مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

مظاهر التماسك والانسجام من خلال كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للإمام البقاعي: «أثر الإحالة في سبك سورة آل عمران من [الآية 104- الآية 200] «الحلقة الخامسة عشرة »

جاء في الحلقة السابقة بيان توزيع الإحالات في سورة آل عمران من [الآية 1- الآية 103 ]  وفي هذا المقال سنتابع إن شاء الله تعالى بيان توزيع الإحالات المتبقية في سورة آل عمران من [الآية 104- الآية 200 ] لكونها من السور الطوال، ولتنوع موضوعاتها، فلا تكاد تخلو منها جملة أو نص، ولا شك أن أدوات الاتساق الإحالية واردة في هذه السورة الكريمة، والتي ساهمت في اتساقها، حيث شكلت جسورا مترابطة بين أجزاء الآيات، لتكون سورة متماسكة وذات وحدة كلية، فهي زاخرة بأدوات الاتساق الإحالية من الضمائر وأسماء الإشارة وغيرها؛ وهذه العناصر هي التي تربط أجزاء النص وتصل بين أقسامه، وسنسعى في بحثنا هذا لتبيين دور الإحالة في تلاحم هذا النص القرآني، ممثلين ذلك في جدول إحصائي كالتالي:

الآية

المحال إليه موضع الإحالة نوعها

«وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون» [الآية:104]

 

الذين آمنوا

يدعون، يأمرون، ينهون، هم

إحالة نصية على سابق

«ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون»[آل عمران:102]

«وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم»[الآية:105]

اليهود والنصارى الذين، أولائك إحالة مقامية

«كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم»[آل عمران:105]

«وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون»[الآية:107] المؤمنون الذين، هم

إحالة نصية على سابق

«يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُون»[آل عمران:106]

«لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُون» [آل عمران:113]

أهل الكتاب يتلون، يسجدون إحالة نصية على سابق

«وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون»[آل عمران:110]

 

« يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِين »[آل عمران:114]

 

أهل الكتاب يؤمنون، ينهون، يأمرون، يسارعون

إحالة نصية على سابق

«مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُون» [آل عمران:113]

«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون »[آل عمران:116]

 

الذين كفروا

أولئك، هم

إحالة نصية على سابق

«ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون »[آل عمران:112]

«ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون»[آل عمران:130]

الذين آمنوا لا تأكلوا، واتقوا إحالة نصية على سابق

«إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِين » [آل عمران:124]

 

 

«وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون »[آل عمران:132]

الذين آمنوا أطيعوا

إحالة نصية على سابق

«ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون»[آل عمران:130]

 

«وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين »[آل عمران:133]

الذين آمنوا سارعوا إحالة نصية على سابق

«ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون»[آل عمران:130]

 

«ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِين »[آل عمران:149] الذين آمنوا يردوكم، فتنقلبوا

إحالة نصية على سابق

«ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون»[آل عمران:130]

وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُون »[آل عمران:158] الذين آمنوا تحشرون

إحالة نصية على سابق

«ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير »[آل عمران:156]

»هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُون «[آل عمران:163]

أهل الرضوان الضمير المنفصل «هم» إحالة نصية على سابق

« أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير»[آل عمران:162]

«وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون»[آل عمران:169]

 

شهداء أحد الذين، أموات، يرزقون

إحالة مقامية

«الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون»[آل عمران:169]

 

«فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون »[آل عمران:170]

شهداء أحد فرحين، يستبشرون

إحالة مقامية

«الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون»[آل عمران:169]

«لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيق»[آل عمران:181]

 

اليهود

الذين، قتلهم

إحالة مقامية

«الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيق»[آل عمران:181]

 

« رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَار »[آل عمران:193]

 

الرسول صلى الله عليه وسلم

مناديا، ينادي

           إحالة مقامية

«إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ»[آل عمران:193]

« وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَاب»[آل عمران:199] أهل الكتاب أولئك، خاشعين، لا يشترون إحالة نصية على سابق

«وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون»[آل عمران:110]

 

«ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون »[آل عمران:200]

 

الذين آمنوا اصبروا، رابطوا، اتقوا، لعلكم تفلحون

إحالة نصية على سابق

«لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَاب»[آل عمران:199]

 

ونخلص في نهاية بحثنا هذا إلى أن «الإحالة» بوصفها أهم العلاقات التي تربط العناصر اللغوية بعضها ببعض، وتعمل على تماسكها وخاصة في القرآن الكريم الذي يعد الأنموذج الأعلى للاتساق النصي والانسجام الدلالي، حاولنا أن نثبت أن للإحالة دورا كبيرا في خلق سمة النصية، وأوضحنا بالشرح والتمثيل كيف تسهم في تعليق الكلام بعضه ببعض، والربط بين عناصره سواء أكانت تلك الإحالة على متقدم أو متأخر في شواهد قرآنية عديدة من سورة آل عمران، «فما أجمل في مكان فقد فصل في موضع آخر، وما اختصر في مكان فإنه قد بسط في آخر» [1] حيث غلبت على هذه الآيات الإحالات النصية التي كان لها النصيب الأكبر في ترابط الآيات وتماسكها، لكونها الأكثر انتشارا في معظم النصوص، فظهر أغلبها في الضمائر وأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، وكان لذلك كله أثر كبير في تحقيق التماسك والالتحام الكلي للآيات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] البرهان في علوم القرآن 2/175.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق