الرابطة المحمدية للعلماء

معرض “المغرب الوسيط” يكرس استمرارية الخصوصية المغربية القائمة على إسلام الأنوار

قالت مديرة الوثائق الملكية السيدة بهيجة سيمو ان معرض “المغرب الوسيط: امبراطورية من افريقيا الى اسبانيا”، الذي دشن بعد ظهر أمس الثلاثاء بمتحف اللوفر بباريس، من طرف صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم، يكرس استمرارية الخصوصية المغربية القائمة على اسلام الأنوار وارادة الانفتاح.

وأبرزت السيدة سيمو في تصريح للصحافة على هامش تدشين المعرض المقام تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أن “مجمل تاريخ المغرب طبعه اسلام الأنوار وارادة لانفتاح، اللذين أفرزا توازنا ثمينا ومنقذا بين الكونية والتنوع”.

وأوضحت أن “هذه التظاهرة ، التي تأتي في وقتها لتطبع استمرارية هذه الخصوصية المغربية المحضة، تندرج في إطار التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس الرامية الى النهوض بالثقافة كرافعة للتنمية وتقاسم المعارف والتقريب بين الشعوب والأمم، كما تشهد على الاهتمام الذي يوليه صاحب الجلالة لتراث المملكة بوجه خاص، ولفنون الاسلام بوجه عام”.

وأشارت الى أهمية هذا المعرض الذي يحتفي بالمغرب وثقافته وتاريخه والذي يدعو الى “لقاء مع دولة مغربية مستقلة عن الخلافة بالمشرق، ممتدة على مدى أزيد من 12 قرنا، وقائمة على أسس حية حتى اليوم وتمارس اسلاما معتدلا يغذيه نفس صوفي”.

واعتبرت أن الأمر يتعلق بتظاهرة توضح أيضا “كم تغذت الهوية الثقافية للمغرب بروافد عديدة، جنوب صحراوية وحسانية وعربية وأندلسية وأمازيغية وعبرية ومتوسطية”، مضيفة أن هذا التنوع يظل حتى اليوم مصدرا للوحدة والاستمرارية والاستقرار الذي صنع، على مر القرون، خصوصية المغرب.

وسجلت السيدة سيمو أن هذا المعرض “يدعو الى عبور الفترة الممتدة من القرن 11 الى القرن 15، والتي كتب فيها جزء هام من تاريخ العالم المسلم”، مبرزة أن هذا العرض الكرونولوجي يقدم رؤية بانورامية تجاه فترة محددة من تاريخ المغرب، والتي تشكلت ابانها الدولة المغربية الجديدة المستقلة عن الخلافة بالمشرق في العهد الادريسي، والتي تجذرت بتأسيس العاصمة فاس.

وذكرت بأنه منذ بداية الدولة المغربية، عملت مختلف الأسر الحاكمة على الحفاظ على نفس مقومات الحكم في المغرب، القائمة على المذهب المالكي والعقيدة الاشعرية، التي تدافع عن اسلام الوسطية، اسلام التوازن بين الزمني واللازمني، مشيرة الى أن المعرض غني بمخطوطات الاجتهاد الفقهي والقطع التي تجسد هذا الجانب.

وقالت السيدة بهيجة سيمو ان المغرب اضطلع ، خلال هذه المرحلة، بدور وسيط بين افريقيا جنوب الصحراء والغرب اللاتيني في مجال التجارة، في وقت عرف تمركز الثقل الاقتصادي في الضفة الجنوبية للمتوسط، مضيفة أن هذا الدور أفضى الى خلق مسالك تجارية بين الأندلس وافريقيا جنوب الصحراء، انبثقت على طولها عالم حضري بمدن مثل تومبوكتو وسجلماسة وأغمات وفاس وسبتة واشبيلية وغرناطة.

كما تشكلت مسارات روحية ضمت، حسب السيدة سيمو، عدة رباطات وزوايا أصبحت مراكز طليعية لنشر اسلام معتدل مطبوع بنزعة صوفية في افريقيا، عن طريق المغرب. وأضافت أن هذا المعرض يضم مخطوطات للإمام الشاذلي والجزولي وآخرين فضلا عن قطع أثرية بالغة الرمزية الروحية على غرار المنابر التي مازالت مستخدمة حتى اليوم والثريا الرفيعة لجامع القرويين.

وقالت السيدة سيمو ان المعرض يثمن البعد المعماري الذي تغذى بعدة روافد حضارية من خلال عناصر هندسية كالأبواب وقطع السيراميك ولوحات الزليج فضلا عن القطع التي كانت تستعمل في الحياة اليومية، مثل تقنيات استخراج المياه.

كما انطبعت المرحلة التي يشملها المعرض بإنتاج علمي وأدبي وافر، جسده اشعاع عدد كبير من الأدباء والعلماء وانجاز اكتشافات واختراعات في مجالات العلوم والتقنيات مثل الفلك والرياضيات والطب والجغرافيا وبناء السفن.

وأوضحت مديرة الوثائق الملكية أن هذا الاشعاع تجسد في تأثير الفلسفة الاسلامية على فلاسفة الغرب المسيحي، خصوصا مع تعليقات ابن رشد التي عرفت بفكر أرسطو بأوروبا، مشيرة الى أن هذه المبادلات مكنت من مد الجسور بين عالمين ثقافيين مختلفين وشق الطريق نحو حوار بين ضفتي المتوسط.

وجدير بالتأكيد أن معرض”المغرب الوسيط: امبراطورية من افريقيا الى اسبانيا” يهدف الى تأمين استمرارية هذا الحوار وانعاشه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق