وحدة الإحياءشذور

مخطوطات أزهار الرياض لكريم الدين البرموني

يطلق اسم “البرموني” أحياناً على هذا الكتاب الذي اشتهر باسم مؤلفه، وعنوانه الحقيقي هو: “روضة الأزهار ومنية السادات الأبرار في جمع بعض مناقب صاحب الطار وصاحب الطار الذي عُني البرموني بذكر مناقبه وأخباره هو الشيخ عبد السلام بن سليم الأسمر دفين زليتن بليبيا.

وقفتُ على نسخة ناقصة الوسط من كتاب البرموني في مكتبة الأوقاف بمركز جهاد الليبيين تحت رقم 821 تقع في 196 ورقة، ثم فاجأني صديق عزيز وأستاذ محققٌ ثبت هو د. عبد الله المرابط الترغي، رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب في تطوان، بوجود نسخة مخطوطة فيها إشارات كثيرة إلى الشيخ عبد السلام الأسمر تعود لملكية بعض الأسر المغربية في شمال المغرب، وهي من الحجم الكبير، مبتورة الأول والآخر، كُتبت بخط مغربي رُسمت رؤوس مسائله بالحمرة، فحرصت على الحصول على نسخة منها، وكان لي ذلك بفضل الله وتعاون هذا الأخ الكريم، وفيها عدد كبير من أسماء الأعلام والقبائل، ومقطوعات شعرية كثيرة لعدد من الشعراء، وفيها نثر وشعر فصيح للشيخ الأسمر، وزجل عامي منسوب إليه أيضا، وفي الكتاب مسائل فقهية مثل أقوال العلماء في حكم الدُّف والمزهر في العرس وغيره، والنسخة تقع في 528 صفحة.

وعلمت بعد سنة من حصولي على هذه النسخة المبتورة، بفضل الدكتور الترغي أيضاً، أن قطعة قد تكون متممة لها قد عُثر عليها أيضاً في مكتبة أخرى في وسط المغرب، وأنها مشتملة على العنوان واسم المؤلف بكل وضوح: “روضة الأزهار ومنية السادات الأبرار في جمع البعض من مناقب صاحب الطار لكريم الدين البرموني، فكان ذلك بداية نشوة أخرى من مراحل التنقيب عن هذا المرجع الذي نأمل أن يجيبنا عن كثير من الأسئلة المعلقة عن طريقة الرجل وثقافته وحياته.

ولقد تمكنت بفضل الله من تصوير هذه القطعة لتصل صفحات هاتين القطعتين المغربيتين إلى ستمائة وثمانٍ وتسعين صفحة، حسب الترقيم المثبت على الكتاب، وتأكدت بذلك من أنهما متكاملتان بدون ريب، وقد جمع الله بينهما في عام واحد وفي بيت واحد بعد زمن غير معروف من التفرق والتباعد، لكن الخلل في ترتيب صفحاتهما حيناً، وفقدان الترتيب أحياناً أُخرى جعل الرقم المشار إليه غير دقيق، وقد كتُبتْ بعضُ صفحات الكتاب على لوحة واحدة بخط غليظ، وكُتب غيرها بخط رقيق لتَسَعَ اللوحةُ الواحدة صفحتين.

والكتاب الذي بين أيدينا على ضخامته ليس هو الذي يسميه كريم الدين البرموني بالديوان، كما مر، حيث يقول: “وقد جمعتُ من مناقبه كتاباً قبل هذا فيه أربعة أجزاء في الكامل في كلِّ جزء منه نحو الأربعين كراسًا، كلُّ ذلك مناقب له، كل منقبة مسندة إلى ثقة من أصحابه إلا ما شاهدته ونقلته عنه فلا نحتاج فيه إسناداً إلى أحد، وسميته بالديوان[1]“، وعليه يكون ما بين أيدينا هو مختصر الديوان ولكنه النسخة الأكبر من كتاب (روضة الأزهار).

النسخ

بالرغم من وجود ثلاث نسخ من المخطوطة؛ فإن نسخة مكتبة الأوقاف بمركز جهاد الليبيين، ونسخة الشيخ منصور أبو زبيدة ينقصهما الكثير من محتوى الأصل على اختلاف بينهما في ذلك المحتوى، والنسخة الكاملة هي النسخة المغربية، وهي على وضوح خطها، غالباً، كثيرةُ الأخطاء التي اشترك في ارتكابها المؤلف والناسخ، وتنوعت طبيعتها بين الإملائي واللغوي والأسلوبي، بل تعدت ذلك إلى أخطاء في المعلومات، مما استوجب جهداً مضاعفا في التصحيح والتعليق، لتقديم المخطوطة في صورة واضحة، أمام هذه الحالة كان منهج التحقيق يستدعي الاجتهاد في القراءة في حالة غياب النسخة المعينة على المقابلة، كما يستدعي الاستعانة بالمصادر التي اقتبس المؤلف منها وهي كثيرة.

قيمة الكتاب 

يقول الشيخ الطاهر الزاوي في ترجمته للبرموني: “وقد ألَّف تاريخه المشهور… ذكر فيه ما وصل إليه علمه عن العلماء والصالحين وكراماتهم، وبعض قبائل العرب وأنسابهم، وتعرض لأنساب الأشراف الموجودين في طرابلس، وهو مجموعة تاريخية لم أعرف من كتب مثلها في طرابلس، وتعدُّ هذه المجموعة النفيسة من مآثره الجليلة[2]“. وهي شهادة مهمة من شيخ المؤرخين الليبيين، تدل على قيمة الكتاب بين مصادر التاريخ الليبي.

  وهو يشتمل حقاً على فوائد كثيرة، منها الأخبار والآثار الخاصة بمتصوفة البلد في فترة كانت الثقافة الصوفية هي السائدة فيه، ومنها الأشعار التي تشتمل على الحكمة الرائقة والموعظة الصادقة، وتُظهر نوع الثقافة الأدبية التي كان يسلكها المربون في تنمية الذوق الفني والأخلاقي لمريديهم وتلاميذهم، وفي الكتاب الكثير من الفتاوى، والنصائح، والمسائل التي أثارت اهتمام الناس في ذلك العصر، وما زال بعضها يستحوذ على اهتمام الناس حتى يومنا هذا، ويمكن تركيز أهم ميزات هذا الكتاب التي تظهر قيمته في النقاط التالية:

  1. إبراز الأهمية الخاصة للشيخ عبد السلام الأسمر وطريقته في التاريخ الثقافي والاجتماعي داخل البلاد الليبية وخارجها، وإزالة بعض الغموض حول شخصيته وتراثه العلمي والصوفي، والتنبيه إلى ما أُضيف إليه من تراث مشكوك في نسبته إليه، يقول الشيخ الطاهر الزاوي -رحمه الله- بعد سرد مؤلفاته والمعارف التي قام بتدريسها: “وقد ابتلي بأقوام من العامة بعد موته وصَفُوهُ بما ليس فيه، ونسبوا إليه ما لم يقُلْه، وألفوا فيه قصائد عامية ينبو عنها السمع ويمجها الذوق، نسبوها له زوراً وبهتانا وضمَّنوها هراءً من القول لا يصدر عن أجهل الجاهلين، فضلا عن عالم جليل مثل الشيخ عبد السلام الأسمر[3]“، وذلك لا يخفى على مطالع هذا الكتاب، بل لا يخفى على مطالع معظم المخطوطات التي وصلتنا في ترجمة حياة الشيخ اعتمادًا على الروايات الشعبية وروايات المريدين المبالغين، ولقد رأيت ذلك في بعض الكتب التي خصصت لترجمتها، ومنها مخطوطات تمكنت بفضل الله وعون الأخ أ. د. عبد الله المرابط الترغي المذكور من الحصول في ترجمة الشيخ الأسمر كان معظمها من المفقودات، وشرعت في تحقيقها، راجياً أن تزيد في إزالة اللبس حول هذه الشخصية المهمة في تاريخنا الثقافي والاجتماعي.

وقد خصص الشيخ الطيب المصراتي، رحمه الله، في كتابه “فتح العليم الأكبر في تاريخ سيدي الشيخ عبد السلام الأسمر”، جانباً ممَّا قال إنه: “صدر من بعض المنتسبين إليه وهو منه براء[4]“. وقال مثل ذلك د. مصطفى ابن رابعة في كتابه القيم عن رسائل الشيخ عبد السلام الأسمر، وسمعت عن بحث نشر بعنوان “الأسمر المفترى عليه” وكلُّ ذلك يؤكد أننا أمام دراسات تنبهت إلى أن بعض كتب التراجم أساءت إلى الشيخ وطريقته، وأمام عوام من الناس يتناقلون أساطير يصدِّقونها بما يعرف بإيمان العجائز، ولا يدركون الكثير من الملامح المضيئة لهذه الشخصية التي تبدو بصورة أوضح من خلال آثارها الصحيحة، ويتضح تشويهها من الأزجال الشعبية والحكايات العامية وأشباهها.

  1. والذي يعطينا أهمية خاصة لكتاب روضة الأزهار” هو أن مؤلفه كريم الدين البرموني أحد تلاميذ الشيخ “عبد السلام الأسمر المقربين، فماذا تراه كتب عن شيخه؟ وهل تميز بكثير من المعلومات عن تنقيحه الذي كتبه “محمد بن مخلوف؟” هذا ما نتوقع أن يضيفه الكشف عن هذا الكتاب.

ونحن نعلم أن البرموني ألَّف كتابه هذا في مقدمة وخمسة فصول وخاتمة، ووضع صاحب اختصاره محمد مخلوف عمله في ثمانية مطالع، وخمسة وثلاثين باباً، تناولت المقدمة التي ذكر فيها الولاية وما يتعلق بها، ثم فصَّل القول في الطريقة العروسية[5]، ونسبِ الشيخ وصفتِه، وتربيتِه، ومحنتِه، وتنقلاته، وطائفة من مدائحه، ووصيته الصغرى، وأدعيته. ثم عرض لوفاته، وذكَر أولادَه وبعضَ مشائخه وتلاميذه، وتناول الكتب التي أُلفتْ حوله حتى ذلك الحين، وتخلل ذلك عرضه لكثير من كراماته ومناقبه[6]، وهو ما يشعرنا بشيء من الفرق بين الأصل والتنقيح ستكشف عنه المقابلة بين النصين والدراسة العميقة لمحتواهما.

  1. على أن القيمة العامة في هذا المخطوط تكمن فيما يحتويه من نصوص كثيرة علمية وأدبية، تنتقل فيها عين القارئ بين الخبر، والمثل، والحكمة، والمعلومة، والشعر، والنثر، ولا يتناقض هذا مع ما ذكرناه من بعض هفوات العصر التي يقع فيها المؤلف بين الفينة والأخرى، بل إنه يؤكد حقيقةً اشتهرت بها هذه العصور هي أنها فترةُ جمعِ المتفرق على اختلافٍ في قيمته، وليست الأعمال الموسوعية التي عُرفت بها هذه الحقبة إلا نماذج لتأكيد هذه الحقيقة، والقياس هنا مع الفارق، فلسنا نقارن بين أعمال موسوعية كبرى كتلك التي كتبها النويرى والقلقشندي والسيوطي والذهبي وابن حجر العسقلاني، وصولاً إلى الشوكاني، مع أعمال أقلَّ أهمية وموسوعية، ولا بين مؤلفيها وغيرهم من أبناء عصرهم، فلكل مؤلَّف قيمته التي يتميز بها، وإن تفاوتت القيم إجمالا.
  2. إن الكشف عن النصوص التراثية يقربنا من الواقع المعرفي لعصر الكتاب ومؤلفه، ويكشف لنا الكثير من الإجابات عن أسئلة المؤرخ الثقافي والمؤرخ العام، وأسئلة المهتمين بالتاريخ الاجتماعي، وإذا كان ذلك هو واقع النصوص التراثية بصفة عامة، فإن منها ما يأخذ سمة الجذور والأمهات لتيار من التيارات المختلفة، ومنها هذا الكتاب الذي يعد مصدراً مهما لعدد كبير من مراجعنا في التاريخ الثقافي على مدى القرون الخمسة الماضية.

تحقيق المخطوطة وطباعتها

كنتُ شرعتُ في قراءة مخطوطة “روضة الأزهار حين عبَّر لي أخٌ فاضل ومحقق معروف بعنايته بالتراث العربي الإسلامي في معهد المخطوطات العربية هو د. فيصل الحفيان عن رغبة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “ألكسو” في المشاركة في الاحتفاء بطرابلس بمناسبة اختيارها عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2007م، وذلك بتحقيق مخطوطة ليبية ذات صلة بهذه المدينة التاريخية، وسألني إن كنتُ أتوفر على مخطوطة تفي بالغرض، فلم يكن أمامي أفضل من هذه المخطوطة التي قال عنها المحقق الجليل الشيخ الطاهر الزاوي شيخ المؤرخين الليبيين: “إنها مجموعة تاريخية لم أعرف من كتب مثلها في طرابلس”؛ فهي تتناول جانباً مهمًا من التاريخ الثقافي لطرابلس الغرب والمدن المحيطة بها.

ولكن هذه المخطوطة النفيسة كانت كبيرة الحجم عسيرة التحقيق لاعتمادها غالباً على نسخة وحيدة، واقتصار النسختين المعينتين على طرفي النص، فكانت الغاية هي الحصول على نصٍّ أقرب ما يكون إلى ما تركه، وكانت أبرز الصعوبات بعد ضخامة المخطوطة وعسر قراءة بعض ألفاظها هو اعتمادها على الاقتباس والاستشهاد الذي يتطلب التخريج من مختلف المصادر والمراجع في وقت قياسي، ثم إن المحطوطة تتناول موضوعاً شائكاً ومثيراً للجدل يتطلب التأمل العلمي الواعي، حتى لا يكون تقديمه مدعاة لإثارة الإشكالات غير المفسرة، والاجتهادات غير المعللة.

 ومع ذلك فقد حاولت، بفضل الله، أن أدرك ما يمكن إدراكه بتحقيق القسم الأول من الكتاب يقع مطبوعا 830 صفحة، ووضعه في أقرب صورة ممكنة تركها عليه المؤلف، مع توضيح غوامضه، وتقديم نماذج من الفروق بين النسخ المخطوطة، والتعليق على ما ينبغي التعليق عليه من المسائل، والتعريف بما ينبغي التعريف به من الأعلام.

التصوف في القرون الأولى ومكانته بين علومها

يعتز المسلمون بحضارة إسلامية ملأت الدنيا بالتراث الفكري المخطوط، وكانت منارة العالم في عصوره الوسطى، واستمر أوجُهَا في الشرق إلى أواخر القرن الخامس الهجري، وامتدَّ عطاؤُها في الأندلس إلى القرن الثامن الهجري، واللافت للنظر أن ما نجده في القرون الثلاثة الأولى من تاريخ الإسلام يعطي صورةً مثلى لنهضة حقيقية في الثقافة والعلم، ولا غرو فهي القرون التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم”، وقال الشيخ أحمد زروق: “لا مُتَّبعٌ إلا لمعصوم لانتفاءِ الخطأ عنه، أو مَنْ شهدَ له بالفضل؛ لأنَّ مزكَّى العدل عدل، وقد شهد رسول الله، عليه الصلاة والسلام، بأن خير القرون قرنه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، فصح فضلهم على الترتيب[7]“.

وسنرى مصداق ذلك من خلال استعراض العلوم والتخصصات التي انشغل بها المسلمون في بداية عصر نهضتهم، وبنَوا بها صرح الحضارة العربية الإسلامية التي عمَّت العالم وبشَّرت بفجر الحضارة المعاصرة، حيث نقلوا سرَّ الحضارات السابقة وترجموها تمهيدًا لإسهامهم الحضاري.

ـ العلوم في الحضارة الإسلامية

هكذا كان الانطباع العام عن تراث الحضارة الإسلامية، فما هو نتاج هذه القرون الثلاثة الذي استحق أن يَبني تلك الحضارة، واستحقَّ شهادة الرسول بالخيرية؟ وما علاقته بالكتاب الذي نحققه؟

أوفى إجابة عن هذين السؤالين وأجمعها نجدها في كتاب (الفهرست) لأبي الفرج محمد بن إسحاق المعروف بالنديم، الذي قال مؤلفه إنه جمع فيه ما عرف في البلاد العربية من المؤلفات العربية وغير العربية مكتوباً بهذه اللغة أو مترجماً إليها حتى عام 377ﻫ، والمعلوم أن المؤلف توفي بعد 380ﻫ، فهو بذلك قد استوعب كتب القرون الثلاثة الأولى مع جزء كبير من كتب القرن الرابع الهجري.

قسَّم النديمُ كتابه إلى عشر مقالات متنوعة، وصف في المقالة الأولى اللغات، وأسماء كتب الشرائع، وأسماء الكتاب المنزل من الله تعالى وعلومه وقرَّاءه. وخصص المقالة الثانية للنحويين واللغويين، وجعل الثالثة للأخبار، والآداب، والسير، والأنساب. والرابعة في الشعر والشعراء. والخامسة في الكلام والمتكلمين من المعتزلة والمرجئة والشيعة الإمامية، والزيدية، والإسماعيلية، والمجبرة، والحشوية، والخوارج، والزهاد، والعباد، والمتصوفة. والسادسة في الفقهاء، والمحدثين. والسابعة في الفلسفة والعلوم القديمة، كالمنطق والهندسة والموسيقى والحساب والطب. والثامنة في الأسمار والخرافات والسحر، والشعبذة أو الشعوذة. والتاسعة في الاعتقادات كالصابئة، والمانوية، والديصانية، والحرمية، والمرقيونية، والمزدكية، ومذاهب الهند والصين، وغيرهم من أجناس الأمم. والعاشرة في الكيمائيين، والفلاسفة القدماء والمحدثين.

وباستعراض الكتب والمجالات التي أشار إليها النديم[8] في الفهرست، ومن خلال ما أمكن الاطِّلاع عليه مما بقي منها نلاحظ ما يأتي:

  1. تنوع العلوم، الدينية، والإنسانية، النظرية منها والتجريبية، وغيرها مما عرفته الحضارات السابقة أو انفردت به الحضارة الإسلامية، ولهذا التنوع دلالته على الخصب والثراء وسعة الصدر التي تميز الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها.
  2. عدم إقصاء الآراء المخالفة بشتى مشاربها، ومختلف مذاهبها، وتنوع أفكارها، والإلماح إلى مناقشتها أحيانًا بآداب البحث والمناظرة، وتعزيزها بالأدلة العقلية والنقلية، وقد أسهم في إنصاف الخصوم بما يدعو إليه الإسلام من الجدال بالتي هي أحسن، والتزام الغالبية بهذا المعيار المنصف.
  3. نهضة الترجمة والنقل التي تواكب عادة بداية الحضارات الجديدة، فكما أخذت الحضارة اليونانية عن حضارات الشرق، ترجمت الحضارة الإسلامية ثقافاتِ اليونان والهند وفارس وغيرها، كما رأينا ذلك واضحاً في الفهرست، ومن هذه المترجمات نقلت أوروبا الكثير من العلوم والآداب في عملية ترجمة لاحقة لتؤسس عليها الحضارة الحديثة. ونحن نرى في العصر الحديث كيف أبدع الآسيويون في اليابان والصين وكوريا في نقل حضارة أوروبا عن طريق الترجمة دون التفريط في لغاتهم وثقافاتهم.

ولو أَحصينا عدد المترجمين في عهد النهضة الإسلامية، لوجدناهم قلَّة مقارنة بعدد المسلمين الناطقين بلغات أخرى اليوم، ولكن هؤلاء يحتاجون إلى همَّة النهضة التي كانت تشحذُ نفوس تلك القلة الفاعلة من مترجمي الدولة الأموية والعباسية، ونفوس غيرهم من مترجمي الأمم التي هيَّأت أجيالها لنهضة مرتقبة، وتحتاج لروح الوحدة التي تصبغ علاقاتهم.

  1. ويشدُّنا ما ورد في الفهرست للنديم عن الزهاد والمتصوفة، وذلك للصلة بين موضوع الكتاب الذي نقدِّم له وهذا التراث الفكري الإسلامي الباني لحضارتنا الشامخة بفضل الله، فشأن زهاد القرون الأولى وعارفيها غير شأن كثير من المتصوفة في القرون اللاحقة؛ إذ مؤلفات الزهد والتصوف في فجر النهضة الإسلامية تأخذ جانب العلم والتربية القرآنية، وأصحابها من الزهاد العاملين الذين لم ترتبط حياتهم بالانشغال بجمع المناقب وتعداد الكرامات، بل ينطبق عليهم قول ابن عطاء الله السكندري: “ادفنْ نفسكَ في أَرضِ الخمولِ فما نبتَ ِمـمَّا لم يُدفنْ لا يتمُّ نتاجُهُ”، وليس لهم من الأَتباع مَنْ يؤلف لهم المناقب ويجمع لهم الكرامات، فانعدمت بذلك هذه العناوين في عصرهم، وندر الإخبار عن والخوارق والمعجزات.

وكتبهم تعرض طبيعة سلوكهم، فمنها كتاب “قيام الليل والتهجد” لأبي حفص اليماني، وكتاب “الزهد” لبشر بن حارث، وكتاب “التفكر والاعتبار” للمحاسبي، إلى جانب كتبه في “أصول الديانة” و”الرد على المعتزلة”، ومجالس منصور بن عمار” في ذكر الموت”، وفي “حسن الظن”، وفي “البلى”، وفي “انظرونا نقتبس من نوركم”، و”العرض على الله عز وجل”، ومؤلفات البرجلاني ومنها “كتاب الجود والكرم”، وكتاب “الهمة”، وكتاب “الصبر”، وكتاب “الطاعة”، ومن ذلك رسالة عُتبة الغلام “في الزهد”، وكتب ابن أبي الدنيا ومنها: “كتاب مكائد الشيطان”، و”كتاب الحلم”، وكتاب “ذم الفحش”، وكتاب “العفو”، وكتاب “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وكتاب “الإخلاص”، وكتاب “مكارم الأخلاق”. ومن كتب الجنيد: كتاب “المحبة” وكتاب “الخوف” وكتاب “الورع” وكتاب “الرهبان” وكتاب “أمثال القرآن”.

 وإذا تجاوزنا القرون الثلاثة المفضلة إلى القرنين الرابع والخامس نجد المؤلفات تسير إلى حدٍّ كبير بدفع تلك القرون على هذا النحو، من مثل كتب “التواضع” و”الإخلاص” و”الصبر” لأبي الحسن المصري، وكتاب “التوكل” لمحمد بن يحيى، وكتاب “إحياء علوم الدين” للغزالي، وما تراه من مؤلفات أسطورية عن بعض أعلام هذين القرنين فأغلبه قد كتب بعدهما، ومن ذلك ما كتب عن الحلاج ولا يعود إلى عصره من ناحيتي الفكرة والأسلوب.

وقد شهد بعض أصحاب القرون التالية للقرن الخامس بأن هذا القرن يمثل بداية الضعف في الفكر الإسلامي البناء في المشرق، وإنْ تواصل في الأندلس والمغرب بعد ذلك، فهذا السيوطي يسجل عبارة تقول: “وإنما انقرضوا بعدَ الخمسمائة بموتِ العلماءِ، وقصورِ الهمم[9]“، وهذا يعني أن ما كُتب بعد هذه القرون الخمسة الأولى يحتاج منَّا إلى مراجعة نقدية قوية تحرك العقول التي ما زالت تؤمن إيمان العجائز بكل ما ورد من هذه القرون المتأخرة.

فأنت مع مؤلفات القرون الأربعة الأولى التي ذكرها صاحب الفهرست لا تجد كتباً في الكرامات والخوارق والمنامات والوظائف والمناقب ولبس الخرق التي شاعت في العصور المتأخرة، ولا تجد العبارة الضعيفة، أو الأسلوب الركيك أو المعنى السطحي من خلال ما وصل إلينا منها، ولن تجد في هذه القرون المفضلة كلاماً عن الطرق التي شهدت تطورها منذ القرن السابع الهجري فما بعده لتتكاثر وتصبح ظاهرة في كل مدينة إسلامية بعد ذلك، وربما كان لهذه الطرق بعض الحسنات ولكن الدراسة أثبتت أنها غير موجودة في القرون الأولى.

وأنت في مؤلفات القرون الأولى تجد نفسك أمام مضامين الحياة الروحية كما يهدي إليها القرآن الكريم وتدعو إليها أخلاقه وقيمه الخالية من الأفكار الباطنية والشطحات الغامضة، ويمكنك أن تؤرخ بالسنوات التسع الأولى من القرن الرابع لبداية الشطحات التي اختلف الناس بين باطنها وظاهرها، وأودت بحياة الحلاج الذي سمع منه الناس لأول مرة كلاماً لم يعهدْه المسلمون من قبل.

فثارت ثائرتهم، فمن قائل إنهم تواطئوا على قتله، وقائلٍ إن قتله كان تدبيراً سياسياً صرفاً، ولكنَّ الحقيقة أننا أمام ظاهرة لا عهد للأمة بها، وإن كان متصوفة القرون التالية قبلوها[10]، وألَّف بعضهم قصصاً شعبية في ولاية الحلاج ومظلمته وخوارقه.

غير أن هذه الظواهر الباطنية لا تنسحب على جهود كلِّ أهل التصوف في القرون المتأخرة، فقد وجد الكثير منهم مأمناً في اتباع طريقة الجنيد السالك، الجامعة بين الشريعة والسلوك، فكان منهم العلماء والمجاهدون والمؤمنون المخلصون، وحاولوا التزام الشريعة في سلوك المتصوف وفكره، فأصاب كثير منهم بتوفيق الله وبجهدهم واجتهادهم، وأخفق آخرون بتأثير الانحطاط العام الذي كانت تسير إليه الأمة في القرون الخمسة الأخيرة، ولعل لأولئك المتصوفة عذرهم وأسبابهم في مناهج تفكيرهم وتكوين الطرق للتعامل مع أهل زمانهم الذين يعاني أغلبهم حالة الأمية والظروف القاسية سياسيًا واقتصادياً، للأسباب الكثيرة التي أضعفت الأمة الإسلامية العربية وثقافتها الأصيلة في تلك الفترة، ولكن علينا وقد تخلصنا من ظروفهم العصيبة أن نراجع ثقافتنا، وأن نأخذ بأسباب النهضة التي أخذ بها المسلمون  في فجر نهضتهم، فذلك من أوليات تعاملنا مع التراث الفكري لهذه الحقبة.

ـ إطلالة على أنموذج للمؤلفات الصوفية في العصور المتأخرة

كان الوهن يدبُّ في أوصال الأمة في معظم مظاهر الحياة ومعارفها التي شهدتها القرون التالية للقرن التاسع الهجري، ولذلك، فإن الكثرة الكاثرة من المؤلفات الصوفية في هذه العصور كانت ضعيفة المعنى والمبنى، متأثرة بتيار الانحطاط الثقافي والحضاري للأمة ولغتها، مع استثناءات قليلة ترسخ القاعدة ولا تخل بها، وللبرهنة على ذلك اخترنا محتويات دار الكتب والوثائق المصرية من التراث الصوفي، باعتبارها من أهم مظان وجود مخطوطاته المدوَّنة في هذه الحقبة.

وأحمد الله على أنني تحصلت على البحث القيم للأستاذ الفرنسي المسلم داود (دينيس جريل) الذي جمع فيه عناوين كتب التصوف في هذه المكتبة، وأقام عليه دراسة استقرائية بعنوان: “المصادر المخطوطة عن التصوف في دار الكتب[11]“، وفيه يتضح مدى الانحطاط الذي لحق بطبيعة التأليف في هذا المجال.

ولا يمكن القول بأن هذا التراث هو سبب تخلف الأمة الإسلامية بقدر ما هو نتاج تخلفها العام، وأحد عوامله التي تعددت بصورة تستوجب الدراسة والتحليل، وفي هذه المجموعة الإحصائية نلاحظ أن أغلب محتوياتها كانت في المناقب، والكرامات، ولبس الخرق، وذكر الطرق، والوظائف، والمنامات التي تتحول أحياناً إلى رؤى بصرية نهارية، وكل ذلك، كما مر، مختلف عن طبيعة التأليف في التصوف خلال القرون الأولى.

وسيتم التركيز هنا على المؤلفات التي كُتبت بعد المائة السادسة؛ لأنَّ انطلاقة الطرق الصوفية والمؤلفات المنبثقة عنها كانت منذ القرن السابع، وتحمل هذه المؤلفات عناوين جديدة لم يعرفها زهاد القرون الأولى ومتصوفوها، وسنوردها على كثرتها لئلا يعتقد القارئ أننا أمام اختيارات منتقاة لفرض فكرة مبيتة نرمي بها إلى الحطِّ من شأن التأليف في هذا المجال خلال هذه الحقبة بالذات، ولتبدو له الفروق من المقارنة بين العصرين بكل وضوح، وتلك المؤلفات هي[12]:

“مناقب السيد البدوي” (توفي 675ﻫ)  لمجهول، و”الدرر الحسان في نسب أبي الفتيان” الذي هو السيد أحمد البدوي نفسه، رحمه الله، و”كرامات أصحاب الأشائر” للشبلي (1110ﻫ) و”كرامات الشيخ تاج الدين النخال” لمجهول، وكتاب “الجواهر” المشتمل على مناقب الشيخ أبي العباس الدمنهوري لمجهول، و”مناقب الشيخ عبد الله المنوفي” (767ﻫ)، و”المنح الإلهية في مناقب السادات الوفائية” لأبي اللطائف (760ﻫ)، و”رفع نقاب الخفا عمن انتهى إلى وفا وأبي الوفا” للزبيدي (1205ﻫ)، و”مناقب القطب محمد الفرغلي” لمجهول، و”منتهى العبارات في بعض مناقب ما لشيخنا من المناقب والكرامات” لحسن شمة (1177ﻫ)، و”مفتاح البصائر في كرامات وأحوال قطب الأكابر الشيخ العبيد محمد الحاج نور”، و”كرامات الشيخ الجبرتي العقيلي” لمحمد الحنفي (821ﻫ)، و”مناقب أبي العباس الحضرمي”، و”مناقب محمد السمان” (1189ﻫ)، و”مناقب سيدي عقيل المنبجي”، و”مناقب أبي بكر بن قوام”، و”بهجة الأنام في كرامات الشيخ بن قوام للشفوني” (1054ﻫ)، و”مناقب أبي بكر الوفائي للنقشبندي” (1153ﻫ)، و”الرسالة السعدية في الردِّ على السادات السعدية” لشمس الدين السعدي (997ﻫ)؛ يعني الدفاع عنهم، و”تبريد وقيد الجمر بذكر بعض أحوال الشيخ مصطفى بن عمرو” للخلوتي (1162ﻫ)، و”الإيضاح والتمكين في ترجمة شيخنا خير الدين” للجنيني (1108ﻫ)، وكتاب “سياحة أبي الصفا” و”فخر آل زين العابدين بمناقب السيد أبي الوفا تاج العارفين” للقلانسي.

وفي هذه المكتبة كتب أخرى في مناقب ابن وفا، وعدي بن مسافر، وكتب في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلي منها كتاب للحنبلي (726ﻫ) وآخر للسنجاري، وثالث للحلبي (880ﻫ)، ورابع وخامس لمجهولين، وسادس للتانفي (971ﻫ)، و”جواب الراعي لسلف الشيخين عبد القادر والراعي” للدمشقي (842ﻫ) وكتاب “المعارف المحمدية في الوظائف الأحمدية” للرفاعي (670ﻫ) و”أم البراهين” للواسطي، و”خلاصة الإكسير في نسب سيدنا الغوث الرفاعي الكبير” للواسطي (733ﻫ)، وله “الروض النضير” في مناقبه أيضا، وللعيدروسي كتاب “النجم الساعي في مناقب الغوث الكبير الرفاعي”،  و”ربيع العاشقين في مناقب الإمام الرفاعي سلطان العارفين” للحدادي، و”بهجة السيد أحمد الرفاعي” لمجهول، و”مطلب الساعي في مناقب الرفاعي” للحباب، و”نتيجة المفاخر في بني رفاعة السادة الأكابر” للحريري (1330ﻫ). وينسب لمحمد الحنفي “الروض النسيق في علم الطريق”، ولليافعي (768ﻫ) “نشر المحاسن الغالبة في فضل مشائخ الصوفية أصحاب المقامات العالية”، و”جلاء الصدا في سيرة إمام الهدى”، و”مناقب الصالحين ومحبة أهل اليقين” للوتري (980ﻫ)، و”تحفة الكرام المبذولة في تراجم غوث جزولة” (870ﻫ)، وكتاب “بيان غربة الإسلام في صنفي المتفقهة والمفتقرة من أهل مصر والشام” للفخاري المغربي (917ﻫ)، و”ترجمة الدرقاوي” للمعسكري (1239ﻫ)، و”أخبار الصالحين والزهاد والعارفين والعباد والأولياء” لمجهول، و”درر الأبكار في وصف الصفوة الأخيار” للسرميني، و”نظام الدر المكنون في حكم خرقة الفقير المصون” للرداد (821ﻫ) و”إطفاء حرقة الحوبة بإلباس خرقة التوبة” لابن ناصر الدين (842ﻫ)، وكتاب: “مفتاح المطالب ورقية الطالب” للديري، وكتاب: “نور الحدق في لبس الخرق” للكركي (912ﻫ)، و”سند ابن ميلق” لابن بنته (797ﻫ)، و”خبايا الزوايا” للعجيمي، و”ثبت في الطريق” للمكتبي، و”ثبت الشيخ أبي تراب” التونسي في الطريقة الرفاعية.

وتكفي المقارنة بين عناوين كتب الزهد والتصوف في عصر النهضة الإسلامية الأولى وهذه التي أُلفت في عصر الانحطاط لإعطاء صورة عن الفجوة الكبرى بين معنى التصوف والزهد وسبل التعبير عنهما في العصرين، ولكن المقارنة الفعلية بين محتوياتهما تفتح آفاقاً أخرى من الموازنة بين الفئتين؛ لأنها تجري بين علم وفكر إسلامي رصين في القرون الأربعة الأولى وتهافت وضعف في القرون المتأخرة ليس في التصوف وحده، ولكن في الفكر واللغة والأسلوب والهدف بصورة شاملة.

وإذا تجاوزنا القرن التاسع الهجري نلحظ غلبة اطِّراد الانحدار في أساليب التأليف  وموضوعاته ومصطلحاته مثل مصطلح (الخرقة) الذي استحدث للدلالة على توارث البيعة النبوية، والدفاع  عن (الكرامات ضد منكريها في الحياة وبعد الممات)، ويندر أن تجد عناوين بهذه الصيغة قبل القرن السابع الهجري، أو أن تجد مصطلحات كالغوث والقطب، والنقيب، والفقير بمعناها الصوفي قبل القرن الرابع، ولم  أجد  أحداً، في اطِّلاعي المتواضع، ينسب أياً من هذه المصطلحات إلى علم من أعلام الإسلام قبل الحكيم الترمذي الذي توفي على رأس المائة الثالثة أو بداية المائة الرابعة[13]، أو الجنيد السالك الذي عاصره وعاش أواخر المائة الثالثة، وقد تجد في تصوفهما بعض هذه المصطلحات عرضاً[14]، ولكنهما  يسموان  فوق مستحدثات المتأخرين  الذين نذكر  من مؤلفاتهم تلك  ما يلي:

ـ رسالة في “لبس الخرقة وتلقين الذكر” لمرتضى الزبيدي (1205ﻫ) وله “عقد الجوهر الثمين في الذكر وطرق الإلباس والتلقين”، ولإبراهيم السويسي (1196ﻫ)  “الطرائق الاثنى عشر في علم التصوف”، وللقادري “القول الحقيق في إجازة الطريق”، ولمجهول كتاب: “الطرق الصوفية بالديار المصرية”، وللشاذلي “الكواكب الزاهرة في اجتماع الأولياء يقظة بسيد الدنيا والآخرة”، وللقسطنطيني الحنفي كتاب: “رياض السادات في إثبات الكرامات للأولياء حال الحياة وبعد الممات”، وللمناوي (1031ﻫ) “إرغام أولياء الشيطان بذكر مناقب أولياء الرحمن”، وكتاب: “كرامات الأولياء” للشوبري (1069ﻫ) وكتاب: “السيوف الصقال في رقبة من ينكر كرامات الأولياء بعد الانتقال” لعبد الباقي المقدسي (1078ﻫ) و”رسالة في كرامات الأولياء” للوفائي (1086ﻫ) و”العقاب الهاوي على الثعلب العاوي” للبرزنجي (1103ﻫ) و”القواصم الهاشميات لمنكري كرامات الأولياء في الحياة وبعد الممات” للحسيني (1173ﻫ) و”فيض العلي ذي الجلال بإثبات كرامات الأولياء في الحياة وبعد الانتقال” للخالدي الأزهري (1182ﻫ) و”إماطة نقاب الغيب عن وجوه رجال الغيب” لمجهول، و”رسالة في كمل الرجال الذين يأتون في كل زمان” لمجهول، و”السهم الغبي في نحر كل غبي” للسجاعي (1197ﻫ) و”رسالة  جواز الجهر بالذكر”، وفي “الذبِّ عن الصوفية” لمجهول، و”رسالة في القطب والأوتاد والأربعين الأنجاد” للغيطي (984ﻫ) و”مرآة الأصفياء في صفات الملامية الأخفياء” و”علو شأن الأولياء” للمولوي (1069ﻫ) ، وكتاب: “الفنون العرفانية والهبات الملكانية” للخلوتي (1001ﻫ) و”النفحات الندية في مبنى الطريقة المحمدية” للقوصي (1065ﻫ)، و”عنوان المشايخ الطيبين وشأن الأولياء المهذبين” لعاكف زاده (1263ﻫ).

ومع ذلك فهناك، كما ذكرنا، استثناءات لكتب صوفية  قيمة أُلِّفت في هذه القرون مثل ما كُتب في موضوع الإخلاص لله ومحبته، وما كتب في عيوب النفس وشروحها، وأعمال القلوب، والحكم وشروحها،  لعدد من المؤلفين، وإنني لا أسمح لنفسي أن أقلل من  قيمة جهودٍ حاولتْ ما في وسعها في العصور المتأخرة أن تبتكر طريقة تقرب من الله، ولا أن أدعي أن الضعف خاص بالتصوف، ولكن للقارئ الحق في أن يتساءل طلباً للمراجعة: أين كتب هذه العصور المتأخرة في عناوينها وموضوعاتها من الكتب العلمية والعقلية والصوفية التي كُنا قد استعرضناها من مؤلفات الثلاثة القرون الأولى المفضلة؟ بما فيها من التزام بأدب القرآن، ودقة في تحري صحة النص، وميل إلى البرهان العقلي، وانفتاح على الثقافات الأخرى من خلال الترجمة، تلك علوم أسست لحضارة وثقافة راقية، فاهتمت بمخاطبة العقل بعناوين مثل: “الإقناع والتدبير”، و”الترتيب والتركيب”، و”التقسيم والتبيين”، وهي إشارات تدلُّ على توظيف العقل واحترامه، والاحتفاء بنتاجه في التأليف والتفكير.

أما في القرون المتأخرة فقد أدَّى الضعف في التأليف والتفكير إلى ضيق الأُفق، والتعصب المذهبي والانغلاق الطائفي، وهو ما أدى إلى صراع الفرق، واعتزاز كلِّ ذي رأي برأيه، والانتصار له بكل الوسائل التي ربما كان منها الشعوذة ودعوى الكرامات.

ـ الكرامة وسائر خوارق العادات

هذا مبحث يصعب الخوض فيه على من لم يعش التجارب الواقعية التي عاشها أربابه، ويصعب بالأخص على أولئك الذين لا يؤمنون بشيء خارج حدود الطبيعة ومدارك الحس، أو الذين  يفسرون الظواهر غير الطبيعة بتفسير طبيعي، وباستثناء الكرامة وما يتصل بها من توفيقات إلهية، فإن  هذه الظواهر الخارقة للعادات لا تقتصر على المؤمنين، ولا على الثقافات القديمة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية معهدٌ متخصص لدراسة الظواهر غير الطبيعية بقصد إيجاد تفسير طبيعي لها، وا، ولكن لثقافات القديمة ، المسلمين ، واشي إلى محاولة جلاء ما معلومات تتأكد يومًا بعد يوم حقيقة وجود ظواهر غريبة تحتاج إلى تفسير، منها السحر الشائع منذ القدم في شعوب شتى، وقد شاع في بلاد متعددة الديانات كالهند، مثلا، على أيدي أصحاب معتقدات مختلفة، ومن هذه الظواهر ما يعرف بالتلباثي، وتراسل الحواس، وتوارد الخواطر، وغيرها مما يكون  أحياناً  خارقاً للعادة.

فهل يمكننا وضع الكرامة والتوفيق الإلهي والرؤية الصادقة والإلهام في صنف واحد مع هذه الظواهر؟ لا يمكننا ذلك إلا من حيث إنها خارقة للعادة الطبيعية مثلها، ويمكن أن نفرق بين الكرامة وبين السحر وغيره من الخوارق البشرية بما يلي:

  1. عُرِّفت الكرامة بأنها: “أمرٌ خارقٌ للعادة، يظهره الله تعالى على يدِ عبد من عباده الصالحين المتقين الأبرار، رفعاً لقدره، لا يقترن بدعوى النبوة[15]“، وعليه فالكرامات توفيقات إلهية تجري على أيدي الأتقياء، دون أن يكون لهم تدبير في إجرائها، فهي إكرام من الله، تعالى، لعباده الصالحين، لا بادعاء تفضيلٍ لتعظيم النفس أمام الناس، ولا يقصد بها التحدي، ولا تكون الكرامة إلا مع التقوى والاجتهاد في العمل الصالح، واتباع الأوامر واجتناب النواهي الشرعية، وقد تجري على سنن الواقع مع تيسيرٍ وترتيبٍ غير معتاد، أو في ظروف غير مواتية، بتوفيق من الله، بينما يجري السحر وما يتصل به من الشعوذة على أيدي غيرهم طلباً للدنيا وإفساداً في الأرض، وبوسائل بشرية مكتسبة بالتعليم والتجربة، أو هو من قبيل الاستدراج والتلبيس، ومن يدَّعي الكرامة ولا يتبع ظاهر الشريعة فهو من هؤلاء.
  2. والكرامة سرٌّ بين العبد وربه، لا يظهره الإنسانُ اختيالاً ومباهاة، بينما يُباهي أصحابُ الظواهر الخارقة بها، ويستكثرون منها، وقد يتاجرون بها، ويبالغون في نشرها والاستفادة من الاشتهار بها، ولذلك كره العلماء والمتصوفة المخلصون الإعلانَ عن الكرامة، قال الدكتور الشيخ الصادق الغرياني: “لا يجوزُ للمسلم ادعاءُ البركة، والرضا عن النفس بالتحدث بالكرامات، فإن ذلك من علامات فساد القلب والخذلان، وطلب الشهرة والرياء[16]“، وقال: “البركة والكرامة من أمارات الشهرة المنافية للإخلاص، فلا يحل لمن يطلب السلامة لدينه ادعاؤها، كذلك من باب أولى لا يجوز للعابد أن يستعمل الكرامة سلاحاً يُرهب به من يخالفه في المنهج أو الطريقة أو الاجتهاد[17].”

وجاءت أقوال محتسبة الصوفية على هذا المنوال، وفي طليعتهم الشيخ أحمد زروق في قواعد التصوف وغيره، وفي هذا الإطار جاءت رسالة أبي عبد الله الخروبي إلى أحد المجاهرين بالخوارق، وفيها يقول: “إنْ كنتَ فيما ادَّعيتَ صادقاً فأنتَ عبدُ حالٍ لا محالةَ، وإنْ كنتَ كاذباً فقد بُؤتَ بالخسران والنذَّالة[18]“، بل إن كريم الدين البرموني يعترف في كتابه هذا بأنَّ بعض ما يسوقه من الحكايات مخالف لمشهور الشرع، فيقول: “وتخليصاً مما في أمثال “هذه الحكايا[19]“، من مخالفة مشهور الشرع…الخ” ويقول الشاعر الصوفي مستغيثاً:

وبالعلماءِ العاملينَ بعلمهمْ    ***   وبالأَولياءِ السَّالمينَ مِنَ الدَّعوَى

  1. يكون الاعتماد في الكرامة على الله تعالى، بينما يعتمد السحرة ومن في حكمهم من المستدرجين والمشعوذين على مهارة الخفة، وخداع النظر، أو ما إلى ذلك من ضروب الاستدراج، ومنها ألاعيب السحر وتخييلاته التي تظهر على أيدي أصحاب الدعاوى الكاذبة، وما أمر سحرة فرعون بخاف على أصحاب الديانات الإلهية الثلاث.

     وكل ذلك مخالف للكرامة التي يقرُّها علماء الإسلام، ولكن ادعاءها قد بلغ منذ القرن السابع الهجري مبلغاً لم يكن معروفاً في التراث الإسلامي، ولم يكن ذلك محل قبول لدى العلماء، كيف وقد بلغ الحديث عن الكرامات من الكثرة والتفاصيل حداً لم يشهده صالحو الأمة في عصورها الإسلامية الزاهرة؟ وصارت الكرامات  تصنف بحسب المنازل، فتجعل لكل منزلة نوعاً من الكرامات تبدأ بالبشارات من عالم الغيب في النوم في المنزل الأول، وهو منزل التوبة، وتنتهي عند منزل المعرفة، وفيه يستفيد النازل به الاسم الأعظم، وبينهما كرامات منازل الاستقامة، والتقوى، والإخلاص، والصدق، والطمأنينة، والمراقبة، والمشاهدة، والمعرفة، وفي كل منزل لونٌ من الكرامات منها الاطلاع على عالم الجن، وطي الأرض، وقد أوردها أبو عبد الله الساحلي جميعها بالرغم من أنه يقول أحياناً: “وهذا مما لا ينبغي للسالك أن يركن إليه، ولا يعول عليه” لأسباب ذكرها في موضعها، وقال: “إن من الكرامات صحيحاً وسقيما[20]“.

وسيجد الدارس لآثار الشيخ عبد السلام الأسمر أن ملامح حياته الواقعية هي حياة العالم الورع الزاهد، وهي من خلال رسائله الصحيحة النسبة إليه حياةُ مؤمنٍ مخلص لربه ودينه، ورسالتُهُ في الحياة هي تنبيهُ الغافلين عن ذكر الله، وتربية المريدين لطريق الهداية، ولكنه ابتلي بالقصاصين الذين يؤلفون الغرائب عنه أو يصدِّقون حكايات فيها غرابة فيوردونها على علاتها، ويحذرون من الإنكار على ما لا يجوز منها مهما كان مخالفاً للشريعة أو العقل، وسيجد الدارسون في هذا الكتاب وفي بقية الكتب التي اكتشفت أخيراً عن حياة الشيخ زاداً وفيرًا من الوقائع والأخيلة يساعد على تقصي حقيقة هذا العالم الجليل، ومن ذلك نقده لهؤلاء الذين يقومون بالممارسات الخاطئة باسم التصوف، حيث يقول: “وقلَّ واللهِ أن يوجد في زماننا هذا مَنْ هذه أوصافه، ولذلك كثر الحرمان، وقلَّ الانتفاع، واندرست الطريق، وحاد الفقراء على المنهج القويم، وتصدر للتربية من ليس هو أهل لها، فضلَّ وأضلَّ، فإنا لله وإنا إليه راجعون[21].”

ـ ادِّعاء علم الغيب

إذا استعرض المسلم الآيات القرآنية التي تُقْصِر علم الغيب على الله لا يمكنه أن يُقرَّ لأحد بادعائه معرفة الغيب الإلهي، ما لم يكن سبيله الوحي إلى نبي مرسل، قال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ (الجن: 26-27)، أو كان سبيله الرؤية الصادقة، بل إن الله قد جعل حدوداً لعلاقة رسوله، صلى الله عليه وسلم، بالغيب في قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ. إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ (ص: 68-69). وكيف يستقيم الادعاء بمعرفة الغيب لغير الرسل والله يقول لرسوله: ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ (الأنعام: 51)، ويقول: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: 188)؛ فمَن مِنَ البشر أولى بعلم الغيب من الرسول الأعظم لو كان ذلك  ممكناً؟  يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ (الأنعام: 60). إذن، لا غيب إلا بوحي، ولا وحي إلا لرسول ونبي، ولكن بقيتْ من النبوة بعد الرسول المبشرات، وهي الرؤية الصالحة يراها المؤمن الصالح أو ترى له[22]، بشروطها[23]، وهذا المعنى راسخ في عقيدة المسلمين منذ صدر الإسلام، لا ينحرف عنه إلا زائغ العقيدة مُستدرَج.

وقد نسب البرموني في كتابه هذا بيتاً من الشعر إلى الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، يثبت فيه اقتصار علم الغيب في عقيدة الصحابة على الله سبحانه، حيث قال الإمام كرم الله وجهه:

أما والذي لا يعلمُ الغيبَ غيرُهُ   ***  ومنْ ليسَ في كلِّ الأمورِ له كُفْوُ

فإذا أراد الله إطلاع عباده أرسل رسولا، فلما انقطع الوحي لم تبق إلا الرؤيا الصالحة، وهكذا كان إيمان المسلمين في القرون الثلاثة الأولى،ولكن خلف من بعدهم خلف ادعوا غير ذلك، وافتروا على الأولياء نصوصاً تزعم علم بعضهم بالغيب، واطلاعهم على اللوح مباشرة، ونخصُّ منها في المتعلقات بحياة الشيخ الأسمر ما ورد في كتاب “البحر الكبير” لعبد الرحمن مكي؛ مما ينسبه إلى الشيخ الأسمر، حيث يقول مخاطباً ملك الموت، وقد جاء يقبض روح ابنه عمران: “يا ملكَ الموتِ لا حاجةَ لك عندنا اليوم، سألتُك بالله أنْ تمشي عنَّا يا عزرائيل، فعمرُ ابني طويل يزيدُ على الثلاثين سنة، زيادةً حسيَّةً، حياةً من غير ما مضى من عمره قبل نهار اليوم، فأنت يا ملك الموت نظرتَ في الممحو، وأنا نظرتُ في المثبت[24]“، فلو فرضنا أن ملك الموت أخطأ مع شخص لا يعرف التخاطب معه، فهل يأخذ روح هذا الشخص قبل أجله؟ ولا يجوز مجرد السؤال عن أيهما أصدق هذه القصة الغريبة أم قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ (النحل: 61)؛ لأنه لا يختلف مؤمنان على أن الأصدق في الأمرين هو ما قاله الله تعالى. فهل يبقى من شك في أن هذه القصة وأمثالها من الوهم؟

ولن تجد مثلها في تراث القرون الثلاثة الأولى المفضلة، بل لن تجدها في التراث الحقيقي للشيخ الأسمر، ولا فيما وصلنا مما كتبه الشيخ عمر بن جحا خليفة الشيخ في الطريقة عن سيرته، ولكن لا عجب أن يصدر هذا الخبر عن عبد الرحمن مكي؛ فهو الذي نسب إلى الشيخ زوجة جنية وأولاداً منها مقيمين في مصر، ولم أقف على أحد نسب إليه هذا من المغالين والمقتصدين، والغالب أن تخلف هذه الأمة كان لأسباب من بينها مثل هذه الأوهام والمعتقدات الضالة، التي كثر رواجها وشاع التصديق بها، والخوف من إنكارها في القرون الأخيرة.

فقد طال سباتها منذ القرن السابع الهجري حتى الآن وهي المؤهلة برسالتها الخاتمة أن تتصدر الأمم وتعلِّم الشعوب ما أودعه الله في كونه من السنن، وما أودعه في الإنسان من الطموح والقدرات العقلية والعملية لاستخدام الأسباب والجهود والوسائل لكشف تلك السنن والتعامل معها بقوانينها الطبيعية وليس بتحديها وتجاوزها قال تعالى: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ (فاطر: 43)، وقال سبحانه: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 106)، ولو جاز أن تخرق السنن بهذه السهولة لما استُشهد مسلم أو جرح في بدر، وما انهزم المسلمون في أحد، ولا زلزلوا في الخندق، ولا مات إبراهيم الابن الأخير لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي عبر عن حزنه عليه بالدمع، ولو جاز أن يعلم أحدٌ غيب السموات والأرض لعلمه صفيُّ الله، صلى الله عليه وسلم، ولما قال الله تعالى سبحانه على لسانه: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾ (الأعراف: 188).

وفي كتاب البرموني على نفاسته بعض الأوهام المخالفة لظاهر الشريعة في هذا الشأن، منها قوله: “فعلوم الغيب تتنزل بها الأرواح على قلوب العارفين العُّباد، ومن عرفهم تلقَّاهم بالأدب، ومن لم يعرفهم أخذ علم الغيب ولا يدري عمن كان كالكهنة وأهل الزجر، ولهذا كان أهل الله تعالى يرون تَنَزُّلَ الأرواح على قلوبهم ولا يرون الملك النازل إلا أن يكون المنزل عليه نبيًا أو رسولاً”، وذلك من غرائب التأليف في هذه العصور المتأخرة، ومن نماذج ما ينسبه الأتباع إلى شيوخهم. ففي هذا القول إطلاق للفظ الغيب على الوحي المنزل على الرسل، عليهم السلام، ودعوى نزوله على العارفين أو الأولياء. ووجه الغرابة في أن يكون الفرق بين نوعي الوحي بعلم الغيب مقتصراً على رؤية الملك من عدمها، والأغرب أن يكون النوع الثالث من مصادر علم الغيب هم الكهنة وأهل الزجر.

ولكن البرموني نفسه يتبرأ في موضع آخر من أولئك الذين يدَّعون تلقي الوحي من الله، القائلين: “حدثني قلبي عن ربي”، ويريدون بذلك أن لهم طريقاً موصلا إلى الله غير الرسل، ويقول بصريح العبارة: “قلنا: حكمنا هذا فيمن خالف صريح الكتاب والسنة، وضرب على أقوال العلماء، وجعلهم في غير العقلاء، ونسبهم للجهل، وادَّعى القطبانية العظمى، وزعم أن علمه من الله، عز وجل، من غير واسطة الرسول، صلى الله عليه وسلم، أثبت لنفسه خاصة النبوءة، لقوله لأهل عصره: أخذت العلم من غير قراءة وواسطة عن قلبي، وقلبي أخذ عن ربي، وأنا أعمل بمقتضاه، لا نحتاج في ذلك إلى كتاب ولا سنة، فهو الآن بهذا الوصف من المجرمين، المتظاهرين بالدين، المستترين بزي المسلمين، إلى أن قال: “إذ لا آخذ عن الموتى، وإنما آخذ عن الحي الذي لا يموت”، ومثل هذا كثير، فما هذا إلا بهتان عظيم، نسأل الله سبحانه أن يعافينا منه”؛ (انتهى نص البرموني)[25].

والأمر يحتاج إلى توضيح  هذا المصطلح، وهو أن الغيب بمعناه اللغوي هو ما غاب عنك، والغيب بهذا المعنى نسبيٌّ، فما غاب عنك من الموجودات والوقائع الحاصلة قد يعلمه غيرك؛ لأنه يشاهده أو يسمعه بالحواس، فإذا أطلعك أحدٌ  يلازمك عن هذا المغيب عنك ربما تساءلت عن سرِّ علمه به، فإن أنبأك أنه تلقى الخبر هاتفياً بطل العجب، فإذا لم تعرف هذا السر أُلقي في روعك أن صاحبك يعلم الغيب، والغيب الذي يدَّعيه الكهنة والمتعاملون مع الجن والمنجمون هو من هذا النوع الواقعي الذي يخبرك به أحدهم؛ لأنه يشاهده أو يسمعه بوسائل أخرى لا تتعامل أنت معها.

وعندما يدهشك هذا الأمر عن ما غاب عنك من الوقائع قد تتقبل الادعاء بأنه يعلم أشياء من غيب المستقبل أيضا، وهذا باطل، وينطبق هذا على نبوءات المتنبئين، والسحرة، ومستخدمي القرناء والوسائط البشرية، فهم يخبرون الناس بما غاب عنهم فيجدونه مطابقا للواقع، فينخدعون بقدراتهم الخارقة، ويظنون أنهم قادرون على علم غيره من الغيوب المستقبلية، وهذا موجود عند غير المسلمين أيضاً[26].

وذلك يختلف قطعاً عن الوحي الإلهي المنزل إلى الأنبياء، وفيه إخبار عن أحداث مغيبة في الماضي والحاضر والمستقبل تكتسي طابع الدِّقة والصحة والقداسة، وعليه فإن أيَّ ادعاء لشخص أنه يعلم غيب المستقبل يعني أنه يدعي التواصل مع مصدر الرسالة: أي مع الله، وأنه يدعي أنَّ الوحي لم ينقطع بوفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأن الأمر لا يقتصر على الرؤية التي تحدَّث عنها الرسول، صلى الله عليه وسلم، بل  يتحدث بعضهم عن وحي إلهي باللفظ والمعنى، وعن حُجُب مرفوعة، وغيوب مكشوفة، وأن وسيلة وصوله لا تختلف عن غيب الأنبياء إلا من جهة عدم رؤية الملك المرسل.

 ويطلق عليه بعضهم اسم الوارد، أو إخبار القلب عن الرب،على ما يهتدي إليه من طيب القول، ثم لا يشكَّ بأن ما ورد إليه هو وحي الله وكلامه، فيكتسب هذا القول لدية قدسية إلهية يلغي بها كلَّ ما عداها من اجتهادات الآخرين وتوفيقاتهم الإلهية أيضا، وينسى أنه ليس معصوماً من كيد الشيطان الذي يأتي إلى الصالح في أثواب الصالحين، ويوهمه أنه رسول رب العالمين، بل إن الشيطان يأتي إلى المعصومين أيضاً، ولكن الله يتدخل لعصمتهم، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى[27] أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ[28] فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (الحج: 50)، وإذا كان هذا مع المعصومين فكيف بغيرهم؟ فليتق الله من يتصور أن ما يأتيه من التوفيق في الأفكار أو التأويلات مصدره الوحي المباشر من الله، وليعتبره توفيقاً إلهياً أو اجتهاداً صائباً يحمد الله عليه، حتى لا يقع في اعتقادات باطلة يجزم بها ويلغي كلَّ ما عداها.

وهذا أمر خطير ينبغي أن يوليه المتصوفة الحقيقيون اهتمامهم لينزعوا من أيدي  منتقديهم أهم  أسباب انتقاداتهم؛ لأن انقطاع الوحي كان  أشقَّ ما شعر به الصحابة بعد وفاة رسول الله، ولم يردْ عنهم أنه مستمر بعد وفاته، بل ما ورد عكس ذلك تماماً، فقد ورد في ذلك أنَّ أمَّ أيمن حاضنةَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بكتْ حين زارها سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر، رضي الله عنهما،وحين سألاها عن سبب بكائها قالت: “إنما أبكي لانقطاع الوحي”؛ فالصحابة مجمعون على انقطاع الوحي بوفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهذا مفهوم ختم الرسالات والنبوات. وحديث: “لم يبق بعدي إلا المبشرات، وهي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له”؛ أشار إلى بعض ما لم ينقطع من التوفيق والتسديد والتثبيت الإلهي للمؤمن ومنه الرؤيا الصادقة بشروطها الشرعية[29]، والهداية، والإلهام إلى الصواب، والعناية الإلهية، والسبيل إلى ذلك لا يكون بغير الإيمان والاستقامة والعبادة، وهي أسس التقوى “قل آمنت بالله ثم استقم”؛ فالاستقامة هي الكرامة.

وعلى ذلك فإننا نكرر ما تقدم تأكيداً لأهميته فنقول: “إن الله يشرح قلب المهتدي و”يهدي قلبه” و”يفقهه في الدين” ويوفقه”: “وما توفيقي إلا بالله” ويجيب دعوته “أُجيبُ دعوةَ الدَّاعي إذا دَعَان”، ويعطيه (فراسة المؤمن)، ولكن لا وحي بعد النبي. فالله قد اصطفى الأنبياء والرسل وخصَّهم بخطابه، أو ما يعرف بالوحي المباشر فكان منهم الكليم، وغير المباشر بواسطة المَلَك. أما وقد ختمت الرسالات وانقطع الوحي، كما قالت أم أيمن، فلا مجال لدعوى استمراره، وإذا كان له أن يستمر لكان ذلك على أيدي صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والتابعين، ولكننا لم نسمع أن أحدهم نزل عليه وحي التشريع أو غيره، بل اجتهدوا واختلفوا، وعادوا إلى الكتاب والسنة يلتمسون الفصل فيهما، وهذا مفهوم ماروي عن معاذ بن جبل حين سأله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن كيفية قضائه إذا لم يجد في كتاب الله وسنة رسوله قال: “أجتهد رأيي ولا آلو” (ولم يقل أنتظر الوحي والواردات السماوية)، فقال رسول الله: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي الله ورسوله[30]“، ولو كان هناك طريق آخر للوحي الإلهي لقدَّمه على الرأي  دون ريب،ولكان أرضى بذلك الله ورسوله، ولا نعتقد أن أحدَ الأولياء، رضوان الله عليهم، يعتقد أنه أحقُّ بالوحي من الصحابي الجليل معاذ بن جبل رسولَ رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، والله المستعان على الثبات.

نعم قد جاء رأيُ بعض الصحابة موافقاً للوحي كما حصل مع سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لكنه لم يقل إنه تلقى الوحي بذلك الرأي، ولا نجد أحداً في القرون الأولى يدَّعى نزول الوحي عليه بعد عصر الصحابة، فكيف يكون ذلك ممكناً في عصور التخلف والجزر، وهي القرون التي انتشرت فيها الأمية والأمراض الفكرية والجسمية، وغزا العالم َ الإسلامي فيها أعداءُ الأمة زمناً؟ ومن ذلك ما شهدته ليبيا أيام ازدهار التصوف من هجماتِ الفرنجة والإسبان والنورمانديين وفرسان القديس يوحنا، وسالت خلاله دماء المسلمين في المدينة، وأُسر أبناؤهم، وسارت قوافل أسراهم إلى أوروبا، ولم نسمع أو نقرأ أن تلك الخوارق أسهمت في تحرير البلاد ودفع غزاتها، وقد جاهد المخلصون من أهل التصوف وغيرهم بإمكاناتهم البشرية المحدودة لتحريرها يقدر استطاعتهم، ولكنهم لم يملكوا أسباب النصر التي أمر الله بإعدادها، ولولا حمية إسلامية تركية مغربية وتونسية ومحلية لبقيت طرابلس في ربقة الكفر وقتاً أطول، وقل مثل ذلك عن الهجمات الصليبية في فلسطين التي واكب غزوها ازدهار الخوارق البعيدة عن الكرامات الحقيقية، وقل مثل ذلك وأكثر عن الغرب الإسلامي كله الذي امتد إليه غزو الإسبان والبرتغاليين، فلم تنفعهم خوارق الأدعياء في دحر المعتدين.

  بل لقد اشتكى المتصوفة الحقيقيون أنفسهم من كثرة الدعاوى الكاذبة على هامش التصوف، كما اشتكى قبلهم الولي الصالح أبو مدين الغوث حين قال: [طويل].

واعلمْ بأنَّ طريقَ القَوْمِ دارسةٌ   ***  وحالُ مَنْ يَدَّعِيها اليومَ كيفَ تَرى[31]

ومثل ذلك تماماً يقوله الشيخ الأسمر عن أدعياء زمانه وهم الذين لم تسلم منهم سيرة حياته، فهو لا يدَّعي الوحي، وينسب علمه إلى من سبقه من علماء الأمة كما يتضح من رسائله، يدفعه إلى ذلك ورعه وعلمه بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ (الأنعام: 94).

  نعود إلى القول بأن الإلهام وفتح البصيرة وتنوير العقل من منن الله تعالى المتواصلة على الإنسان، لكن ذلك لا يجعلك تنسب ما يرد على لسانك وقلمك بهذا الفتح إلى الله لتكسبه قداسة الوحي، وقد يكون ذلك بتزيين الشيطان لعملك، فتتعصب له تعصبك للعقيدة، وترفعه إلى مستوى القرآن الكريم، وإذا أردت أن تعرف متى جرى الإكثار من ذكر مصطلحات الواردات والعلوم اللدنية، وكشف المستور من الغيوب فاعلم أن أكثرها وروداً كان في مؤلفات ما بعد المائة الهجرية السادسة، وتزايد وصف الشيوخ بها بعد القرن العاشر، حتى إنك إذا جمعتها ظننت أنك في عصر ازدهار علمي لا نظير له، ومع أعلام لا يضاهيهم من تقدمهم في علم،وتسأل نفسك، هل هناك في نتاجهم العلمي ما يجعلهم في مستوى أهل القرون الأولى؟ أو منهم مَن بلغَ في علوم الدين ما بلغه أئمة المذهب في الفقه، وأئمة الحديث في السنة، وأئمة النحو والبلاغة والأدب وغيرها من علوم العربية، وقل مثل ذلك في السير والتاريخ، وعلم الكلام وغيرها؟ وهل هناك من رجال هذا العصر الذين اشتهروا بالفيوضات العلمية مَن لهم حظٌ من علوم الدنيا جعل الأمة الإسلامية تنافس الأمم الغربية التي بدأت نهضتها في هذه الظروف بالذات، وحين أرادتْ الاستعانة بعلوم المسلمين رجعت إلى علوم الحضارة الإسلامية في عصور نهضتها الأولى، ولم تَعُدْ إلى علوم القرن العاشر الهجري، ومع ذلك فإن العلماء العاملين والأولياء الصالحين في هذه القرون المتأخرة لا يدَّعون تلك الدعاوى التي يطلقها الأتباع المتعصبون ومن ينقل عنهم أو يصدّقهم إلى عصرنا هذا.

 إن هذا الكتاب يعطيك من جهة حقيقة الشيخ عبد السلام الأسمر في علمه وأخلاقه وغيرته على الدين، وفي روايات أخرى يعطيك ما يروج لدى العامة من أساطير حول هذه الشخصية المثيرة للجدل، ولك بعد أن تقرأه أن تحكم وتستنتج.

الهوامش

  1.  ترجمته في نيل الابتهاج للتنبكتي (طبعة دار الكتب)، ص3-37، وشجرة النور الزكية لمخلوف، ومختصر البرموني له، والبستان 133 ودرة الحجال في أسماء الرجال 1/283، وأعلام ليبيا للزاوي 325، ومعجم المؤلفين 8/144.
  2.  الشيح أحمد بن أحمد بن محمد البرنسي الفاسي الشهير بزروق، دفين مصراتة، محتسب الصوفية الفقيه الزاهد، ترجمته في نيل الابتهاج 130 والبستان لابن أبي مريم 45 وسلوة الأنفاس 3/183 وطبقات الشاذلية 123 وانظر: أحمد زروق والزروقية للدكتور علي فهمي خشيم.
  3. أسرة ابن شتوان من الأسر المصراتية المعروفة، ولعل أبرز أعلامها في العهد العثماني الأديب أحمد يوسف بن شتوان الذي أحسن في وصف محنة مدينته بتعسف أحد حكامها الأتراك. (أعلام ليبيا) للشيخ الطاهر الزاوي 68.
  4.  انظر ترجمة البرموني في خاتمة روضة الأزهار.
  5.  المراد بها: المدرسة المستنصرية التي أسسها أبو البركات عبد الحميد بن أبي الدنيا، على عهد المستنصر الحفصي.
  6. هو محمد بن حسن بن على المعروف بشمس الدين اللقاني، اشتهر بالفقه والتصوف وقد أخذ عن زروق ولازمه، انظره في نيل الابتهاج 586، وتوشيح الديباج 201، والضوء اللامع 7/227، وشجرة النور الزكية 271.
  7.  ذكر ذلك في مواطن من الكتاب، وجمعه في ترجمته بآخره.
  8.  هو محمد بن حسن المعروف بناصر الدين اللقاني أخو المتقدم، اشتغل بتدريس علوم شتى ودارت عليه الفتوى بمصر، انظره في نيل الابتهاج 590، وتوشيح الديباج 202.
  9.  عبد الرحمن بن الحاج أحمد الطرابلسي الشهير بالتاجوري، من أعلام القرن العاشر في الفلك، له ملاحظات مهمة في تحديد القبلة بجامع القرويين بفاس، ذكرها د. محمد حجي في تاريخ الحياة الثقافية في عهد السعديين، وأحسن أخونا الأستاذ الفاضل عمار جحيدر بتخليد اسمه على المنارة العلمية المهمة التي وهب أرضها وعني بتصميمها وإنجازها، جزاه الله خيراً، انظره نيل الابتهاج 262 وشجرة النور الزكية 270.
  10.  المتيطي نسبة إلى قرية بأحواز الجزيرة الخضراء في الأندلس ومنها علي بن عبد الله المتيطي صاحب الوثائق المشهورة.
  11. لعله عبد المعطي السخاوي المدني الذي ذكره صاحب النيل ص287 وقال بأن له تآليف كثيرة وكان حيا في القرب من 960ﻫ.
  12. هو الشيخ الصوفي الكبير عبد السلام بن سليم بن محمد المخزومي القرشي المولود بزليطن سنة 880 والمتوفى بها سنة 981ﻫ (ترجمته في أعلام ليبيا 214-217).
  13.  نيل الابتهاج طبعة دار الكاتب ص373.
  14. انظر ترجمته لنفسه في خاتمة الروضة.
  15. المخطوط ص.4.
  16. أعلام ليبيا 327.
  17. المرجع نفسه، 216-217.
  18. الطيب المصراتي، “فتح العلي الأكبر”، دار الكشاف (1389ﻫ/1969م).
  19. الطريقة العروسية نسبة إلى الشيخ بن عروس، وهي إحدى الطرق الشاذلية، وللشيخ عبد السلام الأسمر كتاب في أسانيد هذه الطريقة، انظر أعلام ليبيا ط2 ص214.
  20. انظر فصول في تاريخ ليبيا الثقافي ص190-191.
  21. قواعد التصوف: القاعدة الثانية والأربعون (ص24) طبعة مكتبة النجاح: طرابلس ليبيا.
  22. اشتهر مؤلف الكتاب من خلال طبعاته الأولى باسم ابن النديم، ثم عرفنا من تحقيق متأخر أن النديم خاص به.
  23. لعله من المناسب أن نحيل هذا النص إلى كتاب البرموني الذي بين أيدينا، فهو قد نقله عن السيوطي مدركاً معه فضل القرون الأولى، كما نقل نظيره عن الشيخ أحمد زروق.
  24. من أولئك أبو حامد الغزالي وعبد القادر الجيلاني.
  25.  Denis GRIL SOURCES DE L HISTOIRE DU SOUFIS:E A DAR AL_KUTUB UN PREMIER BILAN
  26. يمكن الحصول على المعلومات الكافية عن هذه الكتب من الكتاب المذكور أعلاه، أو من فهارس دار الكتب والوثائق المصرية، حيث لم أقصد هنا ذكر التفاصيل التعريفية بقدر ما أردت توضيح مؤشرات العناوين والموضوعات العامة والفترة الزمنية للتليف.
  27. توفي الحكيم الترمذي سنة 295ﻫ وقيل 300 أو 320ﻫ .
  28. من آثار الحكيم الترمذي كتاب ختم الأولياء وكتاب العلل، وفي الأول منهما يتبرأ من أن يفضل الأولياء على الأنبياء، ومن المعلوم أنه من خراسان التي جاء منها معظم أهل التصوف الزهدي والفلسفي، فمنها جاء إبراهيم ابن الأدهم، والفضيل بن عياض، وشقيق البلخي، ومن جهتها جاء الحلاج،وفيها تكون داود الطائي، فلك أن تتصور تأثير هذه البيئة في التصوف الإسلامي إذا عرفت مكانة هؤلاء وأضفت إليهم من جاء بعدهم مثل جلال الدين الرومي.
  29. الصادق الغرياني، “الغلو في الدين”، .69
  30. المرجع نفسه، ص72.
  31. المرجع نفسه، ص 74.
  32. شيوخ أبي عبد الله الخروبي ص82، ومع ذلك فقد نسب للشيخ الخروبي ما يجور، وما آفة الأخبار إلا رواتها.
  33. في الأصل: هؤلاء الحكاية.
  34. بغية السالك في أشرف المسالك للساحلي 2/475-504.
  35. من رسالة الشيخ الأسمر إلى أصحابه في سوس الأقصى.
  36. رواه الترمذي وحسنه، ورقمه في سننه: 2273.
  37. فقد حرم بعض الفقهاء التحديث بالرؤيا السيئة، اعتماداً على نهر رسول الله لمن قال له: رأيت كأنَّ رأسي سقط على الأرض وأنا أتبعه، واشترطوا ألا يكون في الرؤيا الصادقة حكما يخالف ما عرف من أحكام الشريعة أو يزيد منها أو ينقص، ولذلك وصفت بالمبشرات التي إن رآها المسلم ثبتت قلبه وقوت إيمانه، دون أن ينبني عليها شيء مفروض أو مسنون أو غيرهما من أحكام الشرع لم يكن معروفا.
  38. عبد الرحمن المكي، “البحر الكبير”، 53.
  39. روضة الأزهار.
  40. أورد الدكتور الصادق الغرياني أمثلة للاستدراج والتعامل مع الشياطين الذي يستعمله غير المسلمين حتى في هذا العصر الحاضر، وأشار إلى شريط وثائقي شاهده بنفسه عن بعضهم (الغلو في الدين 103).
  41. تمنى: قرأ وتلا كتاب الله.
  42. الآيات التي يتلوها.
  43. منها عدم الإخبار بالرؤيا السيئة لنهي الرسول عن ذلك، بدليل نهره لمن أخبر عن رؤية رأسه يتدلى.
  44. سنن أبي داود، كتاب الأقضية: وسنن الترمذي: كتاب الأحكام.
  45. ديوانه.
الوسوم

د. عبد الحميد عبد الله الهرامة

ـ ماجستير في الأدب الأندلسي من جامعة طرابلس عام 1982، ودكتوراه في التخصص نفسه من المغرب عام 1994.

ـ أستاذ الأدب والبحث العلمي في كلية التربية وكلية الدعوة الإسلامية بطرابلس ليبيا.

ـ درس في وحدة تحقيق المخطوطات في كلية الأداب بالرباط عام 2002، وأشرف على عدد من بحوث الماجستير والدكتوراه أو ناقشها في ليبيا والمغرب.

ـ عضو مجمع اللغة العربية وخبير سابق بالإيسيسكو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق