هي مدرسة علمية تاريخية، وتقع وسط المدينة القديمة لمكناس، بناها السلطان المريني أبو الحسن، وأكمل بنائها ابنه أبو عنان (1350-1358)، ليحمل هذا المبنى اسمه، وتعد تحفة معمارية فريدة، وتمتاز زخرفتها بخطوط مصنوعة من الجبس والخشب، وهي لا زالت تحتفظ ببهائها وعظمتها حتى يومنا هذا، وهي واحدة من أجمل المدارس في المغرب...
وأما أبو الحسن المرينى فهو السلطان أبو الحسن على بن السلطان عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المرينى لقبه المنصور بالله، مولده في صفر سنة سبع وتسعين وستمائة، وبويع يوم الجمعة الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، وتوفى بجبل هنتانة ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، ودفن بمقبرة السعديين الشهيرة بمراكش يوم الأربعاء التالى ليوم وفاته المذكور، ونقل إلى تربة أسلافه بشالة في اليوم السادس عشر من جمادى الأولى من العام المذكور حسبما هو منقوش في رخامة على القبر الذى نقل منه بالروضة المذكورة... [1].
وهي المدرسة الجديدة التي تعرف اليوم غلطا بالبوعنانية، بينما هي من تأسيس السلطان أبي الحسن المريني (731م - 1331هـ)، على يد قاضيه بمكناسة أبي محمد عبد الله بن أبي الغمر، ولا أدل على ذلك إثبات تاريخ بنائها 736 هـ/ 1 335م، الذي يصادف فترة حكم أبي الحسن، في قصيدة منقوشة على يمين وشمال محراب قبتها، فضلا عن اختزانها لوحة الأحباس الموقوفة عليها من طرف مؤسسها، حيث ألصقت في أعلى الجدار الواقع يمنه الداخل لمصلاه، وضمنت هذه الأحباس سبعة عشر حانوتا توجد قرب المدرسة، ومتران، وتربيعة، وبيت الرحا، وربع بيت للرحا، وقطعة أرض بها غراسات الزيتون، ويدل عدد هذه الأحباس ونوعية وظائفها على مقدار ريعها الذي كان ينفق على مستلزماتها وتسييرها من تأطير وصيانة[2].
أيضا من الدلائل على الكاشفة عن مشيدها بعض الكتابات في صحنها جاء فيها " العز والتمكين والفتح المبين لمولانا أبي الحسن أمير المؤمنين"، وعبارات أخرى منقوشة على الخشب في أسكفة الواجهة الشمالية... [3].
وقال ابن زيدان في إتحاف أعلام الناس: " أما مدرسة القاضي قدمنا بعض ما يتعلق بها، وهي المعروفة اليوم بالمدرسة الفيلالية، وكأنها تنسب لمن كان يسكنها من طالبي العلم أهل تافيلالت، وقد نبهنا فيما سبق على أن سماط العدول حول عنها للدكاكين المسندة للجهة التي عن يمين المصلى بالمسجد الأعظم[4].
وكان قد شرع في تأسيسها أمير المسلمين أبو الحسن وأنهما خلفه أمير المؤمنين أبو عنان فارس عام 751 هـ ولهذا نسبت إليه[5].
زخاريف من الجبص والخشب
و تتكون المدرسة من صحن أوسط مكشوف يتقدمه من الجهة الجنوبية إيوان القبلة اما خلاوي الطلاب فتتوزع حول الجهات الثلاث الاخرى، وتمتاز مدرسة مكناس بضخامة مساحتها واتساع ايوان القبلة بها، وتعدد خلاوي الطلاب وعظم صهريجها الذي يتوسط الصحن المكشوف، وتضم المدرسة طابقا علويا توجد به بيوت، ولها باب واحد يقابل أحد أبواب المسجد الأعظم والمعروف بباب الحجر، وقد استخدمت الأخشاب بكثرة في عمارة هذه المدرسة، كما استخدم الجبص في تكسيات الجدران الداخلية، وفرشت أرضيات الايوان والصحن ببلاطات الزليج.
وذكر ابن خلدون أن السلطان أبا يوسف المريني لما فرغ من بناء البلد الجديد المسمى "بفاس الجديد"، أمر ببناء قصبة مكناسة، وبنى بها "مدرسة الشهود" التي بأعلى سماطهم هناك، ويقال لها "مدرسة القاضي" لأنها كان يدرس بها القاضي أبو علي الحسن بن عطية الونشريسي، ثم نوه بها أبو الحسن المريني المسمى "بأبي الحسنات" الكثير الآثار بالمغرب الأقصى والأوسط والأندلس، فبنى بها مرافق كثيرة: كزاوية الفورجة، وزاوية باب المشاورين، وغير ذلك من السقايات والقناطر في طرقاتها ونحوها، ومن أجل ذلك المدرسة الجديدة، وكان قدم للنظر على بنائها قاضية على المدينة المذكورة أبا محمد عبد الله بن أبي القمر، فحدثني والدي رحمه الله، أنه كان يسمع ممن أدرك من الشيوخ أن السلطان أبا الحسن رحمه الله تعالى لما أخبر بتمام بنائها جاء إليها، ليراها، فقعد على كرسي من كراسي الوضوء حول صهريجها قبل أن يطالع بما فيها وأنشد:
لا بأس بالغالي إذا قيل حسن ليس لما قرت به العين ثمن [6]..
وكما سبق الذكر، فالمدرسة البوعنانية أسسها السلطان أبي الحسن المريني، لكنه توفي قبل أن يتم تشييدها، فأتم بنائها ابنه السلطان أبو عنان، ولذا عرفت بالمدرسة البوعنانية، وتذكر المصادر أن المدرسة البوعنانية لم تكن فريدة في جمالية زخارفها وفنونها المعمارية فحسب، بل كانت أيضا تمتاز بإشعاعها الأدبي والعلمي، وكانت توفر الإيواء للطلبة الذين كانوا يتلقون دروس العلم بجوامع المدينة، ومازالت تحتفظ ببهائها ورونقها إلى يومنا هذا...
[1] - إتحاف أعلام الناس بجمال حاضرة مكناس ج 1 ص 147 الطبعة الأولى 2008 م.
[2] - مكناس من التأسيس إلى مطلع القرن العصر الحديث ص 281 الطبعة الأولى 2006
[3] - مكناس من التأسيس إلى مطلع القرن العصر الحديث ص 281 الطبعة الأولى 2006
[4] - إتحاف أعلام الناس بجمال حاضرة مكناس ج 1 ص 147 الطبعة الأولى 2008 م.
[5] - دعوة الحق – على هامش نداء اليونسكو –عدد 209
[6] - الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون ص 36 الطبعة الثانية 1408/1988.