مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

«معجم الهيآت والإشارات والرموز في القرآن الكريم من خلال تفسير «التحرير والتنوير» للإمام الطاهر ابن عاشور» (الحلقة السادسة)

الباء

[8] بياض الوجه:

ومن دلالات هذه الهيئة في القرآن الكريم:

1- صفة المؤمنين: قال الله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [آل عمران: 106- 107]، قال الطاهر ابن عاشور: «قدّم عِنْدَ وَصْفِ الْيَوْمِ ذِكْرُ الْبَيَاضِ، الَّذِي هُوَ شِعَارُ أَهْلِ النَّعِيمِ، تَشْرِيفًا لِذَلِكَ الْيَوْمِ بِأَنَّهُ يَوْمُ ظُهُورِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ»(1)، وهي صفة المؤمنين في الجنة.

والعرب تقول في الدعاء شكرا وامتنانا «بَيَّضَ الله وَجْهَكَ» أي جعلك من الذين تبيض وجوههم في الآخرة، ولكن على سبيل الحقيقة وليس على سبيل التورية بحيث يفهم من هذا الدعاء معنى آخر غير مراد هنا.

[9] ابيضاض العينين:

ومن دلالات هذه الهيئة في القرآن الكريم:

1- شدة الحزن: قال الله تعالى: (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) [يوسف: 84]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَابْيِضَاضُ الْعَيْنَيْنِ: ضَعْفُ الْبَصَرِ. وَظَاهِرَةٌ أَنَّهُ تَبَدَّلَ لَوْنُ سَوَادِهِمَا مِنَ الْهُزَالِ […] وَالْحُزْنُ سَبَبُ الْبُكَاءِ الْكَثِيرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ ابْيِضَاضِ الْعَيْنَيْنِ. وَعِنْدِي أَنَّ ابْيِضَاضَ الْعَيْنَيْنِ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْإِبْصَارِ كَمَا قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:

قَبْلَ مَا الْيَوْمِ بَيَّضَتْ بِعُيُونِ النَّ        اسِ فِيهَا تَغَيُّضٌ وَإِبَاءُ

وَأَنَّ الْحُزْنَ هُوَ السَّبَبُ لِعَدَمِ الْإِبْصَارِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ. فَإِنَّ تَوَالِيَ إِحْسَاس الْحُزْنِ عَلَى الدِّمَاغِ قَدْ أَفْضَى إِلَى تَعْطِيلِ عَمَلِ عَصَبِ الْإِبْصَارِ»(2).

 [10] البَسَر:

ومن دلالات هذه الهيئة في القرآن الكريم:

1- الخوف والكمد: قال الله تعالى: (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) [المدثر: 22]، قال الطاهر ابن عاشور: «وبَسَرَ: مَعْنَاهُ كَلَحَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ خَوْفًا وَكَمَدًا حِينَ لَمْ يَجِدْ مَا يَشْفِي غَلِيلَهُ مِنْ مَطْعَنٍ فِي الْقُرْآنِ لَا تَرُدُّهُ الْعُقُولُ»(3)، والبسر الذي يظهر في الوجه يكون نتيجة انفعالات نفسية يظهر أثرها على وجه الإنسان وهي الخوف والكمد.

 2- صفة أهل الشقاء: قال تعالى: (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) [القيامة: 24، 25]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَأَمَّا الْوُجُوهُ الْبَاسِرَةُ فَنَوْعٌ ثَانٍ مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ هِيَ وُجُوهُ أَهْلِ الشَّقَاءِ […] وباسِرَةٌ: كَالِحَةٌ مِنْ تَيَقُّنِ الْعَذَابِ»(4).

ويمكن القول إن الدلالة الثانية متفرعة عن الأولى فوجوه أهل الشقاء يظهر عليها البسر نتيجة الخوف والكمد من تيقنهم العذاب لا محالة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- التحرير والتنوير 4/44.

2- التحرير والتنوير 13/43.

3- التحرير والتنوير 29/309.

4- التحرير والتنوير 29/356.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق