مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامحوارات

منطلقات إشراك علماء الدين في برامج الصحة الإنجابية

بمناسبة اليوم العالمي للسكان الذي يوافق  الحادي عشر يوليوز من كل عام، والذي صادف هذه السنة الذكرى الثالثة لإطلاق الرابطة المحمدية للعلماء للبرنامج التكويني لفائدة علماء الرابطة المحمدية للعلماء في مجالات الصحة الإنجابية والتعفنات المنقولة جنسيا والسيدا بتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان وبدعم من برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة داء السيدا، وهي مبادرة جديدة تهدف إلى إشراك العلماء في الحملات التحسيسية والتوعوية. سيكون حوارنا لهذا الشهر من العاصمة الإسماعيلية في ضيافة الدكتورة فتيحة عزو طبيبة وعضو المكتب الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء وإحدى العالمات اللائي استفدن من هذا البرنامج لتحدثنا عن منطلقات إشراك علماء الدين في برامج الصحة الإنجابية، وكذا عن المقاربة الدينية لمجموعة من المواضيع مثل العنف الزوجي وزواج القاصرات، والسياسات السكانية وغيرها من المواضيع .

في بداية محورنا الأول حول منطلقات إشراك علماء الدين في برامج الصحة الإنجابية، نود أن نعرف ما هو الهدف من هذه المبادرة؟

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين، حقيقة إدماج مواضيع الصحة الإنجابية وحقوق المرأة والنوع الاجتماعي ومكافحة خطر فيروس العوز المناعي البشري السيدا هي مواضيع ارتأت الرابطة المحمدية للعلماء أن تتحدث فيها نظرا لأهمية هذه المواضيع من حيث ارتباطها الوطيد بحياة الإنسان بيولوجيا واجتماعيا وسيكولوجيا وشرعيا، وأيضا كان الهدف من وراء هذه المبادرة هو الارتقاء بأفراد المجتمع المغربي بكل شرائحه وبكل أطيافه لفهم هذه المواضيع وللتربية والتثقيف حولها لما لها من دور أساسي في تحقيق التنمية البشرية.

كما يعلم الجميع، غياب الجانب المعرفي فيما يخص التعفنات المنقولة جنسيا والأمراض الأخرى من القضايا التي تطرح مشاكل عدة على المستوى الصحي وبطبيعة الحال هناك جهود كثيرة لفاعلين في هذا المجال بدءا بوزارة الصحة والجمعيات التي تشتغل في هذا الإطار لكن الحد من هذه المشاكل يتطلب تضافر جهود الجميع، فكان لا بد من إدماج العلماء ورجال الدين. لهذا جاء هذا المشروع الذي قامت به الرابطة بشراكة مع مجموعة من الهيئات الدولية ووزارة الصحة وبرنامج ” تمكين”. هذه التجربة بدأت بالعلماء الوسطاء بتأطير من الفاعلين وفق مقاربة تشاركية في هذا الباب مع القطاعات الحكومية و الهيئات الدولية وجمعيات المجتمع المدني للاستفادة من تجارب من سبقونا في الاشتغال على مثل هذه المواضيع مع ضرورة استحضار المقاربة التربوية الدينية التي لها دور أساسي في التوعية والتحسيس حول المشاكل المطروحة في هذه القضايا باعتبار أن لعالم الدين في المغرب كما هو الشأن بالنسبة لباقي الدول الإسلامية مكانة خاصة داخل المجتمع.لا زالت هناك ثقة لدى المغاربة في كلامه وفي كل ما يطرحه. لكن بالمقابل يجب على هذاالعالِم اليوم أن يتوفر على معلومات علمية صحيحة ودقيقة لمقاربة مثل هذه المواضيع لكي يستعيد الخطاب الديني دوره في الإصلاح داخل المجتمعات الإسلامية عموما وداخل المجتمع المغربي بالخصوص، وأن لا تبقى هذه القضايا من المسكوت عنها وخصوصا أنها أصبحت مطروحة بشدة في واقع له تجلياته وله مشاكله الخاصة.

جدير بالذكر هنا أن هذه تجربة لا تقتصر على المغرب فقط. فهناك دول إسلامية أخرى، بل وحتى عند المسيحيين وعند اليهود والديانات الأخرى أيضا، حيث بدأ الحديث لديها عن ضرورة إشراك رجل الدين للخوض في مثل هذه المواضيع، لأنهم لاحظوا بأن مقاربة الصحة الإنجابية لم تستطع حل مشاكلها بعيدا عن الدين. حيث لا زال العنف يتواجد عندهم بأرقام عالية داخل مؤسسة الزواج وخارجها، الاغتصاب، ممارسة الجنس عند الأطفال مند سن حديث. والحل لا يكمن فقط في العلم، بل لا بد من ربط هذا العلم بالتربية والقيم والدين. فقد قامت بعض الجمعيات في أمريكا مثلا ببرامج عديدة للاستعفاف وعيا منها بأن الدين له دور مهم. حتى أن بعض الجمعيات حملت شعارات مثل: “لا للاتصال الجنسي قبل الزواج”، “لا لفض غشاء البكرة قبل الزواج” وهذا نموذج فقط من نماذج عديدة من برامج الاستعفاف. كما أصبحت الدولة تُدعم بشكل كبير المؤسسات التعليمية الغير مختلطة، حيث رأوا أن التحصيل العلمي لدى الإناث ولدى الذكور ارتفع كثيرا عندما تم الفصل بينهما في مقاعد الدراسة. هذه الأمور هي من صلب ديننا و قيمنا ولكننا لا زلنا لا نستطيع نتبث جدارتها على أرض الواقع.

تكلمتم عن العالمة أو العالم الوسيط. ماذا تعنون بذلك وماذا يميزهم عن غيرهم من العلماء؟

من المعلوم أن علماء الرابطة لا يتجاوز عددهم السبعين عالما ولكي نغطي مجموع التراب الوطني ككل، ونصل إلى المغاربة في كل أنحاء وربوع المملكة، كان لا بد من إشراك علماء آخرين سموا بالعلماء الوسطاء. وسطاء بين علماء الرابطة المحمدية للعلماء وبين أطياف المجتمع المغربي. واختير هؤلاء العلماء الوسطاء من خريجي شعبة الدراسات الإسلامية والشريعة من مختلف جامعات المغرب بهدف ادماج هؤلاء العلماء الشباب وتمكينهم من استعابة قضايا المجتمع الأساسية بعد صقل قدراتهم بالكفايات العلمية في هذا المجال.

هل تمت مراعاة التمثيل الجغرافي في اختيار العلماء الذين خضعوا لمثل هذه الدورات؟

بطبيعة الحال، لأن علماء الرابطة لما اختارهم صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله راعى هذا الأمر. فهم يمثلون كل ربوع المملكة شمالها وجنوبها شرقها وغربها وبالتالي كل عالم من علماء الرابطة الذي يمثل إقليما أو عمالة اختار بدوره مجموعة من العلماء الوسطاء داخل الإقليم الذي يشتغل فيه لكي نتمكن كما ذكرت من أن نصل إلى كل شرائح المجتمع بكل بقاع المملكة المغربية.

نعود الآن إلى مقاربة الصحة الإنجابية، على ماذا ترتكز هذه المقاربة في الخطاب الديني وماذا يميزها عن المقاربة الأممية؟

بالنسبة لموضوع الصحة الإنجابية كما هو الشأن بالنسبة لكل المقاربات الأخرى بما فيها التعفنات المنقولة جنسيا وفيروس العوز المناعي البشري والسيدا وكذلك حقوق المرأة والطفل، فبطبيعة الحال هذه المقاربات عملت الرابطة على تمكين هؤلاء العلماء الوسطاء من تبيين المرجعية الدينية في هذه المقاربة وكذلك تبيين صلتها الوثيقة بالحد من انتشار المخاطر الناجمة عن عدم المعرفة بمثل هذه الأمور والمشاكل التي قد تنتج عنها. مع العلم أن هذه المواضيع كلها تأتي في إطار مراعاة المرجعية الدينية للمغاربة والهوية مع الاستفادة من كل ما هو مطروح على المستوى العالمي سواء تبنته منظمة الأمم المتحدة أو منظمة الصحة العالمية.

إذن الآن بعد استكمال الدورة التكوينية وحسب ما شهدتموه، في رأيكم ما مدى اهتمام العالمات والعلماء الوسطاء بهذه المحاور العلمية وما مدى انخراطهم فيها ؟

في حقيقة الأمر، نحن أولا كعلماء الرابطة وجدنا الحاجة في هذه المواضيع وإن كنت أنا مثلا طبيبة وتكويني في هذا المجال ولكن أغلبية العلماء أحسوا فعلا بالحاجة إلى الجانب العلمي في هذه المقاربات لأنها من قضايا الساعة ومن المشاكل المطروحة بشدة في المجتمع المغربي. هناك قضايا كثيرة ينغمس فيها شبابنا وقد تجعل رُقِيَنا وتقدمنا وتنميتنا تتعثر بفعل هذه المشاكل. الشاب يمر بمراحل عديدة متنقلة مابين الطفولة وفترة المراهقة تجعله يتخبط في مشاكل نفسية وجنسية عديدة. قد تكون لديه معلومات كثيرة في مجال الصحة الانجابية لكن جلها أو أغلبها خاطئة لأنه يأخذها من أقرانه أو من الإعلام أو من بعض الوسائل التي قد تكون ربما غير دقيقة وغير علمية إلى غير ذلك. فإذا أردنا النهوض والتنمية الحقيقيةّ، فلا بد لهذه المشاكل التي يعيشها شبابنا أن نقاربها كعلماء دين، كأشخاص لهم باع في التربية، في إعادة التأهيل . ولكن هذا يقتضي أن يكون للعالم إلى جانب تخصصه في العلوم الشرعية، معرفة دقيقة في هذه الأمور كما يحتاج إلى حد أدنى من العلوم الاجتماعية والحقوقية والنفسية ومجموعة من المجالات حتى يستطيع أن يواكب العصر ويساهم في تغيير مجموعة من السلوكيات الخاطئة عند كل الفئات وخصوصا الشابة منها.

بالنسبة للمجالات التي تهمها برامج تكوين العلماء الوسطاء والعالمات الوسيطات، من هي الفئة المستهدفة من هذا البرنامج من بعد استكمال التكوين؟

كما أشرت بداية أن الرابطة تعمل مع هؤلاء العلماء الوسطاء على أساس إن تصل المعلومة إلى كل أفراد المجتمع المغربي بدءا بالفئات الهشة لتنتقل بعد ذلك إلى كل فئات المجتمع. وقد تعد ولا نستثني حاليا “المرأة” من هاته الفئات الهشة نظرا للوضع الذي تعيشه في بعض المناطق والقرى، وكذا العمال والعاملات بالضيعات والمعامل، والسجناء نزلاء الإصلاحيات، والطلبة والتلاميذ داخل المؤسسات التعليمية حتى بالنسبة للمراحل الابتدائية. وفي هذا الإطار تعتزم الرابطة المحمدية للعلماء ربط شراكات عِدة في هذا المجال وقد بدأت في ذلك بالفعل، فهناك شراكة مع التعاون الوطني، ووزارة التعليم وإدارة السجون ومجموعة من الهيئات و الإدارات والمؤسسات على المستوى الوطني سواء الرسمية منها، أو غير الحكومية.

تكلمت قبل قليل عن قضية الانتماء الديني لدى المغاربة، وصحيح أن هناك دراسات تؤكد أن أبناء المجتمع المغربي متدينين لكن أكثرهم ليست لديه معرفة في كل الجوانب الدينية خاصة في قضية الصحة الإنجابية الشيء الذي ينتج عنه مجموعة من المظاهر السلوكية والسوسيولوجية التي بدأنا نلحظها في المجتمع المغربي في ظل غياب التربية والثقافة الجنسية و نذكر على سبيل المثال ظاهرة الأمهات العازبات، قضية العنف الجنسي، التحرش الجنسي بالأطفال الذي ارتفع في الآونة الأخيرة، المثلية الجنسية، أطفال الشوارع، كثرة الإجهاض …. إذن هناك مجموعة من الظواهر الاجتماعية التي أصبحت تطرح بشدة في المجتمع المغربي والتي يجب أن يكون للعالم دور في طرحها وفي مقاربتها وفق منظور ديني بالطبع، في حين نجد أن هناك شبه غياب لهذا الدور. في نظركم من هو المسؤول عن هذه المفارقة وعن هذا الغياب؟

فعلا، هناك دراسة قام بها المرصد الوطني حول ظاهرة التدين في المغرب أثبتت أن مظاهر التدين التي تجتمع بالأساس في الصلاة والصيام وأداء مناسك الحج والعمرة وكذلك الحجاب وتردد الشباب على المساجد. هذه المظاهر كلها هي في ارتفاع داخل المجتمع المغربي، لكن في المقابل هناك إشكال وخلل فيما يخص الأخلاق والقيم. الشيء الذي نتج عنه مجموعة من الآفات والظواهر الاجتماعية درجت منها ظاهرة “الأمهات العازبات” بين قوسين وإن كان لدي تحفظ على هذه التسمية لأن الأم هي أم. ليست هناك أم عازبة وأم غير عازبة، وارى أنه لا بد لنا من مراعاة مثل هذه المصطلحات. أشرت أيضا إلى قضية التحرش والشذوذ الجنسي الذي أصبح ظاهرة متفشية في المجتمع المغربي بالإضافة إلى أطفال الشوارع والإجهاض وزنا المحارم وظاهرة العنف بكل أنواعه بما فيه الجسمي والجنسي والاقتصادي والنفسي والكلامي. إذا أردنا ان نقول من المسؤول عنها. انا أرى ان المسؤولية هي مشتركة ما بين فرقاء عدة بدءا بالآباء. فمن الضروري أن تعود لمؤسسة الأسرة دورها الحقيقي وذلك بان تعي أدوارها هي أولا. لا يمكن لأب أو أم أن يؤديا أدوارهما الحقيقية إذا غابت عنهم هذه الأدوار، إذا كان همهم فقط في التربية الجسمية، في إنبات أجساد أبنائهم حتى يصلوا إلى حد معين، يهتمان ربما بالجانب العقلي لهم الذي يرتكز على الجانب الدراسي لكي يتفوقوا دراسيا ويحققوا نتائج مُرضِية ولكن ننسى بأن التربية الإسلامية التي علمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هي تربية متكاملة، هي تربية عقائدية، إيمانية، أخلاقية، سلوكية، جسمانية، عقلية، نفسية، جنسية، يعني ديننا الحمد لله هو شامل. هناك أيضا الأساتذة والمربون داخل المؤسسات التعليمية، لا بد أن يعود للأستاذ دوره كمربي وليس دوره فقط في أن يعطي المعلومة ويوصلها. أيضا دور جمعيات المجتمع المدني في تأهيل الشباب وفي تأهيل المغاربة ككل وفي إعادة الاعتبار لمجموعة من القضايا واختم بالدور الأساسي للعلماء. لا بد أن يحضر ذلك الدور الذي كان للعالم بدءا بحيه ومسجده، وكل المحيط الذي يدور به. لا بد أن يعود له دوره والحمد لله هو لا زال له هذا الدور كما أشرت في البداية ولا يزال المغاربة يثيقون بعالم الدين ويبحثون عن فتواه ويبحثون عن علمه وعن مشاركته في جميع القضايا.. حيث كان يشارك الناس في كل همومهم وفي كل القضايا ويساهم في إعادة تأهيلهم وتنميتهم. فلا بد أن يعود هذا الدور الأساسي لعالم الدين زيادة على علمه الشرعي، يجب ان يعي الواقع وما فيه وأن يعلم التحديات التي يعاني منها سواء شبابنا أو أمتنا أو اقتصادنا. لا بد أن يكون للعالم هذا الشأن.. أيضا الإعلام له دور وله دور أساسي. يقال أن الإعلام هو السلطة الرابعة. لكن في عصرنا هذا أصبح يشكل أهم سلطة. حتى العالم إذا لم يكن له حضور في الإعلام المغربي، لن يستطيع بان يصل بالشكل المطلوب. نحن في عصر تغيرت فيه الأمور والمعلومة صارت تصل بسرعة فائقة لا تسمح للعالم بأن يعتمد على الوسائل التقليدية والبسيطة. والرابطة حقيقة تجتهد في هذا الباب عبر مجموعة من المراكز والمواقع الالكترونية، لكن لا بد لنا كذلك من الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب.

ما هو دور العالم في تصحيح بعض المفاهيم و التأويلات التي قد تصدر في بعض الأحيان عن بعض المراكز الدينية عبر المواقع التي تروج لمفاهيم خاطئة ومغلوطة حول الصحة الإنجابية إما بالحث على الإكثار من النسل كممارسة يدعو لها الدين أو عبر مقاومة دعوات تنظيم الأسرة باعتبارها أنها مؤامرة خارجية لتقليل من عدد السكان وإضعاف المجتمع الإسلامي؟

فعلاّ، هناك تأويلات قد تصدر من بعض العلماء، وقد تكون أحيانا شائعة ومتعارف عليها بين الناس دون أن يكون لها أصل متداولة جيلا بعد جيل تاركة بذلك موروثا ثقيلا وثقافة غير سليمة. عالم الدين فلا بد للعالم أن يعيد الاعتبار لما هو موجود في الكتاب والسنة، ويصحح كل الأمور التي قد تعارف عليها الناس، رغم أن العرف نعتمده في تشريعنا لكن العرف الذي يراعي الدين. وليست الأعراف التي تنبني عليها سلوكات خاطئة مثل العنف داخل مؤسسات الزواج و الأسرة والمؤسسات التعليمية، أو ينتج عنها اقصاء حقوق المرأة والتمييز والعنف ضدها. والحمد لله بدأت المرأة تستعيد حقوقها الذي أعطاها إياه رب العالمين ونزعه منها البشر نظرا لمجموعة من العوامل الاجتماعية والسياسية التي تداخلت وتفاقمت فيما بينها. لكن لا تزال هناك معتقدات حتى في الحكم والأمثال الشعبية، نجد بعض الأمور التي تنقص من شأن المرأة وكفاءتها بالرغم من أن رب العالمين ساواها مع الرجل وجعلها شقيقة له. لدا يجب أن نمسح الغبار عن ثراتنا الإسلامي الذي مجد المرأة وأعطاها العزة أُما كانت أو زوجة أو أختا أو بنتا و في مختلف أعمارها، ونأخذ من ثقافتنا ومن أعرافنا الأمور التي تعطي مكانة للمرأة و نعيد الاعتبار لهذا للمكون الأساسي داخل المجتمع لأنه كما يقال المرأة نصف المجتمع وهي التي تربي النصف الآخر.

لكن هذا يقتضي أن تكون ثقافتنا الإسلامية فيها ما يقارب المواضيع الجنسية ويصاحب الشباب واليافعين ويوفر لهم الحلول المناسبة واللازمة لمناقشة مثل هذه المواضيع بدون أن يشعر الإنسان بالحرج؟ هل يوجد لدينا ثقافة جنسية إسلامية ؟

بالطبع، ومن يتصفح السيرة النبوية، يجد مجموعة من الأحاديث التي تبين فعلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما استحيى من الحديث عن الأمور المرتبطة بالتربية الجنسية من خلال حياته الزوجية وعلاقته بأسرته وبنسائه وحتى طريقة غسله، تحدث فيها أمام الصحابة والصحابيات بدون حياء، لأن هذا الأمر ليس فيه خدش للحياء وليس فيه من المسكوت عنه، ثم تحدث فيه أيضا الصحابة رضوان الله عليهم، ونعلم قصة سيدنا عمر لما كان يجول في المدينة وسمع امرأة تشكو غياب زوجها، فلما تقصى وسأل ابنته حفصة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، عرف أن المرآة لا تستطيع أن تصبر على زوجها أكثر من 4 أشهر، فسن قانونا لهذا. وقبل ذلك كله نجد كتابنا ودستورنا القرآن الكريم فيه آيات وسور عديدة تحدث فيها رب العالمين عن هذا الأمر فوق سبع سماوات. هذا كله إذن يدخل في التربية الجنسية والتثقيف الجنسي. ديننا علمنا كيف تكون التربية الجنسية للطفل مند أن يقع في بطن أمه إلى أن يصل أبا أو أما بعد ذلك.

الملاحظ بالنسبة المجتمعات الإسلامية بصفة عامة والمجتمع المغربي على وجه الخصوص، أن مشكل الصحة الإنجابية دائما نربطه بمؤسسة الأسرة والعلاقات الشرعية بين الرجل والمرأة داخل إطار هذه المؤسسة، في حين أن الواقع الذي نعيشه الآن يفرض علينا عدم إقصاء الفئات التي لم تلتزم بالشرع والإطار القانوني للعلاقات الجنسية، ويفرض كذلك إيجاد حلول جذرية للمخلفات والعواقب التي قد تنتج عن مثل هذه العلاقات الغير الشرعية مثل ظاهرة أطفال الشوارع التي أصبحت ظاهرة منتشرة كثيرا في المجتمع المغربي. فحسب إحصاء أجري في المغرب ما بين 2003 و2009، كشف أن 500 ألف طفل ولدوا خارج مؤسسة الزواج من طرف 200 ألف أم عازبة، وأنه يولد يوميا 100 طفل خارج إطار الزوجية، و أن 24 طفل يرمى في الشارع يومياً ببلادنا. إذن كيف يمكن أن نعالج مثل هذه الأمور قبل أن نصل إلى نتائج قد لا تحمد عقباها ؟

هناك شقين في الإجابة على هذا السؤال، الشق الأول هو شق وقائي والآخر شق علاجي. بالنسبة للشق الوقائي، فعلا لابد من تربية وتأهيل في جميع المجالات، وما دمنا نتحدث عن موضوع الصحة الإنجابية وما يرتبط بها من التربية الجنسية التي تدخل فيها كمكون من مكوناتها، لا بد فعلا من حل وقائي حتى لا نقع في بعض الآفات الاجتماعية، والحد من الأرقام المهولة التي نسمع عنها. التعفنات المنقولة جنسيا في زيادة كل سنة، مرض السيدا كذلك، العنف في زيادة أيضا وان لم تتوفر لدينا إحصائيات دقيقة ولكن هناك أرقام و إحصائيات خصوصا على مستوى الأمراض المنقولة جنسيا، لكن على المستوى العام لا زال من المسكوت عنه، ليست لدينا أمور دقيقة جدا. إذا كما قلت لا بد من الحل الوقائي لهذه الأمور من خلال الارتكاز على التربية والعودة إلى ربط الناس بهذا الدين الذي أعطى العزة للإنسان. بالنسبة للشق العلاجي، ذكرتي في سؤالك ظواهر عديدة بما فيها العنف بكل أطيافه حتى داخل إطار الزواج…

على ذكر العنف الزوجي، هناك بعض التأويلات أو المفاهيم الخاطئة لبعض السور والأحاديث النبوية تساهم في تشجيع بعض الأزواج على ممارسة بعض أشكال العنف الزوجي ضد زوجاتهم وخصوصا العنف الجسدي والجنسي بالاعتماد إلى كون الدين يأمر المرأة أن تطيع زوجها ويبيح للزوج ضرب الزوجة مصداقا لقول الله تعالى “وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا”النساء 34 الشيء الذي يضفي الشرعية على فعل الزوج ويجعله يفلت من العقاب ؟

صحيح هناك تأويلات خاطئة واستغلال لبعض السور لإضفاء الشرعية على العنف الزوجي لبعض الأزواج لكن بالنسبة لقضية الضرب وعلى المستوى العالمي لا بد من العقاب. لا يمكن لدولة أو لمؤسسة أن لا يكون بند العقاب حاضرا لديها. لكن بند العقاب لا يعني تنفيذه في كل الحالات ولكن هو دائما يوضع في قوانين. وإذا وضع رب العالمين هذا البند، فليس بهدف أن كل النساء يُضربن. ربما هناك حالات شاذة. وليس المجال هنا في الحديث عن هذه النقطة بالتفصيل وعن كيفية الضرب وطريقته ومتى يكون ومن يقوم به إلى غير ذلك. لدا يجب أن نتحدث عن مثل هذه الظواهر ليس من باب الفضيحة ولكن من باب حل مثل هذه المشاكل ومعرفة عمقها. نفس الشيء بالنسبة لظاهرة أطفال الشوارع، والمتخلى عنهم، و”الأمهات العازبات” بين قوسين دائما، لا بد أن نجد حلا لمثل هذه المشاكل الاجتماعية وذلك بإعادة التأهيل على مستويات عديدة وفي مجالات مختلفة بدءا بالمجال التربوي والديني ثم على المستوى الاقتصادي لأن المشاكل الاقتصادية أحيانا هي التي تتسبب في مثل هذه الأمور. يجب أيضا التأهيل من الناحية الحقوقية، فعلى الإنسان أن يعي حقوقه وواجباته. كذلك من الجانب القانوني، يجب أن تكون هناك صرامة في إصدار وتطبيق العقوبات، مثلا في قضية الاستغلال الجنسي للقاصرات أو العنف داخل مؤسسة الأسرة أو خارجها. لا بد من إعادة التأهيل على مستويات مختلفة حتى نستطيع حل هذه الظواهر.

نعم، أشرتم في خضم حديثكم عن قضية استغلال القاصرات، وهنا أريد أن أتكلم عن زواج القاصرات، لا زال هناك جدل حول منع الزواج المبكر الذي تطالب به بعض المنظمات النسوية الغربية بحجة الحفاظ على صحة الفتيات. هناك من يرى أن الدول الغربية تريد فرض مثل هذه المقاربات على البلدان الإسلامية ويبررون ذلك بكون الغريزة الجنسية هي موجودة عند الفتيات كما عند الفتيان بمجرد وصولهم سن النضج وقضية تأخير سن الزواج سيشجع على الانحلال الخلقي والممارسات الغير الشرعية التي قد تنتج عنها بعض الظواهر التي تكلمنا عنها آنفا. إذن كيف ترون هذا الجدل الحاصل حول هذه القضية بين المنظورين الغربي والإسلامي؟

بالنسبة لزواج القاصرات، أرى أن هناك حلا وسطا وهو ما اعتمدته مدونة الأسرة في إطار الإصلاحات التي اتخذتها. حيث تم تحديد كما نعلم جميعا سن الزواج في 18 سنة بالنسبة لكلا الجنسين على أن لا نغلق الباب في سن ما بين 15 سنة إلى 18 ونتركه للحالات المعروضة. فعلا، من الناحية الصحية والطبية، البنت لا تكون مكتملة في نموها حتى تصل إلى سن 18 سنة وبعد ذلك يمكنها أن تكون مؤهلة للحمل وإلى غير ذلك، ولكن هناك أحيانا حالات اجتماعية التي ترى أن الزواج لها في سن قبل 18 سنة أفيد من أن تترك الفتاة حتى السن القانوني. لهذا أتت هذه الفسحة في القانون. المشكل بالنسبة لزواج القاصرات ليس في الشق القانوني بل في تطبيق التشريع. الشق القانوني هو منظم لان البنت القاصر حينما تريد أن تتزوج في سن أقل من 18 سنة من المفروض أن ولي أمرها يدفع طلب للمحكمة على أساس أنه يريد أن يزوج ابنته التي لم تستوف بعد السن القانوني. وللقضاء الحق في أن يقبل هذا الزواج أو يرفضه انطلاقا من بث الخبرة على المستوى الصحي التي تُظهر هل فعلا هذه القاصر مؤهلة للزواج أم لا. هناك حالات نجد فيها أن البنية الجسدية لبعض الفتيات ممكن أن تسمح لهن بالزواج في سن أقل من18 ولكن بالمقابل هناك فتيات أخريات حتى ولو وصلن إلى سن 17 أو 18 سنة لا يؤهلهن للزواج.
ثم هناك الخبرة الاجتماعية. هذه الفسحة نتركها لأنها قد تكون حلا لبعض الفتيات اللائي لديهن ظروف اجتماعية. إما يتيمة الأب أو الأم، ولديهن ظروف اقتصادية قاهرة. وقد يكون لديها إحساس مفرط بالرغبة الجنسية، في هذه الحالة، لماذا نمنع الزواج ونترك فتياتنا وأبناءنا وشبابنا يمارسون الجنس في اقل من 18 سنة.

لكن الرغبة الجنسية لا تبدأ فقط في سن 15 سنة فما فوق. يمكن أن تبدأ في سن مبكرة جدا. عند بعض أطفال 5 أو 6 سنوات، نلاحظ أن هناك ميول جنسي، هل هذا يبرر أن نسمح بزواج الفتاة في سن صغيرة وأن نحصر الزواج فقط في القدرة على إقامة العلاقة الجنسية في حين أن هناك مجموعة من الأمور الأخرى التي يجب مراعاتها؟

نعم الرغبة الجنسية لا تبرر أننا نسمح بزواج القاصر ولكن لا تبرر أيضا أن نسمح بأنه تمارس العلاقات الجنسية خارج الإطار الشرعي لها الذي هو الزواج. لماذا نقبل بهذا الأمر وهو واقع نعيشه؟

صحيح هو واقع لكنه واقع يرفضه المجتمع المغربي كما هو الشأن بالنسبة للمشرع المغربي؟

لكن هناك دراسة قامت بها وزارة الصحة على مجموعة من الذكور والإناث من سن 12 سنة إلى سن 20 سنة تقريبا بينت أن 50% من هذه العينة سبق وأن مارسوا العلاقات الجنسية. إذن لماذا نسمح بأن يمارس الجنس خارج مؤسسة الزواج ولا نسمح به في هذا السن لبعض الحالات أي ما بين 15 و18 سنة. أنا لا أعمم لأنني أنا طبيبة وأعلم جيدا أن النمو لا يكتمل إلا في سن 18 سنة ولكن قد تكون بعض الحالات لظروف معينة إما اجتماعية أو اقتصادية أو حتى جنسية قد نجد لها حلا في هذا الباب. الإشكال كما قلت ليس في القانون ولكن في تطبيق مقتضيات هذا القانون، الخبرة التي تعطى يجب أن تحدد إمكانية وجود أو عدم وجود ضرر بالنسبة للفتاة القاصر على المستوى الصحي والنفسي أيضا وليس فقط قدرتها على ممارسة العلاقة الجنسية. الطبيب الذي يعطي هذه الخبرة هو مسئول عن هذه الشهادة. وإذا كنا فعلا متشبعين بالدين الإسلامي وبأخلاقه وبقيمه، لا نستطيع أن نعطي هذه الشهادة إلا إذا كانت هذه فتاة القاصر فعلا تستحق أن تأخذ هذه الرخصة التي اقرها لها القانون. أما إذا كان الزواج سيشكل ظلما لها سواء على المستوى الصحي أو النفسي، فيجب مراعاة ذلك وعدم الترخيص لها بالزواج.

لكن بالرغم من هذا القانون الذي وضعته مدونة الأسرة، نلاحظ أن هناك زيجات حتى في سن 11 سنة. في نظركم من المسئول عن هذه التجاوزات التي تقع على ارض الواقع. هل هي الأسرة أم المجتمع أو المشرع ربما الذي ترك هذه الفسحة أم هو مشكل تفشي الأمية التي أصبحت مطروحة بشكل كبير خصوصا في المجتمع القروي والذي تحضر به هذه الزيجات بكثرة. تكلمتم قبل قليل عن دور الأسرة في تربية الطفل. ومعلوم أن الأسرة الريفية وخصوصا الأم هي بسيطة المستوى وليست لديها الثقافة والوعي اللازمين لكي تقوم بدور المربي والمثقف لأبنائها خصوصا في مجال الصحة الإنجابية والتربية الجنسية إضافة إلى عامل “الحشومة” والعيب الذي يفرض الحياء الموجود بين الآباء والأبناء حول مثل هذه المواضيع؟

نحن ضربنا مثلا بزواج القاصرات، لكن عموما بكل المشاكل التي تنتج عن عدم المعرفة بمجال الصحة الإنجابية سواء تعلق الأمر بزواج القاصرات أو الأمراض المنقولة جنسيا أو مجموعة من الآفات التي يتعرض لها الإنسان جراء جهله بها. فعلا هي تتأثر بحالة المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتتأثر بانتشار الأمية. لا يمكن لمجتمع لا زالت الأمية تشكل فيه أكثر من 60% أن نقول أن يحل فعلا مثل هذه الإشكالات المطروحة عليه. هناك مقاربات متعددة لحل مثل هذه الإشكالات، حاضر فيها العالم بالأساس، لكن بالمقابل لا بد من تنمية اقتصادية، و تنمية اجتماعية وتنمية حقوقية وقانونية. لدينا حقوق وقوانين في التشريع المغربي ولكن ما مدى تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع. إذن فعلا مسألة الصحة الإنجابية تتأثر بمستوى الأمية كما تتأثر أيضا بمستوى البطالة وعدم وجود فرص العمل. هناك أيضا التقاليد وأعراف المجتمع. نحن نعلم أن لدينا مناطق في المغرب خصوصا بالعالم القروي تزوج القاصرات بشكل كبير وحتى بدون عقود زواج. لأن هذا العالم القروي فيه الأمية ضاربة بأرقامها القياسية، فيه البطالة، فيه الهشاشة بكل مراتبها. قضية التمييز بين الإناث والذكور في أعراف بعض المناطق تؤثر على الصحة الإنجابية بالإضافة بعض المشاكل البنيوية كانعدام الخدمات الصحية والبنيات التحتية بهذه المناطق.

هناك مجموعة من الدراسات والتقارير التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة حول الصحة الإنجابية آخرها تقرير صدر سنة 2011 أظهر أن عدد وفيات الأمهات قد بلغ أعداد مهولة : حوالي 132 حالة في كل 100 ألف ولادة بالإضافة إلى وفيات الأطفال وكذلك نقص في الخدمات الصحية. بالإضافة إلى مجموعة من العوامل التي ذكرتم كقضية البنيات التحتية المنعدمة بمجموعة من المناطق خصوصا القروية. كيف ترون من موقعكم كطبيبة وكعالمة أيضا الحلول لمثل هذه المشاكل التي هي تنموية بالأساس؟

الحل كما أشَرتِ في الكلمة الأخيرة هو تنموي، لا بد أن تكون هناك تنمية في مجالات عدة للحد من هذه الوفيات. صحيح المغرب بدل جهودا لكي يصل إلى ما وصل إليه الآن وهو 132 حالة وفيات في كل 100 ألف حالة ولادة حية لأنه قبل سنوات كانت 227 حالة من الوفيات أي بمعدل تقريبا 6 نساء يوميا يتوفين يعني أن كل 4 ساعات هناك وفيات الأمهات. هذا الرقم تقلص إلى 4 وفيات في اليوم وهناك أيضا الوفيات على مستوى الأطفال تبلغ 47.4% لكل 1000 ولادة حية ولكن هناك مجموعة من العوامل تتداخل فيما بينها تتسبب في ارتفاع وفيات الأمهات. وزارة الصحة وحدها لن تستطيع أن تحل المشكل لأنه كما قلنا هناك مشكل تفشي الأمية وقضية التقاليد والأعراف خصوصا في القرى. تجد مثلا في العائلة أن الجدة أو الحماة تفرض على المرأة أن تلد داخل البيت ولا يمكنها أن تذهب إلى المستشفى خصوصا في غياب زوجها عن المنزل. هناك أيضا مشكل البنيات التحتية في بعض المناطق التي تفتقر إلى الطرق السيارة وبها طرق صعبة الولوج لا يمكن للمرأة الحامل أن تصل فيها إلى المستشفى بسهولة . إذن مجموعة من العوامل المتداخلة فيما بينها التي تنبئ بان هناك جهود يجب أن تبذل يتضافر فيها كل الشركاء بما فيها وزارة الصحة وزارة التنمية وزارة التجهيز لكي توفر البنيات التحتية والنقل وغير ذلك، كذلك بالنسبة لمحاربة الأمية من طرف جمعيات المجتمع المدني أو وزارة التربية والتعليم وكذلك مندوبيات الشؤون الإسلامية التي لا زالت لم تصل إلى الحد المطلوب في العالم القروي.

ولكن بالنسبة للعلماء لماذا يقتصر دورهم التربوي دائما على المساجد، لماذا لا يقومون بدورات تحسيسية لفائدة المواطنين بالأسواق الاسبوعية والمراكز الصحية والضيعات والمعامل..؟

صحيح العالم لم يعد يقوم بالدور المفروض أن يقوم به، كما أُريد له أحيانا أن يبقى داخل فضاء المسجد، ولكن الفاصل في العالم أنه يقارب الشأن اليومي للمجتمع، في حيه أو في دواره أو قريته أو مؤسسته التعليمية أو الفضاء الذي يتواجد أو يشتغل فيه أيا كان. الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الأسواق وكان يدعو الناس وكان يقارب همومهم. لكن عالم الدين لا بد له من تأهيل العالم لكي يستطيع أن يعيد القيام بهذه الأدوار. هناك حاليا بعض الجهود التي تقوم بها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في إعادة تأهيل الخطباء والأئمة خصوصا داخل العالم القروي. هذه جهود تبارك، لكن لا بد من جهود أخرى تجعل كل العلماء وكذلك الغيورين على هذا الدين أن يَحدُوا حَدوَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذن نعود الآن في محورنا الثالث إلى السياسة السكانية ما دام حوارنا يدور حول اليوم العالمي للسكان. معلوم أن السياسة السكانية الأممية ترتكز بالأساس على تقليل عدد السكان من خلال تحديد أو الحد من كثرة النسل في بعض البلدان، وتَعتَبِر أن زيادة السكان تؤثر على العملية الاقتصادية وتتسبب في تفشي الفقر والهشاشة بالعالم النامي، في حين أن في ديننا، هناك تشجيع للنسل مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة” وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم “تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة” وهناك من يستغل مثل هذه الآيات والأحاديث لإنجاب عد كبير من الأطفال. كيف يمكن أن تفسروا هذه المفارقة؟

نحن لا نستطيع أن ننكر ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وأن لا نقره. هو قاله فعلا ونحن نقره…

لكن الله يحب المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف؟

بطبيعة الحال، لا بد أن يحضر هاجس التربية حتى عند الآباء، يحضر هاجس أننا فعلا نريد أن نكاتم ونباهي بأجود الناس وأحسن الناس. بمن لهم خلق حسن وهمة عالية، يساهمون في رقي بلدهم والارتقاء بتعليمه واقتصاده وسياسته وكل المجالات. هذا ما نريده من هذا النسل ويجب أن نبذل الجهد لكي نحقق ذلك. إذن نحن بين أمرين، نحن نعلم أنه على المستوى العالمي، هناك دعوات كثيرة إلى تقليل النسل، بل يصل في بعض الحالات إلى الحد منه مثلا نموذج الصين مفروض عليها أن لا تتعدى ولادة واحدة لكل أسرة وهذا لا يتعارض من الناحية الشرعية، نحن نعمل وفق مرجعيتنا الدينية بضوابط محددة. ليس هناك من تحريم في تنظيم الأسرة. إذا راعينا ولو فترة سنتين بين ولادة وولادة أخرى لكل امرأة، فهذا سيمكننا من تلافي وقوع 5 وفيات الرضع، كما سيساعد في خفض نسبة إصابة المرأة بفقر الدم. فحسب الإحصائيات، تبين أن تقريبا أكثر من 50% من النساء الحوامل يعانين من فقر الدم ومعلوم أن فقر الدم له مضاعفات كثيرة على المرأة الحامل وعلى جنينها. إذن إذا كان هناك تنظيم للأسرة، سوف يساعد هذا الأمر في خفض هذه النسبة، أيضا سيساعد في حماية النساء اللاتي يعانين من الحمى الروماتيزمية أو من السكري من أخطار الولادة. وكذلك الحد من سوء التغذية بالنسبة للأم والطفل معا. ثم إن تقليل النسل قد يرتبط أيضا بعمل المرأة ومدى التزاماتها.

في المحور الرابع حول مقاربة النوع الاجتماعي، أو ما يصطلح عليه ب” الجندر” وهو ربما مصطلح دخيل على المجتمعات الإسلامية. أريد أن أعرف رأيكم في هذه المقاربة وكيف ترونها بالنسبة للمجتمعات الإسلامية على العموم والمجتمع المغربي بالخصوص؟

بالنسبة لمقاربة النوع الاجتماعي، يجب أن نفهم أولا ماذا يراد بها. معنى الجندر هو العلاقات والأدوار والسلوك الذي يحدده المجتمع لكل من المرأة والرجل مسبقا في ظل الموروثات الاجتماعية والمنظومة الثقافية. إلا أنني أرى شخصيا أنه لا بد لنا كعلماء دين أن نبحث في هذا المصطلح. هناك فعلا ظلم على مستوى أدوار المرأة التي تُقَزم ولا يعطى لها الحق في مجموعة من الأمور بناءا على جنسها وعلى تكوينها البيولوجي. لكن هذا لا يعطينا الحق في أن نلغي الفروقات الموجودة بينها وبين الرجل التي أقرها الله سبحانه وتعالى والتي أثبتها العلم خصوصا على مستوى التكوين البيولوجي، هذه الفروقات هي ليست من باب تنقيص جنس دون آخر. كما يفعل البعض ممن يدافعون عن الجندر ولكن من باب التكامل بين الجنسين. فقد خلق الله سبحانه وتعالى للمرأة أدوارا لا يستطيع الرجل القيام بها وكذلك الشأن بالنسبة للرجل الذي خلق له أدوارا خاصة به انطلاقا من تكوينه البيولوجي لا تستطيع المرأة القيام بها. هناك من يصل به الجندر إلى المطالبة بالمساواة المطلقة بين الجنسين في كل المجالات وهذا الأمر لا يقبله حتى العقل بغض النظر عن الدين والقيم ومجموعة من الأمور. وهنا أعطيك مثلا بالمثليين. لقد رأيت صورا ونماذج في الإعلام الغربي مند التسعينات لزيجات بعض المثليين سواء كان رجلا برجل أو امرأة بامرأة، حيث نجد دائما إحداهما يلعب دور الرجل في شكله أو في حركاته أو إلى غير ذلك والطرف الآخر يلعب دور المرأة. هناك أدوار لكلا الجنسين تعتبر أمور فطرية خلقها الله سبحانه وتعالى حتى يستمر هذا التناغم بين الجنسين وحتى تستمر السكينة والمودة بينهما وليس من باب التنقيص.

لكن لا يمكن أن ننكر أن هناك تمييز بين الجنسين ؟

نعم هناك تمييز لكن هذا التمييز ليس مبنيا على الفروقات البيولوجية بين الجنسين. هناك تمييز في الأدوار من باب الثقافات والموروثات الثقافية التي صارت فيها المجتمعات. لكن ليس الحل ليس بأن نقول نعم للمساواة المطلقة بين الجنسين. هناك بعض المدونات وأخص على سبيل المثال تونس، بينت فشلها على المستوى الاجتماعي في إحصائيات كثيرة، نظرا لأنها أقصت مجموعة من الأمور التي أكدها الشرع لكي ترسخ مفهوم المساواة المطلقة بين المرأة بالرجل. حيث ألزمت المرأة بالمساهمة في النفقة داخل الأسرة إذا كانت عاملة، الشيء الذي نتج عنه عدة مشاكل اجتماعية حيث أن كل طرف يحاول أن لا يخبر الطرف الآخر بأموره الاقتصادية. إذن المساواة إذا أبعدناها عن الشرع وعن التربية والخلق وعن الإحساس بدور كل واحد وعلى أنها أدوار متكاملة، فلن نستطيع أن نقول أن هذه هي الحلول. إذن لدينا مشاكل نعيشها وواقع نعيشه ولا بد لنا من حل لهذا الواقع ولكن الحل يعتمد على أن نبذل جهدا لإرجاع الدين إلى هذا الواقع لكي يستطيع أن يجد فعله فيه. الخلل في أنفسنا وليس في التشريع، ليس في الكتاب وفي السنة. الخلل في العلماء الذين لا زالوا لم يستطيعوا أن يعيدوا للمرأة مكانتها. المرأة التي كانت تحكم وكانت تسود وتقاتل وكانت تسير. إذن لابد لنا مرة أخرى أن نجتهد حتى على مستوى العقليات و كذلك على مستوى المصطلحات. نأخذ بتجربة الغرب وكل ما سبقونا إليه لكن لا نأخذها بمجملها وأن ونسقطها كما هي على واقعنا لأنه واقع خاص و له قيمه وله هويته ومرجعيته الدينية المتجذرة فيه ولا يستطيع التخلي عنها.

إذن مقاربة النوع الاجتماعي كمبدأ هي مقبولة لدى المجتمعات الإسلامية ؟

نعم كمبدأ هي مقبولة، فعلا هناك تمييز ولكن له دلالاته وله مفاهيمه. لأن مصطلح النوع الاجتماعي أو الجندر عند بعض المنظمات وبعض الهيئات الرسمية يعني المساواة المطلقة بين الجنسين، وهناك بعض الدول التي أخذت هذا المفهوم بنسب متفاوتة، مع مراعاة خصوصية البلد وانتمائه الديني والثقافي. فعلا ما جاء في اتفاقية “سيداو” لم تأخذه كل الدول بنفس الدرجة. هناك تحفظات، حتى الدول الغربية، لم تأخذ ما جاءت به هذه الاتفاقية الأممية بكل حذافره، بل هناك حتى بعض الدول التي لم تصادق عليها مثل أمريكا و.. أنا لا أقول أننا ضد هذه الأمور ولكن لنا من مصطلحاتنا القرآنية ولنا من ديننا ولنا من سنة نبينا عليه الصلاة والسلام ما يٌغنِينا ويجعلنا نبحث ونستخرج مصطلحات وقيم من تراثنا الإسلامي وأن نضفي على كل هذه المقاربات والمفاهيم ما يتناسب مع هذا الواقع..

ولكن هذا يقتضي اجتهادات من طرف العلماء ؟

نعم، نحن لا نلغي الاجتهادات، لا بد من الاجتهادات ولا بد للعالم أن يعي الواقع المعيش وأن يفهمه وأن يجتهد لمسح الغبار عن هذا التراث الإسلامي وأن يخرج منه ما لم يستطع أن يخرجه ممن سبقونا.

مادمتم تكلمتم عن قضية الخصوصية وضرورة استخراج واعتماد المصطلحات والمفاهيم من داخل التراث الإسلامي، ألا ترون أن البلدان الإسلامية، باعتبار أن لها خصوصيتها وهويتها الثقافية والإسلامية، يجب عليها خلق نموذج خاص بها للحد من حدة هذا الجدل القائم بين المنظورين الأممي والإسلامي وتقليص الهوة بينهما مادمنا نتبنى نفس المبدأ المتمثل في الحد من التمييز ضد المرأة وإعطائها حقوقها التي اقرها لها الإسلام كإنسانة؟

هناك اجتهادات على مستوى بعض الدول الإسلامية لكن لا زالت جنينية ولا تصل إلى المدى الذي سبقنا إليه الغرب في مجموعة من القضايا المرتبطة بهذه المواضيع ومواضيع أخرى تمس الأسرة والمرأة والطفل، حيث تعقد مجموعة من المؤتمرات لمناقشتها ومحاولة إيجاد حلول لها. هناك جهود لكن لا تصل إلى أن يشارك فيها الكل بقوة حتى تُعتمد كسياسات داخل هذه الدول الإسلامية. كانت هناك تجربة في مصر مؤخرا أفضت عن نقاش طويل بين بعض الدول القريبة منها مثل سوريا وبعض دول الخليج على أساس إدخال التربية الجنسية في التعليم في جميع مراحله، لكن الآراء كانت متناقضة في هذا الباب. هناك من رأى أن إدخال التربية الجنسية في المقررات التعليمية وفي المناهج قد يصل بنا إلى ما وصل إليه الغرب الذي اعتمد التثقيف الجنسي كحل لكن بالمقابل خلف مشاكل كثيرة، وهناك من رأى أن تبني هذا الحل يجب أن تحضر فيه هويتنا وثقافتنا الدينية. في حين رأت بعض الأطراف ضرورة الاكتفاء بما يتم التطرق إليه في مناهجنا التعليمية خصوصا مقررات التربية الإسلامية ومقررات علوم الحياة والأرض لكن المشكل أن حتى هذه المواضيع المقررة في مناهجنا لا يستفيد منها التلميذ بالقدر المطلوب. إذا نظرنا مثلا إلى قضية التعليم في بلادنا، نجد مثلا مجموعة من الأمور المرتبطة بالتربية الجنسية والصحة الإنجابية موجودة في مقررات النشاط العلمي أو في علوم الحياة والأرض، ولكن تناول هذه المواضيع لا يصل أحيانا إلى مستوى أن يعيه التلميذ، بل حتى في بعض الحالات تعتبر عند بعض الأساتذة من الطابوهات فلا يتم التحدث عنها أو يكون ذلك لكن باقتضاب وتأخذ هذه المواضيع من طرف التلاميذ من بمحمل الضحك. إذن لا بد من تربية جنسية وأن تحضر في مناهجنا التعليمية كما يجب أن يساهم في ذلك كل من الأخصائيين الاجتماعيين والنفسانيين والإعلاميين والعلماء. ولابد من تضافر جهود كافة المتدخلين حتى نستطيع أن نخرج فعلا النموذج الذي يراعي قيمنا وهويتنا.

في النهاية كلمة أخيرة بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للسكان ؟

في النهاية، أريد أن اشكر الرابطة المحمدية للعلماء على الجهود التي تبذلها في هذا المجال، ونتمنى أن تضاعف من جهودها لكي تحضر المقاربة الدينية في جميع المجالات، وأن تصل إلى المجال الاقتصادي والسياسي والحقوقي وإلى كل مغربي غيور على بلده. وهذا يقتضي العمل وفق مقاربة تشاركية مع أطراف متعددة حتى نستطيع إنجاح هذا البرنامج وبرامج أخرى. كما يجب إعادة تأهيل وتكوين العالم دائما وأبدا لكي يستعيد دوره الحقيقي وأن يكون نورا ينير به درب كل التائهين في هذا البلد وأن نرجع بشبابنا إلى ذلك الشباب الذين في أصلهم أعزوا الإسلام والمسلمين والحمد لله، نحن نلمس في شبابنا الخير الكثير.

في الختام، نشكرك على قبول الدعوة وكذلك على حسن الاستضافة. شكرا.

حاورتها : سمية شكروني

نشر بتاريخ 27/09/2012

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق