الرابطة المحمدية للعلماء

معالم الإسهام المغربي في بناء حضارة الأندلس

د. محمد المغراوي: شمِل التأثير المغربي في الأندلس الحقول الفقهية والمعمارية والفلسفية

كان موضوع “الإسهام المغربي في بناء حضارة الأندلس” محور “الحوار الحي”، الموعد الأسبوعي القار على موقع الرابطة المحمدية للعلماء، من خلال استضافة الدكتور محمد المغراوي، أستاذ التاريخ والحضارة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط.

وبداية، توقف الدكتور المغراوي عند أهم معالم تأثير المغرب في تاريخ وحضارة الأندلس، والذي بدأ، منذ فتحها على يد فاتح العظيم طارق بن زياد بن عبد الله الليثي ولاء، النفزي أصلا، حيث كان جيشه مكونا من الآلاف من المجاهدين الأمازيغ مع عدد قليل جدا من القادة العرب، قد عبر الفاتحون منذ البداية عن استيعابهم لقيم الإسلام فكانوا خير رسل له إلى الجزيرة الأندلسية التي كان سكانها يئنون تحت وطأة حكم فاسد. وقد اختلفت آراء المؤرخين في سهولة التي تم بها هذا الفتح. المهم أن عددا كبيرا من الفاتحين قد استوطنوا الأندلس وعرفت أماكن عديدة فيها بأسماء قبائلهم الأصلية مثل مكناسة، وبني برزال وغيرها ونعتبر أن هذا هو منطلق التأثير الذي بدأ اجتماعيا لتظهر ملامحه الأخرى فيما بعد إلى جانب التأثير العربي المشرقي.

وفيما يتعلق بالتحول من مصطلح الأندلس إلى مصطلح إسبانيا الإسلامية فهذا توجه إسباني استشراقي بدأ في القرن 19م، حيث اعتبر عدد من المؤرخين الإسبان أن المرحلة الإسلامية ما هي إلا حلقة داخل سلسلة تاريخ إسبانيا العام، ولازال النقاش في الواقع جاريا إلى يومنا هذا بين الاتجاهين. ويرى العديد من الباحثين الإسبان أن عليهم استرجاع تاريخ الأندلس باعتباره إرثا خاصا بهم لذلك اجتهدوا في التعمق في دراسته وأنجزوا لحد الآن إنجازات باهرة في شتى مناحي البحث التاريخي.

على صعيد آخر، يتجلى التأثير المغربي في الحضارة الأندلسية أيضا في الدعم البشري القوي الذي قدمه المغرب للوجود الإسلامي بالأندلس منذ بدايته والذي استمر إلى أن لفظت إمارة غرناطة أنفاسها . ولابد من الإشارة هنا أيضا إلى العدد الكبير من العلماء المغاربة الذين نبغوا بالأندلس سواء من ذوي الأصول المغربية والنشأة الأندلسية أمثال: يحيى بن يحيى الليثي الفقيه الشهير المصمودي الأصل، أو الإمام الأصيلي وغيرهم أو من الذين هاجروا من المغرب لأسباب متعددة نذكر منها مثلا: الضغط الفاطمي على شمال المغرب في أواسط القرن الرابع الهجري والذي اضطر عددا من علماء إمارة نكور بمنطقة الريف إلى هجرة جماعية إلى الأندلس فتصدر منهم عدد للوظائف والمسؤوليات التعليمية وغيرها.

هذا فضلا عن تقليد جرى عليه عدد من العلماء والزهاد المغاربة وهو التردد على الأندلس لغرض الرباط والجهاد مدة من كل سنة غير أنهم كانوا في هذا الرباط يروون العلم وينشرون ما عندهم فأخذ عنهم الأندلسيون الشيء الكثير، ونذكر على سبيل المثال فقط من هؤلاء الإمام درّاس بن إسماعيل الفاسي (توفي سنة 357هـ)، وكل هذا التأثير تم في المرحلة التي كان فيها المغرب ضعيفا ومفككا بين عدة كيانات، أما مرحلة التأثير الأقوى فستبدأ مع الدولة المرابطية التي لا يمكن لأحد أن ينكر المجهود الجبار الذي بذلته على جميع ألأصعدة حتى تسترد الأندلس عافيتها بعد عصر الطوائف الذي أضر بقوة الأندلس وأضعفها أمام العدو المتربص بها في الشمال أي الإمارات النصرانية مثل قشتالة وأراغون بالخصوص.

من الأسئلة الهامة الواردة في الحوار، ذلك الخاص بانخراط العديد من الباحثين والمتتبعين لموضوع الحضارة الأندلسية عموما، في الحديث عن جمالية التراث المعماري الأندلسي، والذي يحن له كثيرا؛ لأنه يذكر بأيام العزة والتمكين، ولكن، كما جاء في صيغة السؤال، ماذا عن تراث الأندلس العلمي، من قبيل ترجمات ابن رشد والمخطوطات العلمية، حيث أكد المتدخل في هذا الصدد، أن المتخصصون يدركون أن الاهتمام بحضارة الأندلس في جميع مجالاتها حاضر بقوة في الدراسات المعاصرة سواء بإسبانيا أو بغيرها من الدول خاصة فرنسا وأمريكا وألمانيا وبريطانيا والدول العربية مثل: المغرب الجزائر وتونس وليبيا ومصر والسعودية وسوريا، وقد انضاف إلى لائحة البلدان المهتمة بتاريخ الأندلس اليابان مؤخرا، ويتناول الباحثون تاريخ وحضارة الأندلس سواء في شقها المادي أو في جوانبها العلمية؛ وتقع الدراسات الرشدية في بؤرة الاهتمامات بعلوم الفلسفة والطب والكلام والفقه إلى الحد الذي يمكن القول معه أن أهم عالم انصب عليه الاهتمام بشكل أقوى بين علماء الأندلس هو ابن رشد، وذلك بسبب المعرفة المبكرة للأوربيين به عن طريق كتبه التي كانت جسرا ربط بين أوروبا الوسيطية والتراث اليوناني حيث كانت ترجماته لكتب أرسطو بمثابة إعادة اكتشاف للأروبيين لهذا التراث الذي انقطعت صلتهم به في عصر تخلف أوروبا وقد كانت مدرسة الترجمة الشهيرة بطليطلة واسطة في هذه العملية الحضارية.

وبخصوص تعامل المستشرقين عموما مع التراث المغربي والأندلسي، وخاصة المستشرقين الإسبان، أشار الدكتور المغراوي إلى أن المستشرقون لم يمثلون رأيا واحدا وإنما نظروا إلى التراث المغربي الأندلسي من منظورات مختلفة؛ فمنا مثلا ما هو صليبي متعصب، ومنها ما هو قومي ومنها ما هو ماركسي، وقد ظهر وسط هذا الخليط تيار أكاديمي منصف استطاع أن يحلل ويتعمق في البحث دون إصدار الأحكام المتسرعة، وإلى هذه الفئة ندين بمعرفة الكثير عن تفاصيل تاريخ وحضارة الأندلس، أما المجالات التي درست فهناك باحثون تخصصوا وتعمقوا في تخصصاتهم مثل: خوان برنيط الذي تعمق في علم الفلك الإسلامي بالأندلس، وإيمليو كرسيا كوميس الذي تخصص في الأدب الأندلسي، واللائحة طويلة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق