مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبينا محمد

وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

إنجاز: يوسف أزهار

إن الله سبحانه وتعالى فرض الفرائض، ورغب في النوافل؛ ليجبر المكلف ما قد يصدر منه من أفعال وأقوال، قد تخدش في تلك الفرائض، ومن هذه الفرائض: شهر رمضان، الذي ودعناه قريبا؛ لكن ولابد أن تعتري هذه الفريضة نقص من المكلف، وليجبر ما نقص منها، رغب الله سبحانه وتعالى  صيام ستة أيام من الشهر الذي يليه، وهو شهر شوال، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه حدثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر).

تخريج الحديث:

انظر تخريج هذا الحديث في رسالة الحافظ أبي سعيد العلائي: رفع الإشكال عن صيام ستة أيام من شوال، مع هامش المحقق، فقد تحدث العلائي، المتوفى عام (761هـ)[1] رحمه الله تعالى عن الحديث المذكور أعلاه سندا ومتنا رد فيه على طعن الحافظ أبي الخطاب ابن دحية الكلبي، المتوفى عام (633هـ)[2] رحمه الله تعالى في رسالته الموسومة بـ: العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور، للحديث المشار إليه، فلينظر إتماما للفائدة[3].

كما ألف أيضا في الموضوع المحدث قاسم بن قطلوبغا المتوفى عام (879هـ)[4] رحمه الله تعالى رسالة عنونها بـ: تحرير الأقوال في صوم الست من شوال، أورد فيها جوابا عن سؤال رفعه إليه محمد بن طنبغا المتوفى عام (هـ)[5] في شأن قول الشيخ جلال الدين التَّبَّاني المتوفى عام (793هـ)[6] رحمه الله تعالى في مقالة له نظما:

وفي صيام الست من شوال***كراهة عند أولي الأفضال

وقوله في شرحها: “أي: يكره صوم الست من شوال متتابعا ومتفرقا عند أبي حنيفة، وعن أبي يوسف يكره متتابعا، وقال مالك: يكره على كل حال، وهذا وظيفة الجهال، وكل حديث فيه فهو موضوع، ذكره في كتاب التفسير” فلينظر  رد العلامة قطلوبغا في موضعه[7].

لكن الحديث الذي طعن فيه أهل الحديث وردوه هو حديث: (من صام رمضان، وأتبعه ستاً من شوال؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، الذي رواه عن ابن عمر مرفوعاً: الطبراني في الأوسط[8].

قال الطبراني المتوفى عام (360 هـ)، في المعجم الأوسط: “لم يرو هذا الحديث عن نافع، إلا أبو عبد الله الحمصي تفرد به مسلمة بن علي”[9].

وقال الهيثمي المتوفى عام (807 هـ)، في مجمع الزوائد: كتاب الصيام، باب فيمن صام رمضان وستة أيام من شوال: “فيه مسلمة بن علي الخشني وهو ضعيف”[10].

وحديث: (من صام رمضان فأتبعه ستا من شوال صام السنة كلها)، الذي رواه عن ابن عباس وجابر مرفوعاً: الطبراني في الأوسط[11].

قال الطبراني في الأوسط: “لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن دينار، إلا يحيى بن سعيد المازني تفرد به بكار بن الوليد الضبي أبو العباس بن بكار”[12].

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: كتاب الصيام، باب فيمن صام رمضان وستة أيام من شوال: ” فيه يحيى بن سعيد المازني وهو متروك”[13].

فوائد منتقاة من الحديث:

شرح هذا الحديث غير واحد من العلماء، وتحدثوا عنه فقهيا، لكني في هذا المقال أورد فيه بعض فضائل صيام الست من شوال:

فقد نقل العلامة أبو بكر ابن العربي، المتوفى عام (543هـ) في كتابه: المسالك في شرح موطأ مالك: “معنى ذلك؛ أن الحسنة لما كانت بعشر أمثالها، كان مبلغ ما له من الحسنات في صوم الشهر والستة أيام ثلاث مئة وستون حسنة، عدد أيام السنة، وكأنه صام سنة كاملة، يكتب له في كل يوم منها حسنة ولو صام ستة أيام في المحرم، لكان أفضل له، وليس لتعينها بشوال معنى، غير أن فيه تحصيل العمل وقصر الأمل”[14].

وقال العلامة القرافي، المتوفى عام (684هـ) في الذخير ما نصه: “سؤال: يشترط في التشبيه المساواة أو المقاربة وها هنا ليس كذلك؛ لأن هذا الصوم عشر صوم الدهر، والأجر على قدر العمل ولا مقاربة بين عشر الشيء كله؟

جوابه: معناه (فكأنما صام الدهر) ان لو كان من غير هذه الأمة فإن شهرنا بعشرة أشهر لمن كان قبلنا والستة بشهرين لمن كان قبلنا فقد حصلت المساواة من كل وجه.

 تنبيه: هذا الأجر مختلف الأجر فخمسة أسداسه أعظم أجرا لكونه من باب الواجب وسدسه ثواب النفل.

 فائدة: إنما قال بست بالتذكير ولم يقل بستة رعيا للأصل فوجب تأنيث المذكر في العدد لأن العرب تغلب الليالي على الأيام لسبقها”[15].

هذه بعض فضائل صيام الست من شوال، أوردتها في هذا المقال، ليدرك القارئ الكريم، أن الله عز وجل رحيم بعباده، فهو سبحانه وتعالى عالم بضعفنا، وما يصدر عنا أثناء صيام رمضان من أقوال وأفعال، قد تخدش فيه.

********************

جريدة المراجع

1- أبو الخطاب ابن دحية الكلبي السبتي الحافظ الرحال (548_633 هـ) لأنس وكاك، منشورات الرابطة المحمدية للعلماء، مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى: 1431 /2010.

2- تحرير الأقوال في صوم الست من شوال لأبي العدل زيد الدين قاسم بن قطلوبغا بن عبد الله الجمالي، تحقيق: عبد الستار أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى: 1422 /2001.

3- الذخيرة في فروع المالكية لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد حجي، سعيد أعراب، محمد بو خبزة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى: 1994.

4- رفع الإشكال عن صيام ستة أيام من شوال لأبي سعيد صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي، تحقيق: صلاح بن عايض الشلاحي، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى: 1415 /1994.

5- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق: حسام الدين القدسي، دار الكتاب العربي، بيروت، مصورة عن مكتبة القدسي، مصر.

6- المسالك في شرح موطأ مالك لأبي بكر محمد عبد الله بن العربي المعافري، اعتناء: محمد بن الحسين السليماني، عائشة بنت الحسين السليماني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى: 1428 /2007.

7- المعجم الأوسط لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة،  1415 /1995.

هوامش المقال:

************

[1] ) تنظر ترجمته في مقدمة تحقيق كتابه: رفع الإشكال عن صيام ستة أيام من شوال (ص: 7_12).

[2] ) صنع له د/أنس وكاك ترجمة مستقلة، عنونها بـ: أبو الخطاب ابن دحية الكلبي السبتي الحافظ الرحال (548_633 هـ).

[3] ) رفع الإشكال عن صيام ستة أيام من شوال (ص: 17 فما بعدها). وكتاب ابن دحية: العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور، حققه مجموعة من الطلبة في إطار رسالة الماجستير بجامعة الملك سعود، السعودية، عام 1433.

[4] ) تنظر ترجمته مع مظانها في مقدمة تحقيق كتابه: تحرير الأقوال في صوم الست من شوال (ص: 4_16).

[5] ) تنظر ترجمته مع مظانها في الأعلام للزركلي (2 /132).

[6] ) تنظر ترجمته مع مظانها في الأعلام للزركلي (2 /132).

[7] ) تحرير الأقوال في صوم الست من شوال (ص: 45 فما بعدها).

[8] ) الأوسط (1/ 103/ 1).

[9] ) المعجم الأوسط (8 /275).

[10] ) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3 /184).

[11] ) المعجم الأوسط (5 /50).

[12] ) المعجم الأوسط (5 /50).

[13] ) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3 /184).

[14] ) المسالك في شرح موطأ مالك (4 /213).

[15]) الذخيرة (2 /531).

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق