من الموارد المالية للنبي صلى الله عليه وسلم من خلال سيرته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أسبغ النعم على عباده وأعطى، ومدهم من خزائن جوده الكبرى، فلا ينفد خيرها بل تزيد وتبقى، والصلاة والسلام على من وجده ربه عائلا فأغنى، وأفاض عليه من نعمه العظمى، قال تعالى: (ووجدك عائلا فأغنى) [1]، وقوله تعالى: (ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما)[2].
وبعد؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين الرياسة الدينية والدنيوية، فقد كان نبيا، وإماما للمسلمين، وقائدا لهم، وباعتبار تحمله لهذه المسؤولية الكبرى في بناء الدولة، وتسيير دواليبها الإدارية، والاقتصادية، والعسكرية... الخ؛ فإنه ما فتئ يسعى صلى الله عليه وسلم لتوفير كل الموارد المالية التي تعين على استمرار دواليب هذه الدولة، وهذا بطبيعة الحال متوافق مع السنن الربانية والكونية الداعية إلى الاستخلاف، وإعمار الأرض، وتسخير الناس بعضهم لبعض ، قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم)[3]، وقوله تعالى: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)[4]..
ولهذا فقد سعى النبي صلى الله عليه وسلم على توفير المصادر المالية، واستثمار الموارد المتوفرة، وإنفاقها.
فما هي إذن بعض هذه الموارد المالية للنبي صلى الله عليه وسلم من خلال سيرته؟ وقبل الحديث عن هذه الموارد ارتأيت أن أعرف أولا بالمال لغة وشرعا فأقول وبالله التوفيق:
أولا: تعريف المال لغة وشرعا:
- تعريف المال لغة:
عرفه ابن منظور في لسان العرب فقال : "المال معروف ما ملكته من جميع الأشياء ... ومال الرجل يمول ويمال مولا ومؤولا إذا صار ذا مال"[5].
ب-تعريف المال شرعا:
عرفه الإمام ابن العربي بقوله أنه كل ما: "تمتد إليه الأطماع، ويصلح عادة وشرعا للانتفاع به"[6].
ثانيا: بعض من الموارد المالية للنبي صلى الله عليه وسلم من خلال سيرته:
لقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مصادره وموارده المالية المتنوعة، وسأذكر بعضا منها ، ومن ذلك:
1-التجارة والبيع والشراء:
لقد مارس النبي صلى الله عليه وسلم التجارة قبل بعثته وبعدها، وباع واشترى، وسافر مع قومه إلى الأسواق المعروفة في الجزيرة العربية، قال ابن القيم: "إن النبي صلى الله عليه وسلم باع واشترى، وشراؤه أكثر، وآجر واستأجر، وإيجاره أكثر ، وضارب وشارك، ووكل وتوكل وتوكيله أكثر ، وأهدى وأهدي له، ووهب واستوهب، واستدان واستعار، وضمن عاما وخاصا، ووقف، وشفع فقبل تارة، ورد أخرى فلم يغضب ولا عتب، وحلف واستحلف، ومضى في يمينه عدة وكفر أخرى، ومازح وورى، ولم يقل الا حقا، وهو صلى الله عليه وسلم القدوة والاسوة"[7].
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أمينا في بيعه وشرائه، مما أكسبه ثقة قومه فيودعون عنده ودائعهم ويسموه: "بالأمين"، وقد جاءت نصوص كثيرة في كونه صلى الله عليه وسلم مارس التجارة؛ من ذلك ما جاء في صحيح البخاري من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه في غزاة فقال له: "أتبيع جملك؟" قلت : نعم. فاشتراه مني بأوقية"[8].
2-الأنفال والغنائم:
تعد الأنفال والغنائم من الموارد المالية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث كانت الغزوات التي يقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، سببا مباشرا للحصول على هذه الأنفال والغنائم؛ قال تعالى في إثر غزوة بدر: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول)[9]..
ويدخل في هذا الباب خمس الغنائم قال تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسة وللرسول)[10]. ولما جاءه وفد عبد القيس كان مما رض عليهم: "وأن تعطوا من المغنم الخمس"[11].
3-أموال الفيء :
يعد الفيء كذلك من الموارد المالية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو كما جاء في معجم التعريفات للجرجاني: "ما رده الله تعالى على أهل دينه من أموال من خالفهم في الدين بلا قتال، إما بالجلاء، أو المصالحة على جزية، أو غيرها "[12].
قال تعالى: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)[13]، وقوله تعالى: (ما أفاء الله على رسوله منهم فما أو جفتم عليه من خيل ولا ركاب)[14].
ومن الأموال التي حازها النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق الفيء: أموال بنو النضير، وخيبر، وفدك، ومال البحرين، فعن مالك بن أوس بن الحدثان رضي الله عنه قال: "كان فيما احتج به عمر رضي الله عنه أنه قال : كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا : بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه، وأما فدك فكانت حبسا لأبناء السبيل ، وأما خيبر فجزأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء : جزأين بين المسلمين،وجزءا نفقة لأهله، فما فضل عن نفقة أهله، جعله بين فقراء المهاجرين"[15].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال: "انثروه في المسجد" فكان أكثر مال أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ..."[16].
4-ما يهدى له صلى الله عليه وسلم من أصحابه ومن الملوك:
من مصادر أموال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ما يأتيه من هدايا من أصحابه وغيرهم، أو من الملوك وزعماء القبائل؛ ومن أمثلة ذلك في السيرة النبوية:
الأموال التي أهداها مخيريق النضري للنبي صلى الله عليه وسلم قبل موته في غزوة أحد؛ حيث ذكر ابن هشام في سيرته أن ابن إسحاق قال عن مخيريق: " وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق... قال: يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق ، قالوا : إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم . فأخذ سيفه وعدته، وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - مخيريق خير يهود"[17].
قال ابن شهاب: "وأسماء أموال مخيريق التي صارت للنبي صلى الله عليه وسلم: الدلال ، وبرقة، والأعواف، والصافية، والمثيب، وحسنى، ومشربة أم إبراهيم"[18].
أما هدايا الملوك والكبراء؛ فمن ذلك : ما رواه الصحابي الجليل أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبوك، وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء، وكساه بردا وكتب له ببحرهم " [19].
وعن أنس رضي الله عنها أن أكيدر دومة الجندل أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: حلة من سندس[20].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقة فيها خاتم ذهب ، فيه فص حبشي"[21].
الخاتمة:
وفي ختام هذا المقال خلصت إلى:
1-أن المال يطلق على جميع ما يمتلكه الإنسان ويصلح عادة وشرعا للانتفاع به.
2-أن الموارد المالية للنبي صلى الله عليه وسلم متعددة ومتنوعة وقد أشرت إلى بعضها في المقال ومنها:
أ-التجارة والبيع والشراء.
ب-الأنفال والغنائم.
ج-الفيء .
د-الهدايا.
والحمد لله رب العالمين.
هوامش المقال:
[1]- سورة الضحى (8).
[2]- سورةالفتح (2).
[3]- سورةالنور (55).
[4] - سورة الزخرف (32).
[5]- لسان العرب (11/635-636) مادة: "مول".
[6]- أحكام القرآن (2/107).
[7] - نقلا من كتاب التراتيب الإدارية (2/7).
[8] - كتاب : البيوع ، باب: شراء الدواب والحمير (ص: 555)، برقم: (2097) من حديث جابر رضي الله عنهما.
[9]- سورة الأنفال (1).
[10]- سورة آل عمران (41).
[11] - أخرجه البخاري في صحيحه(ص: 24) في كتاب: الإيمان، باب: أداء الخمس من الإيمان برقم: (53) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
[12]- معجم التعريفات (ص: 253).
[13]- سورة الحشر (7).
[14]- سورة الحشر (6).
[15] - أخرجه أبو داود في سننه كتاب : الخراج والإمارة والفيء ، باب: في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال برقم: (2967).
[16] - أخرجه في صحيحه (ص: 781) في كتاب : الجزية ، باب: ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين برقم: (3165).
[17]- السيرة النبوية (3/51).
[18] - أخبار المدينة لابن شبة (1/110).
[19] - أخرجه البخاري في صحيحه (ص: 780) في كتاب: الجزية، باب: إذا وادع الإمام ملك القرية، برقم: (3161).
[20] - أخرجه مسلم في صحيحه (ص: 1153)، في كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل سعد بن معاد رضي الله عنه ، برقم : (2469).
[21] - أخرجه ابن ماجه ي سننه (ص: 606) في كتاب: اللباس، باب: النهي عن خاتم الذهب ، برقم: (3644).
لائحة المصادر والمراجع:
أحكام القرآن لابن العربي الإشبيلي. ت: محمد بن عبد القادر عطا. دار الفكر بيروت 2002مـ
أخبار المدينة . لعمر بن شبة. اعتناء : علي دندل. وياسين بيان. دار الكتب. 2012 مـ.
التراتيب الإدارية. لمحمد عبد الحي الكتاني. ت: عبد الله الخالدي. دار الأرقم. بيروت لبنان (د.ت).
سنن ابن ماجه القزويني. حكم على أحاديثه: الألباني. اعتنى به. مشهور آل سلماء. مكتبة المعارف. الرياض
سنن أبي داود السجستاني. حكم على أحاديثه : الألباني، اعتنى به: مشهور آل سلمان. مكتبة المعارف ، الرياض ط1/ (د.ت).
السيرة النبوية لابن هشام. اعتناء : عمر عبد السلام تدمري. دار الكتاب العربي بيروت. لبنان. ط3/ 1410هـ- 1990مـ.
صحيح البخاري . دار ابن كثير. دمشق. ط1 . 1423هـ- 2002مـ.
صحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري. ت: نظر الفاريابي. دار طيبة . الرياض. ط1/ 1427هـ - 2008مـ
ط1 (د.ت).
لسان العرب لابن منظور. دار صادر بيروت. لبنان ط1/ 1410 هـ- 1990مـ
معجم التعريفات للجرجاني. دار ميراث النبوة القاهرة ط1/ 1442هـ- 2021مـ
راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري