مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةأعلام

أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك الاصبهاني

 

اسمه ونشأته:

ابن فورك، أبو بكر، محمد بن الحسن بن فورك ـ بضم الفاء وفتح الراء[1] ـ الأصبهاني، الأنصاري الشافعي، عالم نيسابور، كان أصوليا، أشعريا واعظا[2].
لم تذكر كتب التراجم تاريخ ولادته، ولكنها اعتنت ببيان نشأته ورحلاته، وكان اعتناؤه في بداية طلبه بالفقه والحديث، وكثر سماعه بالبصرة وبغداد، ثم اتجه بعد دراسة الفقه والحديث إلى دراسة علم الكلام.
  صاحب تصانيف في الأصول والعلم، أقام بالعراق مدة يدرس، ثم ذهب إلى الري فشنعت به المبتدعة، فراسله أهل نيسابور والتمسوا منه التوجه إليهم، ففعل، وورد نيسابور، فبني له بها مدرسة ودار، فأحيا الله تعالى به أنواعا من العلوم، وظهرت بركته على المتفقهة، وبلغت مصنفاته قريبا من مائة تصنيف، ثم دعي إلى مدينة غزلة من الهند، وجرت له بها مناظرات عظيمة[3].

سبب اشتغاله بعلم الكلام:

بين ابن فورك سبب اشتغاله بعلم الكلام فقال: ” كان سبب اشتغالي بعلم الكلام: أني كنت بأصبهان أختلف إلى فقيه، فسمعت أن الحجر يمين الله في الأرض، فسألت ذلك الفقيه عن معناه فلم يجب بجواب شاف، فأرشدت إلى فلان من المتكلمين، فسألته فأجاب بجواب شاف، فقلت لابد من معرفة هذا العلم فاشتغلت به[4]”.
كان شديد الرد على أصحاب أبي عبد الله بن كرام[5].

زهده وعبادته:

 كان ـ رحمه الله ـ ذا زهد وعبادة[6]، وورع بالغ، رفض الدنيا وراء ظهره، وعامل الله في سره وجهره، وصمم على دينه:
مصمم ليس تلويه عواذله   في الدين ثبت قوي بأسه عسر
وحوم على المنية في نصرة الحق، لا يخاف الأسد في عرينه:
ولا يلين لغير الحق يتبعه   حتى يلين لضرس الماضغ الحجر[7]

مؤلفاته:

قال ابن عساكر: بلغت تصانيفه في أصول الدين وأصول الفقه ومعاني القرآن قريبا من المئة.
من مؤلفاته:
تفسير القرآن. مخطوط، الجزء الثالث منه، في خزانة فيض الله، باستنبول، الرقم 50.
دقائق الأسرار.
شرح أوائل الأدلة للكسبي في الأصول.
طبقات المتكلمين.
مشكل الآثار.
مشكل الحديث وغريبه – طبع، وهو كتاب يتناول فيه عددًا من الأحاديث المتشابهة فيؤولها ويبين معانيها.
نظامى في أصول الدين. مخطوط، في أصول الدين، ألفه لنظام الملك.
كتاب الحدود في الأصول، وذكر أنه طبع في بيروت سنة 1324هـ
أسماء الرجال – مخطوط.
 (التفسير – مخطوط) الجزء الثالث منه، في خزانة فيض الله، باستنبول، الرقم 50.
حل الآيات المتشابهات – مخطوط) في 74 ورقة، بخزانة عاطف باستنبول، الرقم 433.
غريب القرآن – مخطوط ) في 139 ورقة، في خزانة سليم آغا اسكيدار باستنبول، الرقم 227.
الإبانة عن طرق القاصدين والكشف عن مناهج السالكين، والتوفر إلى عبادة رب العالمين
رسالة في علم التوحيد – مخطوط،) في تذكرة النوادر (64)
مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري، مطبوع.
الإملاء في الإيضاح والكشف عن وجوه الأحاديث الواردة إلخ – مخطوط، منه نسخة نفيسة في الفاتيكان (1406 عربي[8].

شيوخه:

سمع من عبد الله بن جعفر الأصفهاني “مسند الطيالسي”، وسمع أيضا من ابن خرازاد الأهوازي، وأبي الحسن الباهلي، وغيرهم.

تلاميذه:

روى عنه الحافظ أبو بكر البيهقي، والأستاذ أبو القاسم القشيري، وأبو بكر أحمد ابن علي بن خلف، وغيرهم.

من كلامه رحمه الله:

قال: كل موضع ترى فيه اجتهادا، ولم يكن عليه نور فاعلم أنه بدعة خفية، قال السبكي معلقا على هذا الكلام:  وهذا كلام بالغ في الحسن دال على أن الأستاذ كثير الذوق، وأصله قوله صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”[9].
وقال: شغل العيال نتيجته متابعة الشهوة بالحلال، فما ظنك بقضية شهوة الحرام[10].

آراؤه العقدية:

في الاسم والمسمى.
قال الآمدي اتفق العقلاء على المغايرة بين التسمية والمسمى
 وذهب أكثر أصحابنا إلى أن التسمية هي نفس الأقوال الدالة وإن الاسم هو نفس المدلول ثم اختلف هؤلاء فذهب ابن فورك وغيره إلى أن كل اسم هو المسمى بعينه، فقولك الله، قول دال على اسم هو المسمى، وكذا قولك عالم، وخالق، فإنه يدل على الرب الموصوف بكونه عالما وخالقا[11].
الخالق واحد لا شريك له:
قال الإمام أبو بكر بن فورك في كتابه المسمى بالنظامي في مسألة: إن الله تعالى خالق واحد لا يجوز أن يكون خالق سواه، بعد أن استدل على ذلك بعدة أدلة: إني رأيت فيما يرى النائم حيث كنت أكتب هذه الأحرف وتركت الجزء من يدي ونمت ليلة الثلاثاء لخمس مضين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وأربعمائة قائلا يقول لي: لم لا تستدل في هذه المسألة بقوله تعالى: (الله الَّذي خلَقَكُم ثُمَّ رَزَقَكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيِكُم هَل مِن شُرَكائِكُم مِن يَفعَلُ مِن ذَلِكُم مِن شَيء سُبحانَهُ وَتَعالَى عَمَّا يُشرِكُونَ “الروم: 40” ووجه الاستدلال من ذلك أن الله تعالى بين أن الرزق من عنده، والرزق كل شيء ينتفع به أو كل شيء يصل إلى العبد مما هو لا يستغني عنه، ويحصل به مما لا بد له منه، وجميع أكساب العبد داخله تحت هذا، وإن جميع ذلك أرزاق وهو من عند الله ويخلقها، وبين أن ليس لأحد أن يفعل من ذلك شيئا ولن يخلقه. أو لا خالق لذلك إلا الله، فعلمت أن خالق أكسابنا هو الله تعالى، وفيه وجه آخر من الاستدلال حيث قال: (الله الذي خلقكم) وقوله: خلقكم يقع على خلقه إيانا بصفاتنا، إذ لو لم يكن خلقنا بأوصافنا لقال: الله الذي خلق أجسامكم، فلما وقع الخلق علينا كما نحن علمنا أنه خلق أجسامنا وأوصفانا، ومن أوصافنا أكسابنا، فعلمت أن أكسابنا مخلوقة لله تعالى. قال ابن فورك: وهذا مما يمكن الاستدلال به على هذا الوجه الذي سمعت القائل يقوله، وما رأيت الاستدلال بهذه الآية في كتاب أحد من أصحابنا ولا سمعته، وإنما استفدته من هذه الرؤيا وذكرته على سبيل التبرك به، فإنه من إلقاء الملك[12].
منع إطلاق لفظ الشخص عن الله:
قال الحافظ في الفتح: وقد تلقى هذا عن الخطابي أبو بكر بن فورك فقال لفظ الشخص غير ثابت من طريق السند، فإن صح فبيانه في الحديث الآخر، وهو قوله لا أحد، فاستعمل الراوي لفظ شخص، موضع أحد، ثم ذكر نحو ما تقدم عن بن بطال، ومنه أخذ بن بطال، ثم قال ابن فورك وإنما منعنا من إطلاق لفظ الشخص أمور أحدها أن اللفظ لم يثبت من طريق السمع، والثاني الإجماع على المنع منه، والثالث أن معناه الجسم المؤلف المركب، ثم قال ومعنى الغيرة: الزجر والتحريم، فالمعنى أن سعدا الزجور عن المحارم وأنا أشد زجرا منه والله أزجر من الجميع[13].
الاستدلال بدليل حدوث الأجسام:
يستدل ابن فورك بدليل حدوث الأجسام، المسمى دليل الأعراض، وهو دليل المتكلمين المشهور، وقد أشار إليه ابن فورك عرضاً في كتابه مشكل الحديث فقال: “إن الخلق عرفوا الله سبحانه وتعالى بدلالاته المنصوبة، وآياته التي ركبها في الصور، وهي الأعراض الدالة على حدوث الأجسام، واقتضائها محدثاً لها من حيث كانا محدثين[14]”.
إثباته صفة الكلام:
يثبت ابن فورك صفة الكلام على مذهب الأشاعرة، ويشرح بعض الأمور المتعلقة به، فيقول: “فأما كلام الله الذي هو صفة من صفات ذاته، غير بائن منه: فكلام واحد، شيء واحد، يفهم منه ويسمع مالا يحصى ولا يعد من الفوائد والمعاني، ونظير ذلك ما نقول: إن علمه واحد، ولكنه يحيط بمعلومات لا تتناهى، والذي تقع عليه الكثرة والقلة من المعلومات دون العلم[15]…”، وما نسمعه من كلام الله هو عبارة عنه، وكلام الله ليس بحرف ولا صوت، يقول: “اعلم أن كلام الله تعالى ليس بحرف ولا صوت عندنا، وإنما العبارات عنه تارة تكون بالصوت والعبارات هي الدالة عليه، وأمارات له تظهر للخلق، ويسمعون عنها كلام الله فيفهمون المراد، فيكون ما سمع موسى عليه السلام من الأصوات مما سمع يسمى كلام الله عز وجل، ويكون ذلك في نفسه غير الكلام، ويحتمل أن يكون معناه: أن يسمي العبارة كلام الله، كما يسمي الدلالة على الشيء باسمه، وكما يسمي الواقع عن القدرة قدرة، والكائن عن الرحمة رحمة[16]، ويقول في موضع آخر: “وقد بينا فيما قبل أن معنى ذلك راجع إلى العبارات والدلالات، التي هي الطريق إلى الكلام وبها يفهم مراده منه، لا أنه تعالى قوله إذا تكلم الله بالوحي، أنه يتجدد له كلام، ولكنه يتجدد إسماع وإفهام بخلق عبارات ونصب دلالات، بها يفهم الكلام، ثم يقال على طريق السعة والمجاز لهذه العبارات كلام من حيث إنها دلالات عليه… واعلم أنه لا يصح على أصلنا في قولنا: إن كلام الله غير مخلوق ولا حادث بوجه أن يقول: إن الله يتكلم كلاماً بعد كلام، لأن ذلك يوجب حدوث الكلام، وإنما يتجدد الإسماع والإفهام، ونصب العبارات وإقامة الدلالات على الكلام الذي لم يزل موجوداً وحدوث الدلالة والعبارة لا يقتضي حدوث المدلول المعبر عنه، كما أن حدوث الذكر والدعاء لا يقتضي حدوث المذكور والمدعو[17]”.

وفاته:

في عودته إلى نيسابور سم في الطريق فمات هناك، ونقل إلى نيسابور ودفن بالحيرة، ومشهده بها ظاهر… وكانت وفاته سنة ست وأربعمائة، رحمه الله تعالى. وقال أبو القاسم القشري في “الرسالة[18]”، سمعت أبا علي الدقاق يقول: دخلت على أبي بكر ابن فورك عائدا فلما رآني دمعت عيناه، فقلت له: إن الله سبحانه يعافيك ويشافيك، فقال لي: تراني أخاف من الموت، إنما أخاف مما وراء الموت[19].
ونقل عن ابن حزم، أن السلطان محمود بن سُبُكْتِكين قتله لقوله: إن نبينا صلى الله عليه وسلم ليس هو رسول الله اليوم، لكنه كان رسول الله[20].

 

 

الهوامش:

[1] وفيات الاعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس بن خلكان، دار صادر ببيروت، 4/273، تح: إحسان عباس..
[2] هدية العارفين  أسماء المؤلفين وآثار المصنفين ، 2/60 إسماعيل باشا المغربي، إسماعيل باشا البغدادي، دار إحياء الثرات العربي، بيروت،
[3] شذرات الذهب في أخبار من ذهب، 5/42-43. لابن العماد، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة1/1989م، تح: عبد القادر الأرنؤوط، محمد الأرناؤوط
[4] طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين السبكي، دار إحياء الكتب العربية، 4/129. تح: عبد الفتاح محمد الحلو، ومحمود محمد الطناحي.
[5] وفيات الأعيان 4/272.
[6] شذرات الذهب 5/42
[7] طبقات الشافعية، 4/127
[8] هدية العرفين، 2/60 ،
[9] طبقات الشافعية، 4/134.
[10] وفيات الأعيان 4/272.
[11] المواقف: عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، دار الجيل – بيروت الطبعة الأولى ، 1997 تح: د.عبد الرحمن عميرة، 3/302.
[12] الحبائك في أخبار الملائك-(1 / 86) للسيوطي على المكتبة الشاملة.
[13] فتح الباري شرح صحيح البخاري: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي: دار المعرفة – بيروت ، 1379، تحقيق : أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، 13/401.
[14] مشكل الحديث وبيانه، ابن فورك، ص:43، تح: موسى محمد علي، المكتبة العصرية بيروت.
[15] نفسه، ص:212.
[16] المصدر السابق، ص:169.
[17] نفسه، 193/194.
[18] الرسالة القشرية  ص:310.
[19] وفيات الأعيان 4/610.
[20] شذرات الذهب 5/43.

ابن فورك، أبو بكر، محمد بن الحسن بن فورك ـ بضم الفاء وفتح الراء[1] ـ الأصبهاني، الأنصاري الشافعي، عالم نيسابور، كان أصوليا، أشعريا واعظا[2].
لم تذكر كتب التراجم تاريخ ولادته، ولكنها اعتنت ببيان نشأته ورحلاته، وكان اعتناؤه في بداية طلبه بالفقه والحديث، وكثر سماعه بالبصرة وبغداد، ثم اتجه بعد دراسة الفقه والحديث إلى دراسة علم الكلام.
  صاحب تصانيف في الأصول والعلم، أقام بالعراق مدة يدرس، ثم ذهب إلى الري فشنعت به المبتدعة، فراسله أهل نيسابور والتمسوا منه التوجه إليهم، ففعل، وورد نيسابور، فبني له بها مدرسة ودار، فأحيا الله تعالى به أنواعا من العلوم، وظهرت بركته على المتفقهة، وبلغت مصنفاته قريبا من مائة تصنيف، ثم دعي إلى مدينة غزلة من الهند، وجرت له بها مناظرات عظيمة[3].
سبب اشتغاله بعلم الكلام:
بين ابن فورك سبب اشتغاله بعلم الكلام فقال: ” كان سبب اشتغالي بعلم الكلام: أني كنت بأصبهان أختلف إلى فقيه، فسمعت أن الحجر يمين الله في الأرض، فسألت ذلك الفقيه عن معناه فلم يجب بجواب شاف، فأرشدت إلى فلان من المتكلمين، فسألته فأجاب بجواب شاف، فقلت لابد من معرفة هذا العلم فاشتغلت به[4]”.
كان شديد الرد على أصحاب أبي عبد الله بن كرام[5].
زهده وعبادته:
 كان ـ رحمه الله ـ ذا زهد وعبادة[6]، وورع بالغ، رفض الدنيا وراء ظهره، وعامل الله في سره وجهره، وصمم على دينه:
مصمم ليس تلويه عواذله   في الدين ثبت قوي بأسه عسر
وحوم على المنية في نصرة الحق، لا يخاف الأسد في عرينه:
ولا يلين لغير الحق يتبعه   حتى يلين لضرس الماضغ الحجر[7]مؤلفاته:
قال ابن عساكر: بلغت تصانيفه في أصول الدين وأصول الفقه ومعاني القرآن قريبا من المئة.
من مؤلفاته:
تفسير القرآن. مخطوط، الجزء الثالث منه، في خزانة فيض الله، باستنبول، الرقم 50.
دقائق الأسرار.
شرح أوائل الأدلة للكسبي في الأصول.
طبقات المتكلمين.
مشكل الآثار.
مشكل الحديث وغريبه – طبع، وهو كتاب يتناول فيه عددًا من الأحاديث المتشابهة فيؤولها ويبين معانيها.
نظامى في أصول الدين. مخطوط، في أصول الدين، ألفه لنظام الملك.
كتاب الحدود في الأصول، وذكر أنه طبع في بيروت سنة 1324هـ
أسماء الرجال – مخطوط.
 (التفسير – مخطوط) الجزء الثالث منه، في خزانة فيض الله، باستنبول، الرقم 50.
حل الآيات المتشابهات – مخطوط) في 74 ورقة، بخزانة عاطف باستنبول، الرقم 433.
غريب القرآن – مخطوط ) في 139 ورقة، في خزانة سليم آغا اسكيدار باستنبول، الرقم 227.
الإبانة عن طرق القاصدين والكشف عن مناهج السالكين، والتوفر إلى عبادة رب العالمين
رسالة في علم التوحيد – مخطوط،) في تذكرة النوادر (64)
مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري، مطبوع.
الإملاء في الإيضاح والكشف عن وجوه الأحاديث الواردة إلخ – مخطوط، منه نسخة نفيسة في الفاتيكان (1406 عربي[8].
شيوخه:
سمع من عبد الله بن جعفر الأصفهاني “مسند الطيالسي”، وسمع أيضا من ابن خرازاد الأهوازي، وأبي الحسن الباهلي، وغيرهم.
تلاميذه:
روى عنه الحافظ أبو بكر البيهقي، والأستاذ أبو القاسم القشيري، وأبو بكر أحمد ابن علي بن خلف، وغيرهم.
من كلامه رحمه الله:
قال: كل موضع ترى فيه اجتهادا، ولم يكن عليه نور فاعلم أنه بدعة خفية، قال السبكي معلقا على هذا الكلام:  وهذا كلام بالغ في الحسن دال على أن الأستاذ كثير الذوق، وأصله قوله صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”[9].
وقال: شغل العيال نتيجته متابعة الشهوة بالحلال، فما ظنك بقضية شهوة الحرام[10].
آراؤه العقدية:
في الاسم والمسمى.
قال الآمدي اتفق العقلاء على المغايرة بين التسمية والمسمى
 وذهب أكثر أصحابنا إلى أن التسمية هي نفس الأقوال الدالة وإن الاسم هو نفس المدلول ثم اختلف هؤلاء فذهب ابن فورك وغيره إلى أن كل اسم هو المسمى بعينه، فقولك الله، قول دال على اسم هو المسمى، وكذا قولك عالم، وخالق، فإنه يدل على الرب الموصوف بكونه عالما وخالقا[11].
الخالق واحد لا شريك له:
قال الإمام أبو بكر بن فورك في كتابه المسمى بالنظامي في مسألة: إن الله تعالى خالق واحد لا يجوز أن يكون خالق سواه، بعد أن استدل على ذلك بعدة أدلة: إني رأيت فيما يرى النائم حيث كنت أكتب هذه الأحرف وتركت الجزء من يدي ونمت ليلة الثلاثاء لخمس مضين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وأربعمائة قائلا يقول لي: لم لا تستدل في هذه المسألة بقوله تعالى: (الله الَّذي خلَقَكُم ثُمَّ رَزَقَكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيِكُم هَل مِن شُرَكائِكُم مِن يَفعَلُ مِن ذَلِكُم مِن شَيء سُبحانَهُ وَتَعالَى عَمَّا يُشرِكُونَ “الروم: 40” ووجه الاستدلال من ذلك أن الله تعالى بين أن الرزق من عنده، والرزق كل شيء ينتفع به أو كل شيء يصل إلى العبد مما هو لا يستغني عنه، ويحصل به مما لا بد له منه، وجميع أكساب العبد داخله تحت هذا، وإن جميع ذلك أرزاق وهو من عند الله ويخلقها، وبين أن ليس لأحد أن يفعل من ذلك شيئا ولن يخلقه. أو لا خالق لذلك إلا الله، فعلمت أن خالق أكسابنا هو الله تعالى، وفيه وجه آخر من الاستدلال حيث قال: (الله الذي خلقكم) وقوله: خلقكم يقع على خلقه إيانا بصفاتنا، إذ لو لم يكن خلقنا بأوصافنا لقال: الله الذي خلق أجسامكم، فلما وقع الخلق علينا كما نحن علمنا أنه خلق أجسامنا وأوصفانا، ومن أوصافنا أكسابنا، فعلمت أن أكسابنا مخلوقة لله تعالى. قال ابن فورك: وهذا مما يمكن الاستدلال به على هذا الوجه الذي سمعت القائل يقوله، وما رأيت الاستدلال بهذه الآية في كتاب أحد من أصحابنا ولا سمعته، وإنما استفدته من هذه الرؤيا وذكرته على سبيل التبرك به، فإنه من إلقاء الملك[12].
منع إطلاق لفظ الشخص عن الله:
قال الحافظ في الفتح: وقد تلقى هذا عن الخطابي أبو بكر بن فورك فقال لفظ الشخص غير ثابت من طريق السند، فإن صح فبيانه في الحديث الآخر، وهو قوله لا أحد، فاستعمل الراوي لفظ شخص، موضع أحد، ثم ذكر نحو ما تقدم عن بن بطال، ومنه أخذ بن بطال، ثم قال ابن فورك وإنما منعنا من إطلاق لفظ الشخص أمور أحدها أن اللفظ لم يثبت من طريق السمع، والثاني الإجماع على المنع منه، والثالث أن معناه الجسم المؤلف المركب، ثم قال ومعنى الغيرة: الزجر والتحريم، فالمعنى أن سعدا الزجور عن المحارم وأنا أشد زجرا منه والله أزجر من الجميع[13].
الاستدلال بدليل حدوث الأجسام:
يستدل ابن فورك بدليل حدوث الأجسام، المسمى دليل الأعراض، وهو دليل المتكلمين المشهور، وقد أشار إليه ابن فورك عرضاً في كتابه مشكل الحديث فقال: “إن الخلق عرفوا الله سبحانه وتعالى بدلالاته المنصوبة، وآياته التي ركبها في الصور، وهي الأعراض الدالة على حدوث الأجسام، واقتضائها محدثاً لها من حيث كانا محدثين[14]”.
إثباته صفة الكلام:
يثبت ابن فورك صفة الكلام على مذهب الأشاعرة، ويشرح بعض الأمور المتعلقة به، فيقول: “فأما كلام الله الذي هو صفة من صفات ذاته، غير بائن منه: فكلام واحد، شيء واحد، يفهم منه ويسمع مالا يحصى ولا يعد من الفوائد والمعاني، ونظير ذلك ما نقول: إن علمه واحد، ولكنه يحيط بمعلومات لا تتناهى، والذي تقع عليه الكثرة والقلة من المعلومات دون العلم[15]…”، وما نسمعه من كلام الله هو عبارة عنه، وكلام الله ليس بحرف ولا صوت، يقول: “اعلم أن كلام الله تعالى ليس بحرف ولا صوت عندنا، وإنما العبارات عنه تارة تكون بالصوت والعبارات هي الدالة عليه، وأمارات له تظهر للخلق، ويسمعون عنها كلام الله فيفهمون المراد، فيكون ما سمع موسى عليه السلام من الأصوات مما سمع يسمى كلام الله عز وجل، ويكون ذلك في نفسه غير الكلام، ويحتمل أن يكون معناه: أن يسمي العبارة كلام الله، كما يسمي الدلالة على الشيء باسمه، وكما يسمي الواقع عن القدرة قدرة، والكائن عن الرحمة رحمة[16]، ويقول في موضع آخر: “وقد بينا فيما قبل أن معنى ذلك راجع إلى العبارات والدلالات، التي هي الطريق إلى الكلام وبها يفهم مراده منه، لا أنه تعالى قوله إذا تكلم الله بالوحي، أنه يتجدد له كلام، ولكنه يتجدد إسماع وإفهام بخلق عبارات ونصب دلالات، بها يفهم الكلام، ثم يقال على طريق السعة والمجاز لهذه العبارات كلام من حيث إنها دلالات عليه… واعلم أنه لا يصح على أصلنا في قولنا: إن كلام الله غير مخلوق ولا حادث بوجه أن يقول: إن الله يتكلم كلاماً بعد كلام، لأن ذلك يوجب حدوث الكلام، وإنما يتجدد الإسماع والإفهام، ونصب العبارات وإقامة الدلالات على الكلام الذي لم يزل موجوداً وحدوث الدلالة والعبارة لا يقتضي حدوث المدلول المعبر عنه، كما أن حدوث الذكر والدعاء لا يقتضي حدوث المذكور والمدعو[17]”.
وفاته:
في عودته إلى نيسابور سم في الطريق فمات هناك، ونقل إلى نيسابور ودفن بالحيرة، ومشهده بها ظاهر… وكانت وفاته سنة ست وأربعمائة، رحمه الله تعالى. وقال أبو القاسم القشري في “الرسالة[18]”، سمعت أبا علي الدقاق يقول: دخلت على أبي بكر ابن فورك عائدا فلما رآني دمعت عيناه، فقلت له: إن الله سبحانه يعافيك ويشافيك، فقال لي: تراني أخاف من الموت، إنما أخاف مما وراء الموت[19].
ونقل عن ابن حزم، أن السلطان محمود بن سُبُكْتِكين قتله لقوله: إن نبينا صلى الله عليه وسلم ليس هو رسول الله اليوم، لكنه كان رسول الله[20].
الهوامش:
[ ] وفيات الاعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس بن خلكان، دار صادر ببيروت، 4/273، تح: إحسان عباس..
[2] هدية العارفين  أسماء المؤلفين وآثار المصنفين ، 2/60 إسماعيل باشا المغربي، إسماعيل باشا البغدادي، دار إحياء الثرات العربي، بيروت،
[3] شذرات الذهب في أخبار من ذهب، 5/42-43. لابن العماد، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة1/1989م، تح: عبد القادر الأرنؤوط، محمد الأرناؤوط
[4] طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين السبكي، دار إحياء الكتب العربية، 4/129. تح: عبد الفتاح محمد الحلو، ومحمود محمد الطناحي.
[5] وفيات الأعيان 4/272.
[6] شذرات الذهب 5/42
[7] طبقات الشافعية، 4/127
[8] هدية العرفين، 2/60 ،
[9] طبقات الشافعية، 4/134.
[10] وفيات الأعيان 4/272.
[11] المواقف: عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، دار الجيل – بيروت الطبعة الأولى ، 1997 تح: د.عبد الرحمن عميرة، 3/302.
[12] الحبائك في أخبار الملائك-(1 / 86) للسيوطي على المكتبة الشاملة.
[13] فتح الباري شرح صحيح البخاري: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي: دار المعرفة – بيروت ، 1379، تحقيق : أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، 13/401.
[14] مشكل الحديث وبيانه، ابن فورك، ص:43، تح: موسى محمد علي، المكتبة العصرية بيروت.
[15] نفسه، ص:212.
[16] المصدر السابق، ص:169.
[17] نفسه، 193/194.
[18] الرسالة القشرية  ص:310.
[19] وفيات الأعيان 4/610.
[20] شذرات الذهب 5/43.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تعجبت من تفسير هذا الشيخ طاقة علميه هائلة رحمه الله.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق