مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

«معجم الهيآت والإشارات والرموز في القرآن الكريم من خلال تفسير «التحرير والتنوير» للإمام الطاهر ابن عاشور» (الحلقة الثانية)

بدأت علاقتي بكتاب «التحرير والتنوير» منذ حوالي عام وأشهر معدودات حينما اتفقت مع أستاذي الدكتور محمد الحافظ الروسي حفظه الله تعالى على عنوان هذا البحث، واقترح علي حينئذ تفسير الطاهر ابن عاشور فوافقت على اقتراحه وبدأت في العمل، كان يظهر لي في البداية أن قراءة هذه الموسوعة التفسيرية في وقت ضيق كهذا يبدو أمرا معجزا للغاية، لكن سرعان ما بدأت أستأنس بقراءته وتدبره، وألفت قراءة الوِرد اليومي منه، وأدركت أن بركة قراءة التفسير من بركة قراءة القرآن الكريم، ييسر الله سبحانه وتعالى فيها للقارئ كل التيسير ويبارك في وقته، ويضاعف جهده، وفهمت كيف أن علماءنا الأوائل استطاعوا أن يكتبوا كل هذه المجلدات في أعمار قصيرة، فما هي إلا بركة العلم !!!.

وخلال قراءتي لهذا التفسير اطلعت على كتاب الله تعالى أحسن اطلاع وأجمله، وما أجمل الاطلاع على القرآن من نافذة التفسير، وما البال إذا كان هذا التفسير هو «التحرير والتنوير» الذي يقول فيه صاحبه: «ففيه أحسن مَا فِي التفاسير، وَفِيهِ أحسن مِمَّا فِي التفاسير»(1)، بحيث ترى ظلال المعاني وارفة، وحججه عن زيغ الفهم صارفة.  

وفيما يلي عرض للكتاب ولمنهج صاحبه فيه، وبيان لأهميته وما امتاز به من بين كتب التفسير الأخرى وخاصة مصادره التي نقل عنها مثل: «الكشاف» للزمخشري، و«المحرر الوجيز» لابن عطية، و«مفاتيح الغيب» للرازي، و«جامع البيان» للطبري، و«أنوار التنزيل وأسرار التأويل» للبيضاوي أيضا.

1- مقدمات الكتاب:

صَدَّرَ الطاهر ابن عاشور تفسيره بمقدمات عشر تعتبر مداخل رئيسة لهذا التفسير، وهذه المقدمات كاشفة لمنهجه في الكتاب وميسرة لمن أراد قراءته والخوض فيه، كما تكشف النقاب عن كثير من الأمور، وهي كما قال المفسر معينة للباحث في التفسير وتغنيه عن معاد كثير، وقد تصدى العلماء لشرح بعض هذه المقدمات لما فيها من علم نفيس وغزير(2)، وهذه المقدمات كالآتي:

المقدمة الأولى: تحدث فيها عن التفسير والتأويل لفظا واصطلاحا، وتحدث كذلك عن موضوع التفسير، كما تحدث عن كون التفسير علما، والأوجه الستة لعدهم تفسير ألفاظ القرآن علما.

المقدمة الثانية: وهي في استمداد علم التفسير، والمقصود بالاستمداد توقفه على معلومات سابق وجودها على وجود ذلك العلم عند مدونيه لتكون عونا لهم على إتقان تدوين ذلك العلم(3)، وأهم ما استمد منه علم التفسير علم العربية وكذلك علم الآثار والقراءات وأخبار العرب وأصول الفقه.

المقدمة الثالثة: في صحة التفسير بغير المأثور، ومعنى التفسير بالرأي ونحوه.

المقدمة الرابعة: فيما يحق أن يكون غرض المفسر، وقبلها بَيَّنَ المقاصد التي نزل القرآن لبيانها حتى تستبين غاية المفسر من التفسير وهي ثمانية حسب استقرائه.

المقدمة الخامسة: وهي في أسباب النزول، وقد عرض في هذه المقدمة أسباب النزول التي صحت أسانيدها، ووجدها خمسة أقسام.

المقدمة السادسة: وهي في القراءات، وأشار الطاهر ابن عاشور إلى أنه لولا عناية كثير من المفسرين بذكر اختلاف القراءات في ألفاظ القرآن حتى في كيفيات الأداء، لكان بمعزل عن التكلم في ذلك، لأن علم القراءات علم جليل مستقل قد خص بالتدوين والتأليف، وقد أشبع فيه أصحابه وأسهبوا بما ليس عليه مزيد، ولكنه رأى نفسه بمحل الاضطرار إلى أن يلقي جملا في هذا الغرض يعرف بها مقدار تعلق اختلاف القراءات بالتفسير، ومراتب القراءات قوة وضعفا، كي لا نعجبَ من إعراضه عن ذكر كثير من القراءات في أثناء التفسير. كما أشار إلى أن للقراءات حالتين إحداهما لا تعلق لها بالتفسير بحال، والثانية لها تعلق به من جهات متفاوتة، وبين أيضا مراتب القراءات الصحيحة مع الترجيح بينها.

المقدمة السابعة: في قصص القرآن، وقد عرض في هذه المقدمة فوائد القصص القرآني وهي عشرة عنده.

المقدمة الثامنة: وهي في اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها، وقد فصل القول في هذه المباحث تفصيلا.

المقدمة التاسعة: في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن تعتبر مرادة بها.

المقدمة العاشرة: في إعجاز القرآن، يقول: «أما أنا فأردت في هذه المقدمة أن ألم بك أيها المتأمل إلمامة ليست كخطرة طيف ولا هي كإقامة المنتجع في المربع حتى يظله الصيف، وإنما هي لمحة ترى منها كيف كان القرآن معجزا وتتبصر منها نواحي إعجازه وما أنا بمستقص دلائل الإعجاز في آحاد الآيات والسور فذلك له مصنفاته وكل صغير وكبير مستطر. ثم ترى منها بلاغة القرآن ولطائف أدبه التي هي فتح لفنون رائعة من أدب لغة العرب حتى ترى كيف كان هذا القرآن فتح بصائر، وفتح عقول، وفتح ممالك، وفتح أدب غض ارتقى به الأدب العربي مرتقى لم يبلغه أدب أمة من قبل»(4)، وقد بسط القول في هذه المقدمة عن أساليب القرآن الكريم وأفانينه وغير ذلك مما يحقق إعجازه، كما تحدث عن مبتكرات القرآن التي تميز بها نظمه عن بقية كلام العرب، بالإضافة إلى حديثه عن عادات القرآن في نظمه وكلمه. 

1 2 3 4الصفحة التالية
Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق