مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

من أعلام الدرقاوية المدغرية:محمد العربي بن محمد العلوي المدغري (ت 1310ھ)

حورية بن قادة: باحثة مساعدة بمركز الإمام الجُنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة.

   اشتهرت منطقة تافيلالت الكبرى كباقي مناطق المغرب ببروز بيوتات توارث أبناؤها العديد من التقاليد العلمية وخاصة خدمة التصوف السني، فخلفت هذه الأسر رجالات لهم اليد الطولى في ميدان التربية وسلوك طريق القوم، ومن أبرز الشخصيات الصوفية التي بصمت في تاريخ منطقة تافيلالت في نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر الهجريين الشيخ محمد العربي بن محمد الهاشمي العلوي المدغري الدرقاوي.

 رحل المترجم له- رحمه الله تعالى- في بداية حياته إلى مدينة فاس بقصد طلب العلم، فجلس بها مدة يسيرة في حدود الستين من القرن الفارط، وأثناء تواجده بفاس سلك طريق القوم على يد الشيخ الصالح سيدي أحمد البدوي، أسلم له القياد وصار يخدمه خدمة المريد لشيخه، فبلغ ذلك لوالده، فكان يكتب له متوعدا مهددا، فلم ينجح فيه شيء إلى أن أذن له بالتسليك والتلقين، فرجع إلى مسقط رأسه في حدود السبعين هاديا مرشدا في حياة شيخه أحمد البدوي، ولما مات شيخه، دخل في طريقه جم غفير من الناس، ووصل صيته إلى أقصى بلاد المغرب، ولم تخل بلدة من حاضرة وبادية ممن ينتمي إليه أو عن الآخذين عنه، ودخل مراكش ودمنات، وجال بلاد المغرب.[1]

وقد برزت مكانة الشيخ المدغري الصوفية والعلمية بعد وفاة شيخه عام 1275ھ، إذ جدّد عليه العديد من أصحابه عهد الطريقة الدرقاوية البدوية، كخليفة مؤهل لوراثة شيخ الطائفة البدوية دون غيره…، وقد تأكدت أحقيته للخلافة والوراثة من خلال أهمية ودور زاويته “بمدغرة” التي أصبحت شهرتها مطبقة، وصيتها يعم العديد من مناطق البلاد …، فلا تجد قبيلة من قبائل المغرب، حواضره وبواديه، إلا وفيها من تلامذته العدد الكثير، والجم الغفير، سرى سره في الأقطار المغربية من أطراف السودان إلى أقصى سوس.[2]

    سلك الشيخ المدغري منهجا صوفيا مبني على اِتباع الكتاب والسنة، واجتناب البدع والانحرافات، دون ادعاء ولاية ولا مقام، ذلك أنه كان من المتصوفة العلماء العاملين، إذ تذكرنا سيرته ومنهجه بتصوف كبار شيوخ الطريقة الجزولية خلال القرن 10ھ/16م، وذلك من خلال نفوذه في القبائل والمدن المغربية، واجتماع العديد من الناس على حبه وامتثال أوامره، كما يتجلى ذلك من خلال ما بلغته زاويته من عز وثروة ونفوذ مادي ومعنوي.[3]

   ومما يدل على علو مقامه، وصدق فراسته وكشفه، ما أخبر به العلامة سيدي الطيب ابن العلامة سيدي أبي بكر بن كيران، قال: “أخبرني سيدي عبد الواحد بن الحاج البدوي بناني- وكان ثقة- قال: كان سيدي الحاج فنجيرو جالسا معي بحانوتي بسوق العطارين، وذلك يوم مات سيدي أحمد البدوي، قبل أن يعلم الناس بموته، فبينما هو جالس إذ شمّ بأنفه شمّة عظيمة، وقال: هذا سر سيدي أحمد البدوي، ها هو ذا جائز إلى الصحراء ها هو ذا، فلم نبرح أن سمعنا بموت سيدي أحمد البدوي في تلك الساعة، قلت: وظهر بعد ذلك معنى ما أخبر به من جواز سر الولي المذكور إلى الصحراء، فإنه ظهر هناك في تلميذه الولي الصالح العارف بالله تعالى، محمد العربي المدغري، فقد انتفع به هناك الجم الغفير، وأخذ عنه من لا يحصى من الخلق، وتحكى عنه كرامات وبركات”.[4]

وقد خلّف الشيخ محمد العربي المدغري – رحمه الله- بالإضافة إلى العديد من زواياه وتلامذته وأصحابه، العديد من المصنفات الصوفية المتمثلة في طائفة هائلة من رسائله التي كان يبعث بها إلى مريديه ومقدميه، ومن أشهر هذه الرسائل: “رسالته في التحريض على الجهاد”.[5]

   توفي- رحمه الله تعالى- في أواخر شهر جمادى الأخيرة من عام عشرة وثلاثمائة وألف، ودفن بداره بمدغرة، وهو مقصود الزيارة من طرف الناس إلى يوم الناس هذا.[6]

 

[1]  الإعلام بمن حلّ مراكش وأغمات من الأعلام، العباس بن إبراهيم السملالي المراكشي، مراجعة: عبد الوهاب ابن منصور، ط3، 1428ھ-2007م، 82/7.

[2] الإحياء والتجديد الصوفي في المغرب، أحمد بوكاري، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة فضالة، المحمدية، ط1، 1427ھ-2006م، 207/1.

[3] المصدر السابق، 208/1.

[4] الإعلام بمن حلّ مراكش وأغمات من الأعلام، 82/7.

[5] نفسه، 209/1.

[6] نفسه، 82/7.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق