مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

ملامح من الحركة التأليفية العقدية بالمغرب العصر العلوي نموذجا

رابعا: عقيدة عبد الواحد بن عاشر: وهي العقيدة التي تقع في بداية المنظومة الشهيرة للشيخ عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الفاسي[22] المسماة بالمرشد المعين على الضروري من علوم الدين. فقد شكل هذا المتن بدوره محطة بارزة من محطات الفكر العقدي الأشعري، وقد استطاع صاحبه من خلاله رسم وضبط معالم الخصوصية التدينية المغربية بكل أبعادها الفقهية والعقدية والسلوكية، وهو ما أجمله في بيته الشهير الذي تناقله المغاربة والذي صار بمثابة شعار للهوية الدينية المغربية وهو قوله:

في عقد الأشعري وفقه مالك                وفي طريقة الجنيد السالك

وقد أفرد في المقدمة التي افتتح بها متنه قسما خاصا للعقيدة لخص فيه أهم المعالم التوحيدية كما هي منضبطة في العقد الأشعري، وقد جاءت في قالب لغوي سلس كما أن مضامينه جاءت واضحة ليس فيها ما يدعو الطالب للتيه أو الحيرة فهي جامعة مانعة في بابها، وهذا ما جعلها محط اهتمام من قبل العلماء الذين أولوها عناية واهتماما كبيرين منذ زمن تأليفها وإلى اليوم، فقد كانت وما زالت عمدة للتدريس في العقيدة الأشعرية.

وطبيعي أن يحظى هذا المتن بدوره، مع ما انماز به من مقومات تيسيرية للعقيدة الأشعرية، باهتمام من قبل العلماء؛ فقد أنجزت حوله جملة من الشروح والحواشي والتقاييد؛ سواء التي عنيت بالنظم بكامله بما فيه الجانب العقدي، أو التي وضعت خاصة حول الجانب العقدي، ويمكن أن نذكر من هذه التصانيف التي عنيت بالجانب العقدي خاصة الآتي:

ــ شرح العلامة الطيب ابن كيران (ت1227هـ) على توحيد ابن عاشر؛ وهو من أهم الشروح التي أقيمت حول هذا المتن، وقد تناول هذا الشرح توحيد منظومة ابن عاشر بالشرح المفصل إذ تتبع دقائقه ومسائله.

ــ شرح العلامة أبو عبد الله محمد بن قاسم جسوس (ت1182هـ) على توحيد المرشد المعين لابن عاشر؛ يقع هذا الشرح في جزء، توجد نسخة منه في خزانة المسجد الأعظم بوازان.

ـ حاشية على شرح ميارة الكبير للمرشد المعين، لمحمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الرهوني (ت1230هـ)، لم تكتمل.

ـ تحفة الرحيم الرحمن على شرح العلامة بن كيران على توحيد ابن عاشر، لمحمد القادري (ت1327ه)ـ

ـ شرح على توحيد المرشد المعين. وحواشي على شرح الشيخ الطيب ابن كيران على توحيد المرشد المعين، لمحمد بن المدني كنون (ت1302هـ).

خامسا: عقيدة سيدي عبد القادر الفاسي المسماة “عقيدة أهل الإيمان”؛ لأبي محمد عبد القادر بن علي بن يوسف الفهري ثم الفاسي، الإمام العالم العَلَم، وقد شكل هذا العلم بدوره مرحلة كبرى من مراحل الفكر العقدي والسلوكي في المغرب، فقد “تصدّر للتدريس فعظُم النفع به، وكثر الأخذ عنه، وقد وقع الإطباق من مشايخ عصره على تحققه بسائر العلوم، ولا تجد عالما أو متعلما إلا وهو من تلامذته أو تلامذتهم. وكان متمسكا بالسنة، ورعا زاهدا، له قدَم  راسخ في العبادة وقيام تام على نوافل الخير. ومع سعة علمه وطول باعه في الفنون، لم يؤلف كثيرا وإنما ترك بعض آثار هي بالنسبة لعلمه الغزير كغيض من فيض، ونقطة من بحر، وهي العقيدة والفقهية المشهورتان، وأجوبة مسائله، ونحو ذلك”[23]، وقد شكلت عقيدة سيدي عبد القادر الفاسي على وجازتها مرجعا هاما ضمن الدرس العقدي في العهد العلوي، ومن الشروح التي أقيمت حولها؛ شرح حفيده أبي القاسم محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القادر الفاسي الفهري (ت.1164هـ/1750م)، سماه “تحفة الوارد والصادر في شرح العقيدة التوحيدية للجد سيدنا عبد القادر”، توجد نسخة منه بالخزانة الحسنية، رقم: 3723.

سادسا: تقاييد على كلمة الإخلاص “لا إله إلا الله”: تعتبر كلمة الإخلاص جامعة لكل معالم التوحيد كما نص على ذلك علماء العقيدة من أهل السنة، بما فيهم العلماء المغاربة، وهذا نجده صريحا في قول الإمام السنوسي في عقيدته الصغرى “أم البراهين” فبعد أن بيّن جملة من المتعلقات العقدية قال عقب ذلك: “ويجمع هذه العقائد كلها قول لا إله إلا الله”، وكذا الأمر فعله ابن عاشر في منظومته “الدر الثمين”، حيث قال عقب انتهائه من تفصيل متعلقات القسم العقدي من منظومته:

وقول  لا  إله  إلا الله           محــمد أرسلـه الإله

يجمع كل هذه المعاني          كانت  لذا  علامة  الإيمان

وهي أفضل وجوه الذكر         فاشغل بها العمر تفز بالذخر

بل إن العناية بكلمة التوحيد بلغت إلى حد العناية بجزئية من جزئياتها مثلما هو الحال في التقييد الذي وضعه أحمد بن عبد العزيز بن رشيد الهلالي (ت1175هـ) الذي له تقييد عبارة عن “جواب عن سؤال في الاستثناء في كلمة الشهادة”، توجد نسخة منه في خزانة المسجد الأعظم بوزان. ويمكن أن نورد في هذا السياق عددا من التآليف والتقاييد التي وضعت على كلمة التوحيد منها:

ـ مشرب العام والخاص من كلمة الإخلاص، لأبي علي الحسن بن مسعود اليوسي، (ت1102هـ).

ـ مناهج الخلاص من كلمة الإخلاص، لنور الدين أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي (1102هـ/1691م).

ـ كتاب في معنى لا إله إلا الله، لأبي العباس أحمد بن عبد العزيز بن رشيد السجلماسي المعروف بالهلالي (ت1175هـ/1761م).

ـ بستان المريد في كلمة التوحيد”، لأبي محمد قاسم بن عبد العزيز المراكشي السوسي التنفوتي من أهل ق 13، توجد نسخة منه في خزانة علال الفاسي، رقم:202.

ـ تقييد في عقائد الإيمان المندرجة تحت الهيللة، للحسن بن محمد كنبور الورياجلي اللجائي (ت1283هـ/ 1866م)، توجد نسخة منه في الخزانة الحسنية، رقم13972.

ـ رجز في نظم العقائد المندرجة تحت كلمة الإخلاص، لمحمد بن عبد القادر الصبيحي الزرهوني (ت1231ه).

سابعا: تقاييد على شرح أسماء الله الحسنى: إن أسماء الله الحسنى بما تتضمنه من معالم تتعلق بصفة مباشرة بالله تعالى؛ إذ هي كلها أسماء له تعالى وصفات لكماله ونعوت لجلاله، من أهم الموضوعات العقدية التي حظيت هي الأخرى بعناية كبيرة من لدن العلماء في بيان متعلقاتها ومضمَّناتها؛ فهذا باب دقيق في التوحيد يمس بصفة مباشرة علاقة العبد بالله تعالى وبيان حال الاعتقاد الذي يتوجب عليه عقده أثناء دعائه بأسماء الله تعالى؛ لذلك كانت “من أشرف مباحث علم أصول الدين؛ المباحث المتعلقة بأسمائه سبحانه تعالى وحظ الإنسان من كل اسم منها، تعلقا بها وتخلقا بمعانيها، وقد نوّه الله ـ جل ثناؤه ـ بشرف أسمائه في محكم كتابه تعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسمائه) [الأعراف: 180]، وقال جل من قائل: (قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) [الإسراء: 110]، وقال سبحانه وتعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) [طه: 8]، فأثبت لنفسه أسماء سامية وصفات مقدسة عالية”[24]، ولذا ولأهمية أسماء الله تعالى ولارتباطها بسائر مسائل علم أصول الدين فقد أفرد لها العلماء العديد من التآليف الشارحة لمعانيها المبينة لأصول الاعتقاد في فهم معانيها، بما فيهم السنوسي الذي وضع عليها شرحا سماه “شرح الأسماء الحسنى”، وغيره من الشروح، وقد نالت أسماء الله ما نالته من اهتمام في العهد العلوي.

ثامنا: أرجوزة التثبيت في ليلة المبيت؛ لجلال الدين للسيوطي؛ وهي أرجوزة مكونة من 174 بيتا في سؤال الملكين وفتنة القبور، وقد حظيت هذه الأرجوزة بدورها، ولو بنسبة أقل مقارنة مع ما سبقها من أصول عقدية، بعناية لا بأس بها، فقد وضعت عليها العديد من الشروح في الفترة التي نحن بصدد دراستها، ومن ذلك شرح محمد العربي بن يوسف بن محمد الفهري، القصري، الفاسي، (ت1089 وقيل 1090هـ)، توجد منه نسخة في خزانة المسجد الأعظم بوزان. وكذا شرح متأخر لمحمد التهامي بن المدني بن علي كنون (ت1331هـ)، سماه “شرح على “التثبيت في ليلة المبيت” توجد منه نسخة بالخزانة الحسنية رقم 12580.

تاسعا: مراصد المعتمد في مقاصد المعتقد: وهي أرجوزة في التوحيد لأبي حامد محمد العربي الفاسي (ت1052هـ) تقع في 646 بيتا، وهذه المنظومة بدورها بالإضافة إلى كونها من ضمن المتون العقدية التي تم إنشاؤها في العهد العلوي، نجدها قد حظيت بعناية كبيرة من لدن العلماء في هذا العصر وقد أنشئت عليها عدة شروح، منها الشرح الذي وضعه ابن أخ الناظم محمد بن أحمد بن يوسف الفاسي (ت1084ه)، وهذا الشرح توجد منه نسخة مخطوطة بمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء؛ ولا تخفى العناية والاهتمام الذين حظيت بهما هذه المنظومة ضمن المتون العقدية الأشعرية على تأخرها؛ فقد جاءت هي الأخرى جامعة مانعة في بابها، ميسرة في مأخذها، وهذا ما جعلها تفرض مكانتها إلى ما سبقها من متون أصول في هذا الباب. ومن الشروح أيضا التي وضعت عليها شرح عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي (ت1096هـ)، المسمى “مبتهج القاصد بشرح المراصد”.

الصفحة السابقة 1 2 3 4الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق