مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

معجم الهيآت والإشارات والرموز في التراث العربي (الحلقة الثانية والعشرون )

-ب-

[10] البارح:” البَارِحِ ضِدُّ السَّانِحِ. والبارِحُ: مَا مَرَّ مِنَ الطَّيْرِ وَالوَحْشِ مِنْ يَمِينِكَ إِلى يَسَارِكَ”(1)، والبوارح في التراث العربي تدل على:

1- التطير والشؤم: قالت الخنساء ترثي صخرا:

جَرَى لي طَير فِي حمام حَذرتُهُ           عَلَيكَ ابن عمرو من سَنِيحٍ وبَارِحِ(2) 

كانت العرب تتطير بالبارح لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف، وقال النابغة:

زَعَمَ البَوارِحُ أنَّ رحلتنَا غدا            وبذَاك خَبرَنا الغُرابُ الأَسوَدُ(3)

وأهل الحجاز يتشاءمون بها، والنابغة من عرب الحجاز(4). ومنه المثل:” من لي بالسانح بعد البارح”، قال الميداني: “وأصل المثل أن رجلاً مرت به ظِباء بارحة، والعرب تتشاءم بها فكره الرجلُ ذلك، فقيل له: إنها ستمرُّ بك سانحةً، فعندها قَالَ: مَنْ لي بالسانح بعد البارح؟ “(5)، وقال آخر:

أَبِالسُّنُحِ الأَيامِنِ أَم بنَحْسٍ،                  تَمُرُّ بِهِ البَوارِحُ حِينَ تَجْرِي؟(6) 

قال الأصفهاني:” وأهل نجد يتشاءمون بالبوارح وغيرهم من العرب تتشاءم بالسانح وتتيمن بالبارح؛ ومنهم من لا يرى ذلك شيئا؛ قال بعضهم: 

ولقد غدوتُ وكنتُ لا       أَغدو على واقٍ وحاتِمْ

فإذا الأشائمُ كالأيَا           مِن والأَيامِنُ كالأشائمْ”(7) (8)

ويخالفهم أهل العالية فيتشاءمون بالسانح ويتيمنون بالبارح(9).

2- النَّحس: قال الشاعر:

هناك السُّعودُ السانحاتُ جَرَتْ لنا             وتجرِي لكم طيرُ البَوَارِحِ بالنَّحْسِ(10) 

[11] ابنَا عِيَان:” ابْنا عِيانٍ: طَائِرَانِ يَزْجُرُ بِهِمَا العربُ كأَنهم يَرَوْنَ مَا يُتَوَقَّع أَو يُنْتَظَرُ بِهِمَا عِياناً، وَقِيلَ: ابْنا عِيانٍ خَطَّانِ يُخَطَّانِ فِي الأَرض يُزْجَرُ بِهِمَا الطَّيْرُ، وَقِيلَ: هُمَا خَطَّانِ يَخُطُّونهما للعِيافة”(11)، ومن دلالات هذا الرمز في التراث العربي:

1- الزَّجر والعيافة: قَالَ الرَّاعِي:

وأَصْفَرَ عَطَّافٍ، إِذا راحَ رَبُّه             جَرَى ابْنا عِيانٍ بالشِّواء المُضَهَّبِ(12) 

قال الشارح في معنى البيت: “إذا راح بهذا القدح عَلِمَ أنه سيربح، لذلك يؤتى باللحم قبل نضجه”(13)، وإِنما سُمِّيَا ابْنَيْ عِيَانٍ لأَنهم يُعايِنُونَ الفَوْزَ والطعامَ بِهِمَا(14).

-ت-

[12] تَعْطِيلُ القلوص: ويقصد بـ” التَّعطيل: التَّفْرِيغُ. وعَطَّلَ الدارَ: أَخلاها. وكلُّ مَا تُرِك ضَيَاعاً مُعَطَّلٌ ومُعْطَل”(15)، وتعطيل القلوص من الرموز الدالة عند العرب على:

1- الإعلَام بالموت: قال مالك بن الريب وكانت المنية قد حضرته فوصى من يمضي لأَهله ويخبرهم بموته وأَنْ تُعَطَّلَ قَلُوصه في الركاب فلا يركبهَا أَحد ليُعْلم بذلك موت صاحبها وذلك يسرّ أَعداءه ويحزن أَولياءه، قال يرثي نفسه:

وعرِّ قلوصي في الركاب فإنها         سَتَفْلق أكباداً وتبكي بواكيا(16) 

[13]  تَسْوِيم الهودج بالراية: و” السُّومة، بِالضَّمِّ، الْعَلَامَةُ تُجْعَلُ عَلَى الشَّاةِ وَفِي الحَرْبِ أَيضاً، تَقُولُ مِنْهُ: تَسَوَّمَ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: قَوْلُهُمْ عَلَيْهِ سِيما حَسَنَةٌ مَعْنَاهُ عَلَامَةٌ، وَهِيَ مأُخوذة مِنْ وَسَمْتُ أَسِمُ”(17)، ومنه تسويم الهودج وتعليمه بالراية عند العرب ومن دلالاته في التراث العربي:

1- الإعلام بالمصيبة والتشهير بها: وفي أخبار الخنساء لما هلك أبوها وأخواها صخر ومعاوية جعلت ترثيهم وتشهد الموسم وقد سومت هودجها براية، وجعلت تعاظم العرب في مصيبتها(18).

وذكر أيضا أنه لما كَانَت وقْعَة بدر وَقتل عتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة والوليد بن عتبَة أَقبلت هِنْد بنت عتبَة ترثيهم وَبَلغهَا تسويم الخنساء هودجها فِي الموْسِم ومعاظمتها العَرَب بمصيبتها بأبيها وأخويها وَأَنَّهَا جعلت تشهد الموْسِم وتبكيهم وَقد سومت هودجها براية وَأَنَّهَا تَقول أنا أعظم العَرَب مُصِيبَة وَأَن العَرَب عرفت ذَلِك لَهَا فَقَالَت هِنْد بل أَنا أعظم العَرَب مُصِيبَة فَأمرت بهودجها فسوم براية أَيْضا وَشهِدت الموْسِم بعكاظ وَكَانَت عكاظ سوقاً تَجْتَمِع فِيهِ العَرَب فَقَالَت اقرنوا جملي بجمل الخنساء فَفَعَلُوا فَلَمَّا دنت مِنْهَا قَالَت لَهَا الخنساء من أَنْت يَا أخية قَالَت أَنا هِنْد بنت عتبَة أعظم العَرَب مُصِيبَة وَقد بَلغنِي أَنَّك تعاظمين العَرَب بمصيبتك فَبِمَ تعاظمينهم قَالَت بِأبي عَمْرو بن الشريد وأخوي صَخْر وَمُعَاوِيَة فَبِمَ تعاظمينهم أَنْت قَالَت بِأبي عتبَة وَعمي شيبَة وَأخي الوَلِيد قَالَت الخنساء لسواهم عنْدك(19).

[14] التَّلاء: التَّلاء هو” السَّهْمُ يَكْتُبُ عَلَيْهِ المُتْلي اسمَه وَيُعْطِيهِ لِلرَّجُلِ، فإِذا صَارَ إِلى قَبِيلَةٍ أَراهم ذَلِكَ السَّهْمَ وَجَازَ فَلَمْ يُؤْذَ. وأَتْلَيْتُه سَهَمًا: أَعطيتُه إِياه ليَسْتَجِيزَ بِهِ”(20)، ومن دلالته عند العرب:

1- الجِوَارُ: قال زهير:

جِوارٌ، شاهدٌ عدلٌ، عَليكم                         وسِيَّانِ الكَفَالةُ، والتَّلاءُ

بأي الجِيرتَين، أجَرتموهُ                        فلم يَصلُحْ، لكم، إلا الأَداءُ(21) 

قال ثعلب في شرح البيتين: “يقول: قد كان هذا الرجل جارا لكم، وجواره بَيِّن مشهور، فهو شاهد عليكم أنكم أصحابه. وقوله « وسِيَّانِ الكَفَالةُ » أي: مثلان أن يتكفل الرجل أو يتلى له بذمة. « والتلاء»: الحوالة. أي من كفل لك كفالة، ومن جعل لك حوالة من ذمة، فقد وجب حق بهذين جميعا. وقيل: « التلاء»: أن يكتب الرجل لآخر على سهم: «فلان جار فلان». وقوله « بأي الجِيرتَين» يقول: الكفالة جوار والتلاء جوار، فبأي الأمرين كان لكم فلا يصلح لكم إلا أداء ذمته، والوفاء به”(22).

وقال الفرزدق يمدح هشام بن عبد الملك:

وما بات جارٌ عند مروانَ خَائِفًا،              ولو كان ممن يتقي كان أظلمَا

يَعدُّونَ للجارِ التَّلَاء، إذا التَوى،                 إلى أي أقتَار البرية يَمَّمَا(23) 

2- الوفَاء بالذِّمَّة: قال الطرماح يمدح خالد بن عبد الله القسري:

ولأحدِثَنَّ لخالد ولقومه                            مدحا يغور له بكل مغارِ

ويفون إن عقدوا، وإن أتلوا حبوا               دون التلاء بفخمة مذكارِ(24) 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- لسان العرب 2/52. 

2- ديوان الخنساء بتحقيق إبراهيم عوضين ص:361.

3- وهذه رواية أبي جعفر، وفي ديوان النابغة الذبياني ص: 93:

زعم الغداف بأن رحلتا غدا            وبذاك خبرنا الغراب الأسود

4- الطاهر بن عاشور، ديوان النابغة الذبياني ص:93، الهامش رقم:2.

5- مجمع الأمثال 2/356.

6- لسان العرب 7/270-271، بدون نسبة.

7- البيتان في الأغاني 11/9، وفي العمدة 2/904، دون نسبة.

8- الأغاني 11/8-  9.

9- العمدة في محاسن الشعر وآدابه 2/905.

10- البيت في الأغاني 11/214،  في قصيدة من تسعة أبيات منسوبة لأبي جلدة.

11- لسان العرب 10/358.

12- ديوان الراعي النميري ص:44.

13- ديوان الراعي النميري ص:44.

14- لسان العرب 10/358.

15- لسان العرب 10/194.

16- ديوان مالك بن الريب ص:95، وفي رواية وعطل قلوصي.

17- أنيس الجلساء في شرح ديوان الخنساء ص:84.

18- أنيس الجلساء في شرح ديوان الخنساء ص:84.

19- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص 1/301-302.

20- لسان العرب 2/236.

21- شعر زهير بن أبي سلمى ص:139.

22- شعر زهير بن أبي سلمى ص:139-140.

23- ديوان الفرزدق ص:520.

24- ديوان الطرماح ص:155 -156.

*****************

المصادر والمراجع:

– الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، تحقيق الدكتور إحسان عباس، الدكتور إبراهيم السعافين، الدكتور بكر عباس، دار صادر بيروت، الطبعة الثالثة سنة 2008م.

– أنيس الجلساء في شرح ديوان الخنساء، اعتنى بضبطه وتصحيحه وجمع رواياته وتعليق حواشيه وفهارسه الأب لويس شيخو اليسوعي، طبع في بيروت بالمطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين سنة 1896م.

– ديوان الخنساء، دراسة وتحقيق الدكتور إبراهيم عوضين، الطبعة الأولى عام 1405هـ /1985م، مطبعة السعادة.

– ديوان الراعي النميري، شرح الدكتور واضح الصمد، الطبعة الأولى 1416هـ /1995م، منشورات دار الجيل، بيروت.  

– ديوان الطرماح، عني بتحقيقه الدكتور عزة حسن، الطبعة الثانية 1414هـ /1994م، منشورات دار الشرق العربي.  

– ديوان الفرزدق، شرحه وضبطه وقدم له الأستاذ علي فاعور، الطبعة الأولى عام 1407هـ /1987م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

– ديوان النابغة الذبياني، جمع وتحقيق وشرح فضيلة العلامة سماحة الأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، نشر مشترك بين دار السلام ودار سحنون، الطبعة الأولى، 1430هـ/ 2009م.

– ديوان مالك بن الريب حياته وشعره، تحقيق الدكتور نوري حمودي القيسي، مستل من مجلة معهد المخطوطات العربية المجلد 15، الجزء 1.

– شعر زهير بن أبي سلمى، صنعة الأعلم الشنتمري، تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة، عام الطبعة 2002م، المطبعة العلمية، دمشق.

– العمدة في محاسن الشعر وآدابه، لابن رشيق القيرواني، تحقيق: الأساتذة توفيق النيفر ومختار العبيدي وجمال حمادة، منشورات المجمع التونسي للآداب والفنون «بيت الحكمة» عام 2009م.

– لسان العرب، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، الطبعة السادسة عام 2008 م، دار صادر، بيروت، لبنان.  

– مجمع الأمثال، لأبي الفضل أحمد بن محمد بن إبراهيم الميداني النيسابوري، قدم له وعلق عليه نعيم زرزور، الطبعة الثالثة عام 2010م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.  

– معاهد التنصيص على شواهد التلخيص، لعبد الرحيم العباسي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، منشورات عالم الكتب، بيروت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق