مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

مصطلحات عروضية (الجُزء والجَزء)

نقف في الحلقة الثانية من هذه السلسلة على معنى (الجُزء) و(الجَزء) في اصطلاح العروضيين، ننظر في أصل المعنيين اللغوي، ثم ننظر في معنييهما عند العروضيين.

التعريف اللغوي:

أصل الجزء في اللغة:

– جزأ: الجيم والزاي والهمزة أصل واحد، هو الاكتفاء بالشيء. يقال اجتزأت بالشيء اجتزاء، إذا اكتفيت به. وأجزأني الشيء إجزاء إذا كفاني… والجزء: الطائفة من الشيء(1).

– ج ز أ: جَزَأَت الماشية بالرطب عن الماء، واجتزأت، وتجزأت، وهن جازئات وجوازئ… وقد اجتزأت بالقليل عن الكثير، وتجَزأت وهو من الجُزء. وجزأت الشيء تجزئة، وشيء مجزأ: مُبعض. وتجزأ المال: تفرق، وجَزَأْت الشيء بالتخفيف: نقصت منه جزءا… وأجزأني كذا: كفاني، وهذا مجزئ(2).

– جزأ: الجزء واحد الأجزاء، وجَزأت الشيء جَزْءا: قسمته وجعلته أجزاء، وكذلك التجزئة. وجزأت بالشيء جزءا: أي اكتفيت به… وأجزأني الشيء: كفاني(3).

– جزأ: الجُزء: النصيب والقطعة من الشيء(4).

وهذه المعاني كلها ترجع إلى الاكتفاء والاستغناء والاقتطاع والنقص.

الجُزء عند العروضيين:

يطلق الجُزء في اصطلاح العروضيين على التفعيلة أو الركن في البيت الشعري(5)، يقول الجرجاني في “التعريفات”: “الجزء ما يتركب الشيء منه ومن غيره، وعند علماء العروض عبارة عما من شأنه أن يكون الشعر مقطعا به”(6).

والجمع: أجزاء، وذكر الزمخشري أنها تسمى الأفاعيل والتفاعيل(7).

وعدد هذه الأجزاء التي يقطع بها الشعر ثمانية، يقول ابن مضاء القرطبي: “اعلم أن جميع أشعار العرب مبنية من ثمانية أجزاء، إليها تنسب ومنها تؤلف، وهي: فعولن، وفاعلن، ومفاعيلن، ومستفعلن، وفاعلاتن، ومفاعلتن، ومتفاعلن، ومفعولات. وهذه الأجزاء مبنية من السبب والوتد”(8)، وزاد غيره الفاصلة، وهي تتركب منهما.

غير أن الجوهري ذكر أن الأجزاء التي يقطع عليها الشعر سبعة. اثنان منها خماسيان، وهما فعولن وفاعلن، وخمسة سباعيات، وهن: مفاعيلن، فاعلاتن، مستفعلن، مفاعلتن، متفاعلن. وأما مفعولات فليس بجزء صحيح عنده، وإنما هو منقول من مستفعلن مفروق الوتد. لأنه لو كان جزءا صحيحا لتركب من مفرده بحر، كما تركب من سائر الأجزاء، يريد أنه ليس في الأوزان وزن انفرد به مفعولات ولا تكرر في قسم منه(9).

فيما ذكر الدماميني في شرحه للخزرجية أن الأجزاء الموضوعة في الأصل سالمة من التغييرات الطارئة عشرة في التحقيق، وثمانية في اللفظ، وقد قسمها الناظم تبعا لجماعة من العروضيين إلى أصول وفروع، فالأصول منها أربعة والفروع ستة(10).

ولعل الجزء سمي جزءا لكونه طائفة من البيت الشعري وبعضاً منه، حسب الأصل اللغوي للكلمة.

الجَزء عند العروضيين:

أما الجَزء: بالفتح وسكون الزاء المعجمة في اللغة بريدن. وعند أهل العروض حذف الضرب والعروض من البيت، وذلك البيت الذي وقع فيه الجَزء يسمى مجزوءا(11).

ومنه المجزوء من الشعر وهو ما حذف منه جزآن أو كان على جزأين فقط، فالأولى على السلب والثانية على الوجوب، وجَزَأَ الشعر جَزْءًا وجَزَّأَهُ فيهما: حذف منه جزأين أو بقاه على جزأين. التهذيب: والمجزوء من الشعر: إذا ذهب فعل كل واحد من فواصله، كقوله:

يظن الناس بالملكيـ        ///        ـن أنهما قد التأما

فإن تسمع بلأمهما،      ///       فإن الأمر قد فقما

ومنه قوله:

أصبح قلبي صردا       ///      لا يشتهي أن يردا

ذهب منه الجزء الثالث من عجزه. والجَزْءُ: الاستغناء بالشيء عن الشيء، وكأنه الاستغناء بالأقل عن الأكثر، فهو راجع إلى معنى الجُزء(12).

وفي ذلك يقول الخزرجي:

وإسقاط جزأيه وشطر وفوقه    ///   هو الجَزء ثم الشطر والنهك إن طرا

يقول الدماميني في شرح البيت: “أقول: يعني من الألقاب المتعلقة بالأبيات الجَزء، والشطر، والنهك. فإذا سقط من أجزاء البحر الموجودة في الدائرة جزآن عند الاستعمال، جزء من آخر الصدر وجزء من آخر العجز، فذلك هو الجَزء بفتح الجيم، مصدر جزأته إذا أخذت منه جزءا. والبيت حينئذ مجزوء”(13)، فإن كانت أجزاؤه ثمانية، أصبحت بالجزء ستة، وإن كانت ستة أصبحت بالجزء أربعة.

ولعل البيت المجزوء سمي كذلك – بالنظر إلى الأصل اللغوي للكلمة- لاكتفائه بتلك الأجزاء واستغنائه عن الجزء الآخر، أو لنقص ذلك الجزء منه.

تقسيم البحور بالنسبة إلى الجَزء:

وقد قسم العروضيون البحور بالنسبة إلى الجَزء إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: بحور يمتنع فيها الجزء، وهي ثلاثة: الطويل والسريع والمنسرح.

القسم الثاني: بحور يجب فيها الجزء، فلا تستعمل وافية، غير مجزوءة، وهي خمسة: المديد والهزج والمضارع والمقتضب والمجتث، وعن المديد يقول ابن مضاء: “حذف منه جزآن، جزء من وسطه، وجزء من آخره، ولم يستعمل تاما، فبقي مجزوا مسدسا”(14).

القسم الثالث: بحور يجوز فيها الجزء، فجاء منها الوافي والمجزوء على السواء، وهي ثمانية: البسيط والوافر والكامل والرجز والرمل والخفيف والمتقارب والمتدارك(15).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- مقاييس اللغة 1/455.

2- أساس البلاغة 1/136.

3- الصحاح 1/40.

4- لسان العرب 3/136.

5- المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر ص: 211.

6- معجم التعريفات ص: 67.

7- القسطاس في علم العروض ص: 27- 28.

8- كتاب العروض لابن مضاء ص: 33، وانظر كذلك: العقد الفريد 6/ 271، وكذلك نضرة الإغريض في نصرة القريض ص: 28.

9- انظر عروض الورقة ص: 11، والعمدة 1/135.

10- العيون الغامزة ص: 26.

11- كشاف اصطلاحات الفنون 1/558.

12- انظر لسان العرب 3/136.

13- العيون الغامزة ص: 74.

14- كتاب العروض لابن مضاء ص: 53.

15- المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر ص: 173.

/////

المصادر والمراجع:

– أساس البلاغة، للزمخشري، تحقيق محمد باسل عيون السود، الطبعة الأولى: 1419هـ/ 1998م، منشورات دار الكتب العلمية.

– الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية: 1399هـ/ 1979م، منشورات دار العلم للملايين.

– العقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسي، تحقيق الدكتور عبد المجيد الترحيني، الطبعة الأولى: 1404هـ/ 1983م، منشورات دار الكتب العلمية.

– العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، لابن رشيق القيرواني، حققه وفصله وعلق حواشيه محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الخامسة: 1401هـ/ 1981م، منشورات دار الجيل.

– العيون الغامزة على خبايا الرامزة، للدماميني، تحقيق الدكتور الحساني حسن عبد الله، الطبعة الثانية: 1415هـ/ 1973م، منشورات مكتبة الخانجي بالقاهرة.

– القسطاس في علم العروض، للزمخشري، تحقيق فخر الدين قباوة، الطبعة الثانية: 1410هـ/ 1989م، منشورات مكتبة المعارف، بيروت.

– المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر، إعداد الدكتور إميل بديع يعقوب، الطبعة الأولى: 1411هـ/ 1991م، منشورات دار الكتب العلمية.

– عروض الورقة، للجوهري، تحقيق محمد العلمي، الطبعة الأولى: 1404هـ/ 1984م، منشورات دار الثقافة، المغرب.

– كتاب العروض لابن مضاء القرطبي (القرن الرابع الهجري)، دراسة وتحقيق الدكتور أبومدين شعيب تياو، الطبعة الأولى: 1438هـ/ 2017م، منشورات مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب.

– كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، للتهانوي، تحقيق الدكتور علي دحروج، منشورات مكتبة لبنان، عام: 1996م.

– لسان العرب، لابن منظور، الطبعة الثامنة سنة 2014م، منشورات دار صادر.

– معجم التعريفات، للشريف الجرجاني، تحقيق ودراسة سيد صديق المنشاوي، منشورات دار الفضيلة.

– مقاييس اللغة لابن فارس، بتحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، منشورات دار الفكر، عام 1399هـ/ 1979م.

– نضرة الإغريض في نصرة القريض، للمظفر بن الفضل العلوي، تحقيق الدكتورة نهى عارف حسن، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق