مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

مصطلح الورع 1

ذة. أسماء المصمودي

باحثة بمركز دراس بن إسماعيل

الورع في اللغة من مادة ورع : الواو والراء والعين : أصل صحيح يدل على الكف والانقباض . منه الورع : العفة : وهي الكف عما لا ينبغي، ورجل ورع ومنه ورعته : كففته، وأورعته. وفي الحديث ” ورع اللص ولا تراعه” أي بادر إلى كفه وقدعه ولا تنتظره .[1]

وعرف الجرجاني الورع قائلا : “الورع هو اجتناب الشبهات، خوفا من الوقوع في المحرمات، وقيل هي ملازمة الأعمال الجميلة”[2].

الورع في القرآن الكريم :

 ورد هذا المصطلح في القرآن الكريم بما يفيد معناه، إذ لم ترد الكلمة بعينها وإنما جاءت في تفسير بعض آيات الذكر الحكيم، مرتبطة بسياقات تفيد كل ما يعني الابتعاد عن الشبهات خوفا من الوقوع في المحرمات، وذلك بملازمة الطاعات والتحري فيما لم يرد فيه تحليل أو تحريم صريح . فقد جاء في تفسير قوله عز وجل ” يؤت الحكمة من يشاء” وقوله ” ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب “[3] أي يعطيها لمن يشاء، واختلف المفسرون في معنى كلمة الحكمة في الآيتين الكريمتين، إذ قال الحسن : ” الحكمة الورع “[4] وفي ذلك دلالة على أهمية الورع، فمن أوتي هذه الخصلة، فقد أوتي الخير الكثير. وقد جعل ابن جزي الورع من درجات التقوى الخمس في تفسيره لقوله عز وجل: “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب “[5]  فقال : “ودرجات التقوى خمس : أن يتقي العبد الكفر وذلك مقام الإسلام، وأن يتقي المعاصي والحركات وهو مقام التوبة، وأن يتقي الشبهات وهو مقام الورع، وأن يتقي المباحات وهو مقام الزهد، وأن يتقي حضور غير الله وهو مقام المشاهدة.”[6]

 وفسر قتادة رحمه الله ” أولي النهى”  في قوله عز وجل :” كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى “[7] بذوي الورع”[8] .

 ـ كما تحدث ابن رجب الحنبلي عن الورع في تفسير قوله تعالى : “ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون”[9]  

” فالكلمة الطيبة، هي : كلمة التوحيد، وهي أساس الإسلام وهي جارية على لسان المؤمن. وثبوت أصلها هو ثبوت التصديق بها في قلب المؤمن. وارتفاع فرعها في السماء هو: علو هذه الكلمة وبسوقها، وأنها تخرق الحجب ولا تتناهى دون العرش. وإتيانها أكلها كل حين، هو : مما يرفع بسببها للمؤمن كل حين من القول الطيب والعمل الصالح، فهو ثمرتها. وقال طاووس: وثمرها الورع، ولا خير في شجر لا ثمر لها . ولا خير في إنسان لا ورع فيه.” [10]

 


[1]  مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء، راجعه وعلق عليه أنس محمد الشامي،ط.2008، دار الحديث، ص.956 .

[2]  التعريفات، الحسيني الجرجاني، تحقيق نصر الدين تونسي،ط.1، شركة القدس للتصدير، ص.403 .

[3]  سورة البقرة، آية 269 .

[4]  ـ الجامع لأحكام القرآن، أحمد الأنصاري القرطبي، راجعه وضبطه محمد إبراهيم الخفناوي، ط.2007، دار الحديث، ج.2، ص.283 .

[5]  سورة الطلاق، آية 2ـ3 .

[6]  التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي، ضبطه وصحح وخرج أياته محمد سالم هاشم، ط.1، دار الكتب العلمية،ج.1، ص.51

[7]  سورة طه، الآية : 54

[8]  اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص عمر بن علي الحنبلي، تحقيق وتعليق عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، ط.1، دار الكتب العلمية، ج13، ص. 181 .

[9]  سورة إبراهيم، الآية 24 .

[10]  تفسير ابن رجب الحنبلي، جمع وترتيب : أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد، دار العاصمة، ج.1، ص.588

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق