مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات محكمة

أحسن الحديث (7): البلاء محنة ومنحة (عرض لبعض الأحاديث مع التخريج)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبينا محمد

 وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

إن الإنسان في هذه الحياة الدنيا منذ أن يولد معرض للحزن والفرح، والفقر والغنى، والسقم والعافية، والمحن والمنح، وهذه الأضداد ضرورة من ضروريات الحياة التي قدرها الله تعالى على عباده، وإن الله سبحانه وتعالى يبلو عباده تارة بالمحن؛ ليصبروا، وتارة بالمنح؛ ليشكروا، فالمحنة والمنحة جميعاً بلاء لمواقع الاختبار، وكلاهما نعمة باعتبار حصول الأجر، وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون، فالإنسان يبتلى على قدر دينه، حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة في الصبر على الابتلاء، وقد انقلبت محنه صلى الله عليه وسلم منحا، وكذلك صحابته رضي الله عنهم، كما انقلبت محن العلماء منحا، وذلك بالصبر على النقم، والشكر على النعم، ومن الأحاديث الواردة في هذا الباب، أحاديث صحيحة، وأخرى ضعيفة، لكني جئت بهذه الأخيرة، من باب الترغيب، وإليك هذه الأحاديث مرتبة على الحروف، مخرجة من الأصول، كل حديث أخرجه من مصدر واحد، وكفى بذلك مخافة التطويل:

الحديث الأول:

«إذا ابتليت عبدي المؤمن، ولم يشكني إلى عواده أطلقته من أساري، ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه، ودما خيرا من دمه، ثم يستأنف العمل».

تخريجه:

رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: الحاكم في المستدرك، وقال: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه”[1].

الحديث الثاني:

«إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، فصبر؛ عوضته منهما الجنة».

تخريجه:

رواه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: البخاري في صحيحه: كتاب المرضى، باب فضل من ذهب بصره[2].

الحديث الثالث:

«إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل».

تخريجه:

رواه من حديث محمد بن خالد السلمي، عن أبيه، عن جده: أبو داود في سننه: كتاب الجنائز، باب الأمراض المكفرة للذنوب[3].

الحديث الرابع:

«إن الله ليبتلي العبد لينظر كيف يعمل، فإن رضي بورك له، وإن لم يرض لم يبارك له».

تخريجه:

رواه من حديث أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه: الطبراني في المعجم الأوسط، وقال: “لم يرو هذا الحديث عن الجريري إلا سعيد بن راشد، تفرد به: أزهر بن مروان”[4].

الحديث الخامس:

«إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط».

تخريجه:

رواه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: الترمذي في سننه: أبواب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، وقال: “هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه”[5].

الحديث السادس:

«عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له».

تخريجه:

رواه من حديث صهيب بن سنان رضي الله عنه: مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير[6].

الحديث السابع:

«ما ابتلي عبد بعد ذهاب دينه بأشد من بصره، ومن ابتلي ببصره فصبر حتى يلقى الله لقى الله تبارك وتعالى ولا حساب عليه».

تخريجه:

رواه من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: البزار في مسنده، وقال: “وخيثمة هذا هو: خيثمة بن أبي خيثمة”[7].

الحديث الثامن:

«ما من مسلم ابتلاه الله في جسده إلا كتب له ما كان يعمل في صحته، ما كان مريضاً، فإن عافاه- أراه قال: – غسلَه، وإن قبضه غفر له».

تخريجه:

رواه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: البخاري في الأدب المفرد[8].

الحديث التاسع:

«ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله، حتى يلقى الله، وما عليه خطيئة».

تخريجه:

رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: الترمذي في سننه: أبواب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، وقال: “هذا حديث حسن صحيح”[9].

الحديث العاشر:

«ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه».

تخريجه:

رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري في صحيحه: كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض[10].

الحديث الحادي عشر:

«من يحب أن يصبح فلا يسقم؟ فابتدأناه فقلنا: نحن يا رسول الله، قال: فعرفناها في وجهه، فقال: أتحبون أن تكونوا كالحمير الصيالة؟، قالوا: لا، يا رسول الله، قال: ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلاء، وأصحاب كفارات؟ فو الذي نفس أبي القاسم بيده إن الله ليبتلي المؤمن بالبلاء، وما يبتليه به إلا لكرامته عليه، إن الله قد أنزله منزلة لم يبلغها بشيء من عمله، فيبتليه من البلاء ما يبلغه تلك الدرجة».

تخريجه:

رواه من حديث عبد الله بن إياس بن أبي فاطمة الضمري، عن أبيه، عن جده: الطبراني في معجمه الكبير[11].

الحديث الثاني عشر:

«من يرد الله به خيرا يصب منه».

تخريجه:

رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري في صحيحه: كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض[12].

الحديث الثالث عشر:

«يا رسول الله، إنك لتوعك وعكا شديدا؟ قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها، إلا كفر الله بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها».

تخريجه:

رواه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: البخاري في صحيحه: كتاب المرضى، باب أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل[13].

لا ريب أن إضافة الله عز وجل العبد إليه سبحانه وتعالى في هذه الأحاديث تشريفا وتكريما له؛ وأن العبد إذا كان قابلا للبلاء راضيا به مسَلِّما له، بلا إساءة ولا تأفف ولا سخط، مظهرا الثناء على الله، والرضا بقدره سبحانه، فإن أولئك يدخلون في المرتبة الثانية بعد الأنبياء، وعليه فمن كمال الإيمان: الصبر والاحتساب عند المصائب، والحمد والشكر عند النعائم، وبذلك تزال عن العبد المحن قريبا بدون أن يمسه أذى، وتستبدل منحا دائمة في الدنيا وفي الآخرة.

******************

هوامش المقال:

[1] – المستدرك على الصحيحين (1 /500)، رقم الحديث: 1290.

[2] – صحيح البخاري (7 /116)، رقم الحديث: 5653.

[3] – سنن أبي داود (3 /183)، رقم الحديث: 3090.

[4] – المعجم الأوسط (8 /189)، رقم الحديث: 8362.

[5] – سنن الترمذي (4/179)، رقم الحديث: 2396.

[6] – صحيح مسلم (4 /2295)، رقم الحديث: 2999.

[7] – مسند البزار (10 /244)، رقم الحديث: 4342. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 308: “فيه جابر الجعفي، وفيه كلام كثير، وقد وثق”.

[8] – الأدب المفرد (ص: 116)، رقم الحديث: 501.

[9] – سنن الترمذي (4 /180)، رقم الحديث: 2399.

[10] – صحيح البخاري (7 /114)، رقم الحديث: 5641.

[11] – المعجم الكبير (22 /323)، رقم الحديث: 813. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2 /293: “فيه محمد بن أبي حميد، وهو ضعيف، إلا أن ابن عدي قال: وهو مع ضعفه يكتب حديثه”.

[12] – صحيح البخاري (7 /115)، رقم الحديث: 5645.

[13] – صحيح البخاري (7 /115)، رقم الحديث: 5648.

*******************

جريدة المراجع

الأدب المفرد لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية، بيروت-لبنان، الطبعة الثالثة: 1409 /1989.

البحر الزخار (مسند البزار) لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار، تحقيق: جماعة من الباحثين، مؤسسة علوم القرآن، دمشق-سوريا، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة-السعودية، الطبعة الأولى: ابتداء من: 1409/ 1988

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة)، بيروت-لبنان، دار المنهاج، جدة-السعودية، الطبعة: الأولى: 1422.

السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا-لبنان، بدون ذكر لتاريخ الطبع.

السنن لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية: 1998.

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لأبي الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي، حسام الدين القدسي، مكتبة القدسي، القاهرة-مصر، 1414 /1994.

المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى: 1411/ 1990.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، بدون ذكر لتاريخ الطبع.

المعجم الأوسط لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة-مصر، 1415 /1995.

المعجم الكبير تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، مكتبة العلوم والحكم، الموصل-العراق، الطبعة الثانية: 1404 /1983.

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق