مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتابنصوص مترجمة

“وهم المساواة: الحقيقة عن الرجال والنساء اليوم”

 

إلياس بوزغاية

 

 

 

كات بانيارد (Kat Banyard) ناشطة نسائية ببريطانيا وكاتبة بجريدة “الجارديان”، أصدرت كتابها بعنوان “وهم المساواة، الحقيقة عن الرجال والنساء اليوم” (The Equality Illusion, The Truth About Women and men Today) سنة 2010 بدار النشر faber and faber. من خلاله تدافع بقوة عن موقفها ضد الذين يرون أن الحركة النسائية قد استنفذت أغراضها وأن المساواة قد تحققت في القرن الواحد والعشرين. الكاتبة ترى أن العالم بأسره لا يزال يحتاج بشدة إلى الحركة النسائية في ظل “وهم المساواة” الذي تعيشه النساء يوميا في كل المجالات. قدمت الكاتبة هذا الرأي بعد أن دقت ناقوس الخطر من خلال إحصائيات ودراسات ومقابلات لتثبت الممارسات الظالمة والتمييزية في حق المرأة في كل مراحل حياتها. الجميل في عرض الكاتبة هو رصدها لهذه المظاهر من خلال أنشطة المرأة التي تزاولها يوميا ابتداء من استيقاظها إلى حين نومها.

 

عندما تستيقظ المرأة فإن أول مظهر من مظاهر اللامساواة التي تواجهها هو مظهرها. عند رؤيتها للمرآة فإن حجم المقارنة التي ينبغي أن تقوم بها بين جسدها والأجساد “المثالية” في الإعلام كبير جد. معايير الجمال وحسن المظهر (المفروضة على المرأة أكثر من الرجل) اصبح واقعا يفرض تأقلمها مع النظرة التشيئية لجسدها حيث يصبح موضوعا للإعجاب أو الرفض مما يؤثر سلبا على التقدير الذاتي لنفسها. هذا ما أتبثته الكاتبة من خلال الدراسات والمقابلات التي أجرتها مع عدد من نساء يعانين يوميا من تبعات هذه النظرة. الشئ الذي دفع الكاتبة للاستنتاج بأن الحل الأمثل يكمن في وعي المرأة بأن هذه الصور مزيفة ومدمرة وأن عليها أن تتحداها بعدم مجاراتها، لأن المستفيد الوحيد من كل هذا هم فقط شركات صناعة التجميل والثقافة الذكورية السائدة.

 

بعد الاستيقاظ ورؤية نفسها في المرآة تذهب المرأة إلى المدرسة (الفصل الثاني) حيث تجد فصلا آخر من تجليات التمييز واللامساواة. ففي نظر الكاتبة لا تزال الفجوة بين الجنسين في هذا المجال عميقة رغم ما يبدو عليه الحال من تقدم. فانطلاقا من أعداد النساء المتعلمات مقارنة بالرجال يبدأ الفرق (خاصة في الدول النامية)، ثم عندما تصل المرأة إلى المدرسة فإنها غالبا ما تجد نفسها غير مرغوبة لأنها تزاحم الرجل ولأنها لا تتمثل الصور السلبية المقترنة بها ثقافيا ما يعرضها للتمييز والتحرش باستمرار. هذا ما تأكد للكاتبة من خلال المقابلات والشهادات التي استقتها من طالبات وتلميذات يدرسن في بريطانيا.

 

في الفصل الثالث تبدأ معاناة المرأة كعاملة في سوق الشغل. تظهر الكاتبة هنا مكامن عدم الإنصاف واللامساواة في مجال العمل، فالإحصائيات تشير إلى أن النساء يتقاضين ما معدله 22% أقل مما يتقاضاه الرجل عن كل ساعة عمل. وأن 30.000 عاملة يتم طردها سنويا فقط لأنها أصبحت حامل. وأنه في مجال السياسة لا تمثل المرأة سوى 15% من عدد برلمانات العالم كله. ومن جهة أخرى تطرح الكاتبة بعض الأسئلة المقلقة حول هذا الموضوع: كيف يمكن للمرأة أن تجمع بين مطالب البيت الكثيرة ومطالب العمل القليل الأجر؟ ولماذا فقط المرأة هي التي يجب ان تختار بين البيت أو العمل؟ والسؤال الأهم: لماذا يجب الإختيار بينهما أصلا، ألا يمكن أن تكون هناك مساواة فيهما معا؟

 

تنتقل كات بانيارد مع المرأة أثناء عودتها من العمل لترصد ما تواجهه معظم النساء داخل بيوتهن، فتفاجئ القارئ بمجموعة من الإحصائيات والدراسات حول ارتفاع نسبة العنف المنزلي وحوادث الإغتصاب والقتل أيضا. كل هذه الأشياء تحدث في نظر الكاتبة في المجتمعات التي لا تبدي استعدادا لمحاربتها بشكل جدي، ولأن ما يغذي هذه الحوادث هو الرغبة الذكورية في الإستمرار في التحكم في الجنس الأنثوي كملكية له.

 

وبنفس الحماس وفي سياق متصل تتناول الكاتبة موضوع الدعارة في الفصل الخامس وتصفها بأنها أصبحت صناعة تدر أرباحا طائلة في بعض المجتمعات. والكاتبة تبين منذ البداية أنها ضد استعمال بعض المفاهيم البراقة للتغطية على استغلال المرأة من طرف العقليات المتسلطة والجشعة. من خلال مقابلاتها تبرز الكاتبة أن معظم النساء يدخلن هذا العالم مرغمات ومن تم يتم ابتلاعهن فيه. ومن وجهة نظر الكاتبة، فإنه رغم الإدعاء بأن الدعارة نوع من أنواع العمل أو أنه اختيار حر للنساء إلا أنه يبقى أكثر من ذلك مسألة تشيئ وتجنيس لجسد المرأة كبضاعة تباع وتشترى. والأكثر من ذلك هو التحكم في رغبة المرأة في الإنجاب من عدمه أوتشكيل أسرة لها فيما بعد. والأدهى من ذلك أن المرأة هي الطرف الوحيدة الذي عليه أن يتحمل كل التبعات والمعاناة في كل الحالات. ولذلك فإنه في ظل تقاعس المسؤولين عن محاربة هذه الظاهرة يبقى الجشع المادي والعقلية الذكورية متحالفان من أجل الإيقاع بمزيد من الضحايا النساء، الشيء الذي يؤكد مجددا على ضرورة وجود حركة نسائية تدافع عن حقوق المرأة.

 

بهذه العبارة تختم الكاتبة جزءها الأول لتفتح نقاشا حول الدور الحقيقي الذي يجب أن تلعبه الحركة النسائية في هذا العصر، فالكاتبة ترى أننا احوج ما نكون اليوم إلى حركة نسائية توجه أنشطتها إلى خدمة المصالح الحقيقية للنساء. تقول الكاتبة بهذا الخصوص: “الحركة النسائية التي نحتاج اليوم هي الحركة النسائية التي لطالما احتجنا إليها؛ حركة مدفوعة بالحقيقة، تميل إلى العدالة، ومبنية على الإيمان الراسخ بتساوي الناس في الحقوق […] ومن المهم عدم الوقوع في الفخ المفاهيمي الذي يخلط بين عملية الاختيار الحر وهدف الحركة النسائية الأساسي الذي يتمثل في إنهاء تبعية واحتقار المرأة”. الكاتبة تعرض في هذا الإطار تجارب للعديد من التحركات النسائية التي أتبثت ضرورة السير في هذا الاتجاه. وبالمقابل وجهت الكاتبة دعوة ملحة لكل الناس بأن يتحركوا بقوة وألا ينتظروا ليكونوا زعماء من أجل إحداث التغيير، بل عليهم أن يبدؤا التغيير فورا حاملين شعار “افعل شيئا بخصوص هذا”، وأن يتذكروا أن أفعالهم لا تعني بالضرورة أنهم نساء أو أنهم ينتمون إلى حركة نسائية.

 

في الأخير يبدوا أن كتاب “وهم المساواة، الحقيقة عن الرجال والنساء اليوم” قد شكل تلك الحجرة التي تلقى في البركة الراكدة، فهو ليس فقط خروج عن مسار بعض الكتابات النسائية المغرقة في التنظير، بل هو أيضا ناقوس خطر يرسم صورة واضحة عن معاناة النساء حتى في الغرب الذي يتغنى بالمساواة. ما ميز أسلوب الكاتبة خلال الكتاب هو السلاسة والاندفاع بسرعة نحو إبراز أطروحاتها خاصة أنها عرضته في شكل قصة تبرز مظاهر عدم المساواة خلال الأنشطة اليومية للمرأة، كما أنها تسلحت في ذلك بالإحصائيات والدراسات والمقابلات التي زادت من قيمة مضمون الكتاب وجعلته محل إعجاب معظم المتتبعين رغم بعض الملاحظات الشكلية عليه.

 

نشر بتاريخ: 5 / 06 / 2013

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق