مركز الدراسات القرآنيةشذور

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [سورة البقرة : 185]

 قال الحرالي : لما أثبت الحق سبحانه وتعالى، كتاب الصيام لعباده، لما أرادهم من إعلائهم إلى خبء جزائه، وأطلعهم على ما شاء في صومهم من ملكوته بحضور ليلة القدر، فأنهاهم إلى التكبير على عظيم ما هداهم إليه، واستخلفهم في فضله وشكر نعمته بما خولهم من عظيم فضله، وأظهر عليهم من رواء بركاته ما يدعو الناظرين لهم إلى سؤالهم عما نالوه من ربهم؛ فيليحون لمن دونهم مايليق بهم رتبة رتبة، يؤثر عن عمر رضي الله تعالى عنه، قال : كان رسول الله الله يكلم أبا بكر رضي الله تعالى عنه، فكأنما يتكلمان بلسان أعجم، لا أفهم مما يقولان شيئا، إلى أن ينتهي الأمر إلى أدنى السائلين الذين هم في رتبة حضرة، فيثرون بمطالعة القرب؛ فقال وإذا عطفا على أمور متجاوزة، كأنه يقول : إذا خرجت من معتكفك فصليت وظهرت زينة الله التي باهى بها ملائكته ليست زينة الدنيا التي يتمقتها أهل حضرته من ملائكته، فإذا سألك من حاله كذا فأنبئه بكذا. وإذا سألك من حاله كذا فأنبته بكذا، وإذا سألك من حاله كذا فأنبئه بكذا، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ [سورة البقرة: 185] أي هل أنا على حال المتكبرين من ملوك الدنيا في البعد عمن فأخبرهم أني لست كذلك.

﴿ فَإِنِّي قَرِيب﴾ [سورة البقرة : 185] قال الحرالي: بشر أهل صفوة البعد بالقرب، لما رقى أهل القرب إلى الوصول بالقرب ، فكان المبشر واصلا وكان المتقاصر عن القرب مبشرا به ومعلوم أن قرب الله وبعد المخلوق منه ليس بعد مسافة، ولا قرب مسافة، فالذي يمكن إلا حته من معنى القرب أن من سمع، فيما يخاطب به، خطاب ربه، فهو قريب ممن كان ذلك الخطاب منه، وإنما من كان إنما يسمع الخطاب ممن واجهه بالخطاب في حسه ومحسوسه فسمعه من دون ربه كان بعيدا بحسب تلك الواسطة، من بعد دون بعد إلى أبعد البعد، ولذلك يعلن للنبي: ﴿إِنَّمَا عَلَيْك البلاغ﴾ [سورة الرعد: 41] وكأن أن ما يتلوه لأمته إنما هو كلام ربهم، يتلو لهم كلام ربه يسمعوه من ربهم لأمته، حتى لا يكون صلى الله عليه وسلم ، واسطة بين العبد وربه، بل يكون يوصل العبد إلى ربه، وللإشارة بهذا المعنى يلتي كلمة (قل) في القرآن، ليكون إفصاحا لسماع كلام الله سبحانه وتعالى، ممن سمع، كائنا من كان، وفي إشعاره إهزاز القلوب والأسماع إلى نداء الحج إثر الصوم، لأنه جعل، تعالى، أول يوم من شهور الحج إثر يوم من أيام الصوم، فكأن منادي الله ينادي يوم الفطر بالحج، ففي خفي إشارته إعلاء نداء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، الذي تقدم أساس أمر الإسلام على حنيفيته وملته، وليكون في هذه الآية الجامعة توطئة لذكر الحج، لما تقدم من أن هذه السورة تنتظم جوامعها خلال تفاصيلها انتظاما عجيبا، يليح المعنى لأهل الفهم، ويفصله لأهل العلم.

من كتاب: تراث أبي الحسن الْحَرَالِّي المراكشي في التفسير، مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل. عروة المفتاح. التوشية والتوفية. نصوص من تفسيره المفقود لسورتي البقرة وآل عمران. تصدير: محمد بن شريفة، عضو أكاديمية المملكة المغربية

تقديم وتحقيق: محمادي بن عبد السلام الخياطي. نشر: المركز الجامعي للبحث العلمي – الرباط (ط.1)، (1418هـ/1997م).

Science

ذة. مريم الدويك

باحثة بمركز الدراسات القرآنية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق