وحدة الإحياءدراسات عامة

معالم الرؤية المنهاجية الكامنة في نصوص الوحي من خلال آيات القرآن في موضوع المرأة

يعد موضوع المرأة من المواضيع التي وردت مفصلة في كتاب الله، وإن التفصيل فيه يدل على مدى العناية التي أولاها الشارع للمرأة باعتبارها أنثى؛ فهي الأم والخالة والجدة والأخت والزوجة والبنت والعمة وسائر النساء القريبات والأجنبيات. وإن الوضعية السيئة التي عاشتها المرأة قبل النبوة كانت تقتضي التغيير شبه الكامل، ولم يكن طريقا لذلك إلا بتفصيل القول في جل ما يمسها من أجل تصحيح نظر الناس إليها وإقناعهم بضرورته، ودعوتهم إلى تنفيذ الأحكام الواردة في شؤونها مهما خالفت ما يتعارفون عليه. كل ذلك دعا إلى التفصيل تفصيلا لا يدع مجالا لاضطراب الفكر، ولا يترك فرصة لحيرته. قال تعالى: ﴿حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (فصلت: 1-3).

وإن من يدرس قضايا المرأة في القرآن يلحظ أن منهجه في تناولها يتسم بالشمولية في العرض، وحسن الترتيب في الوضع؛ حيث بدأ بوصف ما كان عليه حالها وصفا مهد به لتأسيس رؤيته الجديدة حولها. إنه منهج القرآن الذي سعى إلى بناء صورة موحدة تعتمد التأريخ في البدء، ومخاطبة العقل ليعلم ويعتبر، وتخصيص الخطاب لمن يؤمن به ليلزم الحدود. وبين الحقوق لتسهل المعاشرة بين الجنسين وفق أحكامه، وحذر من مخالفتها، ولم يميز بين ذكر وأنثى في تحمل المسؤولية تثبيتا لمبدأ المساواة بين الجنسين في إطار وضعية يحترم فيها وضعهما الفطري الطبيعي. وسيختص هذا العرض ببيان معالم هذا المنهج فيما يأتي:

أولا: وصف نظرة أهل الجاهلية إلى المرأة وذكر ما كانوا يتداولونه بينهم في شأنها

قدم القرآن للوضع الجديد للمرأة في الإسلام بحديثه عن حالتها قبل البعثة؛ وكشفه ما كانت تعانيه من مآس؛ فأوضح أن نظر أهل الجاهلية إليها كان يطبعه طابع الكراهة والإهانة والاحتقار. وكشف عن حالها فيهم بما يأتي:

1. ذكر كراهتهم للمرأة

تتسم نظرة أهل الجاهلية إلى المرأة، كما ورد في كتاب الله، بالكراهة؛ فهي عندهم مصدر شؤم البيت، ورجس يجب التخلص منه، وعار يلحق من تولد في بيته؛ كانوا يعيرون من تولد له أنثى، ويحسبون أن من ليس في بيته ولد ذكر رجلا أبتر لا عقب له، لأنه إذا مات ينقطع ذكره. وهو الوصف الذي نعتوا به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين مات ابنه إبراهيم. روى ابن كثير عن السدي قال: “كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا: بتر؛ فلما مات أبناء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: بتر محمد، فأنزل الله: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ[1] (الكوثر: 3).

ولا شك أن هذا الحكم يلزم معه تفضيل الذكر عندهم على الأنثى؛ لأن به يستمر نسب الأب. ولذلك لم يكونوا يعتبرون الأنثى، وبلغ من كراهتهم لها أن تطاولوا في حكمهم حتى نسبوها لله تعالى اسمه. قال تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ (النحل: 62) يعني “من البنات ومن الشركاء الذين هم من عبيده، وهم يأنفون أن يكون عند أحدهم شريك له في ماله”[2]. وأيضا كشف القرآن أنهم ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ (الزخرف: 18) وما رأوهم ولكن اتبعوا ظنهم السيئ؛ فشهدوا بما لم يعلموا، وعن شهادتهم سيسألون كما قال تعالى: ﴿أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ (الزخرف: 18). ولو كانوا يحبونها لأكرموها وما أهانوها.

2. فضح احتقارهم لها وتضايقهم من ولادتها

لما أجمعوا موقفهم على كراهة الأنثى، كان الأتعس حظا فيهم من يرزقه الله إياها. وكانت اللحظة التي يخبر فيها بوضعها هي أشأم لحظة يقضيها من حياته؛ فلا يكاد يقوى على لقاء الناس خوف أن يعيروه بها. قال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ (النحل: 58-59). هكذا جاء تعبير القرآن بالبشارة في سياق التعريض بالتهكم بهم لتحريفهم الحقائق وقلبهم الأمور؛ فتجد المرء يحزن لولادة الأنثى ولا يفرح، ويتوارى من قومه من أجل ذلك. وهو ما عبر عنه القرآن بعجز المرء عن أن يقابل أحدا من الناس، وبأي وجه يقابلهم؟ “أيمسكه على هون أم يدسه في التراب؟”. ويبقى كذلك أياما يرجو أن تنسى قضيته بتقادمها. وليت الأمر يتقادم ويطوى الشعور بالمذلة؛ ولكنه يظل يلاحقه كلما رأى ابنته في بيته، فلا يغادره هذا الشعور ويهدأ باله إلا بالتخلص منها. وبأي طريق يحصل ذلك؟ لقد اختاروا وأدها ليحرموها من حقها في الحياة. وتمالؤوا على هذا السلوك السيئ حتى لا تكاد تجد من ينكره منهم.

هذه هي الجاهلية ونظرتها إلى المرأة، وهذا حكمها كما يصوره القرآن. لقد قضت بالاكتئاب من ولادتها وباعتبارها عبئا يجب التخلص منه؛ فكان اغتصاب حقها في الحياة حقا للأب يمارسه بكل اطمئنان وراحة بال لا يخاف لومة لائم. قال ابن حجر: “وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن، ويقال إن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي، وكان بعض أعدائه أغار عليه فأسر بنته فاتخذها لنفسه ثم حصل بينهم صلح فخير ابنته فاختارت زوجها فآلى قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها حية، فتبعه العرب في ذلك”[3].

ومن يتخلف عن وأد ابنته منهم، ويتركها تنجو من هذا المصير السيئ فلعلة كونها حصة من التركة يستفيد منها الأبناء الذكور إذا ورثوا آباءهم، أو لعلة كونه زعيما في قومه فيتركها لا لأنها من جنس النساء. ومن ثم ذم الله اجتماعهم على حكمهم الظالم هذا. قال ابن عباس: “كانت الحوامل إذا قربت ولادتها حفرت حفرة فمخضت على رأسها، فإذا كانت المولودة أنثى قذفت بها في الحفرة. وإذا كان ذكرا استبقته في حنان وعزة”. وتروى طريقة أخرى لحرمانها من حقها في الحياة أن “الرجل يترك البنت حتى السادسة من سنها فإن أراد التخلص منها قال لأمها: طيبيها وزينيها… ثم يذهب إلى بئر حفرها في الصحراء ويقول لها: انظري في هذا البئر ثم يأتي من خلفها ويدفعها في البئر، ويهيل عليها التراب”. هكذا بكل برودة دم كانت تغتصب البنت في حقها في الوجود، لا لذنب اقترفته سوى ما أصدرته الجاهلية في حقها من تهم باطلة. ومن هنا جاء الحكم بتجريم وأدها بقوله سبحانه: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ (التكوير: 8-9) ليدل بذلك على حرمة قتل نفس بغير حق. قال ابن تيمية: “والآية تقتضي ذم قتل كل من لا ذنب له من صغير وكبير، وسؤالها توبيخ قاتلها”[4].

وكان من أسرارهم التي فضحها القرآن أن منهم من كان يستكثر النفقة على ابنته ولا يستكثرها على الجارية عنده ولا على الحيوان يملكه؛ تحكمه في ذلك نظرته المادية التي تقضي بالعناية بمن يذر ربحا ماديا على من يستهلك ولا يذره. وبهذا الوهم كان القتل يتناول الذكور أيضا فيقتل الرجل ولده خشية أن يطعم معه. قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ (الإسراء: 31). وقال: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ (الأنعام: 141). وأيضا كانوا يقتلونهم في النذور كنذر عبد المطلب أن لو رزقه الله عشرة أبناء يحمونه ليذبحن أحدهم للآلهة. قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ (الأنعام: 138). وجاءت السنة لتحذر من الاستمرار من قتل الولد ذكرا كان أو أنثى فروى الشيخان عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال قلت يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قلت: ثم أي؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك”[5].

3. الكشف عن اغتصاب حقوقها وعن الإمعان في إذلالها

سبق القول إن هناك بنات كن ينجين من الوأد، وهؤلاء وإن كان يحتفظ لهن بالحق في الحياة فلا يوأدن؛ فإنه كان يفرض عليهن أن يعشن في ذلة ومهانة؛ لا مساواة بينهن وبين الذكور، ولا يسمح لهن بالتعبير عن رأيهن، ولا يلتفت لرغبتهن، ولا يملكن أن يتصرفن في شؤونهن؛ فلم تكن تملك المرأة مثلا سلطة اتخاذ قرار زواجها، ولم تكن تعرف حقا لتطلبه.. لقد كانت تعيش حالة استخفاف، وتعاني من قهر التهميش، ومن سوء المعاملة، مهضومة الحقوق المعنوية والمادية، محجورا عليها من طرف الذكور. ويتجلى ذلك فيما يأتي:

أ. التمييز بينها وبين الرجل في الاستفادة مما في بطون الأنعام من حمل

 وذلك بحرمانها منها واختصاص الذكور بها إلا أن يولد ميتا فوقتئذ تشترك فيه مع الذكر. قال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنعام: 140). هذا جزء من التصورات والمزاعم التي كانوا يزاولونها، وإن ما يضحك في تصورهم هذا هو أنهم كانوا ينسبون هذا الحكم إلى الله افتراء عليه.

ب. اعتبارها حصة من التركة

ومن ممارساتهم ضد المرأة واستغلالهم لها أن الواحد منهم كان إذا توفي خلفه أهله في الولاية علة زوجته؛ فيرثونها ويقررون في شؤونها حتى إذا زوجوها أخذوا مهرها، وإذا قضوا بعضلها أمسكوها في البيت حتى تفدي نفسها بمال. أخرج الإمام البخاري في صحيحه بسنده إلى ابن عباس قال: “كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته؛ إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت الآية”[6]. وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ﴾ (النساء: 19). قال ابن عاشور: “الأولياء يعضلون النساء ذوات الأموال من التزوج خشية أنهن إذا تزوجن يلدن فيرثهن أزواجهن وأولادهن، ولم يكن للولي الغاصب شيء من أموالهن، وهن يرغبن أن يتزوجن حتى تبقى عنده فيرثها إذا ماتت”[7].

هكذا كانت المرأة تورث كما تورث البهائم، وينظر إليها على أنها مصدر اغتناء ليس فقط بأخذ حقوقها المالية ولكن أيضا بما يضطرها إليه وليها من بيع عرضها ليغتني به. لقد كان يفرض عليها أن تعيش أوضاعا سيئة ذكرها من تحدثوا عن المرأة في تلك الفترة لكني اقتصرت منها على ما ورد ذكره في القرآن وأوضحه رسول الله، صلى الله عليه وسلم. ومنه قوله تعالى: ﴿آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (النور: 33). قال ابن عاشور: “كانت ترغم على البغاء، وتدفع إلى هذه الخمأة القذرة دفعا، وهي مشلولة الحركة لا تدري إلى أي جحيم تدفع، ولا إلى أي فساد ترغم عليه؛ إنها إهانة كبيرة للأسرة والمجتمع ووحشية يقوم بها هؤلاء الذين يذبحون فتياتهم في مذابح الشهوة والغريزة”[8]. وإن القرآن الكريم بتحريمه الصريح لهذه الممارسات الظالمة في حق المرأة إنما أراد أن ينتشل المرأة من وضعها المهين والدرك الهابط ويرفعها إلى مكانة تليق بكرامتها في ظل شريعته.

ج. ابتزازها من طرف زوجها ووليها من بعده

ربما يظن أحد أن المرأة في الجاهلية إذا تزوجت تكون قد تحررت من المعاناة التي تلاقيها في كنف وليها؛ ولكنها في حقيقة الأمر لا يتغير من وضعها شيء سوى انتقال سيف الإهانة من وليها إلى زوجها؛ إنها تنتقل بزواجها من ملك وليها إلى ملكية زوجها ليستمر جرح أحاسيسها وإهانة كرامتها. روى الإمام الترمذي عن عائشة قالت: “كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته؛ إذا ارتجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة أو أكثر، حتى قال رجل لامرأته: والله لا أطلقك فتبيني مني، ولا آويك أبدا. قالت: وكيف ذاك؟ قال: أطلقك، فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك. فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها، فسكتت عائشة حتى جاء النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فسكت النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى نزل القرآن: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾. قالت عائشة: فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا من كان طلق ومن لم يكن طلق”[9].

وروى البخاري عن ابن عباس: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ قال: “كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾. وروي عن زيد بن أسلم في الآية: “كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله، وكان يعضلها حتى يرثها أو يزوجها من أراد، وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها فنهى الله المؤمنين عن ذلك”[10].

وإن من يتأمل هذا الوضع المخزي الذي كانت تفرضه الجاهلية على المرأة ليقر بصعوبة تغييره حقا، ويدرك أن من يحاول معالجته لن يجني إلا عداوة تصيبه، وإن العداوة تكون أشد حين يتعلق الأمر بنزع شيء من امرئ يعده من مكتسباته التي ورثها. وقد ثبت أن القرآن بمنهجه الذي اعتمده حقق هذا التغيير بأسلم الطرق وأنقاها.

ثانيا: تثبيت الوضع الجديد للمرأة

مما اعتمده القرآن في تثبيت وضع المرأة الجديد ببعثة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، توزيع خطابه بين تعليق النفس بالله، والدعوة إلى التزام أوامره والتحذير من مخالفتها. وبيان ذلك فيما يأتي:

1. المنطلق الإيماني

والمراد به ربط المرء بالله وتعليق نفسه به سبحانه من أجل أن يراجع نفسه في هدوء، ويغير نظرته، ويسمو باهتماماته، ويرقى بالحياة الزوجية خاصة والحياة الإنسانية عامة عن الحياة البهيمية، وقد حصل ذلك بتقرير المسلمات الآتية:

أ. تقرير أن الله، عز وجل، خالق الكون

يتحدث القرآن عن أصل التوحيد الذي يتأسس عليه إيمان الفرد، ومنه توحيد الخالق. قال تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾. وورد الأمر بالتفكر فيما يعرفه العربي في بيئته، ووجه أنظار المخاطبين إليه لينتهوا إلى أن ليس للمرء من ذلك شيء، ويدركوا أن ما كان من ذكر أو أنثى فإنما هو هبة من الله، عز وجل، حتى إذا تم التصديق بهذا لم يبق مجال للحكم بأن ولادة الأنثى مسؤولية المرأة. قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (القصص: 68). وقال: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ (الشورى: 46-47). وبهذا رد على أهل الجاهلية الذين يحسبون أن المرأة مسؤولة عن جنس المولود كما تحدثت بذلك امرأة هجرها زوجها لأنها تلد البنات:

يغضب إذ لم نلد البنين          وإنما نعطي الذي يعطينا

وكان البدء في الآية بالإناث ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا﴾. وفي تقديم ذكرها على الذكور عناية من الشارع بها وتكريم لمقامها. وقد قرر القرآن أن الخلق ذكورا وإناثا هبة من الله، والوهاب يهب ما يشاء لمن يشاء ومتى يشاء. لا يسأل عما يفعل سبحانه وهم يسألون؛ وهب إسماعيل لأبيه إبراهيم على كبر سنه وسن زوجته، وكذلك وهب يحيى لزكرياء، وخلق عيسى عليه السلام من غير أب. وكل ذلك من أجل أن يستيقن المرء أن ليس له من الأمر شيء، وأنه إذا تزوج فليتوجه سائلا ربه بالقول: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (الفرقان: 74). هكذا بهذا الإجمال يحصل استقرار العين بالذكر والأنثى معا.

ثم جاءت النصوص من السنة تبين فضل من وهبه الله أنثى، ومنها ما رواه الإمام مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه”[11]. وفي رواية الترمذي: “من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه”[12]. وذلك من أجل أن يغرس في النفوس حب البنات، ويهدم ما كان يعتقده الناس أنهن مجلبة للعار، مهلكة للرزق. ولقد رأى الصحابة كيف كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بين أظهرهم يتعامل مع ابنته فاطمة ليقتدوا به في ذلك.

 ب. تقرير مساواة المرأة الرجل في أصل النشأة

ينطلق القرآن في تثبيت رؤيته الجديدة للمرأة والإقناع بها من بيانه أنها تشترك والرجل في أصل النشأة. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ (النساء: 1) ليدل به على أن لا تمايز بينهما في أصل نشأتهما، وعلى أن الذي يقتضيه الأمر أن تكون شقيقة للرجل.

هكذا ثبت القرآن الوضع الصحيح للمرأة في النفس بأن أخبر بالمنطلق في نشأتها وأنها لا تختلف فيها عن الرجل، ومن ثم صار يذكرها مع الرجل ليشتركا في الخطاب نحو قوله سبحانه: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى. وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ (الليل: 1–3). ونبه على أن ما ورد من تمايز بينهما قضاه الله تعالى فلحكمته العالية سبحانه لينهى عن المعاندة فيه بقوله: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (النساء: 32) لينتهي إلى بيان ميزان الأفضلية بين الناس جميعهم وهو تقوى الله، عز وجل، بقوله: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13).

ج. تأكيد شخصيتها وتقرير كونها مسؤولة عن أعمالها

ينبني على مساواة المرأة الرجل في أصل النشأة أنها تتساوى معه فيما خلقا معا من أجله، ومنه التكاليف الشرعية. وقد جاء الخطاب بالتكليف لهما معا. وأكد أن كل واحد منهما يجزيه الله عن عمله. وما اختصها به فلمناسبته الفطرة التي فطرها الله عليها. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ (النساء: 123). وقال: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل: 97). وقال: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (غافر: 40). وقال: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ (آل عمران: 195). وورد ذكر مساواتها الرجل في العقوبة عند الجناية في قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾ (النور: 2). وقوله سبحانه: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (المائدة: 40). وجمع رسول الله ذلك كله في قوله: “إن النساء شقائق الرجال[13].

د. رسم الصورة التي يجب أن تكون عليها في المجتمع

ثبت أن المرأة والرجل مكلفان شرعا، وظهر أن الخطاب الشرعي ورد في كتاب الله بقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ ليعم الجنسين معا. وورد فيه تخصيصها بالخطاب بمجموعة آيات هي بمثابة ضوابط تخضع لها في حياتها ومنها أمرها بالعفة، وسترها ما يجب ستره من زينتها، وتميزها بلباسها عن لباس المشركات أو العاهرات. وبين لها من يجوز لها أن تبدي من زينتها لهم فقال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (النور: 31).

هنا جاء تخصيص المرأة بالخطاب في أمر عرف منها التساهل فيه قبل البعثة، وهو ما عبر عنه بالزينة؛ فأمرها بغض البصر وحفظ الفرج مثلها مثل الرجل، وقرر أنهما مسئولان عن ذلك. ونهاها عن إبداء ما تعودت على إبدائه من زينتها ليقتصر فقط على ما ظهر منها. وضبط من يحل أن تبدي زينتها لهم من الرجال ليخرج من سواهم. وذلك من أجل أن تسلم من أي تحرش وأن لا تتسبب فيه، وتعيش عفيفة حتى إذا ما تزوجت تزوجت وهي مصونة سليمة من الأذى. وجاء التحذير من تبرجها فيما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صنفان من أهل النار لم أرهما؛ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا”[14]. قال ابن عبد البر: “أراد اللواتي يلبسن من الثياب الخفيف الذي يصف ولا يستر أي هن كاسيات بالاسم عاريات”[15].

وبهذا بدأ القرآن يؤسس لبناء مجتمعه الفاضل في أخلاقه، في علاقاته، في مسؤولياته؛ فتنوع خطابه بين التعميم فيما من شأنه التعميم، والتخصيص فيما من شأنه التخصيص. وهنا ورد تخصيص المرأة بالخطاب تنبيها على دورها في حفظ سلامة المجتمع ليؤكد أن المسؤولية في تحقيق الأمن الاجتماعي مشتركة بينهما، ولكل دوره المرسوم له لحمايته. قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور: 61).

2. المنطلق التشريعي

ويتجلى في تشريع مجموعة أحكام تهمها ومنها:

أ. فرض حصانتها بالزواج

يقدم لنا القرآن كيف أن المرأة في الجاهلية لم يكن يلتفت إليها إلا باعتبارها متعة للجنس أو نصيبا ماليا للميراث. ولم يكن يراعى في زواجها أحيانا أنها خالصة لزوجها؛ ولكن حقا مشاعا يشاركه غيره فيه. قال تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ (النساء: 24). ففيه ذكر الله، عز وجل، المحصنات من النساء ضمن أصناف من يحرم شرعا الزواج بهن مما يفيد أنه لم يكن منكرا في الجاهلية أن ينكح الرجل امرأة متزوجة. قال ابن عاشور: “والتقدير؛ حرمت عليكم المحصنات من النساء. والمحصنة من أحصنها الرجل إذا حفظها واستقل بها عن غيره. والمراد أي حرمت عليكم ذوات الأزواج ما دمن في عصمة أزواجهن، فالمقصود تحريم اشتراك رجلين في عصمة المرأة، وذلك إبطال لنوع من النكاح كان في الجاهلية يسمى الضماد”[16].

وإن القرآن بنهيه عن التزوج بامرأة متزوجة يكون قد قضى بأن الزواج هو الصورة الشرعية الوحيدة لارتباط رجل وامرأة بعدما كان الناس قبل البعثة يمارسون أنماطا من الارتباط بين الجنسين مما لا يمكن أن تقبله فطرة سليمة. أخرج الشيخان عن عروة بن الزبير عن عائشة، رضي الله عنها، أنها أخبرته أن “النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء؛ فنكاح منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها. ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه؛ فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب. وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع. ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع به الرجل. ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا؛ كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك. فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم”[17].

إن الذي يتأمل هذه الصور التي كان يتم على وفقها ارتباط الرجل بالمرأة يدرك درجة الانحطاط الأخلاقي الذي كان يفرض على المرأة، ودرجة السفالة التي كان يضع فيها بعض الأزواج أنفسهم بقبولهم الفعل في نسائهم من أجل نجابة الولد. لا غيرة يملكونها على أعراضهم، ولا حصانة تحصل للمرأة بزواجها. من أجل ذلك جاء الحكم صريحا بتحريم المحصنة والتشديد فيه بقوله سبحانه: “كتاب الله عليكم”. “أي هذا التحريم كتاب كتبه الله عليكم، يعني الأربع فالزموا كتابه، ولا تخرجوا عن حدوده، والزموا شرعه وما فرضه”[18].

وكما ذم الشارع اغتصاب حصانة المرأة الزوجية ذم ما كان يفرضه بعض أولياء النساء عليهن من إكراههن على الفساد طمعا في ما يجلبنه إليهم من مال بسبب ذلك فقال تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النور: 33).

بهذا أسس القرآن حكمه الجديد الذي يخالف ما كان معمولا به من قبل، ببيان وضع المرأة وسوء معاشرتها والنهي الصريح عنه مشفوعا ببشرى مغفرة ما صدر منه قبل نزول التحريم لمن يريده. وفي ذلك توجيه نظر المرء إلى المستقبل، ودعوة إلى الالتزام بما نزل، وإفساح المجال له في ابتغاء ما أحل الله له بقوله: سبحانه: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾.

ب. تحديد أصناف المحرمات من النساء

وهذا تشريع تنظيمي يحفظ مقصدا مهما من مقاصد شريعتنا وهو حفظ النسب وحفظ الصلة الرحمية بين أولي الأرحام بأن بين من يصلح نكاحهن ومن لا يصلح. قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (النساء: 22-23). ويظهر من هذه الآية إعطاء الإسلام الزوجية مفهوما واضحا طاهرا حيث بين من يحل الزواج بهن ومن يحرم الارتباط بهن في عصمة زوجية تجنبا لقطع الرحم. وإن القرآن هنا إذ يرسم نظاما لبناء الأسرة مخالفا لما كان معروفا في الجاهلية بلفظه الصريح “حرمت” يكون قد حدد من يحق له أن يحرم ويحل؛ وهو الله وحده الذي يحل للناس ما يحل، ويحرم عليهم ما يحرم، وليس لأحد غيره أن يقوم بهذا. وأيضا عندما يفتح باب التوبة عما سبق من مخالفة لما نهى عنه بقوله: “إلا ما قد سلف”؛ فهو معفو عنه؛ يكون قد شجع على الانخراط في نظامه الجديد لمن يريده. وإن هذا التشريع وإن كان يحقق مصلحة عامة في المجتمع فإن المرأة تبقى المستفيد الأكبر منه لأنه حماها “مما كانت ترزح تحته في الجاهلية من خسف وهوان، ومن عسف وظلم حتى تقوم الأسرة على أساس سليم ركين، ومن ثم يقوم المجتمع، وقاعدته الأسرة، على أرض صلبة وفي جو نظيف عفيف”[19].

ج. رسم حقوق الزوجة

وقد مهد لتشريع هذه الحقوق المادية بأن أوضح ما تمثله المرأة بالنسبة للرجل؛ فذكر أن بها تحقيق سكينته، وأن أحدهما يكمل الآخر من أجل أن يدركا أن لا حياة طبيعية إلا باجتماعهما. قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 20). وفرض قوامة الرجل على المرأة باعتبارها مسؤولية يتحملها فقال سبحانه: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: 34). وقال: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (البقرة: 226). ثم بين حقوقها المادية والمعنوية من صداق ونفقة وحسن معاشرة.

أما الصداق فجعله فريضة منه سبحانه لها وليس تطوعا بعدما كانت لا تحلم به من قبل. قال سبحانه: ﴿وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ (النساء: 4). ونبه على أن الصداق ملك لها بقوله: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾. قال ابن عاشور: “جانبان مستضعفان في الجاهلية مغبون فيهما أصحابهما؛ مال اليتيم ومال النساء فلذا حرسهما القرآن أشد الحراسة؛ ابتدأ بالوصية بحق اليتيم وثنى بالوصاية بحق المرأة في مال ينجز إليها لا محالة. وكان توسط حكم النكاح بين الوصايتين أحسن مناسبة تهيئ لعطف هذا الكلام. والمقصود بالخطاب ابتداء هم الأزواج لكيلا يتذرعوا بحياء النساء وضعفهن وطلب مرضاتهم إلى غمط حقوقهن في أكل مهورهن أو يجعلوا حاجتهن للتزوج، لأجل إيجاد كافل لهن، ذريعة لإسقاط المهر في النكاح”[20].

وأما حقها في النفقة فورد في قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: 231). وكذا قوله سبحانه في حق المطلقات: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ (الطلاق: 7) وقوله: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ (الطلاق: 6).

وأما حسن معاشرتها فبمقتضى قوله عز وجل: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (النساء: 19). ولا شك أن في التعبير بلفظ المعاشرة نفيا للإضرار والإكراه ودعوة إلى الإحسان إلى المرأة. و”يشمل، حسن المعاشرة، العلاقة الطيبة بكافة مظاهرها؛ فلا يكون فظا غليظا، ولا يعبس في وجهها بغير ذنب. وكذا اهتمامه بها من كل الجوانب فيؤنسها ويروح عنها متاعب البيت ومسؤوليته، ويصابر في معاشرتها ولو عند الكراهية حتى يجعل الله مخرجا لكل منهما”[21]. وبهذا يكون هذا الدين قد جدد صورة العلاقة الزوجية برفع المشاعر الإنسانية في الحياة الزوجية من المستوى الحيواني الهابط الذي كان متداولا عندهم إلى المستوى الإنساني الرفيع، وظللها بظلال الاحترام والمودة والتعاطف والتجمل، ووثق الروابط والوشائج فلا تنقطع عند الصدمة الأولى، وعند الانفعال الأول كما سيأتي.

د. تنظيم الفرقة الزوجية

سبق أن مما كانت تعانيه المرأة من ظلم زوجها أنه كان يتركها كالمعلقة؛ لا يعاملها باعتبارها زوجة، ولا يفارقها لترتبط بغيره؛ فلما جاء الإسلام بالحق نظم طلاقها وبين آثاره. قال تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (البقرة: 227). وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا. فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق: 1-3).

وإن تنظيم الزواج ورسم طريقة حله شرعا إنما ورد لمنع العبث بالحياة الزوجية وللمساهمة في حفظ أمن المجتمع من التفكك ومفاسده. ومن يتأمل هذه الآيات يدرك أنها لم ترد مورد الاختيار بالنسبة للأزواج؛ ولكن وردت باعتبارها حدود الله للتنبيه على خطورة انتهاكها. ويظهر للقارئ مدى الصرامة التي وردت في آيات الطلاق من سورة البقرة وكذا الوضوح والصراحة في الحكم الذي يجب اتباعه، والتذكير بمراقبته سبحانه لكل شيء؛ فورد فيها قوله ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ﴾ وقوله: ﴿فلا تحل له﴾ وقوله: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ وقوله في سورة البقرة ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾ الآية: 229 وقوله: ﴿ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾ الآية: 230 وقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ الآية: 231 وقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ الآية: 233 وقوله: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ الآية: 235. وكلها عبارات شديدة تحذر من المخالفة وعواقبها.

ﻫ. تقرير انخراط المرأة في الحياة العامة

تتعدد الآيات القرآنية التي تقص ما قامت به النساء من أعمال زمن النبوة، ومنها مشاركتها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الهجرة بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ (الأحزاب: 50). ومنها مشاركتها في بيعة رسول الله بقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الممتحنة: 12). ومنها اشتراكها في الموالاة للمؤمنين وفي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله سبحانه: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 71). ومنها تقرير أهليتها للشهادة بقوله سبحانه: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ (البقرة: 281). وهذه نماذج تبرز حضور المرأة في المجتمع ومشاركتها في الحياة العامة، ويزيدها توضيحا ما كانت تقوم به النساء زمن النبوة بمحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فيه الدلالة على أنها كالرجل عنصر فاعل في الحياة إذا ما التزمت الضوابط الشرعية في اللباس والسلوك والقول.

خاتمة

يمكن القول إن القرآن الكريم ذكر قضايا المرأة في عشر سور من القرآن منها سورة النساء الكبرى وهي سورة النساء والصغرى وهي سورة الطلاق، أما السور الأخرى فهي البقرة والمائدة والنور والأحزاب والمجادلة والممتحنة والتحريم. وجمع القرآن ما يعرض للمرأة في حياتها من زواج وفرقة ورضاع وحيض وأوضح مسؤوليتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسجل مبايعتها لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأهليتها وكفاءتها ومساواتها للرجل في الحقوق والواجبات. وكان من آخر وصية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله: “استوصوا بالنساء خيرا”[22]. وبذلك يكون قد غير نظرة الجاهلية العربية إلى المرأة بنقلها من امرأة “لا تعرف لها حقوقها الإنسانية، فتنزل بها عن منزلة الرجل نزولا شنيعا، يدعها أشبه بالسلعة منها بالإنسان، وذلك في الوقت الذي تتخذ منها تسلية ومتعة بهيمية، وتطلقها فتنة للنفوس، وإغراء للغرائز، ومادة للتشهي والغزل العاري المكشوف”[23] إلى امرأة في ظل الإسلام لها مكانها الطبيعي في كيان الأسرة ودورها الجدي في الحياة العامة.

الهوامش

  1. تفسير ابن كثير لقوله تعالى: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ (سورة الكوثر).
  2. تفسير ابن كثير لقوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾، (النحل: 62).
  3. فتح الباري، ج: 10/472 عند شرح الحديث، رقم: 5975.
  4. مجموعة الفتاوى، ج: 16/ 55.
  5. صحيح البخاري، كتاب الأدب، وصحيح مسلم كتاب الإيمان.
  6. صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن؛ رقم الحديث: 4213.
  7. التحرير والتنوير، تفسير الآية: 19، من سورة النساء.
  8. المصدر نفسه، تفسير الآية: 33 من سورة النور.
  9. سنن الترمذي، كتاب اللعان والطلاق.
  10. تفسير ابن كثير، الآية: 19 من سورة النساء.
  11. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة.
  12. سنن الترمذي، كتاب البر والصلة.
  13. سنن أبي داود والترمذي ومسند أحمد.
  14. صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها.
  15. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد.
  16. التحرير والتنوير لابن عاشور عند تفسير الآية: 24 من سورة النساء.
  17. صحيح البخاري، كتاب النكاح.
  18. تفسير ابن كثير، الآية: 24 من سورة النساء.
  19. في ظلال القرآن عند تفسير، الآية: 23 من سورة النساء.
  20. التحرير والتنوير عند تفسير، الآية: 19 من سورة النساء.
  21. المصدر نفسه.
  22. صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، وصحيح مسلم: كتاب الرضاع.
  23. في ظلال القرآن عند تفسير، الآية: 19، من سورة النساء.
الوسوم

د. عبد الرحمن العمراني

كلية الآداب، مراكش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق