مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةمفاهيم

مفهوم الزمان عند الأشاعرة 3/3

  عرض لكتاب: فكرة الزمان عند الأشاعرة
  لعبد المحسن عبد المقصود محمد سلطان

الفصل الثالث: الأبدية

    فكرة الأبدية هي الامتداد الطبيعي لفكرة الأزلية، لأن الأبدية هي منع النهاية عن العالم كما أن الأزلية هي منع البداية عنه، ومن الطبيعي أن يكون القائلون بالأزلية، هم كذلك القائلون بالأبدية، لأن ما ليس له بداية، فلا يكون له نهاية، وهذا ما قال به الفلاسفة، خاصة الفلاسفة اليونانيون، أما الفلاسفة المسلمون، فإنهم لم يتشبثوا بالقول بالأبدية نظرا للنصوص الدينية القاطعة في ذلك، والتي تؤكد الفناء لكل شيء.
     بهذه المقدمة مهد الباحث لهذا الفصل، ليعالج بعدها مسألة الأبدية انطلاقا من بحثين؛ الأول: في موقف الأشاعرة من فكرة الأبدية، حيث عبر الباحث عن أن الأشاعرة لما أثبتوا حدوث العالم ونفوا أزليته، فكذلك -واستكمالا لتحقيق هدفهم من التنزيه المطلق لله تعالى- راموا إثبات فناء العالم ونفي أبديته، لأن ذلك هو التمهيد الواقعي لتحقيق الوعد الإلهي بالجنة والنار للطائعين والعاصين في الدار الآخرة، بعد الفناء ثم البعث والنشور، لذا وجه الأشاعرة النقد إلى أقوال الفلاسفة بالأبدية.
     وقد قام الأشاعرة بتحليل ونقد الأبدية عند الفلاسفة، وبرهنوا على رفضهم لها باستخدام طريقين؛ الأول: هو تحليل فكرة الأبدية لإظهار عدم صحتها، والطريق الثاني: هو إثبات وقوع الفناء.
      وقد احتج الفلاسفة على مذهبهم بعدة حجج؛ أحدها: أن المؤثر في العالم موجب بالذات، فيلزم من دوامه دوام العالم، وثانيها: أنه لو عدم الزمان لكان عدمه بعد وجوده بعدية بالزمان، فيكون الزمان موجودا حال ما فرض معدوما هذا خلف، وثالثها: ضرورة وجود محل للممكن قبل وبعد حدوثه وهو الهيولي، لذا فالهيولي أزلية أبدية.
     وقد رد الأشاعرة بأن فكرة الموجِب والموجَب لا يمكن تطبيقها فيما يتعلق بالله تعالى، لأن ذلك يعني إلغاء الإرادة الإلهية التي تَخلقُ متى شاءت وتُفنِي متى شاءت، وبأنه لا أزلية للزمان، لأن الزمان لم يوجد إلا مع وجود العالم، والعالم حادث فالزمان حادث. وبخصوص الثالث، فقد أبان أبو حامد الغزالي عن استحالته «فإمكان العالم كان في علم الله تعالى منذ الأزل، وكان يقابله عدم العالم، فلما شاءت إرادته أوجدته عن طريق القدرة الإلهية، وكذلك الفناء، فالهيولي أو المادة خلقت مع بداية العالم، وستفنى وتنعدم بانتهائه وفنائه، فلا أبدية لها ولا لأي شيء في الوجود إلا لله وحده.»
 وعرض الباحث لنقطة أخرى مهمة تتعلق بالأبدية، وهي: القول بجواز الفناء هل يؤدي إلى جواز الأبدية؟ وهو ما جوَّزه بعض المتكلمين خاصة المعتزلة،…يقول الشيخ عبد الجبار المعتزلي:«إن العقل يـجَوِّز فيه [أي في الجوهر] أن يصح فناؤه، ويجوز أن يستحيل ذلك فيه فطريقه من جهة العقل التجويز لأنه لا دليل يقتضي القطع على أحد الأمرين» أي الجواز والوجوب.
      يقول الباحث: «إن جواز الفناء أو العدم يمكن أن يؤدي إلى جواز الأبدية، إلا أنه لا يؤدي إلى ذلك إذا كان بمعنى عدم رفض العقل قابلية العالم للفناء أو العدم، حيث كان قبل ذلك جائز العدم والوجود، وهذا ما قرره الأشاعرة في كثير من أقوالهم».
     والبحث الثاني: من هذا الفصل كان في إثبات صحة الفناء عند الأشاعرة؛ حيث استخدموا دليل الحدوث نفسه دليلا على الفناء، لأن إثبات حدوث العالم هو دليل واضح في نظر الأشاعرة على إثبات فنائه؛ فإن المحدَث يحمل في مفهوم حدوثه الدلالة على فنائه، ذلك لأن صحة الفناء على الأجسام متفرعة عن حدوثها، فإن ثبت حدوثها ثبت صحة فنائها وإلا فلا».
     وتطرق الباحث أيضا في هذا السياق لمسألة أبدية النفس البشرية، و أبدية وفناء الجنة والنار، مستعرضا للخلاف، وموردا لمناقشة الأشاعرة لآراء الفلاسفة والمتكلمين.
     وختم هذا الفصل بالقول بأن الأشاعرة استطاعوا عن طريق المناقشات والردود العقلية والدينية إثبات خطأ الفلاسفة في قولهم بالأبدية.

الفصل الرابع: البعث والخلود

     مرحلة البعث والخلود آخر مرحلة من مراحل فكرة الزمان،… والعقل الانساني عامة في تطلع دائم إلى ما بعد الفناء، ويرغب في معرفة شيء عن مصيره، إلا أن هناك من أنكر حدوث البعث والمعاد،… والمقرين بالبعث تنوعت آراؤهم حول كيفية العودة ونوعية الحياة الجديدة، التي هي الحياة الآخرة، التي ليس بعدها موت ولا حياة أخرى، كما تنوعت الآراء حول الخلود سواء الخلود في الجنة أو النار،
      عالج الباحث هذه المسائل في بحثين الأول: خصصه للبعث والقيامة تناول في ثلاث نقاط، الأولى بين نفي البعث وإثباته، أورد فيه تقسيم البغدادي لمنكري البعث إلى عدة طوائف، إحداها الدهرية المنكرة لحودث العالم والثانية قوم من الفلاسفة أقروا بحدوث العالم وأنكروا الإعادة بعد العدم، والثالثة: فرقة من عبدة الأصنام الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأقروا بحدوث العالم وأنكروا البعث والقيامة والجنة والنار، وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر والرابعة فرقة من غلاة الروافض المنصورية والجناحية، الذين أنكروا القيامة (والجنة والنار).
     واحتجوا بحجج منها: أن لاشيء بعد عدمه نفي محض، ولم تبق هويته له أصلا، فلا يصح الحكم عليه بصحة العود، لأن المحكوم عليه يتميز عن غيره، والتميز ثابت، واحتجوا أيضا بامتناع إعادة المعدوم.
     وقد قام الأشاعرة بالرد على هذه الحجج والتساؤلات من منطلق ديني، فيرد الأشعري بأن الدليل على صحة البعث، أن الله سبحانه خلق الخلق أوَّلا لا على مثال سابق، فإذا خلقه أولا، لم يَعيِه أن يخلقه خلقا آخر، ويرد أيضا على حجة امتناع إعادة المعدوم، بأن هناك رأيا بديهيا في هذا الأمر قد أجمع عليه المسلمون وهو أن المبتدأ في الدنيا هو المعاد في الآخرة.
     ويحذر الباحث في هذا السياق من الآراء الحديثة التي تقول إن نهاية العالم وإعادته سوف يكون بتحويل المادة إلى طاقة ثم تحويل الطاقة إلى المادة، ولا بالضغط عليه حتى يصغر حجمه ثم ينتشر.
     والنقطة الثانية: المعاد بين الوجوب والجواز، تطرق فيه للحديث  عن الخلاف بين المنكرين للبعث والمثبتين لحدوثه، وتردد القائلين بالحدوث بين القول بوجوب البعث وجوازه،… وأن الفريق الذي يقول بالحدوث يقول بذلك بناء على فهمه الصحيح لفكرة الإمكان أو الجواز، وأنها مرتبطة فقط بجواز حدوث العالم، أما وقد وجد العالم فقد انتهت مرحلة الجواز والإمكان.
     والنقطة الثالثة عنونها بسؤال: متى تكون الساعة… أو القيامة…؟ تحدت فيها عن كون مرحلة البعث هي المرحلة الأخيرة من مراحل فكرة الزمان، وأن العقل الانساني يظل مشغولا بأمر هذه المسألة…
     فكما بدأ الله الخلق من نقطة غير معلومة، حيث بدأ عندها ظهور الزمان بظهور العالم، فكذلك سوف يجعل نهاية العالم عند نقطة غير معلومة لأحد غيره تعالى، ينتهي عندها الزمان كما بدأ.
     وقد اعتمد الأشاعرة على ما جاء به الشرع لمعرفة ما يمكن معرفته عن موعد هذه النقطة، التي ينفصل عندها العالم عن الوجود، ثم تقوم الساعة لتبدأ حياة جديدة، مختلفة تماما عما في هذا العالم.
      والبحث الثاني: والأخير بعنوان الخلود، اعتبر فيه الباحث أن مرحلة الخلود تعتبر خارجة على الزمان، أي زمان هذا العالم لأن زمان هذا العالم سينتهي بقيام الساعة ووقوع الفناء التام. أما بعد الفناء من أحداث فهي خارجة على وجود الزمان…، وفي تساؤل: هل الجنة والنار خالدتان، أشار إلى الخلاف الكلامي في المسألة، وكذا في مسألة ثانية عن خلود الإنسان في الدار الآخرة.

الخاتمة:

يمكن أن نلخص مضامين خاتمة هذا الكتاب في النقاط الآتية؛ وهي أن الأشاعرة:
1.  آراؤهم حول فكرة الزمان تبرز العمق الفكري الذي تميزوا به.
2.  استخدامهم للفن الفلسفي لعلم الكلام الذي وضع أسسه ومبادئه الشيخ أبو الحسن الأشعري، وتوظيفه في الدفاع عن الأفكار الرئيسية للعقيدة.
3.   بحثهم في فكرة الزمان يبرز الالتقاء التام بين الفلسفة والدين في أرقى امتزاج ممكن.
4.  الإنسان بحواسه لم يشهد بداية الزمان، التي هي بداية العالم، وذلك لأنه لم يشهد نشأته هو، فكيف يستطيع أن يشهد نشأة العالم كله؟
5.  أمكن استخدام المنطق العقلي الأشاعرة من استنتاج ما يثبت أن الله تعالى خالق كل شيء، وأن هذا الخلق قد حدث بعد عدم سابق.
6.   أبطلوا القول بأزلية العالم، وأظهروا تهافته وخطأه أمام الحقيقة العقلية والدينية الواضحة.
7.   أوضحوا أن قدم الصانع لا يوجب قدم المصنوع.
8.    أعطوا أهمية كبيرة لصفة الإرادة عند إثباتهم لحدوث العالم….، كما اهتموا بصفتين هامتين أزليتين في نفس هذا المجال وهما صفة العلم وصفة القدرة، وأوضحوا فاعلية هذه الصفات في إحداث العالم.
9.    أثبتوا خطأ القول بأبدية العالم.
10.  أثبتوا أن ماكان محدثا فهو قابل للفناء أي الفناء ليس عليه مستحيلا.
11.  استمرارا لنظريتهم في الجواهر والأعراض التي أثبتوا من خلالها حدوث العالم فإنهم استخدموها في إثبات الفناء عقليا وذلك عن طريق  مبدإ هام من مبادئ هذه النظرية، وهو فناء الأعراض وتجددها في كل آن، وعن طريق  الإرادة والقدرة الإلهية.
12.  أثبتوا ضرورة البعث لكي يتحقق الجزاء في حياة جديدة في دار جديدة هي الدار الآخرة فتجزى كل نفس بما كسبت فإما الجنة وإما النار.
يقول الباحث في الختام: وإذا أمكن تلخيص ما بين دفتي هذا الكتاب، فإن ذلك يمكن أن يكون في تلك الآية الخالدة:

{ قل هل من شركآئكم من يبدؤ الخلق ثم يعيده قل الله يبدؤ الخلق ثم يعيده فأنّى توفكون} [يونس:34].

 

                                                                           والحمد لله رب العالمين.

 

مراجع ومصادر ذات صلة:

1.  فكرة الزمان عند الأشاعرة ، عبد المحسن عبد المقصود محمد سلطان
http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=008140.pdf
2.  الزمان  أبعاده و بنيته، عبد اللطيف  الصديقى.
3.  الزمان فى الفكر الدينى و الفلسفى القديم، حسام الدين  الالوسى.
4.  الزمن  بين العلم و الفلسفة و الأدب، اميل   توفيق.
5.  الزمن بين الدنيا و الآخرة ، محمد متولى الشعراوى.
       موجودة على الرابط: http://bib-alex.com/falsafa.php
6.  فكرة الزمان عبر التاريخ، كولن ولسون، ترجمة فؤاد كامل، سلسلة عالم المعرفة، عدد 159.
http://www.4shared.com/office/nu3yN-VM/___.htm                                
7.    المبدأ والمعاد، لابن سينا، باهتمام عبد الله نوراني طهران 1393هـ http://www.4shared.com/office/XV5sUBl7/_-_.html                            
8.  المعاد (مدخلات فكرية بين الشيخ مطهري والمهندس بزركان) الشهيد الشيخ مرتضى المطهري ترجمة جواد علي كسار، سلسة أصول الدين (5) مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر،لبنان بيروت  ط:3، 1424هـ/2003م.
9.  الأزمنة والأمكنة، أبو علي المرزوقي الأصفهاني المرزوقي، دائرة المعار ف حيدر آباد الدكن الهند، 1332هـ.
 http://www.archive.org/details/alazmina-wa-alamkina                                
10. الزمان في الفكر الإسلامي ( ابن سينا-الرازي الطبيب- المعري) ابراهيم العاتي، نشر دار المنتخب العربي الكبعة الأولى 1413هـ/ 1994م.
http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:17959&q                     
11. البعث والخلود بين المتكلمين والفلاسفة( إثبات عقيدة البعث والخلود والرد على المنكرين)، علي آرسلان آيدين، الطبعة الأولى استانبول، 1419هـ/1998م. http://www.archive.org/download/newuploads44/004.pdf                        
12.  المبدأ والمعاد في الفكر الإسماعيلي، الداعي حسين بن علي بن محمد بن الوليد، تحقيق: خالد ألمير محمود، منشورات دار علاء الدين،  ط:1 2008م.  http://www.4shared.com/office/HxL41ORi/__-____.htm                         
13.  الزمان في الفلسفة والعلم، د: يمنى طريف الخولي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999م.
                             http://www.4shared.com/office/OyOfwICL/____-___.htm
14.   مذهب الذرية عند المتكلمين المسلمين، الدكتور محمد باسل الطائي قسم الفيزياء-جامعة اليرموك اربد- الأردن.
http://cosmokalam.net/kalam/articles/atomism.pdf                                           
15.  المذهب الذرّي عند المفكرين العَرب المسلمين – إحسَان محمّد جَعفر
http://awu-dam.org/trath/54/turath54-006.htm                                      
16. مذهب الذرة عند المسلمين، س بنتس، نقله من الألمانية د: محمد عبد الهادي أبو ريدة، مكتبة النهضة المصرية 1946م.
17.  الزمان ومشكلة الخلق في الفكر الإسلامي( المعتزلة- الأشاعرة) محمد نوفل قاق الأردن الجامعة الأردنية 1991م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق