23].

ـ رسالة الكافي في أن لا دليل على النافي [24].

ـ مؤلف فـي الحيض[25].

ـ كتاب ستر العورة [26].

ـ الرسالة الحاكمة في مسألة الأيمان اللازمة[27].

ـ كتاب النكاح [28]

ـ جزء لطيف في جواز تقبيل اليد قال التنبكتي: «وقد ألف في رخصة تقبيلها الحافظ أبو بكر بن العربي جزءا لطيفا»[29].

أحكام القرآن الكبرى:

منهجه في تأليفه:

 موضوع أحكام القرآن لابن العربي هو التفسير الفقهي، حيث شرح فيه آيات الأحكام، مناصرا لمذهب مالك غالبا، مرجحا غيره من المذاهب فيما أداه إليه نظره واختياره، وقد بيَّن منهجه فقال في مقدمته التي صدر بها كتابه هذا: «… ولما مَنَّ الله سبحانه وتعالى بالاستبصار في استثارة العلوم من الكتاب العزيز، حسبما مهدته لنا المشيخة الذين لقينا، نظرناها من ذلك المطرح، ثم عرضناه على ما جلبه العلماء، وسبرناه بعيار الأشياخ، فما اتفق عليه النظر أثبتناه، وما تعارض فيه شجرناه وشحذناه، حتى خلص نضاره ورق عراره، فنذكر الآية ثم نعطف على كلماتها بل حروفها، فنأخذ بمعرفتها مفردة ثم نركبها على أخواتها مضافة، ونحفظ في ذلك قسم البلاغة، ونحترز عن المناقضة في الأحكام والمعارضة، ونحتاط على جانب اللُّغة، ونقابلها في القرآن بما جاء في السُّـنَّة الصحيحة، ونتحرى وجه الجميع إذ الكل من عند الله، وإنَّما بُعث محمد e ليبيِّن للناس ما نزل إليهم، ونعقب على ذلك بتوابع لا بُدَّ من تحصيل العلم بها منها حرصاً على أنْ يأتي القول مستقلاً بنفسه، إلاَّ أنْ يخرج عن الباب فنحيل عليه في موضعه، مجانبين للتقصير والإكثار، وبمشيئة الله نهتدي فمن يهده الله فهو المهتدي لا رب غيره»[30].

وقد استوعب ابن العربي في هذا الكتاب جميع سور القرآن الكريم بالتفسير الفقهي، ما عدا ثمان سور وهي: سورة القمر، والحاقة، والنازعات، والتكوير، والانفطار، والقارعة، والهمزة، والكافرون، ويقتصر ابن العربي في أحكامه على تفسير آيات الأحكام فقط، فيحصي عدد آياتها في كل سورة، ثم يعكف على شرحها، واستخراج مسائلها الفقهية، وبيان ما فيها من أحكام. معتمدا في ذلك أسباب النزول وعلى اللغة، وعلم الحديث ، والسنن والأثار، منبها على مواطن الخلاف بين الفقهاء، ذاكرا لأسبابه،  بمنهج نقدي يقوم على الحجة والاستدلال. خاصة وأنه يعد من  أبرز المالكية الخلافين بالأندلس في القرن السادس الهجري، “ولذلك تجد عند ربطه بين تأويل الآية وبين الخلاف حولها يحيل مباشرة إلى كتبه في مسائل الخلاف، وهذا المسلك منتشر في كل الكتاب، في جل المسائل والقضايا الفقهية التي تعرض لها….كما أنه اهتم كثيرا بالذب عن المذهب المالكي والرد على المذاهب الأخرى، بمسلك النظار من الخلافيين وأهل البحث”[31].

اعتماده:

يعتبر كتاب أحكام القرآن لابن العربي من الكتب المعتمدة في المذهب المالكي، ويدل عليه كثرة النقول عن هذا الكتاب في مؤلفات المذهب المالكي[32]، واعتماد مسائله، مثاله ما ورد في شفاء الغليل لابن غازي حيث قال: «واعتمد ابن شاس نقل كلام ابن العربي في “أحكام القرآن” عند قوله تعالى : {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} ، وعليه اعتمد القرطبي أَيْضاً في تفسير الآية»33.

وقد ذكره  محمد فال التندغي في نظمه للكتب المعتمدة في المذهب المالكي فقال:

الأحكام والعارضة ابن العربي          له كذا تذكرة للقرطبي[34]

الجهود عليه:

تفرد ابن العربي بخدمة كتابه أحكام القرآن، حيث قام باختصاره وتلخيص مسائله في كتابه أحكام القرآن الصغرى[35]، والذي جاء في نصف حجم الأصل.

طبعاته وتحقيقاته:

أول طبعة لكتاب أحكام القرآن لابن العربي كانت سنة 1331 هـ طبعة مكتبة السعادة، في مجلدين كبيرين، وتلتها طبعات عديدة لكنها طبعات ناقصة بسبب كثرة التصحيفات التي شابتها.

فبعد نفاذ الطبعة الأولى للكتاب عمد ذ.علي محمد البجاوي إلى إصدار طبعة ثانية عام 1387 هـ عن دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة.

وأعيد طبع هذا الكتاب مرات عديدة في دور نشر مختلفة، وهي في عامتها تصوير لطبعة  علي البجاوي.([36]).

ثم حققت مقدمة أحكام القرآن كاملة ومستقلة عن الكتاب، بكلية الآداب جامعة ابن زهر بالمغرب بتحقيق عبد الرزاق هرماس سنة 2011م.



 [1] الديباج 377.

 [2] الغنية ص: 68.

 [3] شجرة النور الزكية ص: 156.

 [4] التكملة 3/43.

 [5] شجرة النور الزكية ص:159.

[6] الصلة (ص: 460) [1300].

[7] الغنية ص:67 الديباج 377.

 [8] سير أعلام النبلاء 20/201

[9] شجرة النورص: 136 (408).

[10] انظر قانون التأويل لابن العربي دراسة المحقق ص: 138، وانظر اصطلاح المذهب ص: 330.

[11] مطبوع ط دار الكتب العلمية.

[12] مقدمة المسالك في شرح الموطأ: 1/109.

[13] التعريف ص: 257.

 [14] قانون التأويل ينظر مقدمة المحقق ص151.

[15] الفكر السامي ص: 556.

[16] برنامج المجاري ص: 113، وهو مطبوع باعتناء ذ علي البجاوي.

[17] مطبوع بتحقيق ذ سعيد أعراب، منشورات إيسيسكو.

[18] طبع بتحقيق ذ محمد السليماني ط دار الغرب سنة: 1990.

[19] أحكام القرآن لابن العربي ص: 1164، وانظر عارضة الأحوذي: 7/172.

[20] حققه ذ محمد السليماني وذة عائشة السليماني في أطروحة جامعية بكلية الآداب بالرباط، وقد طبع ط دار الغرب 1428/2007.

[21] وهو مطبوع بتحقيق ذ محمد عبدالله ولد كريم، ط دار الغرب سنة:1992.

[22] مطبوع أكثر من طبعة.

[23] حققه ذ عبدالكبير العلوي المدغري في أطروحة جامعية، وقد طبع بوزارة الأوقاف بالمغرب.

[24] التعريف ص: 257، سلوة الأنفاس: 3/246.

[25) عارضة الأحوذي: 1/208، عن المسالك مقدمة المحقق: 1/111.

[26] سلوة الأنفاس: 3/246.

[27] المسالك: 1/105.

[28] خ دار الكتب المصرية عدد: 79 مجاميع، انظر مع القاضي أبي بكر بن العربي لسعيد أعراب ص: 173، عن اصطلاح المذهب ص: 331.

[29] نيل الابتهاج: 2/43.

[30] أحكام القرآن 1/1.

[31] المستوعب في تاريخ الخلاف العالي ذ محمد العلمي 2/ص: 727.

[32) نجد الكثير من النقول عن أحكام القرآن في كتاب مواهب الجليل للحطاب، وشرح مختصر خليل للخرشي،  ومنح الجليل لعليش  والجامع لأحكام القرآن للقرطبي الذي أكثر من النقل عنه، وغيرها من الكتب.

[33] ينظر شفاء الغليل ص:426 .

[34] عون المحتسب ص:86 .

35] مخطوط بخزانة الزاوية الحمزية بالرشيدية عدد: 778، ووقد طبع بتحقيق ذ سعيد أعراب، منشورات إيسيسكو.

[36] وأعيد طبعه سنة 1392 هـ بدار المعرفة بيروت، ثم عمدت كل من دار الكتب العلمية والمكتبة العصرية على تصوير هذه الطبعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق