مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

وقفات مع الزعيم علال الفاسي عن التصوف الإسلامي في المغرب

يُعتبر كتاب “التصوف الإسلامي في المغرب” لمؤلفه علال الفاسي وثيقة تاريخية هامة، تنوه برجالات التصوف وتشيد بدورهم في التأسيس لنهضة مغربية حقيقية وشاملة، كما يُعد من أهم الدراسات التي تجمع بين البعد الديني والحس الوطني للمغاربة عبر تاريخهم العريق.

فالدراسة تُبرز من جهة ذلك البعد الروحي والأخلاقي في الإسلام، والذي يعتبر -على حد تعبير المؤلف- ثمرة الإيمان الصحيح، كما تبرز جانبا مهما من جوانب الفكر المغربي الأصيل والمعاصر، وهو جانب التصوف؛ وذلك إبانةً لمعالمه وأسسه، وعرضا لتاريخه ومنابعه، وتنويها بفضائله وعطاءاته.

في البداية يَذكُر المؤلف رحمه الله أن الحياة الروحية عند المسلمين نمت داخل المنظومة الإسلامية وليست وليدة تيارات دخيلة، وأن القائمين على هذا الجانب الروحي في الإسلام عُرفوا في القرن الأول بالعبّاد، ثم أطلق عليهم اسم الزهاد، وأخيرا عُرفوا باسم الصوفية كما عرفت طريقتهم باسم التصوف.

وانتبه إلى ادعاءات ومغالطات المحرفين لصفاء التصوف وهويته المغربية الأصيلة، حيث دحض في كتابه مزاعم بعض الباحثين المسلمين وبعض المستشرقين الذين يُرجعون التصوف إلى أصول دخيلة وغير إسلامية -حسب زعمهم-، مؤكدا أن التصوف الإسلامي بالمغرب كان دائما سنيا ومُستمَدّاً من المصادر الإسلامية. كما أكد أن التصوف يمثل ذلك التوق الهائل للاتصال بالملإ الأعلى، وأنه منهجٌ من مناهج الإسلام وسُلّمٌ للنجاة معروفٌ ومسلوكٌ من النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه.

وفي معرض الحديث عن بعض البدع التي أُلصقت بالتصوف، -والتصوف منها براء-، قال:  “وإذا كانت ثمة منكرات أُدخلت على القوم، أو بدع تسربت إليهم، في حين أنها لا تتفق مع ما أرادوه لأنفسهم وللناس، فأي جماعة لم يندس فيها المبتدعون، أم أي عقيدة لم تلتصق بها طفيليات تحاول امتصاصها والقضاء عليها”.

ثُم أشار إلى أن الحركة الصوفية تبلورت في منهجين: منهج أبي يزيد طيفور البسطامي الذي مثل صوفية الحقائق، ومنهج أبي القاسم الجنيد الممثل لصوفية الأخلاق والرقائق، والذي يوافق بين مقتضيات الشريعة ومعاني التصوف. وقد تبلور هذا الاتجاه الصوفي السني بالمغرب في طريقتين هما: القادرية والشاذلية.

وأوضح علال الفاسي بأن السلوك الذي اعتمده واستقر عليه عامة المغاربة منذ القرن الثالث الهجري هو تصوف الأخلاق والرقائق، ودخل في حظيرته الفقهاء والعلماء، كما أبرز رحمه الله أثر التصوف الفعال في المجتمع المغربي، والذي شكل دعامة من دعامات الهوية المغربية.

وأبرز انتشار الرباطات عبر التراب المغربي وأدوارها التي تقوم على العِلم والتعبد والجهاد. وتطورت هذه الرباطات في ما بعد في المدن إلى شكل زوايا تهتم بتعليم الدين وتربية المريدين، ويفد إليها الفقراء للإقامة فيها على شكل أهل الصفة.

وقسّم أدوار التصوف في المغرب إلى أربعة مراحل، مُبرزا أن جانب المجاهدة والتربية بالهمة والحال، والعناية بشؤون الخلق، والدفاع عن حمى الوطن من الأعداء، قد طغى على التصوف المغربي منذ المرحلة الثانية (مرحلة الشاذلي).

كما أشاد بالدور التحريري الذي قام به التصوف في إنقاذ المغرب من الاحتلالات الأجنبية.

واستعرض نماذج لبعض صوفية الحقائق التي ظهرت في أواخر العهد الثالث وفي العهد الرابع، وعَزَا ذلك إلى هدوء الحال واطمئنان المغاربة على وطنهم بعد أن توَحّد وتحرر بفضل الجهود التي بذلها الحكام العلويون، وإلى تجدد الاتصال بين رجال المغرب والمشرق وتبادل الرواية والاستمداد؛ مما أغنى التصوف المغربي من كل جوانبه.

ويؤكد الكاتب أن فكرة “الوحدة” عند الصوفية بعيدة كل البعد عن العقائد الفاسدة وعن الشركيات، وإنما لها معنى آخر، إذ هي عبارة عن رباط صوفي بين المحب والمحبوب وليس مزجا للذوات؛ قال رحمه الله: “ومهما يكن موقفنا من هذه النظرة كسلفيين، فالذي لا نشك فيه أن الصوفية أبعد الناس عن فكرة الوحدة التي تعني لاهوتية الكون أو الأفراد كما هو الأمر عند النصارى، فالوحدة الصوفية معنى آخر، أي رباط صوفي بين المحب والمحبوب وليس مزجا للذوات أو تركيبا للأقانيم، ولذلك ينبغي أن نُعلن بصراحة عدم فهم ماسينيون وأمثاله من المستشرقين لكلام الحلاج وابن عربي…”. [1]

ونزّه عقيدة التصوف عن كل شريك أو شبيه أو نظير، وبيّن أصولها ومركزها في عقيدة التوحيد الإسلامي، قال رحمه الله: “والمتكلمون يصلون إلى تحقيق ذلك                      -التوحيد- عن طريق البرهنة والاستدلال، أما الصوفية فيصلون إلى توحيد الله وتنزيهه من باب الوجد الصوفي، من المحبة التي توصلهم إلى الفناء، فيتجلى لهم الحق في قلوبهم ويُعرِّفُهم بنفسه، فيهيمون في جماله والتعلق به، ويعيشون في مقام الإحسان، ولا شك أن هذا الوجد الصادق أجمل وأقوى من كل برهان”. [2]

ولاحظ بأن معظم رجال التصوف المغاربة ودعاته كانوا من أهل العلم بأصول الدين وفروعه. وقال بأن من المؤكد أن التصوف المغربي كان له الأثر الفعال، إلى جانب الفقه المالكي، في توجيه كل الأفكار والسياسات التي جرت في بلاد المغرب، فالفقه والتصوف -يؤكد الكاتب- عنصران أساسيان في تكييف المجتمع المغربي وتسييره.

وفي معرض حديثه عن صوفية الأخلاق ورجالاته، أبرز جذور النشأة والتطور لهذا المنحى السني في المغرب والمتمثل في الطريقتين القادرية والشاذلية، كما أشاد برجالاته وبأدوارهم عبر العصور.

الهوامش

[1]– التصوف الإسلامي في المغرب، علال الفاسي، إعداد: عبد الرحمان بن العربي الحريشي، مطبعة الرسالة، د.ط، د.ت، ص: 70.

[2]– المصدر السابق، ص: 70.

الدكتور إسماعيل راضي

• رئيس مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة التابع للرابطة المحمدية للعلماء.
• أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم بوجدة منذ سنة 1993 إلى اليوم.
• أستاذ بكلية الطب والصيدلة بوجدة منذ سنة 2008.
• مُقرِّر للعديد من المجلاّت العلمية الدولية.
• رئيس وعضو لما يزيد عن عَشْر وحَدات للتكوين والبحث الجامعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق