مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

ملامح الخطاب الصوفي في الغرب الإسلامي

فأهمية التصوف بالنسبة للثقافة الإسلامية تتجلى في إعادة قراءة التراث الديني على وفق منهج معرفي خاص، يقع خارج إطار دائرة الثقافة الدينية الإسلامية التقليدية – الفقهية والكلامية -، وربما كان ذلك سببا لاتهامهم بالكفر وإقصائهم عن الكيان الإسلامي الفكري والاجتماعي.

وإننا في هذا المقال وعلى الرغم مما تفرضه طبيعة التقصي في معاني التصوف بالنظر إليه كنوع من التجربة الروحية التي لها ما لها من سمات وأبعاد سيكولوجية خاصة ولها ارتباطات سوسيولوجية أيضا مع باقي أفراد وسط الفاعل لها… يبقى البحث المنهجي ذو مغزى وفائدة في استكناه الظاهرة الصوفية وأيضا ذو فائدة في معرفتها بشكل علمي وموضوعي بعيدا عن الذاتية التي غالبا ما تحول كنوع من العوائق المعرفية بين الدارس وبين حقيقة النزعة الصوفية .

فــ ” العقل البشري معني برؤية الحقيقة، والعقل مكون ليملك نفاذا لهذه الحقيقة والتي كانت فعلا موجودة في الأشياء أو في العالم ، ولكن العقبات والموانع حول هذه الحقيقة هي ما تمنعه من رؤيتها، والتي قد تكون ظروفا اقتصادية أو اجتماعية أو المعتقدات والأساطير الدينية ، ” [2]

فمن أجل مقاربة التصوف مقاربة علمية كان لزاما علينا تخطي أحكام القيمة والأحكام المسبقة كتلك التي يسوقها كل من المتحمسين للنموذج الصوفي باعتباره المخلص لما تتخبط فيه الأمة أو غيرهم من الذين يرون فيه نوعا من النكوص والذوبان.. وذلك لأن المنهج البحثي القويم يستدعي منا وضع الحالة أو الظاهرة موضع الدرس بغرض معرفة جزئياتها وملابسة نشأتها وعوامل انتشارها وكذا تاريخها.. بعيدا عن كل ما من شأنه توجيه نتائج البحث بشكل مسبق كالإيديولوجيات أو التوجهات السياسية.

وقد تباينت تصورات العلماء في القديم والحديث حول التصوف وذهبوا فيه سبلا شتى حتى أن الإمام السبكي في الطبقات أورد له ما يناهز ألف تعريف وحد استقصاها من موارد عرف أصحابها بتصوفهم عند القاصي والداني.

وبناء على هذا فإن مفهوم التصوف هلامي غير منضبط أو متعين فيصعب إن لم نقل يستحيل أن يحسم فيه وذلك بكل بساطة لارتباطه بالتجربة الصوفية التي تتسم بالفردانية وبالتالي هي بعدد أنفاس الخلائق، فالتجربة الصوفية مختلفة عن مثيلاتها والتعريف الذي يبنى بناء على تلك التجربة حتمي الاختلاف عن باقي التعاريف .

ومن ذلك ما ورد في الرسالة القشيرية من تعريف للتصوف بأنه ” ذكر مع اجتماع، ووجد مع استماع، وعمل مع اتباع”[3]

وهو تعريف يجمع بين توليفات سجعية تظهر في أول وهلة أنها بسيطة ولكنها إذا ما تم إرجاعها إلى القاموس الصوفي أو قرائتها ضمن البراديغم الصوفي سيكون لها عمق دلالي لا يدركه إلا الراسخون في التصوف، ويرى بعض الدارسين أن الغاية والهدف من عمومية تعريف أهل التصوف لطريقتهم وغموضه هو رغبتهم في الإلغاز والإسرار لمذهبهم على المشاكسين من الفقهاء وغيرهم وهذا ما يفسر مساءلة الإمام الكلاباذي[4] للصوفية : ” ما بالكم ، أيها المتصوفة ، اشتققتم ألفاظا ، أغربتم بها على السامعين ، وخرجتم عن اللسان المعتاد، هل هذا إلا طلب للتمويه أو ستر لعوار المذهب ” [5]، فهذه عينة من العناصر التي تجعل تعريف علم التصوف ممتنعا على الحصر .

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9الصفحة التالية
Science

ذ. علي المطهري

طالب باحث في سلك الدكتوراه، كلية أصول الدين؛ المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق