مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

معجم الهيآت والإشارات والرموز في التراث العربي من خلال «لسان العرب» لابن منظور (الحلقة الثالثة)

أ- الهيئات:
-أ-
[1] الإحرام: الإحرام” مصدر أحرم الرجل يحرم إحراما إذا أهَلَّ بالحج أو العمرة وباشرَ أسبابهما وشروطهما من خلع المخيط، وأن يجتنب الأشياء التي منعه الشرع منها كالطيب والنكاح والصيد وغير ذلك (1) والحريم ثوب المحرم(2)، وكانت العرب في الجاهلية إذا حجَّت البيت تخلعُ ثيابها التي عليها إذا دخلوا الحرم ولم يلبسوها ما داموا في الحرم،  ومنه قول الشاعر:

 

أ- الهيئات:

-أ-

[1] الإحرام: الإحرام” مصدر أحرم الرجل يحرم إحراما إذا أهَلَّ بالحج أو العمرة وباشرَ أسبابهما وشروطهما من خلع المخيط، وأن يجتنب الأشياء التي منعه الشرع منها كالطيب والنكاح والصيد وغير ذلك (1) والحريم ثوب المحرم(2)، وكانت العرب في الجاهلية إذا حجَّت البيت تخلعُ ثيابها التي عليها إذا دخلوا الحرم ولم يلبسوها ما داموا في الحرم،  ومنه قول الشاعر:

كَفَى حَزَنًا كَرِّي عَلَيْهِ كَأَنَّهُ             لَقًى بَيْنَ أَيْدِي الطَّائِفِينَ حَرِيمُ”(3) 

وتدل هذه الهيئة في اعتقاد الجاهليين على: 

1- العزم على الحج: قال جواد علي في حديثه عن العرب الجاهليين :” ولذلك، كانوا إذا حجوا لبسوا ملابس خاصة بالحج هي “الإحرام” أو ملابس جديدة، أو ملابس مستعملة نظيفة مغسولة، وذلك لحرمة هذه المواضع وقدسيتها، فلا يجوز دخولها بملابس وسخة دنسة”(4).

2- التخلص من الذنوب: فقد” كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراةً ويقولون: لا نطوف بالبيت في ثياب قد أذنبنا فيها، ويزعمون أنهم بطرحِها تطرحُ معها الذنوب”(5).

وكانت المرأة أيضا تطوف عريانة إلا أنها كانت تلبس رهطا من سيور، ومنه قول امرأة من العرب:

اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ                 وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ(6) 

قال ابن كثير:” فَإِنْ تَكَرَّمَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَجِدُ ثَوْبَ أَحْمَسِيٍّ فَطَافَ فِي ثِيَابِ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ إِذَا فَرَغَ مِنَ الطَّوَافِ أَنْ يُلْقِيَهَا فَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَمَسَّهَا. وَكَانَتِ العَرَبُ تُسَمِّي تِلْكَ الثِّيَابَ اللَّقَى”(7).

[2] الإِعْلاَمُ في الحرب: يقال “عَلَمَه يَعْلُمُه ويَعْلِمُه عَلْماً: وَسَمَهُ. وعَلَّمَ نَفسَه وأَعْلَمَها: وَسَمَها بِسِيما الحَرْبِ. وَرَجُلٌ مُعْلِمٌ إِذَا عُلِم مكانهُ فِي الحَرْبِ بعَلامةٍ أَعْلَمَها… وأَعْلَمَ الفارِسُ: جَعَلَ لِنَفْسِهِ عَلامةَ الشُّجعان، فَهُوَ مُعْلِمٌ… وأَعْلَم الفَرَسَ: عَلَّقَ عَلَيْهِ صُوفاً أَحْمَرَ أَوْ أَبْيَضَ فِي الحَرْبِ. وَيُقَالُ عَلَمْتُ عِمَّتي أَعْلِمُها عَلْماً، وَذَلِكَ إِذَا لُثْتَها عَلَى رأْسك بعَلامةٍ تُعْرَفُ بِهَا عِمَّتُك”(8)، ومن دلالات هذه الهيئة في التراث العربي:  

1- الشجاعة: قال المتنبي:

إذا ما المعلَمونَ رَأوكَ قَالوا               بهذا يُعْلَمُ الجَيشُ اللُّهَامُ(9) 

قال الواحدي في شرح البيت:” المعلم الذي يُشهِر نفسه في الحرب بعلامة يُعرَفُ بها أنه بطل يقال أعلمَ الرجلُ نفسَه ومن روى بفتح اللام فهم الذين أعلموا بالعلامة يقول إذا رأوك الأبطال قالوا هذا علامة الجيش العظيم لأنه ليس فيهم أشهر منه”(10).

وكان حمزة يوم بدر معلما بريشة نعامة حمراء. وكان الزبير معلما بعمامة صفراء(11) ؛ وَمِنْهُ قَوْل طريف العنبري:

أو كلما وردت عكاظَ قبيلةٌ                     بعثوا إليَّ رسولهم يتوسَّمُ

فَتَوسموني إنَّني أَنَا ذاكمُ                     شاكٍ سِلاحِي فِي الحوادِثِ مُعلِمُ(12) 

أي أنني أُشْهِر نفسي في الحرب بعلامة أُعرف بها ولا يكون ذلك إلا مع شجاعة كبيرة، ومنه قول الشاعر أيضا:

إنك لاق غَدا غُواة بني الملـ               ـكاءِ فانظر ما أنت مُزدهِفُ

يمشون في البيض والدروع كما            تمشي جمالٌ مصاعبٌ قُطُـفُ 

       فأبد سِيـماكَ يعرفوك كما            يُبدون سيماهم فتعتَرفُ(13) 

قال الأصفهاني يذكر معنى البيت الأخير:” معنى قوله «فأبد سيماك»: أن مالك بن العجلان كان إذا شهد الحرب يغير لباسه ويتنكر لئلا يعرف فيقصد”(14).

2- الشُّهرة: قَالَ الشَّاعِر:

ولُثْنَ السُّبُوبَ خِمْرَةً قُرَشيَّةً            دُبَيْرِيَّةً، يَعْلِمْنَ فِي لوْثها عَلْما(15) 

قال ابن منظور:” وَيُقَالُ عَلَمْتُ عِمَّتي أَعْلِمُها عَلْماً، وَذَلِكَ إِذَا لُثْتَها عَلَى رأْسك بعَلامةٍ تُعْرَفُ بِهَا عِمَّتُك [ثم ذكر البيت]” (16).

[3] الإِقعَاء: الإقعاء فِي الصَّلَاة ” هُوَ أَن يَضَعَ أَليتيه عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الفُقَهَاءِ، قَالَ الأَزهري: كَمَا رُوِيَ عَنِ العَبَادِلَةِ، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بنَ العَبَّاس، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْر، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُود، وأَما أَهل اللُّغَةِ فالإِقْعاء عِنْدَهُمْ أَن يُلْصِقَ الرَّجُلُ أَليتيه بالأَرض وينْصِب سَاقَيْهِ وَفَخِذَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الأَرض كَمَا يُقْعِي الكَلْبُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ أَشبه بِكَلَامِ العَرَبِ، وَلَيْسَ الإِقْعاء فِي السِّبَاعِ إِلَّا كَمَا قُلْنَاهُ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُلْصِقَ الرَّجُلُ أَليتيه بالأَرض وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَتَسَانَدَ إِلَى ظَهْرِهِ”(17)؛ ومن دلالات هذه الهيئة في التراث العربي: 

1- جِلْسة الكلب: وبما أنها جلسة الكلب فقد صارت عند العرب صفة للذم والهجاء، ومنه قول المخبل السعدي يهجو الزبرقان بن بدر:

أَتَيْتَ امْرَأً أَحْمَى على الناسِ عِرْضَه        فما زِلْتَ حتى أَنْتَ مُقْعٍ تُناضِلُهْ

فأَقْعِ كما أَقْعى أَبوكَ على اسْتِهِ        رأَى أَنَّ رَيْماً فوْقَه لا يُعادِلُـهْ(18) 

لأن كل ما يتعلق بالكلب عند العرب خسيس المنزلة ومنه هيئة جلوسه. 

2- السِّلم وترك المحاربة: ومنه قول مروان بن أبي حفصة يصف إقعاء القوم وتركهم المحاربة في قصيدة يمدحُ بها معن بن زائدة الشيباني:

وَطِئْتُ خدودَ الحضْرَمِيينَ وَطأةً                   لها هُدَّ رُكْنَا عِزِّهِمْ فَتَضَعْضَعَا

فأقْعَوْا عَلى الأذْبابِ إقْعَاءَ مَعْشَرٍ              يَرَوْنَ لُزُومَ السِّلْمِ أبْقَى وأوْدَعَا

فلو مُدَّتِ الأيدي إلى الحربِ كُلِّها        لكفُّوا ومَا مَدُّوا إلى الحربِ إصْبَعَا(19) 

والإقعاء هنا أيضا ورد في سياق الذم لأن من صفة المحاربين عدم الإقعاء، وهذه الهيئة من صفات من يميلون إلى السِّلم ويتركون المحاربة كما جاء في أبيات مروان بن أبي حفصة.

3- جِلسَة المقرور: قال الأسعر الجعفي:

يَخرُجْنَ من خَلَلِ الغُبارِ عَوابِساً            كأَصَابعِ المَقرُورِ أقعَى فاصْطلى(20) 

4- جِلسَة اللئيم: قال عمر بن لجأ التيمي:

أترجو أن تُوازِنَ مجدَ تَيمٍ              رجاءٌ منكَ تأمُلُهُ بعيدُ

فأقْعِ كما وجدْتَ أباكَ أقْعى              وضـَيمٌ قدْ أحاطَ بهِ شديدُ (21) 

5- الفَزَع: قال الشاعر:

فَلَمَّا غابَ فِيهِ رَفَعْتُ صَوْتي            أُنادي: يَا لِثاراتِ الحُسَيْنِ

ونادَتْ غلْمَتي: يَا خَيْلَ رَبِّي             أَمامَكِ، وابْشِرِي بالجَنَّتَيْنِ

 وأَفْزَعَه تَجاسُرُنا فأَقْعَى              وَقَدْ أَثْفَرْتُه بأَبي لُبَيْنِ(22) 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- لسان العرب 4/96.

2- لسان العرب 4/95.

3- البيت لورقة بن نوفل وهو في البداية والنهاية 3/494، بدون نسبة.

4- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 11/395.

5- لسان العرب 4/95.

6- البداية والنهاية 3/493، بدون نسبة.

7- البداية والنهاية 3/493-494.

8- لسان العرب 10/264.

9- ديوان المتنبي بشرح مصطفى سبيتي 1/148.

10- شرح ديوان المتنبي للواحدي ص:196.

11- البيان والتبيين 3/101.

12- الأصمعيات ص: 127-128، وفي البيان والتبيين 3/101، لطريف يخاطب حمصيصة الشيباني.

13- البيان والتبيين 3/101-102، منسوب لدرهم بن زيد،  والبيت الثالث في معجم الشعراء  1/91، من قصيدة أخرى منسوب لعمرو بن امرئ القيس،  والأبيات في  الأغاني 3/ 18 من قصيدة طويلة على اختلاف في ترتيبها منسوبة  لدرهم بن زيد.

14- الأغاني 3/18. 

15- البيت في لسان العرب 10/264، دون نسبة.

16- لسان العرب 10/264.

17- لسان العرب 12/157.

18- المخبل السعدي حياته وما تبقى من شعره، بحث منشور ضمن مجلة المورد العراقية، المجلد الثاني، العدد الأول 1973م،  ص:129.

19- شعر مروان بن أبي حفصة ص:65.

20- الأصمعيات ص:142.

21- شعر عمر بن لجأ التيمي ص: 62، والقصيدة في منتهى الطلب من أشعار العرب 7/300 – 301 والقصيدة رد على قصيدة جرير التي يهجو فيها الفرزدق والتيم.   

22- الأبيات في لسان العرب 13/166.

*******************

المصادر والمراجع:

– الأصمعيات، لأبي سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، الطبعة السادسة، دار المعارف، مصر. 

– الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، تحقيق الدكتور إحسان عباس، الدكتور إبراهيم السعافين، الدكتور بكر عباس، دار صادر بيروت، الطبعة الثالثة سنة 2008م. 

– البداية والنهاية، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، 1418 هـ/ 1997 م، منشورات دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، سنة النشر: 1424هـ / 2003م.

– البيان والتبيين، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، بتحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، منشورات مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة السابعة عام 1418هـ/ 1998م.

– ديوان أبي الطيب المتنبي، بشرح الإمام العلامة الواحدي، طبع في مدينة برلين عام 1891م.

– شرح ديوان أبي الطيب المتنبي، شرحه وكتب هوامشه مصطفى سُبَيْتِي، الطبعة الرابعة عام 2009م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 

– شعر عمر بن لجأ التيمي، جمع الدكتور يحيى الجبوري، الطبعة الثالثة 1403هـ/ 1983م، منشورات دار القلم، الكويت. 

– شعر مروان بن أبي حفصة، جمعه وحققه وقدم له الدكتور حسين عطوان، الطبعة الثالثة، منشورات دار المعارف، مصر.

– لسان العرب، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، الطبعة السادسة عام 2008 م، دار صادر، بيروت، لبنان.  

– المخبل السعدي حياته وما تبقى من شعره، صنعة حاتم الضامن، بحث منشور بمجلة المورد العراقية، العدد الأول عام 1973م. 

– معجم الشعراء، للمرزباني، تحقيق الدكتور عباس هاني الجراخ، الطبعة الأولى: 2010م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.  

– المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي،  منشورات دار الساقي، الطبعة الرابعة 1422هـ/ 2001م.

– منتهى الطلب من أشعار العرب، لابن المبارك، تحقيق الدكتور محمد نبيل طريفي، الطبعة الأولى عام 1999م،  منشورات دار صادر، بيروت، لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق