موضوع التعليل من الموضوعات التي لاقت اهتماما من أهل النظر والاجتهاد؛ لارتباط صميم بحثها بفقه التشريع، وإدراك أسراره ومقاصده وغاياته، هذا القصد جاء تأسيا بمنهج القرآن والسنة دراسة وتحليلا، واقتداء بفعل الصحب الكرام، رضي الله عليهم، والأئمة الأعلام، وفقهاء الاجتهاد إجراء وتمثيلا، الشيء الذي انعكس إيجابا على إثراء المنظومة التشريعية للأمة، ذلك أن قضية التعليل ترتبط بشكل أوثق بالمجال التشريعي، الأمر الذي نلحظه في اتفاق القائلين به في الصدر الأول استدلالا وإعمالا، غير أن الخلاف تطرق إليه بتسرب الفكر العقدي للقضية، فاختلطت المفاهيم، واضطربت الآراء، وتعددت المذاهب والمدارس، وكان ممن نسب إليه موقف الاضطراب في القول بالتعليل الإمام الفخر الرازي )توفي606ﻫ)، والقائلين بذلك استدلوا بأدلة تسعى هذه الدراسة إلى بسطها وتقييمها انطلاقا من العناصر التالية:
أولا: تأصيل قضية التعليل في الفكر الأصولي
1. العلة الواردة على محل البحث
المقصود هاهنا تأصيل قضية التعليل في الفكر الأصولي، الذي نتناول في ظله الوارف رأي الفخر الرازي، فذلك من شأنه تقريب محل النزاع، ووضع اليد على موطن الاستشكال الذي اعترى نصوصه.
فحقيقة الخلاف تتنازعه طائفتان من العلماء: طائفة علماء الكلام، وطائفة فقهاء الاجتهاد، وبحكم اتصال الموضوع بالطائفة الثانية أرى ضرورة الإعراض عن الطائفة الأولى لطول مناقشتها وتحريرها. وأصل الخلاف في القضية قائم على اختلاف فكري عقدي بينهما: المتكلمون والمعتزلة؛ فالمعتزلة: "قالت بوجوب تعليل أفعال الله، سبحانه وتعالى، ووجوب اشتمالها على مصالح هي غرضه من الفعل. واستدلوا على هذا بقوله تعالى: ﴿وما خلقت الجن والاِنس إلا ليعبدون﴾ (الذاريات: 56) وذهبت الماتردية وبعض الأشاعرة وجماعة من المحققين إلى أن أفعال الله، عز وجل، كلها معللة بالمصالح على سبيل التفضل والإحسان وهذا ما تقتضيه حكمته التامة ورحمته الواسعة، ونفت الأشاعرة تعليل أفعال الله نفيا تاما. وقالوا باستحالة أن يكون فعله، تعالى، لغرض أو علة غائية. ودليلهم أنه لو كان فعله لغرض للزم أن يكون مستفيدا من غرضه ذلك ضرورة أن وجود ذلك الغرض أولى بالقياس إليه من عدمه. فيكون مستفيدا من تلك الأولوية ويلزم من كون ذلك الغرض سببا في فعله أن يكون هو ناقصا في فاعليته، محتاجا إلى حصول السبب وأجيب بأن لزوم الاستفادة والاستكمال إذا كانت المنفعة راجعة للفاعل، وأما إذا كانت راجعة للغير كالإحسان فلا[1]."
قال العلامة الطاهر ابن عاشور (توفي 1393ﻫ) محررا المقام: "والحاصل أن الدليل الذي استدلوا به يشتمل على مقدمتين سفسطائيتين: أولاهما: قولهم إنه لو كان الفعل لغرض للزم أن يكون الفاعل مستكملا به وهذا سفسطة شبه فيها الغرض النافع للفاعل بالغرض بمعنى الداعي إلى الفعل والراجع إلى ما يناسبه من الكمال لا توقف كماله عليه. الثانية: قولهم إذا كان قولهم إذا كان الفعل لغرض كان لا الغرض سببا يقتضي عجز الفاعل وهذا شبه فيه السبب الذي هو بمعنى الباعث بالسبب الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم وكلاهما يطلق عليه السبب، ومن العجائب أنهم يسلمون أن أفعال الله، عز وجل، لا تخلو عن الثمرة والحكمة ويمنعون أن تكون تلك الحكم عللا وأغراضا مع أن ثمرة فعل الفاعل العالم بكل شيء لا تخلو من أن تكون غرضا؛ لأنها تكون داعيا للفعل ضرورة تحقق علم الفاعل وإرادته. ولم أدر أي حرج نظروا إليه حين منعوا تعليل أفعال الله، عز وجل، وأغراضها. ويترجح عندي أن هاته المسألة اقتضاها طرد الأصول في المناظرة، فإن الأشاعرة لما أنكروا وجوب فعل الصلاح والأصلح أورد عليهم المعتزلة أو قدروا هم في أنفسهم أن يورد عليهم أن الله، تعالى، لا يفعل شيئا إلاَ لغرض وحكمة ولا تكون الأغراض إلا المصالح فالتزموا أن أفعال الله، عز وجل، لا تناط بالأغراض ولا يعبر عنها بالعلل وينبئ عن هذا أنهم لما ذكروا هذه المسألة ذكروا في أدلتهم الإحسان للغير ورعي المصلحة. وهنالك سبب آخر لفرض المسألة وهو التنزه عن وصف أفعال الله، عز وجل، ما يوهم المنفعة له أو لغيره وكلاهما باطل؛ لأنه لا ينتفع بأفعاله؛ ولأن الغير قد لا يكون فعل الله بالنسبة إليه منفعة[2]."
قال ابن النجار الفتوحي (توفي 972ﻫ): "وفعله تعالى وتقدس، وأمره لا لعلة، ولا لحكمة، في قول اختاره الكثير من أصحابنا، وبعض المالكية، والشافعية، وقاله الظاهرية، والأشعرية، والجهمية. والقول الثاني: أنهما لعلة[3]، وحكمة، اختاره الطوفي، والشيخ تقي الدين، وابن القيم، وابن قاضي الجبل، وحكاه عن السلف، وهو مذهب الشيعة والمعتزلة...[4]."
هذا عن الطائفة الأولى باختصار شديد من غير خوض في تفاصيل بحثهم، وبخصوص الطائفة الثانية، فإن الخلاف إذا أردنا ضبطه: "محصور في العلة التي هي أساس القياس بمعنى الوصف المعرف للحكم الذي هو مظنة الحكمة، والذي إذا شرع الحكم عنده يترتب عليه مصلحة... علما بأن مذاهب الجماهير هو أن أحكام الله، عز وجل، مبنية على مراعاة الحكم ومصالح العباد[5]."
هذا عن المطلب الأول المتعلق بتأصيل القضية، وقد بان محل النزاع والموطن المراد بحثه، وهو العلة التي يقول بها الفقهاء، دون ما نحى إليه الطوائف الكلامية، لعدم تعلقها بالمجال التشريعي، وقيد التشريع يستدعي الحديث عن أهمية القول بالتعليل؛ إذ هو محرك الاجتهاد وداعي النظر والاستدلال في النصوص.
2. أهمية القصد التعليلي في الاجتهاد التشريعي
كثيرة هي النصوص القرآنية والحديثية، وأقوال الصحابة والتابعين التي أعملت قضايا التعليل بيانا ودرسا وتنزيلا وعملا، فأساسها ينطلق من قضية مسلمة أن أغلب أوامر الشرع ونواهيه معللة بعلل وأمارات وضعها الشارع بقصد الاهتداء إليها، وسواء كان الأمر متعلقا بفقه المعاملات أو العبادات، ذلك أن الأول جلي الحكمة والمصلحة فيه، والثاني تندرج كلية مصلحته في الامتثال لأوامر الشارع، سبحانه وتعالى، والانقياد له؛ لأن "أهمية التعليل تكمن في إمداده للتشريع الإسلامي بمقومات البقاء والاستمرار والخلود، فالنصوص الشرعية متناهية وحتى يتم تعديه هذه النصوص وتغطيتها للوقائع الجديدة. كان من الضروري الاعتراف والإقرار بالتعليل الذي يعني أن النصوص الشرعية نصوص معقولة المعنى جاءت إما لتحقيق مصلحة وإما لدفع مفسدة وهذا ما يؤهلها لأن تتعدى إلى الوقائع التي لا تحمل نصوصا صريحة[6]."
ذلك لأن ما يتناهى لا يمكن أن يضبط ما لا يتناهى، فالنصوص الشرعية معلومة المظان والوقائع تتجدد باستمرار، فكان القول بالتعليل من مميزات الشريعة، التي أراد الله لها البقاء ومواكبة الحياة.
قال الجويني (توفي478ﻫ) إن: "الأئمة السابقين لم يخلوا واقعة على كثرة المسائل وازدحام الأقضية والفتاوى عن حكم الله، عز وجل، ولو كان ذلك ممكنا لكانت تقع، وذلك مقطوع به آخذا من مقتضى العادة وعلى هذا علمنا بأنهم، رضي الله عنهم، استرسلوا في بناء الأحكام استرسال واثق بانبساطها على الوقائع متصد لإثباتها فيما يعن ويسنح، متشوف إلى ما سيقع[7]."
وجوابا على استشكال افترضه الجويني قال مجيبا: "لا يخفى على من شدا طرفا من التحقيق أن مآخذ الشريعة مضبوطة محصورة، وقواعدها معدودة محدودة؛ فإن مرجعها إلى كتاب الله، عز وجل، وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والآي المشتملة على الأحكام، وبيان الحلال والحرام معلومة، والأخبار المتعلقة بالتكاليف في الشريعة متناهية. ونحن نعلم أنه لم يفوض إلى ذوي الرأي والأحلام أن يفعلوا ما يستصوبون، فكم من أمر تقضي العقول بأنه الصواب في حكم الإيالة والسياسة، والشرع وارد بتحريمه، فلسنا ننكر تعلق مسائل الشرع بوجوه من المصالح، ولكنها مقصورة على الأصول المحصورة، وليس ثابتة على الاسترسال في جميع وجوه الاستصلاح ومسالك الاستصواب. ثم نحن نعلم مع ذلك أنه لا تخلو واقعة عن حكم الله، عز وجل، على المتعبدين... فإذا تقرر ذلك، فلو قال قائل: ما يتوقع وقوعه من الوقائع لا نهاية له، ومأخذ الأحكام متناهية، فكيف يشتمل ما يتناهى على ما لا يتناهى، وهذا إعضال لا يبوء بحمله إلا موفق ريان من علوم الشريعة. فنقول: الشرع مبنى بديع، وأس هو منشأ كل تفصيل وتفريع، وهو معتمد المفتي في الهداية الكلية والدراية، وهو المشير إلى استرسال أحكام الله، عز وجل، على الوقائع مع نفي النهاية، وذلك أن قواعد الشريعة متقابلة بين النفي والإثبات، والأمر والنهي، والإطلاق والحجر، والإباحة والحظر، ولا يتقابل قط أصلان إلا ويتطرق الضبط إلى أحدهما وتنتهي النهاية عن مقابله ومناقضه. ونحن نوضح ذلك بضرب أمثال ثم نستصحب استعمال هذه القاعدة الشريفة في تفاصيل الأغراض من هذه الرتبة والله المستعان في كل حين وأوان...[8]."
واجتهادات السابقين انبنت على قضية بأن لله، سبحانه وتعالى، في كل نازلة وحادثة، حكما موجودا، بنص أو دلالة، ولا يتحقق ذلك إلا بالنظر في مآخذ الأحكام ومدارك الاستدلال، ذلك أنه: "لو انحصرت مآخذ الأحكام في المنصوصات والمعاني المستثارة منها، لما اتسع باب الاجتهاد، فإن المنصوصات ومعانيها المعزوة إليها لا تقع من متسع الشريعة غرفة من بحر، ولو لم يتمسك الماضون بمعان في وقائع، لم يعهدوا أمثالها، لكان وقوفهم عن الحكم يزيد على جريانهم، وهذا إذا صادف تقريرا، لم يبق لمنكري الاستدلال مضطربا...[9]."
والقول بالتعليل ينظم الجانبين في الشريعة: العبادات والمعاملات، وإن كان: "الأصل في العبادات التعبد، وفي المعاملات التعليل؛ بمعنى: أن الأصل في العبادات الاقتصار على المنصوص من دون الالتفات إلى المعاني واستفادة العلل، وأن الأصل في العادات تعقل معاني النصوص واستخراج الأغراض المناسبة للأحكام ومعرفة المصالح التي ارتبطت بها هذه الأحكام لتوسيع مجالها[10]."
إلا أن تعلق الجانب التعبدي بالتعليل يتجلى في رد تعليله وتعقل معناه الغائب عن الفهم والتصور إلى إرادة الله، عز وجل، وحكمته التي قضى التعبد به على الشكل الذي أراده، وبذلك يتحقق قصد التعبد والامتثال للعبد في الجانبين التعبدي والعادي معا، وهذا مبلغ العالمين العارفين ذوي الاختصاص، وإلا اقتصر من لم يبلغ هذا الجانب من الفهم والتصور؛ على الجانب التعبدي من غير التفات إلى المعاني كما قرره الإمام الشاطبي في المسألة الثامنة من كتاب المقاصد، والعز بن عبد السلام[11].
وفي موطن آخر قرر مسألة تعليل الجانب التعبدي كذلك بقوله: "فإن قيل: وهل توجد لهذه الأمور التعبديات علة يفهم منها مقصد الشارع على الخصوص أم لا؟ فالجواب أن يقال: أما أمور التعبدات فعلتها المطلوبة مجرد الانقياد، من غير زيادة ولا نقصان... وأما العاديات وكثير من التعبدات أيضا فلها معنى مفهوم، وهو ضبط وجوه المصالح...[12]."
القصد أن أمر التعليل لازم للفقيه، وأمر واقع في نصوص الشرع الحنيف لا ينكره إلا معاند، بل من ينكره ظاهرا يعمله في مضمون أبحاثه وأعماله، والحديث عن هذا المعطى يقودنا للمطلب الثالث؟
3. مذاهب الأصوليين في القول بالتعليل
لأهمية أمر التعليل في البحث الأصولي، وقضايا الاجتهاد والنظر والاستدلال، انبرى علماء الأصول للتدليل والاحتجاج على مشروعية القول به كغيره من الأدلة المعتبرة؛ بالنص والإجماع والمعقول والاستقراء. أما عن النصوص القرآنية والحديثية فكثيرة في دلالتها الصريحة والضمنية لا يسع المقام استعراضها[13]. أما بخصوص دليلي الإجماع والمعقول.
يقول سيف الدين الآمدي (توفي631ﻫ): "أما الإجماع: فهو أن أئمة الفقه مجمعة على أن أحكام الله، عز وجل، لا تخلوا من حكمة ومقصود، وإن اختلفوا في ذلك بطريق الوجوب كما قالت المعتزلة أو بحكم الاتفاق والوقوع من غير وجوب كقول أصحابنا، وأما المعقول: فهو أن الله، عز وجل، حكيم في صنعه، فرعاية الغرض في صنعه إما أن يكون واجبا أو لا يكون واجبا، فإن كان واجبا فلم يخلو عن المقصود، وإن لم يكن واجبا ففعله للمقصود يكون أقرب إلى موافقة المعقول من فعله بغير مقصود... والغرض إما أن يكون عائدا إلى الله، عز وجل، أو إلى العباد، ولا سبيل لتعاليه عن الضرر والانتفاع لأنه على خلاف الإجماع، فلم يبق سوى الثاني[14]."
أما بخصوص الاستقراء، قال الإمام الشاطبي (توفي 790ﻫ): "… والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره[15]."
قال "الريسوني" معلقا على الشاطبي: "وإذا فمجال العبادات ليس مجالا مغلقا محظورا عن التعليل المصلحي، بل فيه مدخل، أو مداخل… ومن هذه المداخل أيضا، أن الرخص الواردة في أحكام العبادات كلها معللة، معقولة المعنى. وقد اعترف الشاطبي بشيء من هذا، ولكنه أغلق الباب بسرعة، وذكر الدكتور أمثلة، ومالنا نذهب بعيدا، والشاطبي نفسه يسعفنا بتعليلات أكثر تفصيلا في الأحكام التي نعى هو على غيره تعليلها وذكر حكمها، يقول: "وذلك أن الصلاة مثلا: إذا تقدمتها الطهارة أشعرت بتأهب لأمر عظيم". فإذا استقبل القبلة أشعر بحضور التوجه إليه، فإذا أحضر نية التعبد أثمر الخضوع والسكون ثم يدخل فيها على نسقها، بزيادة السورة خدمة لفرض أم القرآن؛ لأن الجميع كلام الرب المتوجه إليه[16]."
ولمزيد من الوضوح فيما يخص مذاهب الأصوليين في المسألة، "مكن التميز بين فريقين: أحدهما؛ قال بمبدأ التعليل، وبذلك استقام له النظر في القياس، ويمثله أصوليو المعتزلة وجمهور علماء المالكية والحنفية والحنابلة، وكثير من علماء الشيعة، والثاني؛ نفى أن تكون أفعاله، عز وجل، معللة بناء على انتمائه الأشعري، لكنه اضطر إلى القول بها عند حديثه عن المناسب في باب القياس الأصولي… ويمكن أن نلحق بهذا الفريق فئة المنكرين لمسألة التعليل عموما لذلك التزموا بمبدئهم، ودافعوا عنه في مصنفاتهم الأصولية أثناء حديثهم عن القياس وبعض ضروب الاستدلال الأخرى، ومن هؤلاء ابن حزم الظاهري الذي ألف كتابا سماه: "ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل[17]."
قال في إحكامه: "إن أول ضلالة لهذه المسألة قياسهم الله تعالى على أنفسهم في قولهم إن الحكيم بيننا لا يفعل إلاَ لعلة، فوجب أن يكون الحكيم عز وجل كذلك[18]"، وغيرها من النصوص[19].
قال الدكتور محمد معمر: "يعد ابن حزم الأندلسي من أبرز علماء الأصول الذين عارضوا الاستدلال بالتعليل، وهذه المعارضة نابعة من تعلقه بظاهر النصوص. وعدم البحث عن عللها ومعانيها… ومما ترتب على معارضة ابن حزم للتعليل رده لجميع أشكال الاستدلال التي لها صلة مباشرة بالتعليل مثل: القياس والاستصلاح والمقاصد؛ لأن استقامة الاستدلال بهذه الأدلة متوقف على الاعتراف بالتعليل، ولرد الاستدلال بالتعليل خصص ابن حزم رسائل ومصنفات لعرض أدلته وحججه في بيان فساد التعليل وتباين آراء الفقهاء في تعليلهم للأحكام الشرعية ومن هذه المصنفات كتاب "الإعراب" وكتاب "الإيصال"… ومن رسائل ابن حزم... "ملخص إبطال القياس والتعليل..."[20]."
قال ابن عاشور: "وأنت إذا نظرت إلى أصول الظاهرية تجدهم يوشكون أن ينفوا عن الشريعة أحكامها بالحكمة؛ لأنهم نفوا القياس والاعتبار بالمعاني ووقفوا عند الظواهر فلم يجتازوها ولذلك ترى حججهم وجدلهم لا يعدوا الاحتجاج بألفاظ الآثار وأفعال الرسول وأصحابه... على أن أهل الظاهر يقعون بذلك في ورطة التوقف عن إثبات الأحكام فيما لم يرو فيه عن الشارع حكم من حوادث الزمان، وهو موقف خطير يخشى على المتردد فيه أن يكون نافيا عن شريعة الإسلام صلاحها لجميع العصور والأقطار[21]."
وختم بقوله: "وجملة القول أن لنا اليقين بأن أحكام الشريعة كلها مشتملة على مقاصد الشارع، وهي حكم ومصالح ومنافع؛ ولذلك كان الواجب على علمائها تعرف علل التشريع ومقاصده ظاهرها وخفيها، فإن بعض الحكم قد يكون خفيا، وإن أفهام العلماء متفاوتة في التفطن لها فإذا أعوز في بعض العصور الاطلاع على شيء منها، فإن ذلك قد لا يعوزه من بعد ذلك[22]."
بعد هذا العرض الموجز والمقتضب لقضية التعليل في جانب بحثها الكلامي والفقهي، وبيان النافين والمثبتين للتعليل في المحور الأول بمستوياته الثلاثة، نصل إلى صلب موضع بحثنا المتعلق بموقف الإمام الفخر الرازي، وهو المحور الثاني من هذا البحث.
ثانيا: موقف الإمام الفخر الرازي من قضية التعليل
بيان موقف الرازي من شأنه الإفصاح عن حقيقة القول بالاضطراب أو التخبط الذي نعته به البعض، فإن من آفات البحث العلمي القول بالتعميم والإطلاق، والمبحث الآتي موزع على ثلاثة مستويات، نروم من خلالها بيان حقيقة موقف الفخر الرازي ببيان قوله في التفسير في:
1. موقف الفخر الرازي من القضية في تفسيره
لقد شاع القول بالاضطراب في موقف الفخر الرازي من القضية، وسأعتمد في كشف موقفه وبيان رأيه نصوص كتابه: "التفسير" بذكر الأمثلة التطبيقية من تفسيره، لدحض فكرة نفيه واضطرابه، مع الاستئناس بآراء الباحثين، ومما تجدر الإشارة إليه أن رأي الرازي في تفسيره بشأن التعليل كان متوازيا بالتأكيد على إنكار حجية القول بالتعليل في مواطن، وإثباته في مواطن أخرى، وهذه بعض الأمثلة في فرعين اثنين:
الفرع الأول: نصوصه النافية للتعليل في التفسير
أ. في المسألة الخامسة من تفسير قوله تعالى:﴿يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم، وأرجلكم على الكعبين﴾ (المائدة: 7). قال الشافعي، رضي الله عنه: النية شرط لصحة الوضوء والغسل، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: ليس كذلك، واعلم أن كل واحد منهما يستدل بظاهر هذه الآية، أما الشافعي، رحمه الله، فإنه قال: الوضوء مأمور به، وكل مأمور به يجب أن يكون منويا... ولاشك أن قوله: (فاغسلوا) أو (امسحوا) أمر، وإنما قلنا: إن كل مأمور به أن يكون منويا لقوله، عز وجل: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء﴾ (البينة: 5) واللام في قوله: (ليعبدوا) ظاهر للتعليل، لكن تعليل أحكام الله، عز وجل، محال، فوجب حمله على الباء لما عرف من جواز إقامة حروف الجر بعضها مقام بعض، فيصير التقدير: وما أمروا إلاَ بأن يعبدوا الله مخلصين له الدين[23]."
ب. قوله في المسألة الثالثة من تفسير قوله سبحانه وتعالى: ﴿من اَجل ذلك، كتبنا على بني إسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس اَو فساد في الاَرض فكأنما قتل الناس جميعا﴾ (المائدة: 34). "قال القائلون بالقياس: دلَت الآية على أن أحكام الله، سبحانه وتعالى، قد تكون معللة بالعلل وذلك لأنه، سبحانه وتعالى، قال: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل) كذا وكذا، وهذا صريح بأن كتبة تلك الأحكام معللة بتلك المعاني المشار إليها بقوله: (من أجل ذلك) والمعتزلة أيضا قالوا: دلت هذه الآية على أن أحكام، الله تعالى، معللة بمصالح العباد، ومتى ثبت ذلك امتنع كونه تعالى خالقا للكفر والقبائح مريدا وقوعها منهم، لأن خلق القبائح وإرادتها تمنع من كونه، سبحانه وتعالى، مراعيا للمصالح، وذلك يبطل التعليل المذكور في هذه الآية؛ قال أصحابنا: القول بتعليل أحكام، الله تعالى، محال لوجوه: أحدها؛ أن العلة إن كانت قديمة لزم قدم المعلول وإن كانت محدثة وجب تعليلها بعلة أخرى ولزم التسلسل، وثانيها؛ لو كان معللا بعلة، فوجود تلك العلة وعدمها بالنسبة إلى الله، سبحانه وتعالى، إن كان على السوية امتنع كونه علة، وإن لم يكن على السوية فأحدهما به أولى، وذلك يقتضي كونه مستفيدا تلك الأولوية من ذلك الفعل، فيكون ناقصا لذاته مستكملا بغيره وهو محال، وثالثها؛ أنه قد ثبت توقف الفعل على الدواعي، ويمتنع وقوع التسلسل في الدواعي، بل يجب انتهاؤها إلى الداعية الأولى التي حدثت في العبد بل من الله، وثبت أن عند حدوث الداعية يجب الفعل وعلى هذا التقدير: فالكل من الله، وهذا يمنع من تعليل أفعال الله، سبحانه وتعالى، وأحكامه، فثبت أن ظاهر هذه الآية من المتشابهات لا من المحكمات، والذي يؤكد ذلك قوله عز وجل: ﴿قل فمن يملك من الله شيئا اِن اَراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الاَرض جميعا﴾ (المائدة: 19)؛ وذلك نص صريح في أنه يحسن من الله كل شيء ولا يتوقف خلقه وحكمه على رعاية المصالح[24]."
ج. وفي المسألة التاسعة من قوله، سبحانه وتعالى: ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله، والله عزيز حكيم﴾ (المائدة: 40)، يقول رحمه الله: "قالت المعتزلة: قوله: (جزاء بما كسبا نكالا من الله) يدل على تعليل أحكام الله، فإن"الباء" في قوله (بما كسبا) صريح في أن القطع إنما وجب معللا بالسرقة، وجوابه ما ذكرناه في هذه السورة في قوله: ﴿من اَجل ذلك، كتبنا على بني إسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس﴾ (المائدة: 34)[25]."
هذه أهم المواطن التي صرح المصنف بعدم القول بالتعليل، و يبدوا أنه قد التزم إلى حد ما بمبدئه في المسألة، بل عمد إلى كل موطن استدل به المخالف لإثبات التعليل؛ بتأويله أو معارضته وإبطاله بأدلة أخرى، فالمسألة الأولى عارض القول بالتعليل بتوظيف قاعدة: "حروف الجر"، وفي الثانية اعتبر الآية من المتشابهات لا من المحكمات، وفي مسألة أخرى بين سبب إباحة الصيد في أحوال ومنعه في أخرى: "أنه تعالى مالك الأشياء وخالقها، فلم يكن على حكمه اعتراض بوجه من الوجوه وهذا هو الذي يقوله أصحابنا: أن علة حسن التكليف هي الربوبية والعبودية لا ما يقوله المعتزلة من رعاية المصالح[26]."
القصد أن المصنف التزم بمبدئه إلى حد ما، وهذا الاستثناء يفسره ورود ألفاظ تثبت القول بالتعليل، ومن المواطن التي أثبت فيها القول بالتعليل الصريح والضمني في تفسيره وهو الفرع الثاني؟.
الفرع الثاني: نصوصه المثبتة للتعليل في التفسير
أ. في المسألة الثالثة من تفسير قوله سبحانه وتعالى:﴿اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون﴾ (المائدة: 4)، يقول رحمه الله في المسألة الثالثة: "قال قوم: الآية دالة على أن التقية جائزة عند الخوف قالوا: لأنه، سبحانه وتعالى، أمرهم بإظهار هذه الشرائع، وإظهار العمل بها، وعلل ذلك بزوال الخوف من جهة الكفار وهذا يدل على أن قيام الخوف يجوز تركها[27]."
ب. وفي النوع الثاني من تفسير قوله تعالى: ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل اَنتم منتهون﴾ (المائدة: 93)، "فإنه قيل: الآية صريحة في أن علة تحريم الخمر هي هذه المعاني، ثم إن هذه المعاني كانت حاصلة قبل تحريم الخمر مع أن التحريم ما كان حاصلا، وهذا يقدح في صحة هذا التعليل قلنا: هذا هو أحد الدلائل على أن تخلف الحكم عن العلة المنصوصة[28] لا يقدح في كونها علة[29]." وقاعدة: "يلزم من تكرر الحكم تكرر العلة[30]، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، يناقشه الأصوليون في مسالك العلة: "الدوران"، وقاعدة: "ذكر الحكم عقب الوصف المناسب يدل[31] على كونه معللا" وهذه منبثقة عن مسلك آخر وهو: "المناسبة[32]."
ج. من المواطن التي أنكر التعليل فيها، قوله في المسألة الثانية من تفسير قوله عز وجل: ﴿يسئلونك عن الاَهلة، قل هي مواقيت للناس والحج﴾ (البقرة: 188)، بعد بحث طويل واستطراد كبير"... بقي هاهنا أن يقال الفاعل المختار لم خصص القمر دون الشمس بهذه الاختلافات، فنقول لعلماء الإسلام في هذا المقام جوابان: أحدهما؛ أن يقال: إن فاعلية الله، سبحانه وتعالى، لا يمكن تعليلها بغرض ومصلحة، ويدل عليه وجوه: أحدها: أن من فعل فعلا لغرض فإن قدر على تحصيل ذلك الغرض بدون تلك الواسطة، فحينئذ يكون فعل تلك الواسطة عبثا، وإن لم يقدر فهو عاجز وثانيها: أن كل من فعل فعلا لغرض، فإن كان وجود ذلك الغرض أولى له من لا وجوده فهو ناقص بذاته مستكمل بغيره، وإن لم يكن أولى له لم يكن غرضا وثالثها: أنه لو كان فعله معللا بغرض فذلك إن كان محدثا افتقر إحداثه إلى غرض آخر، وإن كان قديما لزم من قدمه قدم الفعل وهو محال، فلا جرم قالوا: كل شيء صنعه ولا علة لصنعه، ولا يجوز تعليل أفعاله وأحكامه ألبتة: ﴿لا يُسئل عما يفعل، وهم يُسئلون﴾ (الاَنبياء: 23)، والجواب الثاني؛ قول من قال: لابد في أفعال الله وأحكامه من رعاية المصالح والحكم، والقائلون بهذا المذهب سلموا أن العقول البشرية قاصرة في أكثر من المواضع عن الوصول إلى أسرار حكم الله، سبحانه وتعالى، في ملكه وملكوته، وقد دللنا على أن القوم إنما سألوا عن الحكمة في اختلاف أحوال القمر فالله، سبحانه وتعالى، ذكر وجوه الحكمة...[33]."
الغريب أن من يسوق هذا النص يقتصر على جانب إنكاره الأول كما فعل الشاطبي وعدد من الباحثين، لذلك قصدت سوق كلامه كاملا هنا؛ إذ في تتمته إثبات، والمثال كله حكاية عن شقي جواب الرازي.
د. وفي المسألة الثانية من تفسير قوله، سبحانه وتعالى: ﴿وليس البر بأن تاتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى، واتوا البيوت من اَبوابها﴾ (البقرة: 188)؛ قال في القول الثاني منها: "مثل ضربه الله، سبحانه وتعالى، لهم، وليس المراد ظاهره، وتفسيره أن الطريق المستقيم المعلوم هو أن يستدل بالمعلوم على المظنون، فأما أن يستدل بالمظنون على المعلوم فذاك عكس الواجب وضد الحق وإذا عرفت هذا فنقول: إنه قد ثبت بالدلائل أن للعالم صانعا مختارا حكيما، وثبت أن الحكيم لا يفعل إلا الصواب البريء عن العبث والسفه، ومتى عرفنا ذلك، وعرفنا أن اختلاف أحوال القمر في النور من فعله علمنا أن فيه حكمة ومصلحة، وذلك لأن علمنا بهذا الحكيم الذي لا يفعل إلاَ الحكمة يفيدنا القطع بأن فيه حكمة؛ لأنه استدلال بالمعلوم على المجهول، فأما أن يستدل بعدم علمنا بما فيه من الحكمة على أن فاعله ليس بالحكيم فهذا استدلال باطل؛ لأنه استدلال بالمجهول على القدح في المعلوم إذا عرفت هذا فالمراد من قوله تعالى: ﴿وليس البر بأن تاتوا البيوت من ظهورها﴾؛ عني أنكم لما لم تعلموا حكمته في اختلاف نور القمر صرتم شاكين في حكمة الخالق...[34]."
ﻫ. قوله في المسألة الثالثة من تفسير قوله عز وجل: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان﴾ (البقرة: 184)، جاء فيها: "أما قوله: (أنزل فيه القرآن) اعلم أنه، سبحانه وتعالى، لما خص هذا الشهر بهذه العبادة بين العلة لهذا التخصيص وذلك هو أن الله سبحانه خصه بأعظم آيات الربوبية، وهو أنه أنزل فيه القرآن فلا يبعد أيضا تخصيصه بنوع عظيم من آيات العبودية وهو الصوم[35]."
2. موقف الرازي من القضية في المحصول
شاع القول أن الرازي لم يجد مندوحة من القول بالتعليل لانبناء أمر القياس عليه أولا وأخيرا، والناظر في عمله التأصيلي يلحظ ذلك من أول وهلة، وبيانه كالآتي:
أ. بعد تعريفه للقياس، تناول قضية إثبات حجيته بمجموعة من الأدلة النقلية والعقلية والأمثلة الفقهية في الموضوع عن الصحابة والتابعين من الأئمة، مع رد وإبطال حجج وأدلة المخالفين ببراهين قوية، أبان فيها عن قريحة أصولي متكلم، ومحقق نافذ البصيرة في التعليل والتوجيه[36].
ب. نصه في الباب الأول بعد تعريف العلة، على أن الطرق الدالة على علية الوصف في الأصل عشرة وهي: "النص، والإيماء، والإجماع، والمناسبة، والتأثير، والشبه، والدوران، والسبر والتقسيم، وطرد وتنقيح المناط ... وأمور أخرى اعتبرها قوم، وهي عندنا ضعيفة[37]."
ج. نصه في المسلك الأول للعلة على الطرق الدالة عليها القاطعة أو المحتملة، وفي القاطعة قال: "أما القاطع: فما يكون صريحا في المؤثرية، وهو قولنا: لعلة كذا أو لسبب كذا، أو لموجب كذا أو من أجل كذا، كقوله تعالى:﴿من اَجل ذلك كتبنا على بني إسراءيل﴾ (المائدة: 34)[38]."
وجعل "حرف اللام" من الحروف المحتملة لا القاطعة، وبعد المناقشة قال: "قلت أهل اللغة صرحوا بأن اللام للتعليل، وقولهم حجة، وإذا ثبت ذلك وجب القول بأنها مجاز في هذه الصورة[39]"، وفي المثال المذكور في التفسير نفى كون "اللام" للتعليل بتاتا، وحمل المسألة على قاعدة: "حروف الجر[40]."
هذا، وقد ناقش الإمام الرازي في هذه المسألة العلامة الأصفهاني (توفي 653ﻫ) صاحب "الكاشف عن المحصول[41]"، والباحث "محمد سالم محمد" أثبت أن اللام" للتعليل حقيقة لا مجازا[42].
د. قوله، رحمه الله، في نصوص تدل دلالة صريحة على قوله بالتعليل منه: ما قاله في مسلك المناسبة: "أن الله، سبحانه وتعالى، حكيم بإجماع المسلمين، والحكيم لا يفعل إلاَ لمصلحة، فإن من يفعل لا لمصلحة يكون عابثا، والعبث على الله، سبحانه وتعالى، محال، بالنص والإجماع والمعقول...[43]."
ولقد استطرد في بيانها بقوله: "فهذه الوجوه الستة دالة على أنه، سبحانه وتعالى، ما شرع الأحكام إلاَ لمصلحة العباد، ثم اختلف الناس بعد ذلك: أما المعتزلة: فقد صرحوا بحقيقة هذا المقام، وكشفوا الغطاء عنه، وقالوا: إنه يقبح من الله فعل القبيح، وفعل العبث، بل يجب أن يكون فعله مشتملا على جهة مصلحة وغرض، وأما الفقهاء: فإنهم يصرحون بأنه، سبحانه وتعالى: إنما شرع هذا الحكم لهذا المعنى ولأجل هذه الحكمة، ولو سمعوا لفظ الغرض لكفروا قائله، مع أنه لا معنى لتلك "اللام" إلاّ الغرض، وأيضا، فإنهم يقولون: إنه وإن كان لا يجب على الله، سبحانه وتعالى، رعاية المصالح إلاَ أنه، سبحانه وتعالى، لا يفعل إلاَ ما يكون مصلحة لعباده تفضلا منه وإحسانا لا وجوبا فهذا هو الكلام في تقرير هذه المقدمة[44]"، وغير ذلك من نصوصه[45].
ليتحصل أن الرازي لم يقع له وجه الاتفاق بين ما صرح به في "التفسير" وما قرره في "المحصول"، فهل ذلك من باب التراجع والاضطرار؟ أو من باب التأثر بالاتجاه الكلامي؟ أو من باب صعوبة التوفيق بين التأصيل والتمثيل؟ وغير ذلك من النوافذ التي يمكن أن تفتح عليه. لذلك اختلف الباحثون في تخريج المسألة على أقوال، نذكرها ثم نتعقب بعضها ونختم بالرأي المختار في المبحث الثالث؟
ثالثا: حقيقة مذهب الفخر الرازي بخصوص قضية التعليل
سبقت الإشارة إلى إشاعة القول بأن الرازي قد حصل له اضطراب في القضية، وقد جنح لهذا الرأي جمع من الأئمة والباحثين، وعلى رأسهم أبو إسحاق الشاطبي (توفي 790ﻫ) فهو فسر موقفه بالإثبات تارة والنفي أخرى بالاضطرار، قال، رحمه الله، في كتاب المقاصد: "... وزعم الرازي أن أحكام الله ليست معللة بعلة البتة، كما أن أفعاله كذلك... ولما اضطر في علم أصول الفقه إلى إثبات العلل للأحكام الشرعية أثبت ذلك على أن العلل بمعنى العلامات المعرفة للأحكام خاصة[46]."
كما أن هناك من ما وقع فيه الإمام الرازي إلى "الإسراف في تناول المباحث الكلامية التي لا ينبني عليها عمل ولا ترجى منها فائدة على حد قول الشاطبي[47]. وتفسير ذلك أن: "الشاطبي قد نادى بضرورة إبعادها عن أصول الفقه، والرجوع إليها في مظانها المعتبرة؛ لأن الإغراق في بحث المسائل ذات الطابع الكلامي قد يخرج الدرس الأصولي عما حد له، بل قد يوقع بعض الأصوليين في مفارقات تفقدهم في غالب الأحيان طابع التوفيق بين الاتجاه الكلامي، والمنحى الأصولي، فهاهو الرازي، مثلا، يتصدى لمسألة تعليل أحكام الله، سبحانه وتعالى، ليرفض القول بها تمشيا مع ما هو مسطر في مذهب الأشاعرة... لكني رأيته في "محصوله" لم يجد مندوحة عن الأخذ بها ليستقيم له القول بالقياس الذي ضَمنه مقالات مستفيضة عن العلة وأنواعها وأوجه التعليل ومسالكه، فقد عقد بابا خصصه للحديث عن الطرق الدالة على علية الوصف، فأوصلها إلى عشرة، وقال في موطن آخر: "الوصف الحقيقي إذا كان ظاهرا مضبوطا، جاز التعليل به، أما الذي لا يكون كذلك مثل الحاجة إلى تحصيل المصلحة ودفع المفسدة، وهي التي يسميها الفقهاء بالحكمة، فقد اختلفوا في جواز التعليل به[48] والأقرب جوازه[49]"[50].
وهو ما لاحظه باحث آخر محاولا تفسير المسألة بقوله: "... وهؤلاء المنكرون في علم الكلام اعترفوا بالتعليل في تأليفهم في أصول الفقه، وإلا كيف يقال بالقياس حيث لا تعليل؟ فقد رأينا الفخر الرازي مع إنكاره في علم الكلام يثبت ذلك في محصوله عند الكلام على مسلك المناسبة، وهل تصلح دليلا على العلية أو لا؟... ولعل منشأ هذا التناقض أنه وجد نفسه عند التعريف بصدد الرد على المعتزلة المخالفين له في العقيدة في هذه المسألة، فأنكر التعليل، وفي المناسبة لم يجد كلاما فاعترف به أو قلد غيره وسها عن أصله الذي أصله، ومن الإنصاف أن نقول: أن نفيه كان منصبا على الوجوب لا على أصل التعليل[51]."
فرأي "مصطفى شلبي" و"عبد الحميد العلمي" متقاربان في محاولتهما إبانة حقيقة موقف الرازي، وتفسير الاضطراب الذي حدث له وبيان أسبابه، غير أن الأستاذ "عبد الحميد العلمي" انطلق من نص الشاطبي، لكونه صاحب موضوع رسالته، متأثرا بموقفه، والغريب هو اهتمام الشاطبي بالرازي في هذه المسألة موردا نصه من تفسيره من غير نظر إلى نصوص أخرى سواء في تفسيره أو في كتاباته الأصولية، والأغرب متابعة الباحثين للشاطبي[52]، ولعله من الحب والتأثر والمتابعة الذي يتمكن من الباحثين بأصحاب بحوثهم، إلاٌ أن الدكتور "الريسوني" نجده ينتبه لصنيع الشاطبي، ويتعجب من موقفه إزاء الرازي، يقول الريسوني: "فالشاطبي لم يُسمّ من المنكرين للتعليل أحدا غير الرازيِ، ثم جعل إنكاره للتعليل باتا، وشاملا لأفعال الله وأحكامه. فأما أن ينكر الرازي التعليل الفلسفي، في كتاباته الكلامية، كما يفعل عامة الأشاعرة وهم يواجهون الفلاسفة والمعتزلة، فأمر وارد لا غرابة فيه. وتبقى الغرابة في نسبة هذا للرازي وحده، مع أنه لم يكن بدعا في الأشاعرة، بل هو حين دافع عن إنكار التعليل، تعليل الأفعال وليس تعليل الأحكام، إنما تكلم باسم (الأصحاب)؛ أي الأشاعرة... وعلى كل حال، فالذي يعنينا من موقف الرازي، هو مذهبه في التعليل الأصولي الفقهي. وهو تعليل الأحكام الشرعية، تعليلا ليس فيه إلزام لله، سبحانه وتعالى، وليس فيه تحتيم على مشيئته وموقف الرازي من التعليل، ينبغي أن يؤخذ أساسا من كتاباته الأصولية، وفي دائرة مذهبه الأصولي: فالرازي من أهل القياس، ولا قياس بدون تعليل، بل مدار القياس على التعليل، تنظيرا وتطبيقا. وأبرز ما يتجلى فيه موقف الرازي الواضح من التعليل، هو كلامه على مسالك العلة وبالذات على مسلك المناسبة[53]."
وفي السياق ذاته تعجب الريسوني من موقف الشاطبي على الرازي قائلا: "من غرائب الأمور أن الشاطبي الذي أنكر على الرازي ورد عليه، والأمر على ما رأينا، لم يتعرض لموقف ابن حزم، ولم يتصد لمناقشة حججه وآرائه، مع أن كل الأسباب تدعو لذلك[54]."
وذكر الريسوني أدلة ابن حزم خاتما قوله بمحاولات تبرير موقف الشاطبي: "هل يكون موقف الشاطبي هذا، إمعانا في إهمال الظاهرية وإماتة مقولاتهم؟ أستبعد هذا؛ لأن الشاطبي يذكر الظاهرية وابن حزم في مناسبات عديدة. ويذكرهم بكثير من الإنصاف والرفق[55]، وعلى كل حال، فالذي يهمني الآن، هو أن أسجل إحساسي بأن عدم التعرض لموقف ابن حزم ولتفنيد آرائه وكشف شبهه، يشكل نقصا في كتاب كامل عن المقاصد. بل هو كتاب يؤسس نظرية المقاصد. وأساس نظرية المقاصد هو التعليل[56]."
إضافة إلى ما سلف عن "الريسوني" بخصوص موقف "الشاطبي"، أقول: لعل ما عرف عن الرازي من خوضه في علم الكلام والمنطق؛ أحد أسباب صلابة موقف الشاطبي منه، المعروف بتحقيقاته النفيسة، وكان ابن حزم أولى بالنقد من الرازي في المسألة، فالإمام يقول بالتعليل ويدافع عن مواطن وقوعه وتعاريفه.
فلقد أشار لهذا الأمر بكل وضوح العلامة ابن القيم (توفي 751ﻫ) في معرض حديثه عن تعليل أحكام الشريعة ردا على شبه النافين بقوله: "وقد اختلفت أجوبة الأصوليين عن هذا السؤال بحسب أفهامهم ومعرفتهم بأسرار الشريعة، فأجاب ابن الخطيب[57] عنه بأن قال: غالب أحكام الشريعة معللة برعاية المصالح المعلومة والخصم إنما بين خلاف ذلك في صور قليلة جدا وورود الصورة النادرة خلاف الغالب لا يقدح في حصول الظن، كما أن الغيم إذا لم يمطر نادرا لا يقدح في نزول المطر[58]."
فالأستاذ "شلبي" ردّ الأمر إلى اضطراب الفخر الرازي في المسألة، فكان يثبته في مواطن التعليل الفقهي الأصولي وينكره في مواطن رده على شبه المعتزلة والفرق الكلامية، وهو موقف غير دقيق، ذلك أن الذي ينكر على هذا الأساس لا يفوته التنبيه في مواطن إنكاره على دواعي ذلك، وعن مبرراته في مواطن إثباته.
والذي يظهر لي بعد الذي تقدم، أن الرازي كان ينكر التعليل الذي تقول به المعتزلة والفرق الكلامية بناء على تعريفهم للعلة، ويثبته في سياق حديثه عن التعليل الفقهي الأصولي، الذي لا يستقيم أمر الاجتهاد إلا به.
يقول الدكتور "رمضان البوطي": "وبهذا يتبين أن كلام عامة علماء الأصول من الأشاعرة عن علة الحكم آيل إلى أنها مجرد معرف له[59]، سواء أكانت مناسبة له في الواقع أم لا؟ ويتضح حينئذ أنه لا تناقض بين تعريفهم لها في الأصول وكلامهم عن تعليل أفعال الله، سبحانه وتعالى، في أبحاث التوحيد... والجواب: أن قولهم في الأصول: أحكام الله مشروعة لمصالح العباد وقولهم في علم الكلام: أفعال الله لا تعلل، غير واردين على مراد واحد لهم بالعلة، فالعلة التي يتحدثون عنها في علم الكلام هي العلة العقلية التي يقصدها الفلاسفة، وهي ما يوجب الشيء لذاته... أما مراد أهل السنة بالعلة التي يثبتونها للأحكام في بحث الأصول، فهو العلة الجعلية التي تبدو لنا كذلك؛ إذ جعلها الله، سبحانه وتعالى، موجبة لحكم معين، معنى أنه أناط وجوب ذلك الحكم بوجودها... إذن، فليس هناك أي تناقض بين كلا مذهبيهم في كل المبحثين، ولا يرد على كلام الإمام الرازي ما أورده الأستاذ مصطفى شلبي... تابعا في ذلك لبعض من تكلم في هذا المبحث من التناقض بين تعريفه للعلة بأنها مجرد معرف للحكم، وسرده بعد ذلك الأدلة على أن أحكام الله، سبحانه وتعالى، مشروعة لمصالح العباد؛ إذ إن ربطه لمصالح العباد بأحكام معينة لا ينافي بحال أن تكون هذه المصالح نفسها معرفات لأحكامه، سبحانه وتعالى[60]."
وكلام فضيلة الدكتور "الريسوني" و"البوطي" خير دليل على تسرع بعض الباحثين في الحكم، بل أورد الدكتور "مجدي محمد عاشور" الفخر الرازي ضمن الذين تحدثوا عن المقاصد، فأدرجه ضمن الفئة التي صرحت بالكليات الخمس من غير ترتيب جاء في رسالته: "لم يلتزم الرازي في ذكر الكليات الخمس ترتيبا واحدا، فهو تارة يذكرها على هذا النحو: النفس، والمال، والنسب، والدين، والعقل، وتارة يذكرها بقوله: النفوس، والعقول، والأديان، والأموال، والأنساب[61]."
وبخصوص الجانب المقاصدي عنده يقول الدكتور أحمد الريسوني عن منهج تناوله لها: "يمكن القول، باختصار: إن الإمام الرازي قد أورد في كتابه "المحصول" كل ما سبق عند الجويني والغزالي ولا غرابة في هذا، فكتابه إنما هو تلخيص لكتب "المعتمد" لأبي الحسين البصري، و"البرهان" للجويني "المستصفى". ومما يذكر في ترجمته أنه كان يحفظ "المعتمد" و"المستصفى"عن ظهر قلب[62]. والرازي أطال وأجاد في الدفاع عن تعليل الأحكام، في وقت كانت فيه فكرة التعليل قد بدأت تتعرض للتراجع والتشكيك، كما يلاحظ أنه لا يلتزم ترتيب الغزالي للضروريات بل لا يلتزم فيها ترتيبا واحدا، فهو تارة يذكرها على هذا النحو: النفس، والمال...[63]، ولاحظ أيضا أنه يعبر بالنسب بدل النسل. بينما التعبير بالنسل أصح. فحفظ النسب هو المقصود، وهو الذي يرقى إلى مرتبة الضروريات العامة. أما النسب، فهو من مكملات حفظ النسل[64]."
فقد وطأ للمسألة ببيان المقاصد بتقسيمها إلى دنيوية وأخروية ضمن تقسيمه للمناسب الحقيقي، جاء في محصوله: "المسألة الثانية: في تقسيم المناسب، وذلك من أوجه: القسم الأول: المناسب: إما أن يكون حقيقيا، أو إقناعيا، أما الحقيقي، فنقول: كون المناسب مناسبا: إما أن يكون لمصلحة تتعلق بالدنيا، أو لمصلحة تتعلق بالآخرة. أما القسم الأول: فهو على ثلاثة أقسام؛ لأن رعاية تلك المصلحة: إما أن تكون في محل الضرورة، أو في محل الحاجة، أو لا في محل الضرورة، ولا في محل الحاجة. أما التي في محل الضرورة: فهي التي تتضمن حفظ مقصود من المقاصد الخمسة: وهي حفظ النفس، والمال، والنسب، والدين، والعقل...[65]."
ثم تابع كلامه مستعرضا أدلة كل من الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات مقسما إياها قسمين جاء في المحصول: "وهذا على قسمين: منه ما يقع، لا على معارضة قاعدة معتبرة وذلك كتحريم تناول القاذورات... ومنه: ما يقع على معارضة قاعدة معتبرة؛ وهو مثل الكتابة فإنها وإن كانت مستحسنة في العادات، إلا أنها في الحقيقة بيع الرجل ماله بماله وذلك غير معقول. وأما الذي يكون مناسبا لمصلحة تتعلق بالآخرة: فهي الحكم المذكورة في رياضة النفس، وتهذيب الأخلاق، فإن منفعتها في سعادة الآخرة[66]."
وتابع كلامه في ما يتعلق بكل قسم، وتحدث عن المناسب الإقناعي...[67]. وقسمه إلى: معتبر وملغى ومرسل، والقسم الأول إلى أربعة أقسام... وبذلك نص الباحثون على طريقته التي أبدع فيها وتميز بتناولها، فكان بذلك من رواد المقاصد في عصره والمؤثرين فيمن بعده[68].
بعد الذي مرٌ، يتبين بوضوح موقف الرازي من التعليل ومقصوده من الإنكار والإثبات ومساهمته في الدفاع عن فكرة التعليل، وكلامه في التفسير ينبغي جمع شتات موضوعه، ولمّ جزئيات أقواله، واستقراؤها للخروج بموقف علمي موضوعي، بعيد عن الجزئية والاقتطاف، واختيار مواطن معينة في البحث للحكم عليها، أو إتباع ما قيل من غير تحقيق، وهي من آفات البحث، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
الهوامش
[1]. محمد الحبيب ابن الخوجة، شيخ الإسلام الإمام الأكبر محمد الطاهر ابن عاشور، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1425ﻫ/2004م)، 2/38.
[2]. الطاهر ابن عاشور، التحرير والتنوير، تونس: دار سحنون، 1/380-381.
[3]. واختلافهم في التعليل بالعلة بدوره وقع فيه الخلاف؛ أي ماهية العلة هل هي باعثة، أو مؤثرة... إلى غير ذلك من المقالات التي تناولوها.
[4]. محمد صلاح العدني، أخطاء الأصوليين في العقيدة، تقديم أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوي، دار الآثار للتوزيع، ط1، (1427ﻫ/2006م) صنعاء، الوكلاء خارج اليمن، القاهرة: دار الآثار، جمهورية مصر العربية، ص68.
[5]. وهبة الزحيلي، أصول الفقه الإسلامي، بيروت: دار الفكر المعاصر، لبنان؛ دمشق: دار الفكر، سوريا، إعادة ط2، (1422ﻫ/2001م)، ط1، 1998، 2/1030. وينظر: ميادة محمد الحسن، التعليل بالشبه وأثره في القياس عند الأصوليين، رسالة لنيل ماجستير في الفقه الإسلامي، الرياض: مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية، ط2، (1426ﻫ/2005م)، ص36.
[6]. محمد معمر، ابن حزم وآراؤه الأصولية، بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، (1428ﻫ/2007م)، ص237. وينظر كذلك إلى: عبد القدر بن حرز الله، ضوابط اعتبار المقاصد في مجال الاجتهاد وأثرها الفقهي، الرياض: مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية، ط1، (1428ﻫ/1973م)، ص86.
[7]. أبو المعالي الجويني (توفي 478ﻫ)، البرهان في أصول الفقه، علق عليه وخرج أحاديثه صلاح بن محمد بن عويضة، بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، (1418ﻫ/1997م)، 2/162.
[8]. الجويني، غياث الأمم في التياث الظلم، اعتنى به هيثم الطعيمي، شركة أبناء شريف الأنصاري للطباعة والنشر والتوزيع، صيدا، بيروت/لبنان، (1424ﻫ/2006م)، ص201-203.
[9]. البرهان في أصول الفقه، م، س، 2/162-163.
[10]. هشام قريسة، الاستدلال وأثره في الخلاف الفقهي، بحث لنيل شهادة دكتوراه في العلوم الإسلامية من جامعة الزيتونة 1989، بيروت: دار ابن حزم للطباعة والنشر، لبنان، ط1، (1426ﻫ/2005م)، ص400. وينظر كذلك إلى: ميادة الحسن، التعليل بالشبه.. م، س، ص42.
[11]. أبو إسحاق الشاطبي (790ﻫ)، الموافقات في أصول الشريعة، خرج أحاديثه أحمد السيد احمد علي مع شرح وتعليق عبد الله دراز، القاهرة: المكتبة التوفيقية، مصر، (1424ﻫ/2003م) 2/256. وانظر: العز بن عبد السلام (توفي 660ﻫ)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، تحقيق: د. كمال حماد، ود. عثمان جمعة ضميرية، قوبل على سبع نسخ خطية، دمشق: دار القلم، سورية، (1421ﻫ/1998م)،1/355.
[12]. قواعد الأحكام، م، س، 2/263.
[13]. ابن القيم الجوزية (توفي 751ﻫ)، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق وتعليق: عصام الدين الصباطي، القاهرة: دار الحديث، مصر، (1422ﻫ/2002م)، 1/158. وانظر: مصطفى شلبي، تعليل الأحكام، عرض وتحليل لطريقة التعليل وتطوراتها في عصور الاجتهاد والتقليد، أصل الكتاب قدم إلى مشيخة الأزهر للحصول على شهادة العالمية من درجة أستاذ في الفقه الإسلامي (1363ﻫ/1943م) نوقشت بتاريخ 1945، القاهرة: مطبعة الأزهر، مصر 1947، ص14. الطاهر ابن عاشور (توفي 1394ﻫ)، مقاصد الشريعة الإسلامية، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، ط1، (1426ﻫ/2005م)، ص16.
[14]. على بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، علق عليه عبد الرزاق عفيفي، الرياض: دار الصميعي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، ط1، (1424ﻫ/2003م)، 3/411.
[15]. الموافقات، م، س، 2/4.
[16]. أحمد الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، نشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي ضمن سلسلة مختارات من الرسائل الجامعية، ط2، (1424ﻫ/2003م)، ص193-194.
[17]. عبد الحميد العلمي، مدخل إلى علم المقاصد، فاس: مطبعة أنفوبرانت، المغرب، ط1، (1423ﻫ/2003م)، ص32-33.
[18]. أبو محمد علي ابن حزم الظاهري (توفي 456ﻫ)، الإحكام في أصول الأحكام، ضبط نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه محمد تامر، بيروت: دار الكتب الغلمية، لبنان، (1424ﻫ/2004م)، 8/623.
[19]. المرجع نفسه، 8/583.
[20]. ابن حزم وآراؤه الأصولية، م، س، ص245، ولقد تصدى صاحب "نظرية المقاصد" للريسوني دحض حججه، ص118-232.
[21]. مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص42-43.
[22]. المرجع نفسه، ص45، وينظر تعليق ابن الخوجة على مذهب ابن حزم في التعليل: محمد الطاهر ابن عاشور، 2/52.
[23]. الإمام فخر الرازي (توفي 606ﻫ)، التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، قدم له هاني الحاج، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه: عماد زكي البارودي، القاهرة: المكتبة التوفيقية، مصر، ط1 2003، 11/130.
[24]. المرجع نفسه، 11/182.
[25]. المرجع نفسه، 11/197،1/115.
[26]. المرجع نفسه، 11/107.
[27]. المرجع نفسه، 11/115.
[28]. لم يظهر لي وجه صحة القاعدة في: المحصول، م، س، 4/1233، هذا وقد نصّ الأصفهاني (توفي 653ﻫ)، في كتابه: الكاشف عن المحصول، أن اختيار المصنف أن النقض يبطل العلة مطلقا،سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة، وسواء تخلف الحكم لمانع أو لا لمانع، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض، قدم له الأستاذ الدكتور: محمد عبد الرحمن مندور، بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، (1419ﻫ/1998م)، 6/462 وهو ما أشار إليه الشوكاني (توفي 1250ﻫ)، في كتابه: إرشاد الفحول على تحقيق الحق من علم الأصول، تحقيق محمد حسن غسماعيل الشافعي، بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، (1419ﻫ/1999م)، 2/196.
[29]. المحصول، م، س، 4/1188، ويعبر عنها بالإخالة: الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي في: نثر الورود على مراقي السعود، الناشر محمد محمود محمد الخصر القاضي، جدة: دار المنارة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، يطلب من بيروت: دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، ط3، (1423ﻫ/2002م)، 2/490.
[30]. التفسير الكبير، م، س، 12/70.
[31]. المرجع نفسه.
[32]. المحصول، م، س، 4/1217، ويسمى: "الطرد" و"العكس": "شرح العضد"للإيجي:326. إرشاد الفحول، م، س، 2/179.
[33]. التفسير الكبير، م، س، 5/110.
[34]. المرجع نفسه، 5/76.
[35]. المرجع نفسه.
[36]. المحصول، م، س، 3/1087.1163.
[37]. المرجع نفسه، 4/1169.
[38]. المرجع نفسه، 4/1170.
[39]. المرجع نفسه، 4/1171.
[40]. المرجع نفسه.
[41]. الكاشف عن المحصول في علم الأصول، م، س، 4/1201.
[42]. التعليل في القرآن الكريم دراسة وتفسيرا، م، س، ص98-99.
[43].المحصول، م، س، 4/1196.
[44]. المرجع نفسه، 4/1201.
[45]."على سبيل المثال: الإمام الرازي (توفي 606ﻫ) في كتابه: المعالم في أصول الفقه، تحقيق وتعليق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، القاهرة: دار المعرفة، مؤسسة مختار للنشر وتوزيع الكتاب، مصر، (1414ﻫ/14994م)، ص165.
[46]. الموافقات، م، س، 2/4.
[47]. المرجع نفسه، 1/31.
[48]. ينظر: القاضي عضد الملة والدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي (توفي 756ﻫ)، شرح العضد، ضبطه ووضع حواشيه: فادي نصيف وطارق يحيى، بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، (1421ﻫ/2000م)، ص295-296.
ـ الحافظ ولي الدين العراقي (توفي 826ﻫ)، الغيث الهامع شرح جمع الجوامع، تحقيق محمد تامر حجازي، بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، (1425ﻫ/2004م)، ص541.
ـ نجم الدين الدركاني، التلقيح شرح التنقيح، للإمام القاضي صدر الشريعة (توفي 747ﻫ)، بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، (1421ﻫ/2001م)، ص347-348. نثر الورود على مراقي السعود، م، س، 2/463.
[49]. المحصول، م، س، 4/1260، المعالم في أصول الفقه، ص169-170.
[50]. منهج الدرس الدلالي عند الإمام الشاطبي، م، س، ص64-65، مدخل إلى علم المقاصد، م، س، ص91.
[51]. تعليل الأحكام، م، س، ص105-106.
[52]. أشار الدكتور الريسوني في رسالته للأستاذ علال الفاسي في كتابه: مقاصد الشريعة، م، س، ص3، والأستاذ أحمد الخمليشي الذي بالغ في الأمر حتى حشر الرازي مع الظاهرية في صف واحد، وجهة نظر، ص286. نقلا عن: "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، للدكتور أحمد الريسوني، م، س، ص209، وسيأتي كلام رمضان البوطي عن متابعة مصطفى شلبي لبعض الباحثين.
[53]. نظرية المقاصد، م، س، ص210 وما بعدها.
[54]. المرجع نفسه، ص216.
[55]. الموافقات، م، س، المسألة السابعة في الأوامر والنواهي، 3/128.
[56]. نظرية المقاصد، م، س، ص117.
[57]. "ابن الخطيب" نسبة لأبيه الذي كان خطيبا أحد ألقاب الإمام كما بينه في الفصل الأول من هذه الدراسة.
[58]. إعلام الموقعين، م، س، 2/354.
[59]. اختلف الأصوليون في تعريف العلة على أقوال جمعها الشوكاني بقوله: "وللعلة أسماء تختلف باختلاف الاصطلاحات، فيقال لها: السبب، والأمارة، والداعي، والمستدعي، والباعث، والحامل، والمناط، والدليل، والمقتض والموجب، والمؤثر: إرشاد الفحول، م، س، /138.
[60]. محمد سعيد رمضان البوطي، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والتوزيع، ط2، لبنان، (1393ﻫ/1973م)، ص88-91.
[61]. الثابت والمتغير في فكر أبي إسحاق الشاطبي، م، س، ص264.
[62]. سلف بيان هذه النقطة مع التعليق المناسب عليها في المستوى الأول من هذا المبحث.
[63]. سبقت الإشارة له في كلام محمد محمد مجدي عاشور، والنص في: المحصول، م، س، 4/1189-1190.
[64]. نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، م، س، ص41-42.
[65]. المحصول، م، س، 4/1189.
[66]. المرجع نفسه، 4/1190.
[67]. المرجع نفسه، 4/1190-1193.
[68]. التعليل بالشبه، م، س، ص102.