وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

مساجد حاضرة أصيلا -الحلقة الثانية : جامع الزكوري-

 الدكتور مصطفى مختار

باحث في مركز علم وعمران

 

- الحلقة الثانية : جامع الزكوري-

 

 يقع جامع الزكوري، بالجهة الغربية من حاضرة أصيلا، في زنقة القاضي، ما بين ضريح سيدي مبارك الصحراوي وحمام الجامع [1].

  ولم يعثر الباحثون في تاريخ المدينة على أصل التسمية، في حدود علمنا. حيث تساءل أحدهم عن الاسم. أهو محيل على بانيه أم على أحد أئمته أم على محسن وهب موضعه [2]؟. ولم يفلح غيره في ذلك محتملا إطلاق الاسم نسبة إلى العلامة محمد بن عبد الرحمان ابن زكري أو نسبة إلى العالم محمد بن علي بن زكور، مستدلا أن الاسم الأصلي هو جامع الزكري، فتحول إلى جامع الزكوري، بحسب بعضهم [3].

  وبالرغم من ذلك جعل الباحثان جامع الزكوري أحد المسجدين اللذين بنيا، بأصيلا، خلال عهد المولى إسماعيل العلوي [4]. حيث بنى بها قائده أحمد بن حدو البطوئي عام 1102 هـ "مسجدين ومدرسة وحماما وبنى داره بقلعتها" [5].

  ومهما يكن الأمر، فقد بُني جامع الزكوري، خلال العصر المذكور أو بعده، بالحجارة والجير. وسُقّف سطحه على شكل قبب مثلثة، مثل الجامع الأعظم، ممتدة من شماله إلى جنوبه، مشكلة من القرميد الأحمر لتسهيل انزلاق ماء المطر إلى الجهة الشرقية للجامع. و"سُقف جوفه الداخلي بصفائح من الخشب عموديا، مدعمة بأعمدة خشبية عمودية تنتهي إلى عمود خشبي قوي في نهاية السقف، مدعمة بأعمدة خشبية عرضية من شمال الجامع إلى جنوبه، مدعمة بسواري مقوسة الهندسة على نصف دائرة، على طراز الأقواس المغربية، مستخرج من نصفها خطوط مستقيمة متوسطة، وصغيرة مموجة". والمسافة بين قوس وآخر متران أو ثلاثة. وتتجه هذه الأقواس أفقيا، مشكلة بلاطين للصلاة بينهما 3 أمتار تقريبا [6].

  أما محراب الجامع، فبسيط، مقوس المدخل مجوّف، عمقه الداخلي خارج إلى زنقة القاضي [7]. وفي أعلى جدار القبلة كوات متوسطة الحجم للتهوية والإضاءة. وفي وسطه نافذتان مطلتان على زنقة القاضي، مربعتان بإطارين خشبيين، وشباكين حديديين، ودفف خشبية بزجاج أبيض شفاف، للتهوية والتشميس ودرء تسرب الغبار.

  ومن قاعة الصلاة يولج إلى الصومعة المرتفعة، مربعة القاعدة والبدن، ومزينة الأضلاع بخطوط مستقيمة. فيها كوات للتهوية. ويصعد إليها عبر درج يفضي إلى غرفة لاستراحة المؤذن، وإلى منارة الأذان التي يقابلها بيت "المواكَن" [8].

  وفي هذا البيت كان مكتب المؤقت عبد السلام البقالي. به عشرات الساعات قديمها وحديثها يضبطها كل يوم لتدق كلها في اللحظة ذاتها. ولعله كانت به أدوات وكتب فلكية [9].

  وفي الجهة الشمالية للجامع شيدت "بنيقة" لإقامة القاضي، وثانية لعدول التوثيق قبل بناء المحكمة الشرعية، بزنقة سيدي مبارك الصحراوي قرب الجامع نفسه عام 1356 هـ [10]. وأما في الجهة الغربية، فقد بنيت بئر ومراحيض للوضوء [11].

  ولما آل الجامع للسقوط بادر الأمير بندر بن سلطان آل سعود، باقتراح من السيد محمد بن عيسى، رئيس المجلس البلدي، إلى دعم مصاريف إصلاح الجامع الذي تمّ عام 1421 هـ. حيث شيدت دار فوقية لإقامة الإمام. وبلطت جدران قاعة الصلاة وسواريها بصفائح خشبية رقيقة. وبلطت القاعة. وفرشت بالزرابي الصوفية [12].

  ويتم الدخول إلى هذا الجامع عبر باب رئيسة عالية، مرتفعة عن الأرض، مقوس نصفها الأعلى، به خطوط مستقيمة متوسطة وصغيرة مموجة. وفوقه شماسة إسمنتية، بخطوط مستقيمة متوسطة وصغيرة، مسطحة بالقرميد. والباب من خشب على الطراز المغربي، بوسطه باب مواربة، بها نقارة متوسطة من حديد [13].

  وإذ تحدثنا عن بنية جامع الزكوري، ننتقل الآن إلى الحديث عن وظائفه الشرعية (الصلوات- القضاء) والعلمية. حيث ظل يسهم في تنظيم المجال الاجتماعي، بحاضرة أصيلا.

  وفي هذا السياق الاجتماعي، قدم محمد بن الحسن أشروي، بعد دراسته بفاس، على أصيلا أثناء صلاة المغرب. وظل بعدها يقرأ الحزب، بجامع الزكوري. وهناك التقى به الفقيه الحاج الجيلالي الركَالة. ولما اطمأن إليه عرض عليه السكن بداره وتزويجه. فاستقر بالمدينة، واشتغل عدلا بها [14].

  وأما من حيث المجال العلمي، فقد كان بجانب الصومعة المذكورة، ملتصقا بالجامع، كتاب لتحفيظ القرآن الكريم. بني بالحجر والجير. وفرشت أرضيته بالحصر المصنوعة من نبات السمار. وبزاوية قرب بابه الخشبي صهريج لغسل الألواح بالماء والصلصال. ويبدو أنه بهذا الكتاب باب يؤدي إلى داخل الجامع. ويظهر أن الكتاب نفسه قد شملته الإصلاحات المشار إليها سابقا [15].

  ومن المدرسين الذين اشتغلوا بالكتاب المذكور [16] العلامة سيدي محمد بن عمر القري [17]، جد الفقيه محمد بن غانم، خطيب جامع الحسن الثاني [18]، بأصيلا، والمدرس بالكُتاب نفسه [19].

  وممن درّس بالكتاب ذاته، عبد الرحمن بن أحمد أخريف لمدة سنتين [20]. كان قد تابع دراسته بمدشر خميس الساحل، بين العرائش وأصيلا، ومدشر مجمولة، بقبيلة بني عروس، وجامع القرويين من فاس [21]. واشتغل إماما وخطيبا، بجامع الحمام، بخميس الساحل، مدرسا بالمدشر نفسه، وخطيبا، بدوار أولاد مصباح، بقبيلة الخلوط، وعدلا بأحد الغربية وأصيلا والعرائش، ومديرا للمعهد الأصيل، بالعرائش، مدرسا به، وناظرا للأحباس بأصيلا والعرائش [22]، جامعا بين العلم والصلاح [23].

  ومن مدرسي كُتاب جامع الزكوري الفقيه المؤقت سيدي عبد السلام البقالي [24]، المتردد على مكتبه ببيت "المواكَن" المذكور سابقا، خطيب الجامع الأعظم [25]. ازداد بزنقة سيدي الطيب البقالي، جوار جامع بن عياد، بأصيلا. حيث درس على الفقيه محمد الميلودي أبي ضمضام. وذهب لطلب العلم إلى مدشر "اخشابش". وبعد عوده زاول مهنة التجارة في دكان، بجوار جامع سيدي مبارك الصحراوي. ثم رحل إلى فاس لإتمام دراسته.

  وحين رجوعه شغل منصب مساعد للفقيه سيدي الغزواني الغيلاني، بكتاب جامع بن عياد،  ثم منصب أحد عدول المدينة، فمؤقتها. وعيّن مديرا للمدرسة القرآنية (مدرسة ابن خلدون حاليا)، فمديرا لمدرسة البنات ومدرسا بها، متطوعا لتدريس رسالة أبي زيد القيرواني، بجامع سيدي مبارك الصحراوي [26].

  ومن المدرسين بالكتاب نفسه الفقيه عبد السلام ...، والفقيه سيدي المختار بلقاضي، والمؤذن الفقيه المُسمع سي مغايث البوعناني، حافظ الأذكار وضابط التوقيت الدقيق بالرغم من فقدان بصره، والفقيه المدرس التهامي بن محمد المودن، الشهير بالفقيه العنصاري، والفقيه محمد الخمسي، والفقيه عبد الرحمن الأسود، والفقيه محمد المثنى، والفقيه عبد القادر الحريشي، والفقيه محمد بن غانم [27].

  ومن المتمدرسين بكتاب جامع الزكوري الأديب أحمد بن عبد الله توفيق السوسي الأصيلي. ازداد، بحومة جامع ابن عيّاد. وتعلّم، بالكتاب المذكور، على الفقيه التهامي المودن، والفقيه محمد الخمسي، والفقيه عبد الرحمان الأسود. ثم تابع دراسته بالمدرسة القرآنية (مدرسة ابن خلدون حاليا)، فالثانوية التي ستسمى لاحقا الإمام الأصيلي، فالمدرسة التقنية، بتطوان [28].

  وكثير من المتمدرسين كانوا يشاركون في أنشطة موازية (ألعاب- سرد الحكايات)، بساحة جامع الزكوري ومحيطه القريب، مساء يوم الخميس من كل أسبوع، وخلال شهر رمضان [29].

  وبذلك، أسهم الجامع المذكور بملاحقه (بنيقة القاضي- بنيقة عدول التوثيق- الكُتاب) في تنظيم المجال الحضري، بمدينة أصيلا. حيث شكل الجامع نفسه علامة تحديد في كناش أحباس حاضرة أصيلا [30] الذي تعاوض فيه مع الحبس الأخوان أحمد ومحمد ولدا ابن عزوز بدار ملتصقة بفران قرب مسجد الزكوري [31].

  وباسم هذا الجامع سميت الحومة والزنقة اللتان تشملانه [32]. حيث كان بحومته دار عبد السلام الخراز التي نشأ بها الأديب بهاء الدين وأخوه عبد اللطيف ابنا محمد بن عبد القادر الطود، العدل بالقصر الكبير [33]. وقرب الجامع المذكور ولد الرسام خليل بن عبد السلام بن جلول الغريب [34].

 

يتبع                                 

الإحالات :

[1] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج2، ص64؛ وأصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص115.

[2] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج2، ص64.

[3] أصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص114، وص115.

[4] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج2، ص64؛ وأصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص114.

[5] كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، ج7، ص77. راجع: أصيلة الماضي والحاضر، ص11؛ وأصيلا، تاريخ وأعلام، ج2، ص64، وص65؛ وج3، ص11؛ وأصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص114، وص119.

[6] أصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص115.

[7] نفسه، ص116.

[8] نفسه.

[9] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج1، ص194؛ وط. الثانية، ص181؛ وج2، ص64؛ وأصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص116.

[10] أصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص116.

[11] نفسه، ص117.

[12] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج2، ص64؛ وأصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص117.

[13] أصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص116.

[14] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج1، ص216؛ وط. الثانية، ص199.

[15] أصيلة الماضي والحاضر، ص40؛ وأصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص116، بتصرف، وص117.

[16] أصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص117.

[17] أصيلة الماضي والحاضر، ص40؛ وأصيلا، تاريخ وأعلام، ج1، ط. الثانية، ص160؛ وج2، ص64، وص100؛ وأصيلة عادات وتقاليد، ص158، الهامش رقم 186.

[18] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج2، ص100.

[19] أصيلة عادات وتقاليد، ص159، الهامش رقم 186.

[20] أصيلة الماضي والحاضر، ص63؛ وأصيلا، تاريخ وأعلام، ج1، ص189.

[21] أصيلة الماضي والحاضر، ص59- 61؛ وأصيلا، تاريخ وأعلام، ج1، ص188- 189.

[22] أصيلة الماضي والحاضر، ص59- 65؛ وأصيلا، تاريخ وأعلام، ج1، ص168، وص189؛ وط. الثانية، ص160.

[23] أصيلة الماضي والحاضر، ص63- 64.

[24] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج1، ص194؛ وط. الثانية، ص181؛ وج2، ص64.

[25] نفسه، ج1، ص193، وص194- 195؛ وط. الثانية، ص180، وص181.

[26] نفسه، ج1، ص192- 195؛ وط.2، ص179- 182؛ وج2، ص62، وص64، وص65، وص66، وص102- 103؛ وأصيلة زمكانية المعالم الأثرية، ص116.

[27] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج2، ص64، وص100؛ وج4، ص154؛ وأصيلة عادات وتقاليد، ص159، الهامش رقم 186.

[28] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج4، ص154.

[29] أصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص117- 118.

[30] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج3، ص49، وص53.

[31] نفسه، ص51.

[32] نفسه، ج2، ص124؛ وج3، ص49، وص53؛ وأصيلة زمكانية المعالم الأثرية والتاريخية، ص115، وص150، وص153.

[33] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج2، ص124.

[34] أصيلا، تاريخ وأعلام، ج1، ص169؛ وط. الثانية، ص162.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق