مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات محكمة

أحسن الحديث (10): مستفادات من حديث: ” يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك….”

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين.

وبعد؛

فهذا حديث عظيم جدا تضمن وصايا المصطفى صلى الله عليه وسلم التي خص بها ابن عمه  عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، جمع فيها خيري الدنيا والآخرة،  وهو أصل عظيم في مراقبة الله، وتفويض الأمور له، والتوكل عليه، وشهود توحيده وتفرُّده، وعجز المخلوقات كلهم، وافتقارهم إليه، بل هو من جوامع كلم الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. ولهذا اخترته لأستخرج منه بعض الفوائد. معتمدا في ذلك على روايتي الترمذي والطبراني.
فعن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما ، فقال: “يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف”[1].  رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

وفي رواية أخرى للطبراني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : “يا غلام احفظ الله يحفظك، احفط الله تجده أمامك، تعرف بالله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن الخلائق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئا لم يرد الله أن يعطيك لم يقدروا عليه، أو يصرفوا عنك شيئا أراد أن يصيبك به، لم يقدروا على ذلك، فإذا سألت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، واعلم أن القلم قد جرى بما هو كائن”[2].

قال الإمام النووي عقب هذا الحديث مانصه: ” هذا حديث عظيم الموقع”[3].

وقال ابن رجب الحنبلي: “هذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين، حتى قال بعض العلماء: تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش، فوا أسفا من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه”[4].

وقال ابن حجر الهيتمي: “وهو باعتبار طريقيه حديثٌ عظيم الموقع، وأصلٌ كبيرٌ في رعاية حقوق اللَّه تعالى، والتفويض لأمره، والتوكل عليه، وشهود توحيده وتفرده، وعجز الخلق وافتقارهم إليه، وبهذا التقرير يصح أن يدعى في مثل هذا الحديث أنه نصف الإسلام، بل كله؛ لأن التكاليف إما أن تتعلق بالله سبحانه وتعالى أو بغيره، وهذا فيه بيانٌ لجميع ما يتعلق به تعالى صريحًا، وبغيره استلزامًا، على أن ذلك كله مفهومٌ من أول جملةٍ فيه، وهي: “احفظ اللَّه يحفظك”[5].

ما يستفاد من هذا الحديث من فوائد وقواعد :

* أن في صنيع الرسول صلى الله عليه وسلم مع ابن عباس ما يدل على تواضعه صلى الله عليه وسلم، وملاطفته للصغار، ونصحههم وتوجيهه لهم ووصيتهم”: يا غلام إني أعلمك كلمات”.

* جواز الإرداف على الدابة إن أطاقته.

* أنه يستحسن للمعلم شد انتباه المتعلم وتهيئته قبل تعليمه، ليتشوق إلى ما سيتعلَّمُه، وتقبل نفسه عليه “يا غلام، إني أعلمك كلمات…”.

* فيه الحث على تربية الأبناء وتعليمهم أمور دينهم.

* أن من امتثل لأوامر الله واجتنب نواهيه نال الخير كله. قال ابن الملقن:” والمعنى “احفظ الله يحفظك”: احفظه بالطاعة يحفظك بالرعاية؛ فإذا أطعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه أحاطك بمعقبات له: (من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) [6]” [7].

* أن بقدر حفظ العبد لحدود الله تعالى ينال حفظ الله له.

* أن من امتثل أوامر الله أخرجه الله من الشدة.

* أن الجزاء قد يكون من جنس العمل.

 * أن طلب الإعانة يكون من الله  عز وجل؛ لأن خزائن الوجود بيده، وأزمّتها إليه، لا معطي ولا مانع سواه[8].

*تحرر الإنسان من سيطرة المخلوقات، والاقتناع بأن الشرك إذلال له، وانتقاص من كرامته، قال تعالى: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك، فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) [9].

* أن النفع والضر كله بيد الله، قال تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) [10].

* أن الأعمال الصالحة ترفع البلاء.

*الاطمئنان النفسي، بحيث لا يجد الخوف منفذا  إلى الإنسان، فيطمئن على رزقه، وعلى أهله وأولاده، لعلمه أن الله سبحانه وتعالى متكفل برزقه، وعليه أن يسعى لتحصيله بالعمل.

* عجز الخلائق كلهم، وافتقارهم إلى الله عز وجل.

* الرضا بالقضاء والقدر، والإيمان بهما، ” أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ” في هذا تسلية للمؤمن عند المصائب.

* أن فيه بشارات للمؤمن المحتسب: أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن اليسر مع العسر.

هذا ما تيسر جمعه في هذا المقال، والحمد لله رب العالمين.

****************

هوامش المقال:

[1]  أخرجه الترمذي،أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في صفة أواني الحوض، رقم: (2516)(4 /248).

[2]  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، أحاديث عبد الله بن عباس، رقم: (11243)، (11 /123)

[3]  الأذكار(ص: 633).

[4]  جامع العلوم والحكم(ص: 185).

[5]  الفتح المبين بشرح الأربعين(ص: 376).

[6]   سورة الرعد الآية: 12.

[7]   المعين على تفهم الأربعين(ص: 252).

[8]   المعين على تفهم الأربعين(ص: 253).

[9]   سورة يونس الآية: 106.

[10]   سورة الأنعام الآية: 17.

***************

المصادر والمراجع:

حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبة في الليل والنهار (الأذكار) لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي،  تحقيق: محيي الدين مستو، دار ابن كثير، دمشق ـ بيروت،1410هـ ـ 1990م.

جامع العلوم والحكم، لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

السنن، لمحمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت، 1998 م

المعجم الكبير، لسليمان بن أحمد بن أيوب أبي القاسم الطبراني، تحقيق : حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم ـ الموصل، ط2 ، 1404 ـ 1983م.

المعين على تفهم الأربعين، لابن الملقن سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري، تحقيق: دغش بن شبيب العجمي، مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، حولي ـ الكويت، ط1، 1433 هـ ـ 2012 م.

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق