مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةمفاهيم

مفهوم الكرامة عند الأشاعرة 2/1

 

الكرامة في اللغة:
جاء في لسان العرب مادة (كرم): الكَريم من صفات الله وأَسمائه، وهو الكثير الخير الجَوادُ المُعطِي الذي لا يَنْفَدُ عَطاؤه، وهو الكريم المطلق، والكَريم الجامع لأَنواع الخير والشرَف والفضائل، والكَريم اسم جامع لكل ما يُحْمَد، فالله عز وجل كريم حميد الفِعال، ورب العرش الكريم العظيم؛… والكَرَم نقيض اللُّؤْم يكون في الرجل بنفسه وإن لم يكن له آباء، ويستعمل في الخيل والإبل والشجر وغيرها من الجواهر إذا عنوا العِتْق، وأَصله في الناس، قال ابن الأَعرابي: كَرَمُ الفرَس أن يَرِقَّ جلده ويَلِين شعره وتَطِيب رائحته، وقد كَرُمَ الرجل وغيره بالضم كَرَماً وكَرامة، فهو كَرِيم وكَرِيمةٌ وكِرْمةٌ ومَكْرَم ومَكْرَمة”[1]. 
 وفي مختار الصحاح [ كرم ]: الكَرَمُ بفتحتين ضد اللؤم، وقد كَرُمَ بالضم كَرَما فهو كَرِيمٌ، وقوم كِرَامٌ وكَرَمَاءُ ونسوةٌ كَرَائِمُ ورجل كَرَمٌ …و المَكْرُمَةُ واحدة المَكَارِمِ، و المَكْرُم: المكرمة عند الكسائي، وعند الفراء هو جمع مكرمةٍ، و الأُكْرُومَةُ من الكرم كالأعجوبة من العجب، و التكَرُّمُ تكلف الكرم، وقال: 
تكرم لتعتاد الجميل فلن ترى*** أخا كرم إلا بأن يتكرما 
و أكْرَمَ الرجل أتى بأولاد كرام، و اسْتَكْرَمَ استحدث علقا كريما، و التكْرِيمُ و الإكْرامُ بمعنى، والاسم منه الكَرَامَةُ، ويقال: حمل إليه الكرامة…”[2]
وفي تاج العروس: “الكرم محركة ضد اللؤم… وكارمه: فاخره في الكرم ( فكرمه كنصره )؛ أي ( غلبه فيه)؛ أي الكرم، ( وأكرمه ) إكراما ( وكرمه ) تكريما ( عظمه ونزهه ) والاسم منهما الكرامة، قال أبو المثلم: “ومن لا يكرم نفسه لا يكرم”، وقيل: الإكرام والتكريم أن يوصل إلى الانسان بنفع لا تلحقه فيه غضاضة، أو يوصل إليه بشئ شريف، وقال الشاعر :
إذا ما أهان امرؤ نفسه *** فلا أكرم الله من أكرمه[3].
الكرامة في كتب الاصطلاح:
قال المناوي في مهمات التعاريف: “الكرامة اسم للإكرام ، وهو إيصال الشيء الكريم أي النفيس إلى المكرم…”[4] ، و قال الجرجاني: “الكرامة هي ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غير مقارن لدعوى النبوة، فما لا يكون مقرونا بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجا، وما يكون مقرونا بدعوى النبوة يكون معجزة.[5]
وورد في كتاب الكليات: “وكل خارق ظهر على يد النبي عليه الصلاة والسلام بعينه فهو من باب الكرامات ، والأنبياء قبل البعثة لا يخرجون عن درجة الأولياء ، وظهور الكرامات على يد الأولياء جائز عندنا، ومعجزة النبي يراها المسلم والكافر ، والمطيع والعاصي وأما كرامة الولي فلا يراها إلا مثله ، ولا يراها الفاسق.[6]
قال الشيخ بن عجيبة  في أنواع الكرامة : «وهي نوعان: الكرامة الحسية: هي خرق الحس العادي، كالمشي على الماء، والطيران في الهواء، وطي الأرض، ونبع الماء، وجلب الطعام، والاطلاع على المغيبات وغير ذلك من خوارق العادات.
والكرامة المعنوية: هي استقامة العبد مع ربه في الظاهر والباطن، وكشف الحجاب عن قلبه حتى عرف مولاه، والظفر بنفسه ومخالفة هواه، وقوة يقينه وسكونه وطمأنينته بالله، والمعتبر عند المحققين هي هذه الكرامة»[7].
الكرامة عند الأشاعرة:
–  عند أبي الحسن الأشعري رحمه الله:
“وكان يقول: إن المعجزات لا يجوز أن تظهر إلا على الصادقين، لأنها لإبانة الصادق من الكاذب، ومثلها من جنسها قد يجوز أن يظهر على من ليس بنبي من الأولياء ويكون كرامات لهم ودلالات على صدقهم في أحوالهم ومقاماتهم، غير أن الرسول يدعي ذلك فيظهر عند دعواه، ويباهي به قومه، ويتحدى قومه قدر الإمكان بالإتيان بمثله، والولي لا يتحدى بها ولا يظهرها، ولا يدعي فيها بل يرى رؤيتها، والنظر إليها وغلإعجاب بها، والدعوى فيها خطأ ومعصية”[8].
–  عند أبي بكر الباقلاني:
قال الإمام النووي في بستان العارفين نقلا عن أبي بكر الباقلاني: “وقال أوحد وقته في فنه القاضي أبو بكر الباقلاني رضي الله تعالى عنه:
المعجزات تختص بالأنبياء، والكرامات تكون للأولياء، كما تكون للأنبياء، ولا تكون للأولياء معجزة، لأن من شرط المعجزة اقتران دعوى النبوة بها.
والمعجزة لم تكن معجزة لعينها؛ وإنما كانت معجزة لحصولها على أوصاف كثيرة، فمتى اختل شرط من تلك الشرائط لا تكون معجزة”
وقد بسط القاضي أبو بكر الكلام في ذلك، في كتابه المصنّف في الفرق بيـن المعـجزات، والكرامات، والحيل، والكهانات، والسحر، والنيرنجيات، والكتاب طبع أول مرة، ونشره الأب رتشرد يوسف مكارثي اليسوعي عام 1958، في المكتبة الشرقية ببيروت1958م بعنوان: البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات، والحيل والكهانة والسحر والنرنجات[9]. والكتاب طبع ناقصا، وقد نقل الباقلاني عن الباقلاني قي كتابه النبوات[10]
أبو اسحاق الاسفراييني وإنكار الكرامات:
أمّا عن إنكاره لكرامات الأولياء؛ فقد ذكر ذلك الجويني في الإرشاد فقال: “فالذي صار إليه أهل الحق جواز انخراق العادات في حق الأولياء، و أطبقت المعتزلة على منع ذلك، و الأستاذ أبو إسحاق رضي الله عنه يميل إلى قريب من مذاهبهم”[11].
وذكر ذلك الذهبي عنه أيضا في السير نقلا عن القشيري، فقال: “وحكى أبو القاسم القشيري عنه أنّه كان يُنكر كرامات الأولياء، ولا يُجوّزها. وهذه زلة كبيرة”[12]. 
ورد السبكي هذا الإنكار عن أبي إسحاق فقال: “ويزداد تعجبي عند نسبة إنكارها إلى الأستاذ أبي إسحاق الاسفراييني، وهو من أساطين أهل السنة والجماعة، على أن نسبة إنكارها إليه على الإطلاق كذب عليه. والذي ذكره الرجل في مصنفاته أن الكرامات لا تبلغ مبلغ خرق العادة”[13].
واعتذر ابن خلدون في مقدمته لأبي إسحاق الاسفراييني بأن النقل عن الأستاذ في ذلك ليس صريحاً[14]. 
جواز الكرامات  و وقوعها عقلا و سمعا وتمييزها من المعجزات عند الإمام الجويني: 
قال الجويني في الإرشاد: “فالذي صار اليه أهل الحق جواز انخراق العادات في حق الأولياء، وأطبقت المعتزله على منع ذلك، و الأستاذ أبو إسحاق رضي الله عنه يميل إلى قريب من مذاهبهم.
ثم مجوزو الكرامات تحزبوا أحزابا. فمن صائر إلى أن شرط الكرامة الخارقة للعادة أن تجري من غير إيثار و اختيار من الولي، و صار هؤلاء إلى أن الكرامة تفارق المعجزة من هذا الوجه، و هذا غير صحيح لما سنذكره. و صار صائرون إلى تجويز وقوع الكرامة على حكم الاختيار، و لكنهم منعوا وقوعها على قضيه الدعوى؛ فقالوا: لو ادعى الولي الولاية، و اعتضد إيثار دعوته بما يخرق العادة، فإن ذلك ممتنع، و هؤلاء يقدرون ذلك تمييزا بين الكرامة و المعجزة. و هذه الطريقة غير مرضيه أيضا، و لا يمتنع عندنا ظهور خوارق العوايد مع الدعوى المفروضة.
و صار بعض أصحابنا إلى أن ما وقع معجزة لنبي، لا يجوز وقوعه كرامة لولي؛ فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر، و تنقلب العصا ثعبانا، و يحيي الموتى كرامه لولي، إلى غير ذلك من آيات الأنبياء، و هذه الطريق غير سديدة أيضا. و المرضي عندنا، تجويز جمله خوارق العوايد في معارض الكرامات.
و غرضنا من تزييف هذه الطرق و إثبات الصحيح عندنا، و الميز بين الكرامة و المعجزة، يستبين بذكرنا عمد نفاة الكرامة؛ و تفصينا عنها، و تعويلنا على القواطع في إثباتها.
فمما تمسك به نفاة الكرامة أن قالوا: لو جاز انخراق العادة من وجه، لجاز ذلك من كل وجه، ثم يجر مقاد ذلك إلى ظهور ما كان معجزة لنبي على يد ولي، و ذلك يفضي إلى تكذيب النبي المتحدي بآيته، القائل لمن تحداه: لا يأتي أحد بمثل ما أتيت به. فلو جاز إتيان الولي بمثله، لتضمن ذلك نسبة الأنبياء إلى الافتراء.
و هذا تمويه لا تحصيل له، إذ لا خلاف في أن الشي‏ء الواحد من خوارق العوائد يجوز أن يكون معجزه لنبي بعد نبي، ثم لا يكون ظهوره ثانيا مكذبا لمن تحدى به أولا. فإن قالوا: النبي يقيد دعواه في خطاب من تحداه، و يقول: لا يأتي أحد بمثل ذلك إلا من يدعي النبوة صادقا في دعواه.
قلنا: إن ساغ تقييد الدعوى بما ذكرتموه، فلا يمتنع أيضا أن يقول النبي لا يأتي بمثل ذلك متنبي و لا ممخرق مفتر، و لا من يروم تكذيبي؛ و تخرج الكرامات عن هذه الجهات و ليس تقييد أولى من تقييد.
و مما احتجوا به، أن قالوا: لو جوزنا انخراق العوائد للأولياء، لم نأمن في وقتنا وقوعه، و ذلك يؤدي إلى أن يتشكك اللبيب في جريان دجله دما عبيطا، و انقلاب الأطواد ذهبا إبريزا، و حدوث بشر من غير إعلاق و ولادة، و تجويز ذلك سفسطة و تشكك في الضروريات.
قلنا: هذا الذي ذكرتموه ينعكس عليكم في زمان الأنبياء فإن الذين كانوا في مدة الفترة، و هي ما بين العروج بعيسى عليه السلام إلى ابتعاث محمد صلى الله عليه و سلم، كان لا يسوغ منهم تجويز ما منعتم تجويزه في محاوله دفع الكرامات،و لما ابتعث النبي، و ظهرت الآيات، و انخرقت العادات، استل عن صدور العقلاء الأمن من وقوع خوارق العوائد.
و هذا سبيلنا في الذي دفعنا إليه فنحن الآن على أمن من أن ما قدروه لا يقع، فإن قدر الله وقوعه قلب العادة، و أزال العلوم الضرورية بأن ما قدروه لا يقع. فقد بطل ما قالوه، و استبان بانفصالنا عنه أصل في الكرامة.
فإن قيل: ما دليلكم على تجويزها؟ قلنا: ما من أمر يخرق العوائد إلا و هو مقدور للرب تعالى ابتداء، و لا يمتنع وقوع شي‏ء لتقبيح عقل لما مهدناه فيما سبق. و ليس في وقوع الكرامة ما يقدح في المعجزة؛ فإن المعجزة لا تدل لعينها، و إنما تدل لتعلقها بدعوى النبي الرسالة و نزولها منزلة التصديق بالقول. و الملك الذي يصدق مدعي الرسالة بما يوافقه و بما يطابق دعواه، لا يمتنع أن يصدر منه مثله إكراما لبعض أوليايه. و لا يقدح مرام الإكرام في قصد التصديق، إذا أراد التصديق، و لا خفاء بذلك على من تأمل.
فإن قيل: فما الفرق بين الكرامة و المعجزة؟ قلنا: لا يفترقان في جواز العقل، إلا بوقوع المعجزة على حسب دعوى النبوءة.
و استدل مثبتو الكرامات بما لا سبيل إلى دريه في مواقع السمع. فإن أصحاب الكهف و ما جرى لهم من الآيات لا سبيل إلى جحده، و ما كانوا أنبياء اجماعا. و كذلك خصت مريم عليها السلام‏ بضروب من الآيات؛ فكان زكريا صلوات الله عليه يصادف عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، و يقول معجبا: «أنى لك هذا». و تساقط عليها الرطب الجني، إلى غير ذلك من آياتها. و كذلك أم موسى عليها السلام، ألهمت في أمره بما لا خفاء به. و جرى من الآيات في مولد الرسول عليه السلام ما لا ينكره منتم إلى الإسلام و كان ذلك قبل النبوءة، والانبعاث و المعجزة لا تسبق دعوى النبوءة كما قدمناه.
فإن تعسف بعضهم و زعم أن الآيات التي استدللنا بها كانت معجزات لنبي كل عصـر، فذلك اقتحام للجهالة. فإنا إذا بحثنا عن العصور الخالية، لم نلف الآيات التي تمسكنا بها مقترنة بدعوى، بل كانت تقع من غير تحد لمتحد. فإن قالوا: إنما وقعت للأنبياء دون دعواهم فشـرط المعجزة الدعوى، فإذا فقدت كانت خوارق العادات كرامة للأنبياء، و يحصل بذلك غرضنا في إثبات الكرامات، و لم يكن في وقت مولد الرسول نبي تستند إليه آياته. فقد وضحت الكرامات جوازا و وقوعا، عقلا و سمعا.[15]
الهوامش:
1. لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر – بيروت، الطبعة الأولى (12/ 510)
2. مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، تحقيق : محمود خاطر ، مكتبة لبنان ناشرون – بيروت، طبعة جديدة ، 1415 – 1995 (ص: 586)
3. تاج العروس (ص: 7874)، وانظر: المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده المرسي، تحقيق عبد الحميد هنداوي (7/ 27)، و المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد، بتحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، (2/ 50). 
4. التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبد الرؤوف المناوي، دار الفكر المعاصر , دار الفكر – بيروت , دمشق،  الطبعة الأولى ، 1410 (ص: 601)
5. التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، تحقيق : إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة الأولى ، 1405 (ص: 235)، ومثله في: التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبد الرؤوف المناوي، دار الفكر المعاصر , دار الفكر – بيروت , دمشق،  الطبعة الأولى ، 1410 (ص: 601)
6. كتاب الكليات ، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، تحقيق : عدنان درويش – محمد المصري ، مؤسسة الرسالة – بيروت – 1419هـ – 1998م.  (ص: 433)
7. إيقاظ الهمم في شرح الحكم ، ابن عجيبة الحسني (ص:336).
8. مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري، لابن فورك، تحقيق وضبط أحمد عبد الرحيم السائح مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة الثانية،1427هـ/2006م.( ص: 183)
9. انظر كتاب التقريب والإرشاد الصغير للباقلاني، بتحقيق: عبد الحميد بن علي أبو زنيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1418هـ/1998م، ص: 439 هامش:14
10. انظر: النبوات لابن تيمية (1/ 544) 
11. الإرشاد للجويني، دار الكتب العلمية (ص:130)
12. سير أعلام النبلاء 17/353.
13. طبقات الشافعية للسبكي 2/315
14. مقدمة ابن خلدون 1/402.
15. الإرشاد للجويني، (ص:130-131)
أعدّه الباحث: د.يوسف الحزيمري

الكرامة في اللغة:

جاء في لسان العرب مادة (كرم): الكَريم من صفات الله وأَسمائه، وهو الكثير الخير الجَوادُ المُعطِي الذي لا يَنْفَدُ عَطاؤه، وهو الكريم المطلق، والكَريم الجامع لأَنواع الخير والشرَف والفضائل، والكَريم اسم جامع لكل ما يُحْمَد، فالله عز وجل كريم حميد الفِعال، ورب العرش الكريم العظيم؛… والكَرَم نقيض اللُّؤْم يكون في الرجل بنفسه وإن لم يكن له آباء، ويستعمل في الخيل والإبل والشجر وغيرها من الجواهر إذا عنوا العِتْق، وأَصله في الناس، قال ابن الأَعرابي: كَرَمُ الفرَس أن يَرِقَّ جلده ويَلِين شعره وتَطِيب رائحته، وقد كَرُمَ الرجل وغيره بالضم كَرَماً وكَرامة، فهو كَرِيم وكَرِيمةٌ وكِرْمةٌ ومَكْرَم ومَكْرَمة”[1]. 

 وفي مختار الصحاح [ كرم ]: الكَرَمُ بفتحتين ضد اللؤم، وقد كَرُمَ بالضم كَرَما فهو كَرِيمٌ، وقوم كِرَامٌ وكَرَمَاءُ ونسوةٌ كَرَائِمُ ورجل كَرَمٌ …و المَكْرُمَةُ واحدة المَكَارِمِ، و المَكْرُم: المكرمة عند الكسائي، وعند الفراء هو جمع مكرمةٍ، و الأُكْرُومَةُ من الكرم كالأعجوبة من العجب، و التكَرُّمُ تكلف الكرم، وقال: 

تكرم لتعتاد الجميل فلن ترى*** أخا كرم إلا بأن يتكرما 

و أكْرَمَ الرجل أتى بأولاد كرام، و اسْتَكْرَمَ استحدث علقا كريما، و التكْرِيمُ و الإكْرامُ بمعنى، والاسم منه الكَرَامَةُ، ويقال: حمل إليه الكرامة…”[2]

وفي تاج العروس: “الكرم محركة ضد اللؤم… وكارمه: فاخره في الكرم ( فكرمه كنصره )؛ أي ( غلبه فيه)؛ أي الكرم، ( وأكرمه ) إكراما ( وكرمه ) تكريما ( عظمه ونزهه ) والاسم منهما الكرامة، قال أبو المثلم: “ومن لا يكرم نفسه لا يكرم”، وقيل: الإكرام والتكريم أن يوصل إلى الانسان بنفع لا تلحقه فيه غضاضة، أو يوصل إليه بشئ شريف، وقال الشاعر :

إذا ما أهان امرؤ نفسه *** فلا أكرم الله من أكرمه[3].

الكرامة في كتب الاصطلاح:

قال المناوي في مهمات التعاريف: “الكرامة اسم للإكرام ، وهو إيصال الشيء الكريم أي النفيس إلى المكرم…”[4] ، و قال الجرجاني: “الكرامة هي ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غير مقارن لدعوى النبوة، فما لا يكون مقرونا بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجا، وما يكون مقرونا بدعوى النبوة يكون معجزة.[5]

وورد في كتاب الكليات: “وكل خارق ظهر على يد النبي عليه الصلاة والسلام بعينه فهو من باب الكرامات ، والأنبياء قبل البعثة لا يخرجون عن درجة الأولياء ، وظهور الكرامات على يد الأولياء جائز عندنا، ومعجزة النبي يراها المسلم والكافر ، والمطيع والعاصي وأما كرامة الولي فلا يراها إلا مثله ، ولا يراها الفاسق.[6]

قال الشيخ بن عجيبة  في أنواع الكرامة : «وهي نوعان: الكرامة الحسية: هي خرق الحس العادي، كالمشي على الماء، والطيران في الهواء، وطي الأرض، ونبع الماء، وجلب الطعام، والاطلاع على المغيبات وغير ذلك من خوارق العادات.

والكرامة المعنوية: هي استقامة العبد مع ربه في الظاهر والباطن، وكشف الحجاب عن قلبه حتى عرف مولاه، والظفر بنفسه ومخالفة هواه، وقوة يقينه وسكونه وطمأنينته بالله، والمعتبر عند المحققين هي هذه الكرامة»[7].

الكرامة عند الأشاعرة:

–  عند أبي الحسن الأشعري رحمه الله:

“وكان يقول: إن المعجزات لا يجوز أن تظهر إلا على الصادقين، لأنها لإبانة الصادق من الكاذب، ومثلها من جنسها قد يجوز أن يظهر على من ليس بنبي من الأولياء ويكون كرامات لهم ودلالات على صدقهم في أحوالهم ومقاماتهم، غير أن الرسول يدعي ذلك فيظهر عند دعواه، ويباهي به قومه، ويتحدى قومه قدر الإمكان بالإتيان بمثله، والولي لا يتحدى بها ولا يظهرها، ولا يدعي فيها بل يرى رؤيتها، والنظر إليها وغلإعجاب بها، والدعوى فيها خطأ ومعصية”[8].

–  عند أبي بكر الباقلاني:

قال الإمام النووي في بستان العارفين نقلا عن أبي بكر الباقلاني: “وقال أوحد وقته في فنه القاضي أبو بكر الباقلاني رضي الله تعالى عنه:

المعجزات تختص بالأنبياء، والكرامات تكون للأولياء، كما تكون للأنبياء، ولا تكون للأولياء معجزة، لأن من شرط المعجزة اقتران دعوى النبوة بها.

والمعجزة لم تكن معجزة لعينها؛ وإنما كانت معجزة لحصولها على أوصاف كثيرة، فمتى اختل شرط من تلك الشرائط لا تكون معجزة”

وقد بسط القاضي أبو بكر الكلام في ذلك، في كتابه المصنّف في الفرق بيـن المعـجزات، والكرامات، والحيل، والكهانات، والسحر، والنيرنجيات، والكتاب طبع أول مرة، ونشره الأب رتشرد يوسف مكارثي اليسوعي عام 1958، في المكتبة الشرقية ببيروت1958م بعنوان: البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات، والحيل والكهانة والسحر والنرنجات[9]. والكتاب طبع ناقصا، وقد نقل الباقلاني عن الباقلاني قي كتابه النبوات[10]

أبو اسحاق الاسفراييني وإنكار الكرامات:

أمّا عن إنكاره لكرامات الأولياء؛ فقد ذكر ذلك الجويني في الإرشاد فقال: “فالذي صار إليه أهل الحق جواز انخراق العادات في حق الأولياء، و أطبقت المعتزلة على منع ذلك، و الأستاذ أبو إسحاق رضي الله عنه يميل إلى قريب من مذاهبهم”[11].

وذكر ذلك الذهبي عنه أيضا في السير نقلا عن القشيري، فقال: “وحكى أبو القاسم القشيري عنه أنّه كان يُنكر كرامات الأولياء، ولا يُجوّزها. وهذه زلة كبيرة”[12]. 

ورد السبكي هذا الإنكار عن أبي إسحاق فقال: “ويزداد تعجبي عند نسبة إنكارها إلى الأستاذ أبي إسحاق الاسفراييني، وهو من أساطين أهل السنة والجماعة، على أن نسبة إنكارها إليه على الإطلاق كذب عليه. والذي ذكره الرجل في مصنفاته أن الكرامات لا تبلغ مبلغ خرق العادة”[13].

واعتذر ابن خلدون في مقدمته لأبي إسحاق الاسفراييني بأن النقل عن الأستاذ في ذلك ليس صريحاً[14]. 

جواز الكرامات  و وقوعها عقلا و سمعا وتمييزها من المعجزات عند الإمام الجويني: 

قال الجويني في الإرشاد: “فالذي صار اليه أهل الحق جواز انخراق العادات في حق الأولياء، وأطبقت المعتزله على منع ذلك، و الأستاذ أبو إسحاق رضي الله عنه يميل إلى قريب من مذاهبهم.

ثم مجوزو الكرامات تحزبوا أحزابا. فمن صائر إلى أن شرط الكرامة الخارقة للعادة أن تجري من غير إيثار و اختيار من الولي، و صار هؤلاء إلى أن الكرامة تفارق المعجزة من هذا الوجه، و هذا غير صحيح لما سنذكره. و صار صائرون إلى تجويز وقوع الكرامة على حكم الاختيار، و لكنهم منعوا وقوعها على قضيه الدعوى؛ فقالوا: لو ادعى الولي الولاية، و اعتضد إيثار دعوته بما يخرق العادة، فإن ذلك ممتنع، و هؤلاء يقدرون ذلك تمييزا بين الكرامة و المعجزة. و هذه الطريقة غير مرضيه أيضا، و لا يمتنع عندنا ظهور خوارق العوايد مع الدعوى المفروضة.

و صار بعض أصحابنا إلى أن ما وقع معجزة لنبي، لا يجوز وقوعه كرامة لولي؛ فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر، و تنقلب العصا ثعبانا، و يحيي الموتى كرامه لولي، إلى غير ذلك من آيات الأنبياء، و هذه الطريق غير سديدة أيضا. و المرضي عندنا، تجويز جمله خوارق العوايد في معارض الكرامات.

و غرضنا من تزييف هذه الطرق و إثبات الصحيح عندنا، و الميز بين الكرامة و المعجزة، يستبين بذكرنا عمد نفاة الكرامة؛ و تفصينا عنها، و تعويلنا على القواطع في إثباتها.

فمما تمسك به نفاة الكرامة أن قالوا: لو جاز انخراق العادة من وجه، لجاز ذلك من كل وجه، ثم يجر مقاد ذلك إلى ظهور ما كان معجزة لنبي على يد ولي، و ذلك يفضي إلى تكذيب النبي المتحدي بآيته، القائل لمن تحداه: لا يأتي أحد بمثل ما أتيت به. فلو جاز إتيان الولي بمثله، لتضمن ذلك نسبة الأنبياء إلى الافتراء.

و هذا تمويه لا تحصيل له، إذ لا خلاف في أن الشي‏ء الواحد من خوارق العوائد يجوز أن يكون معجزه لنبي بعد نبي، ثم لا يكون ظهوره ثانيا مكذبا لمن تحدى به أولا. فإن قالوا: النبي يقيد دعواه في خطاب من تحداه، و يقول: لا يأتي أحد بمثل ذلك إلا من يدعي النبوة صادقا في دعواه.

قلنا: إن ساغ تقييد الدعوى بما ذكرتموه، فلا يمتنع أيضا أن يقول النبي لا يأتي بمثل ذلك متنبي و لا ممخرق مفتر، و لا من يروم تكذيبي؛ و تخرج الكرامات عن هذه الجهات و ليس تقييد أولى من تقييد.

و مما احتجوا به، أن قالوا: لو جوزنا انخراق العوائد للأولياء، لم نأمن في وقتنا وقوعه، و ذلك يؤدي إلى أن يتشكك اللبيب في جريان دجله دما عبيطا، و انقلاب الأطواد ذهبا إبريزا، و حدوث بشر من غير إعلاق و ولادة، و تجويز ذلك سفسطة و تشكك في الضروريات.

قلنا: هذا الذي ذكرتموه ينعكس عليكم في زمان الأنبياء فإن الذين كانوا في مدة الفترة، و هي ما بين العروج بعيسى عليه السلام إلى ابتعاث محمد صلى الله عليه و سلم، كان لا يسوغ منهم تجويز ما منعتم تجويزه في محاوله دفع الكرامات،و لما ابتعث النبي، و ظهرت الآيات، و انخرقت العادات، استل عن صدور العقلاء الأمن من وقوع خوارق العوائد.

و هذا سبيلنا في الذي دفعنا إليه فنحن الآن على أمن من أن ما قدروه لا يقع، فإن قدر الله وقوعه قلب العادة، و أزال العلوم الضرورية بأن ما قدروه لا يقع. فقد بطل ما قالوه، و استبان بانفصالنا عنه أصل في الكرامة.

فإن قيل: ما دليلكم على تجويزها؟ قلنا: ما من أمر يخرق العوائد إلا و هو مقدور للرب تعالى ابتداء، و لا يمتنع وقوع شي‏ء لتقبيح عقل لما مهدناه فيما سبق. و ليس في وقوع الكرامة ما يقدح في المعجزة؛ فإن المعجزة لا تدل لعينها، و إنما تدل لتعلقها بدعوى النبي الرسالة و نزولها منزلة التصديق بالقول. و الملك الذي يصدق مدعي الرسالة بما يوافقه و بما يطابق دعواه، لا يمتنع أن يصدر منه مثله إكراما لبعض أوليايه. و لا يقدح مرام الإكرام في قصد التصديق، إذا أراد التصديق، و لا خفاء بذلك على من تأمل.

فإن قيل: فما الفرق بين الكرامة و المعجزة؟ قلنا: لا يفترقان في جواز العقل، إلا بوقوع المعجزة على حسب دعوى النبوءة.

و استدل مثبتو الكرامات بما لا سبيل إلى دريه في مواقع السمع. فإن أصحاب الكهف و ما جرى لهم من الآيات لا سبيل إلى جحده، و ما كانوا أنبياء اجماعا. و كذلك خصت مريم عليها السلام‏ بضروب من الآيات؛ فكان زكريا صلوات الله عليه يصادف عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، و يقول معجبا: «أنى لك هذا». و تساقط عليها الرطب الجني، إلى غير ذلك من آياتها. و كذلك أم موسى عليها السلام، ألهمت في أمره بما لا خفاء به. و جرى من الآيات في مولد الرسول عليه السلام ما لا ينكره منتم إلى الإسلام و كان ذلك قبل النبوءة، والانبعاث و المعجزة لا تسبق دعوى النبوءة كما قدمناه.

فإن تعسف بعضهم و زعم أن الآيات التي استدللنا بها كانت معجزات لنبي كل عصـر، فذلك اقتحام للجهالة. فإنا إذا بحثنا عن العصور الخالية، لم نلف الآيات التي تمسكنا بها مقترنة بدعوى، بل كانت تقع من غير تحد لمتحد. فإن قالوا: إنما وقعت للأنبياء دون دعواهم فشـرط المعجزة الدعوى، فإذا فقدت كانت خوارق العادات كرامة للأنبياء، و يحصل بذلك غرضنا في إثبات الكرامات، و لم يكن في وقت مولد الرسول نبي تستند إليه آياته. فقد وضحت الكرامات جوازا و وقوعا، عقلا و سمعا.[15]

 

الهوامش:

 

1. لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر – بيروت، الطبعة الأولى (12/ 510)

2. مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، تحقيق : محمود خاطر ، مكتبة لبنان ناشرون – بيروت، طبعة جديدة ، 1415 – 1995 (ص: 586)

3. تاج العروس (ص: 7874)، وانظر: المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده المرسي، تحقيق عبد الحميد هنداوي (7/ 27)، و المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد، بتحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، (2/ 50). 

4. التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبد الرؤوف المناوي، دار الفكر المعاصر , دار الفكر – بيروت , دمشق،  الطبعة الأولى ، 1410 (ص: 601)

5. التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، تحقيق : إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة الأولى ، 1405 (ص: 235)، ومثله في: التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبد الرؤوف المناوي، دار الفكر المعاصر , دار الفكر – بيروت , دمشق،  الطبعة الأولى ، 1410 (ص: 601)

6. كتاب الكليات ، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، تحقيق : عدنان درويش – محمد المصري ، مؤسسة الرسالة – بيروت – 1419هـ – 1998م.  (ص: 433)

7. إيقاظ الهمم في شرح الحكم ، ابن عجيبة الحسني (ص:336).

8. مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري، لابن فورك، تحقيق وضبط أحمد عبد الرحيم السائح مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة الثانية،1427هـ/2006م.( ص: 183)

9. انظر كتاب التقريب والإرشاد الصغير للباقلاني، بتحقيق: عبد الحميد بن علي أبو زنيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1418هـ/1998م، ص: 439 هامش:14

10. انظر: النبوات لابن تيمية (1/ 544) 

11. الإرشاد للجويني، دار الكتب العلمية (ص:130)

12. سير أعلام النبلاء 17/353.

13. طبقات الشافعية للسبكي 2/315

14. مقدمة ابن خلدون 1/402.

15. الإرشاد للجويني، (ص:130-131)

 

                                                          أعدّه الباحث: د.يوسف الحزيمري

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق