مكافحة خطاب الكراهية والتطرف: نحو خطاب بديل متسامح
يمثل خطاب الكراهية والتطرف تحديات كبيرة أمام التعايش السلمي بين المجتمعات المتنوعة، يمكن أن تؤدي هذه المشاعر والأيديولوجيات السلبية إلى تنامي صراعات وأعمال إرهابية وتمييز ضد الأفراد أو الجماعات على أساس عرقهم أو دينهم أو خصائص أخرى، لقد أدرك العلماء والفلاسفة والناشطون منذ فترة طويلة الحاجة إلى مكافحة خطاب الكراهية والتطرف، ليس فقط من خلال التدابير الأمنية والردعية فقط، ولكن أيضا من خلال معالجة الأسباب الجذرية الكامنة داخل الأفراد أنفسهم.
أحد الأقوال المؤثرة، المنسوبة إلى أحد العلماء الربانيين، المتشبعين بقيم المحبة والسلام يقول: "الذين يُحاولون استئصال الحقد والكراهية من نفوسهم هُم الشجعان فقط، أما الذين لا يحاولون فهُم الجُبناء والعَاجزون"، فهو يؤكد أن الشجاعة المطلوبة والشجاعة الحقيقية تكمن في استئصال الكراهية والتطرف من قلب المرء، ويجزم أن أولئك الذين يعملون بنشاط من أجل القضاء على هذه المشاعر السلبية يظهرون شجاعة حقيقية، في حين أن أولئك الذين لا يفعلون ذلك يوصفون بالجبن والعجز.
سنحاول في هذا المقال عمق وأهمية هذا القول في سياق الجهود المعاصرة لمكافحة الكراهية والتطرف، وإيجاد خطاب بديل يمكن الاعتماد عليه في نشر قيم المحبة والسلام والتعايش بين الناس.
يمكن تحليل خطاب الكراهية والتطرف وتفكيكه عبر مجموعة من الأبعاد، كل بعد له أهميته في استئصال هذه الخطابات، وإيجاد خطاب بديل عنه.
البعد النفسي:
لا شد أن البعد النفسي له أهميته في تفريخ مجموعة من المتطرفين، بناء على استغلالهم للضعف النفسي للأفراد، وعدم مواكبتهم للصحة النفسية التي أضحت في وقتنا الحالي ضرورة ملحة، فيعمل المتطرفون على توجيه فوهة إفراغ المشاعر السلبية نحو الدولة ونظام المجتمع من أجل زعزعة استقراره وإرهابه.
إن منبع خطاب الكراهية والتطرف عند هذه الفئة نابع من الخوف والجهل وانعدام التعاطف، أما الحل الذي يمكن سلوكه في مثل هذه الحالات هو محاولة استئصال هذه المشاعر السلبية من روح الفرد، وهي تتطلب خطابات بديلة تحمل قيم الجمال والمحبة وتكوين الوعي الذاتي والذكاء العاطفي بأهمية هذه الخطابات البديلة، إنها تنطوي على مواجهة التحيزات والأحكام المسبقة، والسعي بنشاط وحيوية نحو قيم ايجابية مثل: التفاهم والرحمة والمحبة والسلام...
يمكن أن تكون رحلة القضاء على الكراهية من داخل النفس شاقة غير يسيرة، لأنها تستلزم الاعتراف بإنسانية الآخرين، وبحقهم في الاختلاف عنا، إن عملية التحول الذاتي هذه تتطلب القوة والمرونة، وهي صفات تتوافق مع مفهوم الشجاعة المذكورة في المثل، يتطلب الأمر بحق الشجاعة لمواجهة عيوب الفرد، ومعرفة النقص الحاصل في نفسيته، والعمل بنشاط على تحقيق النمو النفسي الشخصي الإيجابي في هذا الصدد، ومعالجة الأمراض النفسية لدى الأطباء المختصين.
البعد الاجتماعي:
وعلى المستوى المجتمعي، يعد مكافحة الكراهية والتطرف مسعى أساسيًا لبناء مجتمعات شاملة ومتسامحة، عندما يواجه الأفراد التحدي المتمثل في استئصال الكراهية من أرواحهم، فإنهم يساهمون في ترابط النسيج الاجتماعي وتقويته من خلال تعزيز التفاهم والتعاون، وهم بذلك يساعدون في تفكيك الأسس التي تزدهر عليها الكراهية والتطرف، وتقوض انتشاره، بالإضافة إلى ذلك، فإن الأفراد الذين يسعون بنشاط إلى القضاء على الكراهية غالبًا ما يكونون قدوة داخل مجتمعاتهم، وعلى الدولة ومؤسساتها تشجيع هؤلاء النماذج ودعمهم، ولما لا خلق جو من المنافسة الشريفة في سبيل إعطاء صورة مشرفة على العمل الجاد والطموح للدولة ومؤسساتها، وكذا المجتمع المدني لتضييق الخناق على خطابات الكراهية حتى لا تجد مجالا للانتشار والتمدد، إن شجاعة أفراد المجتمع الواعي بالقضية وخطورتها في تحدي الصور النمطية والتحيزات والخطاب المثير للخلاف، تلهم الآخرين على أن يحذوا حذوهم، ويسيروا سيرهم ونتيجة لذلك، يمكن أن ينتشر تأثير مضاعف للتغيير الإيجابي عبر المجتمع، مما يخلق بيئة أكثر شمولاً ورأفة للجميع.
البعد الأخلاقي والروحي:
ومن الناحية الأخلاقية والروحية، فإن العمل الجاد للقضاء على الكراهية والتطرف يتوافق مع مبادئ الأخلاق والروحانية الإسلامية المعتدلة، فالكراهية غالبا ما تؤدي إلى أفعال ضارة ومشينة، في حين أن التطرف يمكن أن يبرر العنف باسم الأيديولوجية، ومن خلال إرساء دعائم منهج إسلامي معتدل، لا غلو فيه ولا تطرف، واختيار مسلك أخلاقي مبني على قيم التعاطف والرحمة والسلام والتعايش المشترك، ونبذ كل أشكال التحيز والكراهية، يمكنه نشر خطاب بديل تهوي إليه أفئدة الناس.
علاوة على ذلك، يؤكد هذا القول على المسؤولية الأخلاقية لكل فرد للمساهمة في بناء مجتمع أفضل، ويشير إلى أن التقاعس عن العمل في مواجهة الكراهية والتطرف هو بمثابة عمل الجبناء والكسالى والعاجزين، ومن أجل دعم واجبنا الأخلاقي والروحي، من الضروري مكافحة هذه القوى المدمرة داخل الذات وداخل المجتمع.
استراتيجيات مكافحة الكراهية والتطرف:
لمكافحة خطاب الكراهية والتطرف لابد من العمل على عدة مستويات ليكون العمل شاملا ومحيطا بهذه الظواهر لتشديد الخناق عليها، ومن هذه المستويات:
التعليم: تعزيز برامج التعليم والتوعية التي تعلم التعاطف والتسامح والتفكير النقدي لمكافحة الجهل والتحيز.
الحوار: تشجيع الحوارات المفتوحة والمحترمة بين الأفراد من خلفيات متنوعة لتعزيز التفاهم وسد الفجوات، وإعطاء القدوة الحسنة في كيفية تدبير النقاشات بين مجموعات مختلفة.
الخطابات المضادة: تطوير ونشر الخطابات التي تتعارض مع الأيديولوجيات المتطرفة، بشكا مبسط ويسير على الفهم، مع التأكيد على قيمة التنوع والتعايش.
القدوة الحسنة: تسليط الضوء على الأفراد الذين نجحوا في التغلب على الكراهية والتطرف باعتبارهم قدوة ملهمة، وتسليط الضوء على بعض رموز التطرف وكيف أنهم تراجعوا عن فكرهم الهدام.
شبكات الدعم: إنشاء أنظمة دعم للأفراد الذين يعانون من الأيديولوجيات المتطرفة أو الكراهية، مما يوفر لهم طريقًا لإعادة التأهيل وإعادة الإدماج.
مشاريع علمية بديلة: الانخراط في ورش تجديد الخطاب الديني من خلال فتح مشاريع علمية جادة تهدف إلى بلورة خطاب يدعوا إلى المحبة والسلام، ونبذ كل أشكال الكراهية والتطرف.
في الختام إن مقولة: "الذين يحاولون استئصال الحقد والكراهية من نفوسهم هم وحدهم الشجعان، ومن لا يحاول هم جبناء وعاجزون"، تحمل رسالة عميقة لمكافحة خطاب الكراهية والتطرف، وتدعو الأفراد إلى إظهار الشجاعة من خلال مواجهة تحيزاتهم والعمل بنشاط من أجل مجتمع أكثر تسامحا وشمولا، ومن خلال الاعتراف بالأبعاد النفسية والاجتماعية والأخلاقية لهذا المفهوم وتنفيذ استراتيجيات التغيير، يمكننا أن نسعى بشكل جماعي من أجل عالم لا مكان فيه للكراهية والتطرف، حيث تسود فيه الشجاعة الحقيقية في السعي إلى السلام والتفاهم وحب الخير للجميع.