مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

أبو القاسم ابن الغرديس السجلماسي توفي بعد 493هـ

  هو: أبو القاسم وأبو محمد ـ على ما عند ابن الأبار في معجم الصدفي(ص24) ـ بكار بن برهون بن عيسى التغلبي السجلماسي الفاسي، المتوفي بعد: 493هـ.

  لم يتيسر لي الوقوف على ترجمة خاصة وشاملة لهذا العلم، لذا سأنير جوانب من حياته بما يتيسر جمعه من بعض كتب التراجم، التي جاء ذكره فيها عرضا.

  لذا في مثل هذه الحال يصعب أن تقف على كل جوانب الترجمة، إذ لم تشر كتب التراجم التي وقفت عليها إلى الرجل ـ حسب الذي وصلنا من كتب التراجم، وحسب ما وصلت إليه يدي منها ـ، فضلا عن أن تشير إلى  أول مراحل حياته ولادة ونشأة، ولا عن أول مراحل تعليمه وتكوينه، اللهم إلا أنا عرفنا من خلال ترجمة تلميذِه، أبي القاسم أحمد بن محمد بن عمر التميمي ابن ورد (معجم أصحاب أبي علي ص:23)، و(فهرسة أحمد المنجور ص:52) وغيرِه ممن رحل إليه أنه كان بمدينة سجلماسة، حيث دخلها ـ أي ابن ورد ـ حوالي 493هـ وبها أخذ صحيح البخاري عن ابن الغرديس.

  وبناء على هذا النص الذي أورده ابن الأبار في ترجمة ابن ورد وغيره يمكن اعتبار سجلماسة بلدة أبي القاسم بكار بن الغرديس، والغالب أن تكون هي مستقرَّه، ومكان بداية تلقيه العلوم، إلى أن بلغ مرتبة عالية فيه، تؤهله لأن يفد عليه الطلبة من الأقطار لأخذ العلم عنه، (فهرسة المنجور ص:52)، واستجازته في بعض مروياته.

  بل إن نص ابن الأبار الذي سأورده يدل دلالة بينة على أن مترجمنا كان ممن اختص برواية صحيح البخاري، وإلا فكيف تفسر هجرةُ الطلبة إليه، ولا يمكن بحال أن يصدر منه ذلك عن فراغ، وجزمه بأنه انفرد بروايته دال على أن هذا كان معروفا ومشتهرا بينهم، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الرحيل إليه للأخذ عنه، يقول ابن الأبار في معجم أصحاب أبي علي (ص: 24) حين ترجمته لابن الورد السالف الذكر ما لفظه: «ورحل إلى سجلماسة في سنة 493هـ أو نحوها فسمع بها صحيح البخاري من أبي محمد ويكنى أيضا أبا القاسم بكار بن برهون بن الغرديس، وكان قد حج قديما، وسمع الكتاب من أبي ذر الهروي، وعمر طويلا حتى انفرد براويته»، والضمير في قوله: وكان، وسمع، وعمَّر، انفرد، يعود على ابن الغرديس، إذ السياق يُفهِم ذلك.

  ويضاف إلى هذا النص قول العلامة المنوني رحمه الله تعالى في كتابه الماتع: قبس من عطاء المخطوط المغربي (85:1) ما نصه: «وحسب النصوص الباقية يعتبر ابن الغرديس أول من اشتهر عنه صحيح البخاري بالمغرب».

  لكن حسب المتوفر من كُتُب من كَتَب عن الروايات المتداولة في المغرب، اشتهرت رواية ابن سعادة أكثر من غيرها، والأخير ممن كان في عصر ابن الغرديس، وعدم معرفة سنة وفاته ـ أعني ابن الغرديس ـ يجعل الأمر ملتبسا فيمن تقدمت وفاته منهما، حتى يصار إلى كلام ابن الأبار في قوله: إنه انفرد بروايته، والواضح أن هناك روايات أخرى غير رواية ابن سعادة تداولها المغاربة، لكنها لم تنل من العناية ما نالته روايته ـ ابن سعادة ـ.

  وإذا عارضت هذا بقول الإمام القاضي عياض في مشارق الأنوار (9:1): «فأما رواية أبي ذر فإني سمعتها بقراءة غيري بجامع مدينة مرسية لجميع الصحيح بها على القاضي الشهيد أبي علي الحسين بن محمد الصدفي، وأخبرنا بها عن القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي عن أبي ذر عبد بن أحمد الهروي»، تبين لك أن رواية ابن الغرديس لم تشتهر عندهم اشتهار رواية ابن سعادة.

  وأيا يكن الأمر؛ فإن أبا القاسم ابن الغرديس ممن روى صحيح البخاري عن أبي ذر الهروي رحمهما الله جميعا، وهو أيضا ممن رويت عنه، ورُحل إليه فيها، رغم شح المعلومات حسب ما تيسر الوقوف عليه.

  وقولهم في ترجمته: الفاسي، يدل على أنه سكن فاس، وهناك دليل يمكن الاعتماد عليه في إثبات ذلك، وهو ما ذكره العلامة المقري في أزهار الرياض (24:1) حين تحدث عن رحلة القاضي عياض، فقال: «أن القاضي عياض رضي الله عنه لمّا دخل الحضرة الفاسية ـ حاطها الله نزل ـ بدار ابن الغرديس التغلبي»، وقد نقله عنه الكتاني في سلوة الأنفاس (217:1)، وقد تحدث عن هذه الدار بعض من تناولوا مكتبة آل الغرديس في فاس، كالمنجور في فهرسته (ص:52)، وأشار إليها ابن القاضي في درة الحجال (105:1)، والإعلام بمن حل مراكش (300:2)،و (26:5)، كفاية المحتاج (61:1)،  وتاريخ خزائن الكتب بالمغرب (ص:110)، وغيرهم.

  وقد أخذ عنه جلة من أكابر أهل العلم والفضل، ممن رحلوا إما لأجل الأخذ عنه، وإما من الذين توقفوا بسجلماسة في طريقهم إلى الحج، وهذا يدل على منزلة الرجل في العلم والفهم.

  وقد عمَّر مترجمنا على ما يقرب من المائة سنة، إلا أنه لم تحدد سنة وفاته، قال ابن الأبار في معجم أصحاب أبي علي (ص:24)، «وعمر طويلا حتى انفرد براويته يقال أنه بلغ المائة أو أرسى عليها»، ومثل هذا عند المنجور  في فهرسته، (ص:52)، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.

  

  تراجع بعض الإشارات إليه في المصادر التالية:

–       معجم أصحاب أبي علي الصدفي لابن الأبار(ص24).

–       السفر الخامس من كتاب الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي.

–       أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض.

–       كفاية المحتاج.

–       قبس من عطاء المخطوط المغربي.

 إنجاز: د. سعيد بلعزي.

Science

الدكتور سعيد بلعزي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تحية للأستاذ سعيد على اهتمامه بهذا المحدث الكبير، أرجو منك العودة للتكملة لابن الأبار ففيها بعض تلاميذ ابن الغرديس المذكور:-

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق