مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةقراءة في كتاب

“أبو الحسن الأشعري”: رأي ابن السبكي

قال ابن السبكي في الطبقات :
«… الشيخ أبو الحسن الأشعري البصري، شيخ طريقة أهل السنة والجماعة، وإمام المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين، والذَّاب عن الدين، والساعي في حفظ عقائد المسلمين؛ سعيا يبقى أثره إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين. إمام حبر، وتقي بر، حمَى جناب الشرع من الحديث المفترَى، وقام في نصرة ملة الإسلام فنصرها نصرا مؤزَّرا،

              بهمة فى الثريا إثر أخمصها  *********  وعزمة ليس من عاداتها السأم

 وما برح يدلج ويسير، وينهض بساعد التشمير حتى نقَّى الصدور من الشبه، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ووقَى بأنوار اليقين من الوقوع فى ورطات ما التبس، وقال فلم يترك مقالا لقائل، وأزاح الأباطيل والحقُّ يدفع ترهات الباطل.
… وأخذ فى نُصرة الأحاديث فى الرُّؤية والشَّفاعة والنَّظر وغير ذلك، وكان يفتح عليه من المباحث والبراهين بما لم يسمعه من شيخ قط، ولا اعترضه به خصم، ولا رآه في كتاب. قال الحسين بن محمد العسكرى: (كان الأشعري تلميذا للجبائي، وكان صاحب نظر وذا إقدام على الخصوم، وكان الجبائي صاحب تصنيف وقلم، إلا أنه لم يكن قويا في المناظرة، فكان إذا عرضت مناظرة قال للأشعري: نب عني).
… واعلم أنا لو أردنا استيعاب مناقب الشيخ لضاقت بنا الأوراق وكلت الأقلام، ومن أراد معرفة قدره، وأن يمتلىء قلبه من حبه، فعليه بكتاب” تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري” الذي صنفه “الحافظ ابن عساكر”، وهو من أجل الكتب وأعظمها فائدة وأحسنها.
… وقد زعم بعض الناس أن الشيخ كان مالكي المذهب، وليس ذلك بصحيح، إنما كان شافعيا، تفقَّه على أبي إسحاق المروزي، نصَّ على ذلك الأستاذ أبو بكر بن فورك في طبقات المتكلمين والأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني فيما نقله عنه الشيخ أبو محمد الجويني في شرح الرسالة.
… اعلم أن أبا الحسن لم يبدع رأيا ولم ينشئ مذهبا، وإنما هو مقرِّرٌ لمذاهب السَّلف، مناضلٌ عما كانت عليه صحابةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقا وتمسَّكَ به، وأقام الحججَ والبراهينَ عليه، فصار المقتدِي به فى ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمَّى أشعريا، ولقد قلت مرة للشيخ الإمام رحمه الله: أنا أعجب من الحافظ ابن عساكر في عَدِّهِ طوائفَ من أتباع الشيخ ولم يذكر إلا نزرا يسيرا وعددا قليلا، ولو وفَّى الاستيعاب حقَّه لاستوعَب غالبَ علماء المذاهب الأربعة، فإنهم برأي أبي الحسن يدينون الله تعالى، فقال إنما ذكَر من اشتهر بالمناضلة عن أبي الحسن، وإلاَّ فالأمر على ما ذكرت من أن غالب علماء المذاهب معه.
وقد ذكر الشيخ- شيخ الإسلام- عز الدين بن عبد السلام أن عقيدته اجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة، ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية في زمانه: أبو عمرو بن الحاجب، وشيخ الحنفية: جمال الدين الحضيري.
… وقد ذكر غير واحد من الأثبات أن الشيخ كان يأخذ مذهب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي، وأبو إسحاق المروزي يأخذ عنه علم الكلام، ولذلك كان يجلس فى حلقته.
…قال المايرقي:(ولم يكن أبو الحسن أوَّلَ متكلم بلسان أهل السنة، إنما جرى على سنن غيره، وعلى نصرة مذهب معروف، فزاد المذهب حجَّة وبياناً، ولم يبتدِع مقالة اخترعها، ولا مذهبا انفرَد به، ألا ترَى أن مذهب أهل المدينة نُسب إلى مالكٍ، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي، ومالكٌ إنما جرى على سنن من كان قبله وكان كثير الإتباع لهم، إلا أنه لمَّا زاد المذهب بياناً وبسطاً عُزي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له فى مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وتواليفه فى نصرته).
… ثم ذكر المايرقي رسالة الشيخ أبي الحسن القابسي المالكي التي يقول فيها: (واعلموا أن أبا الحسن الأشعري لم يأت من علم الكلام إلاَّ ما أراد به إيضاح السنن والتثبت عليها) إلى أن يقول القابسي: (وما أبو الحسن إلا واحد من جملة القائمين في نصرة الحق ما سمعنا من أهل الإنصاف من يؤخره عن رتبة ذلك ولا من يؤثر عليه في عصره غيره ومن بعده من أهل الحق سلكوا سبيله)…

 

[طبقات الشافعية الكبرى، لشيخ الإسلام تاج الدين السبكي – الطبعة الأولى – المطبعة الحسينية المصرية -الجزء الثاني- ص :245 – 257]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق