
هو الشيخ الصالح الورع المبارك الفقيه المفتي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عمران المزدَغي الفاسي، ومزدَغة قبيلة من البربر تابعة لإقليم صفرو، وبالرجوع إلى مصادر ترجمته نجدها أغفلت ذكر مولده ونشأته الأولى، ولم تذكر سوى إشارات إلى طلبه للعلم ورحلته للقاء كبار شيوخ عصره؛ مما أهّله أن يكون محدّثاً عالماً بالأصول والكلام، بصيراً بعلوم اللسان.
وتذكر المصادر أنه تلا بالسبع على أبي عبد الله بن أحمد البيوت، وروى الحديث واللغة والآداب عن أبي محمد عبد العزيز بن علي بن زيدان وأبي ذر الخشنى (ت 604هـ) واختص به، وأخذ علم الكلام وأصول الفقه على أبي عبد الله بن علي بن الكتاني، وتفقه بأبي القاسم بن زانيف، ثم رحل إلى الأندلس صحبة أبيه؛ فروى بإشبيلية وقرطبة وغيرها عمن أدركه من شيوخهما، وأخذ بتلمسان عن أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن التجيبي (ت 610هـ). وبعد أن تضلع مترجمنا في جملة من العلوم والفنون تصدّى للتدريس، وأقبل عليه الطلبة، ومن أشهر تلامذته: ابناه أبو القاسم محمد وأبو جعفر أحمد، ومحمد بن عبد الرحمن بن راشد العمراني، والحافظ ابن عبد الملك صاحب الذيل والتكملة.
ومما ذكره ابن عبد الملك في حقه قائلا: وكان ماهراً في علوم اللسان، جامعا لمعارف سَنِيَّة سُنِّية، فاضلا، نَزِه النفس، سَرِيَّ الهمة، موصوفا بالإيثار، وكرم الطباع، ومتانة الدين، وإجابة الدعوة، وقال عنه صاحب الذخيرة السنية: وله تواليف مفيدة في فنون شتى، وقال صاحب سلوة الأنفاس: العالم العلامة الهمام، المجتهد المشاور الحجة، الصالح البركة القدوة، الخطيب الأورع، المدرس الأنفع.
تولى مترجمنا الإقراء بفاس وسبتة حين أوبه إليها أيام المتأمر بها أبي العباس الينشتي، وولي الخطبة والصلاة بجامع القرويين.
ومن مصنفاته:
كتاب في تفسير القرآن، انتهى فيه إلى سورة الفتح كما عند ابن عبد الملك أو سورة الملك كما عند ابن أبي زرع، وتوفي دون إتمامه؛ وصفه ابن عبد الملك في الذيل والتكملة بأنه كتاب حفيل مفيد، ووصفه ابن أبي زرع بأنه من أبدع التفاسير وأجلّها.
أنوار الأفهام في شرح الأحكام، انتهى فيه إلى الأقضية، ومقالة في حديث: إذا نزل الوباء بأرض قوم، وثانية في ما يجوز للفقراء المضطرين في أموال الأغنياء المغترين، وله أرجوزة في العقائد، ومنظومة موجزة في علم الأصول؛ أوّلها:
الحمد لله العلي الأعلا ... رب العوالي والعلا والسفلا
وملك الدنيا ويوم الدين ... ومبدع الخلق بلا معين
أحمده حمدا يوازي فضله ... فليس شيء في الوجود مثله
كما كان له اعتناء تام بكتاب سيرة ابن إسحاق، ولعل ذلك كان تأثرا بشيخه الخشني الذي وضع شرحا لغريبها.
توفي الإمام أبو عبد الله المزدَغي بفاس ليلة الأحد الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة، ودُفن رحمة الله عليه بروضة سلفه بحومة القلالين.
من مصادر الترجمة:
بيوتات فاس (ص:8)، الذيل والتكملة: السفر الثامن (ص:365)، الذخيرة السنية (82-83)، نيل الابتهاج (ص:380، رقم 496)، جذوة الاقتباس (ص:222، رقم 190)، شجرة النور الزكية (1/488، رقم 705)، سلوة الأنفاس (2/43)، كفاية المحتاج (2/24).
إنجاز: ذة. غزلان بن التوزر.